"مين قال" دراما مصرية سهلة وممتعة بعيدا عن العبر والمواعظ
صراع الأجيال موضوع درامي قديم متجدد.
الأجيال ليس لها نفس الرؤى
كبداية مبشرة لعودة الأعمال الدرامية الاجتماعية الخفيفة والهادفة التي تتناسب مع أجواء رمضان، يأتي المسلسل المصري “مين قال” ليدق ناقوس الخطر وليطرح قضية اجتماعية قد تبدو بسيطة وعابرة أو حتى قديمة، لكنها ما زالت معاصرة وباتت اليوم أكثر حساسية وربما أكثر خطورة، وذلك في ظل تراجع اهتمام الدراما العربية بوظيفتها الاجتماعية لدى أغلب منتجيها بحجة أن الجمهور لا يحتاج إلى الدروس الأخلاقية الساذجة وربما المضحكة، لذلك علينا الترفع عنها والخوض في ما هو أهم بحسب رأيهم.
يبدو أن مسلسل “مين قال” الذي انتهى عرضه منذ أيام، قد أثار وفتح منذ حلقاته الأولى نقاشا واسعا على وسائل التواصل الاجتماعي لن يهدأ أو ينتهي سريعا، وهو نقاش لا يتعلق بقيمة العمل فنيا فقط، بل بمضمونه بالدرجة الأولى، وخاصة ما بين الأجيال.
ويلعب دور البطولة في العمل الفنان السوري جمال سليمان باقتدار كبير، على الرغم من بعض الانتقادات التي طالته بحجة عدم إتقانه للهجة المصرية، الأمر الذي أثر على إحساس الشخصية وربما نقل انفعالاتها، وتشاركه الفنانة العائدة بقوة نادين، إلى جانب مجموعة من الشباب والشابات الموهوبين الذين سبق لبعضهم خوض تجارب درامية ناجحة أمثال الفنان أحمد داش وديانا هشام، كما شارك في العمل هناء داوود، أميرة أديب، إلهام صفي الدين، يوسف مصيلحي، يوسف جبريل، مروان وليد، ترنيم، عمرو جمال، وضيوف الشرف أيمن الشيوي، مجدي بدر وهبة الأباصيري.
ما بين جيلين
تبدأ رسالة العمل منذ شارته الغنائية التي يحملها الجينريك، والتي قدمت بطريقة الراب في محاولة من منتجي العمل لاختصار خطوة على المشاهد، ليس من خلال التلميح إلى الموضوع فقط، وإنما الدخول مباشرة إلى صميمه، فمن قال “لازم الطريقة دي، مين قال لازم ابقى تابع ليك.. وليه مش الطريقة دي أو الطريقة دي، ما تقوليش إن إنت أدرى وما تهاودنيش وتقولي فترة”.
ورغم أن موضوع صراع الأجيال هذا قديم متجدد، تناولته الدراما منذ سنوات في بعض الأعمال التلفزيونية وحتى السينمائية، لكنه يبقى موضوعا أزليا يتطور ويتجدد ويأخذ أشكالا وأبعادا مختلفة وخاصة في حاضرنا، وذلك نتيجة للطفرة الإعلامية وتطور الوسائل التكنولوجية في هذا المجال، والتي أصبحت حقيقة لا مجرد أوهام وافتراضات، وبالتالي شكلت قطيعة معرفية وثقافية حادة، وربما شكلت تبعا لذلك سوء فهم كبيرا وواضحا ما بين الأجيال، فلكل جيل تفكيره وعقليته واهتماماته ووسائله للتعبير عن نفسه أو بمعنى أدق لتسويق نفسه، سواء كإنسان أو فنان أو حتى كصاحب مشروع أو عمل.
من هنا يبدو العمل الذي كتبته مجموعة من الشباب تحت إدارة ورشة سرد تشرف عليها مريم نعوم وأخرجته نادين خان، عملا جماهيريا قادرا على استهداف جيلين من المشاهدين، جيل معاصر يعاني من نفس الضغوطات الأسرية وخاصة التقليدية منها، وجيل مخضرم ويمثل الآباء وهو جيل يعاني من تأثير الضغوطات المجتمعية الموروثة إلى جانب ضغوطات الحياة الاقتصادية.
الجميل أنه عمل لم يقترب من قاع المجتمع وحاراته الشعبية، ولم يلامس الطبقات الحالمة والثرية منه، بل اتخذ موضوعه من شريحة مجتمعية متعلمة ولكن ذات دخل متوسط، ربما هي الشريحة التي باتت أقل ظهورا في الدراما العربية.
