الدراما الشعبية بين التكرار وتحدي نقل التاريخ الصحيح
"أيام شامية".. فاتحة لطفرة في إنتاج المسلسلات السورية.
مواضيع تلقى رواجا واسعا
لا زالت دراما البيئة الشامية تحقق رواجا كبيرا لكنها في الآن نفسه تبقى عرضة للنقد والتحليل، نظرا إلى أنها دراما مستوحاة من فترات تاريخية تستوجب العمل عليها بكثير من الدقة والصدق، وهو ما يجعلها منذ بدء انتشارها في مرمى اتهامات بأنها لا تنقل الوقائع التاريخية بل تستعرض بعض المعطيات غير الدقيقة لتحقيق غايات ربحية لا علاقة لها بالالتزام الفني في احترام التاريخ.
دمشق – تعود الدراما التلفزيونية السورية هذا الموسم الرمضاني للمنافسة عربياً بعد سنوات على تقهقرها، وهجرة معظم العاملين فيها من كتّاب ومخرجين وممثلين للعمل خارج البلاد بفعل ظروف الحرب التي دفعت بعض القنوات العربية إلى مقاطعة المنتج السوري.
ويشهد الموسم الدرامي الرمضاني الحالي حضور عشرين عملاً تلفزيونياً سورياً، حيث تتوزع خارطة الإنتاج الدرامي بين الأعمال الاجتماعية والبوليسية والتاريخية والكوميديا، ومن هذه الأعمال تلك الخاصة بالبيئة الشامية، والتي تلقى منذ سنوات رواجا بين الجمهور العربي المتعطش لمشاهدة سوريا القديمة بكل عاداتها وتقاليدها.
نقطة التحول
جسد المسلسل السوري “أيام شامية” من تأليف أكرم شريم وإخراج الراحل بسام الملا وإنتاج التلفزيون العربي السوري صوراً من واقع الاحتلال العثماني لسوريا وبداية عصر النهضة في هذه البلاد مع تقديم تفاصيل من الحارة الدمشقية سوف تغدو لاحقاً صفة لازمة لكل عمل مستوحى من البيئة الشامية.
ملهم الصالح: المخرجون ساهموا في إغناء مسلسلات ترصد البيئة الشامية
وقدم المؤلف والمخرج في هذا العمل الذي عرض للمرة الأولى على الجمهور في رمضان 1992 تصورهما للحارة الشامية ومكوناتها بدءاً من زعيم الحارة الذي لعب دوره الممثل الراحل رفيق سبيعي، والمختار مع الراحل عدنان بركات والفوال عبر الفنان القدير عباس النوري وحارس باب الحارة للراحل أدهم الملا.
وتطرق المسلسل إلى تفاصيل صغيرة جداً من الحياة في الحارات الدمشقية القدمية، فعلقت في أذهان السوريين الذين تحلقوا حول الشاشة الصغيرة لمتابعة العمل الدرامي، والذي يتذكره الكثيرون من عشاق المسلسلات السورية التي كانت بدورها في فترة ما محتلة لأغلب القنوات العربية وخاصة خلال شهر رمضان.
وألهم “أيام شامية” الذي تألف من 15 حلقة منتجي الدراما وكتابها ودفعهم لإنتاج العديد من المسلسلات عن البيئة الشامية بأحداث وقصص مختلفة، وروى المسلسل قصصا دمشقية بطريقة بسيطة وسلسة ونص سهل دون مماطلة لدرجة أنه لم يحتج إلى ثلاثين حلقة كما ستدرج عليه العادة في أعمال الموسم الرمضاني متناولاً قصة شارب محمود الذي رهنه عند التاجر أبوعبدو مصوراً يوميات صاحب المقهى والحلاق والمنجد والقبضاي سيفو الذي لعب دوره الراحل ناجي جبر.
وأظهر المسلسل تكاتف أبناء الحارة في الأحزان والأفراح وتصديهم معاً لاعتداءات جنود الاحتلال العثماني من خلال ممثلين مخضرمين بعضهم رحل عن عالمنا مثل تيسير السعدي وخالد تاجا وسليم كلاس إضافة إلى أبطال ما زالوا يبدعون ويضيئون الشاشة الصغيرة مثل سامية الجزائري ووفاء الموصلي وبسام كوسا.
