حيوانات رامزه
Bestiary - Bestiaire
الحيوانات الرامزة
الحيوانات الرامزة Bestiaire تسمية لنوع من الكتب التي ظهرت في العصور الوسطى وكتبت بالفرنسية أو اللاتينية، تضم مجموعات من الحيوانات الحقيقية أو المتخيلة الرامزة لدلالات أخلاقية أو دينية. وقد قلّدت هذه الأعمال التي كتبت بين القرن الثاني عشر والرابع عشر مجموعة يونانية قديمة بعنوان «فيزيولوغوس (الطبيعي)» Physiologus ظهرت في الإسكندرية في القرن الثاني للميلاد. وقد حملت المثالية المستخلصة من الإنجيل والغرائبية التي تتصف بها الحيوانات الأسطورية الشرقية كالأفعوان الخرافي hydre وجنية البحر sirène والقنطورس centaure وطائر الفينيق (العنقاء) phénix وغيرها، إضافة إلى أنها تضم مجموعة من الحيوانات المعروفة كالذئب والقندس والتمساح.
عرف الإنسان استخدام الحيوانات كرموز في أدبه، في وقت مبكر جداً يعود إلى عصور ما قبل التاريخ، ويقصد بالأعمال التي تتستر وراء رموز الحيوانات الحقيقية أو المتخيلة أن تكون رموزاً للأخلاق والمثل الدينية. وقد شكلت هذه الأعمال وثائق مهمة لدراسة عقلية القرون الوسطى وأخلاقها، وقدمت نموذجاً للأساليب الأدبية التي تعتمد الاستعارات الرمزية.
حوت نصوص هذه الأعمال تعاليم دينية مترافقة مع توصيفات لنحو خمسين حيواناً، وقد عرف هذا النموذج نجاحاً واسعاً، أكدته الترجمات إلى اللغات المختلفة وأولها الحبشية والسريانية والأرمنية. أما إلى اللغة اللاتينية فقد بدأت الترجمة منذ القرن الرابع الميلادي. ومعظم الحيوانات التي وردت في هذا التراث موجودة في الإنجيل، مع الإشارة إلى الخلط القائم في أسمائها والناتج عن الترجمة.
قام الفرنسي فيليب دي تاون Philippe de Thaon في القرن الثاني عشر بكتابة أول نسخة من كتب الحيوانات الرامزة، ثم تبعه في بداية القرن الثالث عشر جان بوش دور Jean Bouche d’Or وجيرفيز Gervaise الذي كتب نسخة مختصرة جداً (1280 بيتاً) بأسلوب روائي. من أهم الصور التي تتكرر في هذه الكتب التي تتناول الحيوانات: الأسد الذي يزيل آثاره بذيله وتبقى عينه ساهرة عندما ينام؛ الفهد برائحته المغرية إلا للتنين الذي يختنق منها؛ الأفعوان الخرافي ذو الرؤوس السبعة الذي يدخل في مؤخرة التمساح ويقتله؛ حورية البحر التي تنيم أولئك الذين يصغون إليها؛ الأفاعي والأحناش تجدد شبابها بالصوم؛ والتنين يبصق سمّه قبل أن يشرب؛ والثعلب يتظاهر بالموت ليطبق على العصافير؛ القندس يخصي نفسه كي لا يقتله البشر الذين يستخرجون من خصيتيه دواء؛ النملة تتمتع ببصيرة وبعد نظر إذ تخزن الحب بطريقة تمنعه من الإنتاش وتستطيع التمييز بين حبات القمح والشعير؛ الحجلة ترقد على بيض ليس لها مما يدفع بأفراخها إلى الابتعاد عنها؛ النعامة لا تهتم ببيضها؛ البومة العمياء تستطيع الرؤية بفضل أطفالها؛ العنقاء تحترق لتبُعَث من رمادها.
هذه نظرة مجزأة جداً لعالم الحيوان، ولا يخفى التفسير الديني لهذه الرموز، فمثلاً الأسد الذي يمحي آثاره يرمز إلى الحبل غير الدنس، والأفعوان الخرافي يذكر بالمسيح الذي يطفئ النيران، والنمل بالعذارى الحكيمات، والخصاء كتضحية يذكر بفضائل التقشف، واستقياء التنين بالاعتراف.
طوَّر غييوم لو كليرك Guillaume le Clerc نسخة موسّعة جداً (نحو 3426 بيتاً) تنطق بألسنة الحيوانات نفسها من نسخة فيليب دي تاون، لكن مع كثير من الإسهاب الكلامي. ويبدو أنه اقترح أن يكون عالم الحيوان هو عالم الخوف والهدف هو الإرشاد.
ثمة عمل آخر وضعه بيير دي بوفيه Pierre de Beauvais يتكون من 38 فصلاً يتبع إلى حد كبير ترتيب نسخة لو كليرك لكن مع تغيير أسماء الحيوانات، مما يوحي بفرض وجود مصادر أخرى، كما أضاف إليها أسماء الذئب والكلب. أما النسخة الطويلة فقد أضيفت إليها مصادر مختلفة، وخاصة أنواع الطيور.