وهي شريحة لا تملك المال وغالباً لن تترك لأولادها لاحقا أي ثروة، لذلك ستقوم بالاستثمار فيهم عن طريق التحصيل العلمي وذلك تأمينا وضمانا لمستقبلهم بحسب مفهومها لذلك الاستثمار، وتعتبر مسألة نجاحها في تحقيق تلك المهمة خير استثمار تقوم به وخير تركة وإرث ستتركه لأولادها.
◙ العمل الذي كتبته مجموعة من الشباب ضمن ورشة سرد نجح في تحقيق الجماهيرية واستهداف جيلين من المشاهدين
من هذا المنطلق يتعنت الآباء في غالب الأمر في تربية أولادهم ويظهرون بذلك المظهر التقليدي القاسي، فالطبيب يريد لابنه أن يكون طبيبا والمهندس كذلك وغيره من المهن بطبيعة الحال.
وتدور أحداث المسلسل على مستويين، المستوى الأول حول مجموعة من أصدقاء الطفولة الذين أصبحوا اليوم شبانا وشابات وسط محيطهم الأسري، فبعضهم اليوم ناجح وبعضهم الآخر قد دخل مرحلة الإدمان نتيجة عدم الاهتمام والعنف الأسري الذي يواجهه، لكن العمل وعلى مستوى آخر يتعمق مع عائلة الدكتور جلال الذي اختار لأبنه كلية الهندسة لأن مستقبلها مضمون، بينما وجد ابنه ضالته في كلية البزنس إدارة الأعمال، ولديه مشروعه الخاص الذي يسعى لتحقيقه.
الدكتور جلال كما يبدو رجل ناجح في عمله إلى درجة سيقوم صاحب العمل المريض (على مشارف الموت) بترقيته إلى منصب مدير، كما أنه أب مثالي بنى أسرة جميلة ومحترمة، لكنه مع ذلك أب تقليدي لا يقبل بأي نقاشات أو مفاوضات تتعلق بمستقبل أولاده وخاصة إذا ما تعلق الأمر بابنه الشاب، فتلك المواضيع تعتبر خطا أحمر بالنسبة إليه كرب أسرة وصاحب تجربة، وهو المتعلم والأعلم بالحياة وعقباتها.
بعيدا عن المواعظ
في العمل لن نتوقف عند علاقة الدكتور جلال بابنه فقط، بل سنتجاوزها لنتابع أيضا علاقته بهيثم الشاب اليافع ابن صاحب المعمل، والذي سيرث والده ويعيد جلال بسبب خلافاتهما المهنية إلى منصبه السابق كموظف بعد أن كان مديرا للمصنع، إلى أن يستغني عنه في نهاية العمل.
هنا يتبلور صراع الأجيال، بين ما يعتقد الجيل الكبير أنه صواب وصحيح وبين ما يؤمن به الجيل الجديد الذي ارتبطت حياته بعالم حديث له أسلوبه وطريقته في التفكير، والمفارقة في الصراعين رغم تشابههما، أن جلال الأب بسلطته – وهنا المقصود سلطة المعيل – قادر على إملاء شروطه على ابنه، بينما في حالة هيثم أو كما يناديه الدكتور جلال المستر هيثم، فالأمر مختلف تماما على الرغم من اختلاف الرأي، لأن هيثم هو المعيل وهو صاحب المال وبالتالي هو صاحب القرار، يقول هيثم الذي يريد تطوير المصنع وإدخال خط إنتاج جديد له في أحد حواراته مع الدكتور جلال “بابا كان عنده رؤية وأنا عندي رؤية مختلفة تماما وأنا لا أسألك، لكي ترفض أو تقبل”.
ما يميز مسلسل “مين قال” ليس فقط وجود كل تلك الوجوه الشابة من الممثلين وقدرتهم على تأدية أدوارهم بشكل طبيعي وكأنهم يعايشون واقعهم، بل أيضا رعونة النص الذي يحمل روحا شبابية واعدة، قادرة على تقديم دراما سهلة وممتعة بعيدا عن العبر والمواعظ المباشرة والفجة، بل إنه عمل مكتوب بطريقة تسعى لتعرية وكشف بعض السلوكيات الخاطئة التي قد يرتكبها الأهل في حق أولادهم أو ربما العكس.
ويبدو واضحا حجم البحث والجهد المبذول من فريق الكتابة، بداية من صاحب فكرة العمل وكاتب السيناريو الرئيسي مجدي أمين وشريكته منى الشيمي، إلى جانب عبدالعزيز النجار والمشارك في التطوير مصطفى سليما، كما أن عدم الإطالة واختصار العمل وتكثيفه وضغطه ليظهر في 15 حلقة فقط كان أحد أكبر مميزاته، ويعتبر خطوة هامة في طريق تعديل وجهة النظر تجاه الأعمال الرمضانية التي تشترط الـ30 حلقة.