ويؤكد الإعلامي والناقد ملهم الصالح أن “أيام شامية” يعتبر أحد أهم مفاصل الدراما السورية فمن الضروري أن نقف عنده بعد ثلاثين عاماً من إنتاجه لكونه نتاج مسيرة طويلة وحافلة للدراما السورية منذ عقد الستينات.
☚ "أيام شامية" ألهم منتجي الدراما وكتابها ودفعهم لإنتاج المسلسلات عن البيئة الشامية بقصص مختلفة
ويصنف الصالح مسلسل “أيام شامية” من فئة “الدراما الشعبية” وهو المصطلح الأدق برأيه حيث ساهم العديد من المخرجين في إغناء هذا النوع من الأعمال التي ترصد بيئة دمشق منذ افتتاح التلفزيون العربي السوري حيث ظهر العديد من الأعمال وبرز معها مخرجون أمثال غسان جبري وعلاءالدين كوكش الذي قدم مع حكمت محسن مسلسلي “يوميات أبورشدي” و”مذكرات حرامي” ليليها مسلسل “حمام الهنا” إخراج العراقي فيصل الياسري ونص نهاد قلعي.
وشهد عقد السبعينات وفقاً للصالح ازدهاراً كبيراً للدراما الشعبية مع ظهور المخرجين خلدون المالح وأنيسة عساف وشكيب غنام كما قدم علاءالدين كوكش عام 1975 عملاً مهماً وهو “أسعد الوراق” المأخوذ من رواية صدقي إسماعيل.
ويرى الصالح أن إنتاج التلفزيون السوري لـ”أيام شامية” كان فاتحة لطفرة في الإنتاج شهدتها الدراما السورية واكبها انفتاح في قوانين الإنتاج الدرامي ولجنة صناعة التلفزيون والسينما ما ساهم في تطوير المنتج الدرامي مهما كانت طبيعته.
ويوضح الصالح أن مسلسل “أيام شامية” كان مشروعاً قيد الانتظار وكان المخرج علاءالدين كوكش مرشحاً لإخراجه ولكن تم فيما بعد اختيار بسام الملا للخروج بهذا العمل إلى حيز النور فتم بناء حارة كاملة في محاكاة لحي باب سريجة حيث تدور قصة العمل من تصميم وإشراف مهندس الديكور حسان أبوعياش التي شكلت إحدى مزايا العمل.
أما بالنسبة إلى النص فيشير الصالح إلى أن تجربة المؤلف شريم بلغت نضجها بسبب تأليفه لعدد من الأعمال بدءاً من “ولاد بلدي” سنة 1971 كما كان الممثلون المشاركون أحد العوامل الأساسية لنجاح العمل من حيث اختيار الشخصيات التي لعبوا أدوراها وتوليفة النجوم وما تراكم لديهم من خبرات طويلة.
مواضيع شائكة
“أيام شامية”، “ليالي الصالحية”، “باب الحارة”، “الدبور”، “طالع الفضة”، “الشام العدية”، وغيرها كلها مسلسلات تصنف ضمن الدراما الشعبية وتلقب في سوريا بدراما البيئة الشامية، فهي تتحدث عن الشام وحاراتها القديمة وحياة أهاليها المليئة بالإثارة والعمق التاريخي، لكنها أعمال تظل دائما في مرمى اتهامات بسقوطها في التكرار والاستنساخ وبأنها لا تحافظ على التاريخ وتنقل وقائعه بكثير من الدقة والتحري.
ويزخر الموسم الدرامي السوري لهذا العام بأعمال البيئة الشامية، إذ يضم ستة مسلسلات على رأسها مسلسلا “جوقة عزيزة” و”ولاد البلد” و”الكندوش”.
ومسلسل “جوقة عزيزة” من تأليف الكاتب خلدون قتلان، وإخراج تامر إسحاق، وإنتاج شركة غولدن لاين، والعمل يحكي قصة المغنية والراقصة الحسناء عزيزة (نسرين طافش) نجمة مرحلة الثلاثينات من القرن الماضي، والتي تختصر قصتها مرحلة من مراحل نضال السوريين ضد المستعمر الفرنسي، وما اكتنف تلك الحقبة من أحداث سياسية واجتماعية يقدمها هذا العمل ضمن قالب فني استعراضي ويضم في بطولته سلوم حداد وهبة نور ووسام حنا.