انشرWhatsAppTwitterFacebook
لمى طيارة
كاتبة سورية
صراع الأجيال موضوع درامي قديم متجدد.
الأجيال ليس لها نفس الرؤى
كبداية مبشرة لعودة الأعمال الدرامية الاجتماعية الخفيفة والهادفة التي تتناسب مع أجواء رمضان، يأتي المسلسل المصري “مين قال” ليدق ناقوس الخطر وليطرح قضية اجتماعية قد تبدو بسيطة وعابرة أو حتى قديمة، لكنها ما زالت معاصرة وباتت اليوم أكثر حساسية وربما أكثر خطورة، وذلك في ظل تراجع اهتمام الدراما العربية بوظيفتها الاجتماعية لدى أغلب منتجيها بحجة أن الجمهور لا يحتاج إلى الدروس الأخلاقية الساذجة وربما المضحكة، لذلك علينا الترفع عنها والخوض في ما هو أهم بحسب رأيهم.
يبدو أن مسلسل “مين قال” الذي انتهى عرضه منذ أيام، قد أثار وفتح منذ حلقاته الأولى نقاشا واسعا على وسائل التواصل الاجتماعي لن يهدأ أو ينتهي سريعا، وهو نقاش لا يتعلق بقيمة العمل فنيا فقط، بل بمضمونه بالدرجة الأولى، وخاصة ما بين الأجيال.
ويلعب دور البطولة في العمل الفنان السوري جمال سليمان باقتدار كبير، على الرغم من بعض الانتقادات التي طالته بحجة عدم إتقانه للهجة المصرية، الأمر الذي أثر على إحساس الشخصية وربما نقل انفعالاتها، وتشاركه الفنانة العائدة بقوة نادين، إلى جانب مجموعة من الشباب والشابات الموهوبين الذين سبق لبعضهم خوض تجارب درامية ناجحة أمثال الفنان أحمد داش وديانا هشام، كما شارك في العمل هناء داوود، أميرة أديب، إلهام صفي الدين، يوسف مصيلحي، يوسف جبريل، مروان وليد، ترنيم، عمرو جمال، وضيوف الشرف أيمن الشيوي، مجدي بدر وهبة الأباصيري.
ما بين جيلين
تبدأ رسالة العمل منذ شارته الغنائية التي يحملها الجينريك، والتي قدمت بطريقة الراب في محاولة من منتجي العمل لاختصار خطوة على المشاهد، ليس من خلال التلميح إلى الموضوع فقط، وإنما الدخول مباشرة إلى صميمه، فمن قال “لازم الطريقة دي، مين قال لازم ابقى تابع ليك.. وليه مش الطريقة دي أو الطريقة دي، ما تقوليش إن إنت أدرى وما تهاودنيش وتقولي فترة”.
ورغم أن موضوع صراع الأجيال هذا قديم متجدد، تناولته الدراما منذ سنوات في بعض الأعمال التلفزيونية وحتى السينمائية، لكنه يبقى موضوعا أزليا يتطور ويتجدد ويأخذ أشكالا وأبعادا مختلفة وخاصة في حاضرنا، وذلك نتيجة للطفرة الإعلامية وتطور الوسائل التكنولوجية في هذا المجال، والتي أصبحت حقيقة لا مجرد أوهام وافتراضات، وبالتالي شكلت قطيعة معرفية وثقافية حادة، وربما شكلت تبعا لذلك سوء فهم كبيرا وواضحا ما بين الأجيال، فلكل جيل تفكيره وعقليته واهتماماته ووسائله للتعبير عن نفسه أو بمعنى أدق لتسويق نفسه، سواء كإنسان أو فنان أو حتى كصاحب مشروع أو عمل.
من هنا يبدو العمل الذي كتبته مجموعة من الشباب تحت إدارة ورشة سرد تشرف عليها مريم نعوم وأخرجته نادين خان، عملا جماهيريا قادرا على استهداف جيلين من المشاهدين، جيل معاصر يعاني من نفس الضغوطات الأسرية وخاصة التقليدية منها، وجيل مخضرم ويمثل الآباء وهو جيل يعاني من تأثير الضغوطات المجتمعية الموروثة إلى جانب ضغوطات الحياة الاقتصادية.
الجميل أنه عمل لم يقترب من قاع المجتمع وحاراته الشعبية، ولم يلامس الطبقات الحالمة والثرية منه، بل اتخذ موضوعه من شريحة مجتمعية متعلمة ولكن ذات دخل متوسط، ربما هي الشريحة التي باتت أقل ظهورا في الدراما العربية.