ويتطرق مسلسل “ولاد البلد” إلى فترة انسحاب الجيش العثماني من سوريا بداية القرن الماضي، وهو من تأليف عثمان جحا ومؤيد النابلسي ومن إخراج أحمد إبراهيم أحمد وإنتاج شركة آرت ميكر. العمل الذي حظي بالمتابعة على منصات المشاهدة يعود للعرض على شاشات عربية لهذا الموسم، ويروي عبر خطوط درامية متشابكة زوال حلم الدولة العربية الأولى بعد الثورة العربية الكبرى عام 1916، والتغيرات السياسية التي طالت منطقة بلاد الشام في الربع الأول من القرن العشرين وما أصابها من مجاعات وفقر وتهجير أرخت بظلالها على حارات الشام وأحيائها العريقة.
ويتابع الجمهور أيضا الأجزاء الثانية من مسلسلات “الكندوش” لمؤلفه حسام تحسين بك ومخرجه سمير حسين، ومسلسل “حارة القبة” لمؤلفه أسامة كوكش ومخرجته رشا شربتجي ومسلسل “بروكار” لمؤلفه سمير هزيم ومخرجه محمد زهير رجب و”باب الحارة” في جزئه الـ 12 لمؤلفه مروان قاووق ومخرجه محمد زهير رجب. وتواصل هذه الأعمال تقديم حكاياتها الشعبية عن أهالي دمشق القديمة وصمودهم في وجه المستعمرين الفرنسي والعثماني ضمن قالب درامي لا يخلو من الإطالة وتكرار بعض المواضيع التي لطالما تناولتها مثل هذه النوعية من الأعمال ذات الطابع الفلكلوري.
ويرى عدد من النقاد والممثلين وخاصة منهم السوريون الذين يعلمون جيدا تاريخ بلادهم، أن ما تقدمه الشاشات السورية والعربية على أنه دراما “بيئة شامية” ليس له علاقة لا من بعيد ولا من قريب بهذه البيئة، بل ما يقدم هو مسلسلات روائية لأحداث فلكلورية تستعرض بعضا من تاريخ تلك البيئة وتوظف المراحل الاستعمارية والبيئة الاجتماعية المنغلقة والتقليدية لضمان رواج المسلسلات حتى وإن تشابهت من حيث الطرح أو تناولت التاريخ بكثير من الاستهتار والسطحية.
وكثيرا ما نقرأ آراء وتصريحات لمخرجين سوريين ممن يتهمون هذه المسلسلات بأنها لا تصور شكل الحارات الدمشقية القديمة ولا حتى طبيعة العلاقات الاجتماعية السائدة آنذاك.
ويرى بعضهم أن هذه المسلسلات تنتج دون تدقيق من مختصين في التاريخ والحضارة، فتخرج على المشاهد الجاهل بتاريخ سوريا، بديكورات وإكسسوارات وأزياء لا علاقة لها بالمرحلة التاريخية للمسلسل، فيصبح المسلسل رغم الترويج له على أنه مستوحى من الواقع والتاريخ، مجرد عمل روائي يخلق أبطالاً وهميين وشخصيات غير حقيقية محببة للناس على الرغم من غنى تاريخ الشام بالمثقفين والأدباء والأبطال.
وسوقت هذه الأعمال لنمط معين وخيالي من الحياة والتعامل بين السوريين حتى أصبحت لدى المواطن العربي صورة عن مجتمع مرهون بسياسة وأسلوب خاص من العادات والأعراف غير الموجودة أصلاً.
وصارت الأعمال الشامية لا تتعدى كونها مسلسلات تجارية تخضع لمنطق السوق، فتبدو العملية برمتها بدءاً بالكاتب مروراً بشركة الإنتاج والمخرج وصولاً إلى الفنانين والفنيين تجارية وتتبّع لذوق المشاهد وما يمتعه ويشده لمتابعة المسلسل كاملا، حتى أن أغلب الأعمال صارت مشوهة، ورأينا ذلك مع مسلسل “جوقة عزيزة” الذي اعتبره عدد من الممثلين المشاركين فيه أنه مسلسل غير ناجح، ويكرر ثيمة السعي إلى نيل رضا المحتل الفرنسي لسوريا.
"أيام شامية".. فاتحة لطفرة في إنتاج المسلسلات السورية.
مواضيع تلقى رواجا واسعا
لا زالت دراما البيئة الشامية تحقق رواجا كبيرا لكنها في الآن نفسه تبقى عرضة للنقد والتحليل، نظرا إلى أنها دراما مستوحاة من فترات تاريخية تستوجب العمل عليها بكثير من الدقة والصدق، وهو ما يجعلها منذ بدء انتشارها في مرمى اتهامات بأنها لا تنقل الوقائع التاريخية بل تستعرض بعض المعطيات غير الدقيقة لتحقيق غايات ربحية لا علاقة لها بالالتزام الفني في احترام التاريخ.
دمشق – تعود الدراما التلفزيونية السورية هذا الموسم الرمضاني للمنافسة عربياً بعد سنوات على تقهقرها، وهجرة معظم العاملين فيها من كتّاب ومخرجين وممثلين للعمل خارج البلاد بفعل ظروف الحرب التي دفعت بعض القنوات العربية إلى مقاطعة المنتج السوري.
ويشهد الموسم الدرامي الرمضاني الحالي حضور عشرين عملاً تلفزيونياً سورياً، حيث تتوزع خارطة الإنتاج الدرامي بين الأعمال الاجتماعية والبوليسية والتاريخية والكوميديا، ومن هذه الأعمال تلك الخاصة بالبيئة الشامية، والتي تلقى منذ سنوات رواجا بين الجمهور العربي المتعطش لمشاهدة سوريا القديمة بكل عاداتها وتقاليدها.
نقطة التحول
جسد المسلسل السوري “أيام شامية” من تأليف أكرم شريم وإخراج الراحل بسام الملا وإنتاج التلفزيون العربي السوري صوراً من واقع الاحتلال العثماني لسوريا وبداية عصر النهضة في هذه البلاد مع تقديم تفاصيل من الحارة الدمشقية سوف تغدو لاحقاً صفة لازمة لكل عمل مستوحى من البيئة الشامية.
ملهم الصالح: المخرجون ساهموا في إغناء مسلسلات ترصد البيئة الشامية
وقدم المؤلف والمخرج في هذا العمل الذي عرض للمرة الأولى على الجمهور في رمضان 1992 تصورهما للحارة الشامية ومكوناتها بدءاً من زعيم الحارة الذي لعب دوره الممثل الراحل رفيق سبيعي، والمختار مع الراحل عدنان بركات والفوال عبر الفنان القدير عباس النوري وحارس باب الحارة للراحل أدهم الملا.
وتطرق المسلسل إلى تفاصيل صغيرة جداً من الحياة في الحارات الدمشقية القدمية، فعلقت في أذهان السوريين الذين تحلقوا حول الشاشة الصغيرة لمتابعة العمل الدرامي، والذي يتذكره الكثيرون من عشاق المسلسلات السورية التي كانت بدورها في فترة ما محتلة لأغلب القنوات العربية وخاصة خلال شهر رمضان.
وألهم “أيام شامية” الذي تألف من 15 حلقة منتجي الدراما وكتابها ودفعهم لإنتاج العديد من المسلسلات عن البيئة الشامية بأحداث وقصص مختلفة، وروى المسلسل قصصا دمشقية بطريقة بسيطة وسلسة ونص سهل دون مماطلة لدرجة أنه لم يحتج إلى ثلاثين حلقة كما ستدرج عليه العادة في أعمال الموسم الرمضاني متناولاً قصة شارب محمود الذي رهنه عند التاجر أبوعبدو مصوراً يوميات صاحب المقهى والحلاق والمنجد والقبضاي سيفو الذي لعب دوره الراحل ناجي جبر.
وأظهر المسلسل تكاتف أبناء الحارة في الأحزان والأفراح وتصديهم معاً لاعتداءات جنود الاحتلال العثماني من خلال ممثلين مخضرمين بعضهم رحل عن عالمنا مثل تيسير السعدي وخالد تاجا وسليم كلاس إضافة إلى أبطال ما زالوا يبدعون ويضيئون الشاشة الصغيرة مثل سامية الجزائري ووفاء الموصلي وبسام كوسا.
ويؤكد الإعلامي والناقد ملهم الصالح أن “أيام شامية” يعتبر أحد أهم مفاصل الدراما السورية فمن الضروري أن نقف عنده بعد ثلاثين عاماً من إنتاجه لكونه نتاج مسيرة طويلة وحافلة للدراما السورية منذ عقد الستينات.