وهي شريحة لا تملك المال وغالباً لن تترك لأولادها لاحقا أي ثروة، لذلك ستقوم بالاستثمار فيهم عن طريق التحصيل العلمي وذلك تأمينا وضمانا لمستقبلهم بحسب مفهومها لذلك الاستثمار، وتعتبر مسألة نجاحها في تحقيق تلك المهمة خير استثمار تقوم به وخير تركة وإرث ستتركه لأولادها.
◙ العمل الذي كتبته مجموعة من الشباب ضمن ورشة سرد نجح في تحقيق الجماهيرية واستهداف جيلين من المشاهدين
من هذا المنطلق يتعنت الآباء في غالب الأمر في تربية أولادهم ويظهرون بذلك المظهر التقليدي القاسي، فالطبيب يريد لابنه أن يكون طبيبا والمهندس كذلك وغيره من المهن بطبيعة الحال.
وتدور أحداث المسلسل على مستويين، المستوى الأول حول مجموعة من أصدقاء الطفولة الذين أصبحوا اليوم شبانا وشابات وسط محيطهم الأسري، فبعضهم اليوم ناجح وبعضهم الآخر قد دخل مرحلة الإدمان نتيجة عدم الاهتمام والعنف الأسري الذي يواجهه، لكن العمل وعلى مستوى آخر يتعمق مع عائلة الدكتور جلال الذي اختار لأبنه كلية الهندسة لأن مستقبلها مضمون، بينما وجد ابنه ضالته في كلية البزنس إدارة الأعمال، ولديه مشروعه الخاص الذي يسعى لتحقيقه.
الدكتور جلال كما يبدو رجل ناجح في عمله إلى درجة سيقوم صاحب العمل المريض (على مشارف الموت) بترقيته إلى منصب مدير، كما أنه أب مثالي بنى أسرة جميلة ومحترمة، لكنه مع ذلك أب تقليدي لا يقبل بأي نقاشات أو مفاوضات تتعلق بمستقبل أولاده وخاصة إذا ما تعلق الأمر بابنه الشاب، فتلك المواضيع تعتبر خطا أحمر بالنسبة إليه كرب أسرة وصاحب تجربة، وهو المتعلم والأعلم بالحياة وعقباتها.
بعيدا عن المواعظ
◙ الخلافات قد تمزق العائلات | ◙ جيل له اهتمامات أخرى |
هنا يتبلور صراع الأجيال، بين ما يعتقد الجيل الكبير أنه صواب وصحيح وبين ما يؤمن به الجيل الجديد الذي ارتبطت حياته بعالم حديث له أسلوبه وطريقته في التفكير، والمفارقة في الصراعين رغم تشابههما، أن جلال الأب بسلطته – وهنا المقصود سلطة المعيل – قادر على إملاء شروطه على ابنه، بينما في حالة هيثم أو كما يناديه الدكتور جلال المستر هيثم، فالأمر مختلف تماما على الرغم من اختلاف الرأي، لأن هيثم هو المعيل وهو صاحب المال وبالتالي هو صاحب القرار، يقول هيثم الذي يريد تطوير المصنع وإدخال خط إنتاج جديد له في أحد حواراته مع الدكتور جلال “بابا كان عنده رؤية وأنا عندي رؤية مختلفة تماما وأنا لا أسألك، لكي ترفض أو تقبل”.
ما يميز مسلسل “مين قال” ليس فقط وجود كل تلك الوجوه الشابة من الممثلين وقدرتهم على تأدية أدوارهم بشكل طبيعي وكأنهم يعايشون واقعهم، بل أيضا رعونة النص الذي يحمل روحا شبابية واعدة، قادرة على تقديم دراما سهلة وممتعة بعيدا عن العبر والمواعظ المباشرة والفجة، بل إنه عمل مكتوب بطريقة تسعى لتعرية وكشف بعض السلوكيات الخاطئة التي قد يرتكبها الأهل في حق أولادهم أو ربما العكس.
ويبدو واضحا حجم البحث والجهد المبذول من فريق الكتابة، بداية من صاحب فكرة العمل وكاتب السيناريو الرئيسي مجدي أمين وشريكته منى الشيمي، إلى جانب عبدالعزيز النجار والمشارك في التطوير مصطفى سليما، كما أن عدم الإطالة واختصار العمل وتكثيفه وضغطه ليظهر في 15 حلقة فقط كان أحد أكبر مميزاته، ويعتبر خطوة هامة في طريق تعديل وجهة النظر تجاه الأعمال الرمضانية التي تشترط الـ30 حلقة.
انشرWhatsAppTwitterFacebook
لمى طيارة
كاتبة سورية