☚ "أيام شامية" ألهم منتجي الدراما وكتابها ودفعهم لإنتاج المسلسلات عن البيئة الشامية بقصص مختلفة
ويصنف الصالح مسلسل “أيام شامية” من فئة “الدراما الشعبية” وهو المصطلح الأدق برأيه حيث ساهم العديد من المخرجين في إغناء هذا النوع من الأعمال التي ترصد بيئة دمشق منذ افتتاح التلفزيون العربي السوري حيث ظهر العديد من الأعمال وبرز معها مخرجون أمثال غسان جبري وعلاءالدين كوكش الذي قدم مع حكمت محسن مسلسلي “يوميات أبورشدي” و”مذكرات حرامي” ليليها مسلسل “حمام الهنا” إخراج العراقي فيصل الياسري ونص نهاد قلعي.
وشهد عقد السبعينات وفقاً للصالح ازدهاراً كبيراً للدراما الشعبية مع ظهور المخرجين خلدون المالح وأنيسة عساف وشكيب غنام كما قدم علاءالدين كوكش عام 1975 عملاً مهماً وهو “أسعد الوراق” المأخوذ من رواية صدقي إسماعيل.
ويرى الصالح أن إنتاج التلفزيون السوري لـ”أيام شامية” كان فاتحة لطفرة في الإنتاج شهدتها الدراما السورية واكبها انفتاح في قوانين الإنتاج الدرامي ولجنة صناعة التلفزيون والسينما ما ساهم في تطوير المنتج الدرامي مهما كانت طبيعته.
ويوضح الصالح أن مسلسل “أيام شامية” كان مشروعاً قيد الانتظار وكان المخرج علاءالدين كوكش مرشحاً لإخراجه ولكن تم فيما بعد اختيار بسام الملا للخروج بهذا العمل إلى حيز النور فتم بناء حارة كاملة في محاكاة لحي باب سريجة حيث تدور قصة العمل من تصميم وإشراف مهندس الديكور حسان أبوعياش التي شكلت إحدى مزايا العمل.
أما بالنسبة إلى النص فيشير الصالح إلى أن تجربة المؤلف شريم بلغت نضجها بسبب تأليفه لعدد من الأعمال بدءاً من “ولاد بلدي” سنة 1971 كما كان الممثلون المشاركون أحد العوامل الأساسية لنجاح العمل من حيث اختيار الشخصيات التي لعبوا أدوراها وتوليفة النجوم وما تراكم لديهم من خبرات طويلة.
مواضيع شائكة
“أيام شامية”، “ليالي الصالحية”، “باب الحارة”، “الدبور”، “طالع الفضة”، “الشام العدية”، وغيرها كلها مسلسلات تصنف ضمن الدراما الشعبية وتلقب في سوريا بدراما البيئة الشامية، فهي تتحدث عن الشام وحاراتها القديمة وحياة أهاليها المليئة بالإثارة والعمق التاريخي، لكنها أعمال تظل دائما في مرمى اتهامات بسقوطها في التكرار والاستنساخ وبأنها لا تحافظ على التاريخ وتنقل وقائعه بكثير من الدقة والتحري.
ويزخر الموسم الدرامي السوري لهذا العام بأعمال البيئة الشامية، إذ يضم ستة مسلسلات على رأسها مسلسلا “جوقة عزيزة” و”ولاد البلد” و”الكندوش”.
ومسلسل “جوقة عزيزة” من تأليف الكاتب خلدون قتلان، وإخراج تامر إسحاق، وإنتاج شركة غولدن لاين، والعمل يحكي قصة المغنية والراقصة الحسناء عزيزة (نسرين طافش) نجمة مرحلة الثلاثينات من القرن الماضي، والتي تختصر قصتها مرحلة من مراحل نضال السوريين ضد المستعمر الفرنسي، وما اكتنف تلك الحقبة من أحداث سياسية واجتماعية يقدمها هذا العمل ضمن قالب فني استعراضي ويضم في بطولته سلوم حداد وهبة نور ووسام حنا.
ويتطرق مسلسل “ولاد البلد” إلى فترة انسحاب الجيش العثماني من سوريا بداية القرن الماضي، وهو من تأليف عثمان جحا ومؤيد النابلسي ومن إخراج أحمد إبراهيم أحمد وإنتاج شركة آرت ميكر. العمل الذي حظي بالمتابعة على منصات المشاهدة يعود للعرض على شاشات عربية لهذا الموسم، ويروي عبر خطوط درامية متشابكة زوال حلم الدولة العربية الأولى بعد الثورة العربية الكبرى عام 1916، والتغيرات السياسية التي طالت منطقة بلاد الشام في الربع الأول من القرن العشرين وما أصابها من مجاعات وفقر وتهجير أرخت بظلالها على حارات الشام وأحيائها العريقة.
ويتابع الجمهور أيضا الأجزاء الثانية من مسلسلات “الكندوش” لمؤلفه حسام تحسين بك ومخرجه سمير حسين، ومسلسل “حارة القبة” لمؤلفه أسامة كوكش ومخرجته رشا شربتجي ومسلسل “بروكار” لمؤلفه سمير هزيم ومخرجه محمد زهير رجب و”باب الحارة” في جزئه الـ 12 لمؤلفه مروان قاووق ومخرجه محمد زهير رجب. وتواصل هذه الأعمال تقديم حكاياتها الشعبية عن أهالي دمشق القديمة وصمودهم في وجه المستعمرين الفرنسي والعثماني ضمن قالب درامي لا يخلو من الإطالة وتكرار بعض المواضيع التي لطالما تناولتها مثل هذه النوعية من الأعمال ذات الطابع الفلكلوري.
المسلسلات تنتج دون تدقيق فتخرج على المشاهد الجاهل بتاريخ سوريا، بديكورات وإكسسوارات وأزياء لا علاقة لها بالمرحلة التاريخية
ويرى عدد من النقاد والممثلين وخاصة منهم السوريون الذين يعلمون جيدا تاريخ بلادهم، أن ما تقدمه الشاشات السورية والعربية على أنه دراما “بيئة شامية” ليس له علاقة لا من بعيد ولا من قريب بهذه البيئة، بل ما يقدم هو مسلسلات روائية لأحداث فلكلورية تستعرض بعضا من تاريخ تلك البيئة وتوظف المراحل الاستعمارية والبيئة الاجتماعية المنغلقة والتقليدية لضمان رواج المسلسلات حتى وإن تشابهت من حيث الطرح أو تناولت التاريخ بكثير من الاستهتار والسطحية.
وكثيرا ما نقرأ آراء وتصريحات لمخرجين سوريين ممن يتهمون هذه المسلسلات بأنها لا تصور شكل الحارات الدمشقية القديمة ولا حتى طبيعة العلاقات الاجتماعية السائدة آنذاك.
ويرى بعضهم أن هذه المسلسلات تنتج دون تدقيق من مختصين في التاريخ والحضارة، فتخرج على المشاهد الجاهل بتاريخ سوريا، بديكورات وإكسسوارات وأزياء لا علاقة لها بالمرحلة التاريخية للمسلسل، فيصبح المسلسل رغم الترويج له على أنه مستوحى من الواقع والتاريخ، مجرد عمل روائي يخلق أبطالاً وهميين وشخصيات غير حقيقية محببة للناس على الرغم من غنى تاريخ الشام بالمثقفين والأدباء والأبطال.
وسوقت هذه الأعمال لنمط معين وخيالي من الحياة والتعامل بين السوريين حتى أصبحت لدى المواطن العربي صورة عن مجتمع مرهون بسياسة وأسلوب خاص من العادات والأعراف غير الموجودة أصلاً.
وصارت الأعمال الشامية لا تتعدى كونها مسلسلات تجارية تخضع لمنطق السوق، فتبدو العملية برمتها بدءاً بالكاتب مروراً بشركة الإنتاج والمخرج وصولاً إلى الفنانين والفنيين تجارية وتتبّع لذوق المشاهد وما يمتعه ويشده لمتابعة المسلسل كاملا، حتى أن أغلب الأعمال صارت مشوهة، ورأينا ذلك مع مسلسل “جوقة عزيزة” الذي اعتبره عدد من الممثلين المشاركين فيه أنه مسلسل غير ناجح، ويكرر ثيمة السعي إلى نيل رضا المحتل الفرنسي لسوريا.