يستخدم ريشارد دي فورنيفال Richard de Fournival في كتابه «حكايات الحيوان الغزلية» Bestiaires d’amours (منتصف القرن الثالث عشر) 57 نموذجاً من الحيوانات اعتمد في معظمها على موروث قريب من بوفيه، لكنه يدخل فيه عقيدة الحب العذري L’amour courtois. ويؤكد هذا التغير أن العلاقة القائمة في ذلك الوقت بين العلامة الرمزية وتفسيرها لم تكن ثابتة. فهذه الحيوانات نفسها ستتحول إلى الكشف عن أسرار سلوكيات الغزل بدل القيم الدينية والأخلاقية. وسيدعم المثال من طبيعة الحيوان فكرة الحب التي يريد الكاتب تقديمها، مما يوصل إلى مقارنات جميلة، فصورة الذئب الذي يفقد قوته حين تثبيت النظر إليه يجسد صورة المرأة العاشقة التي تفقد قوتها باستسلامها لحبها.
شهد القرن الرابع عشر حلول كتب الحيوان المهتمة بالصيد محل تلك التي تروي التاريخ الأسطوري في الأدب المجازي، لكن دون استغناء عن الحكم الأخلاقية. وفي هذا الإطار ألف هنري دي فيريير Henri de Ferrières عام 1350 كتاباً عنوانه «كتب الملك مودوس والملكة راسيو» Les Livres du roy Mudus et de la royne Ratio يصف فيه الملك حياة الحيوانات التي كان يصطادها الناس في فرنسا آنذاك وعاداتها، وتقوم الملكة راسيو باستخلاص العبر الأخلاقية من هذه الأوصاف. ويُلاحظ أن المؤلف ينتقل من التصوير الخيالي والغرائبي إلى التصوير الواقعي والأليف. وتأخذ هذه الاهتمامات العملية (الصيد) باحتلال موقع الصدارة في عمل غاس دي لا بويني Gace de la Buigne «رواية اللهو» Roman des deduis (نحو عام1360). فبعد صراع بين الرذائل والفضائل تنشب معركة بين مربي الصقور وصياد يستخدم الكلاب: المهم في هذا الأمر هو تناول موضوعة الصيد كحقيقة واقعية تتفوق بالنهاية على المجازية. ومع ذلك ساعد موضوع الصيد في تجديد الاستعارات عند الشعراء، كما لدى اكتوفيان دي سان-جيليه Octovien de Saint-Gelais الذي قدّم مختارات من هذه القصائد تحت عنوان «الصيد ورحيل الحب» La Chasse et le départ d’amours، وأصبحت الحيوانات الرامزة كالكلب والصقر والطرائد المختلفة جزءاً من الحياة اليومية. أما الحيوانات الغريبة والعجيبة (كالأيل ذي الأجنحة) لم تظهر إلا عند كبار الشعراء في القرن الخامس عشر.
استطاع النحت تأمين استمرارية بعض الصور الأسطورية، كما دفعت قراءة فرجيليوس[ر] وأوفيد[ر] إلى الحلم بجنية البحر وبالقنطورس وبوحوش أخرى. وقد رسخ الكتاب المقدس خاصة فكرة الحيوانات التي تنتمي إلى عالم مليء بالدلالات الغامضة، ولا يزال الفصل بين الخير والشر عند الحيوانات فارضاً نفسه في كل الكتب.
وهكذا تنتهي معظم صور الحيوانات بالتعبير عن إيديولوجية مختلفة كثيراً عن فكرتها الرمزية الأولية التي جسدتها، وربما تصل إلى حد التناقض معها. إن الحكايات الخرافية التي تحاط بها صور هذه الحيوانات والدروس التي تستخلص منها تعكس في الواقع رعباً غريزياً أمام قوى الحياة عاشه الإنسان قديماً ولا يزال. ولابد من الإشارة إلى تطور استخدام الحيوانات الرامزة في الأعمال الفنية المختلفة، وخاصة في العصور الحديثة. فقد أدت دوراً مهماً في أدب الأطفال حينما احتل الحيوان أدوار البطولة في كثير من الحكايات والقصص والأعمال التلفزيونية الموجهة للأطفال، وقام بدور الوسيط بين الطفل والعالم المحيط به.
وائل بركات
Bestiary - Bestiaire
الحيوانات الرامزة
الحيوانات الرامزة Bestiaire تسمية لنوع من الكتب التي ظهرت في العصور الوسطى وكتبت بالفرنسية أو اللاتينية، تضم مجموعات من الحيوانات الحقيقية أو المتخيلة الرامزة لدلالات أخلاقية أو دينية. وقد قلّدت هذه الأعمال التي كتبت بين القرن الثاني عشر والرابع عشر مجموعة يونانية قديمة بعنوان «فيزيولوغوس (الطبيعي)» Physiologus ظهرت في الإسكندرية في القرن الثاني للميلاد. وقد حملت المثالية المستخلصة من الإنجيل والغرائبية التي تتصف بها الحيوانات الأسطورية الشرقية كالأفعوان الخرافي hydre وجنية البحر sirène والقنطورس centaure وطائر الفينيق (العنقاء) phénix وغيرها، إضافة إلى أنها تضم مجموعة من الحيوانات المعروفة كالذئب والقندس والتمساح.
عرف الإنسان استخدام الحيوانات كرموز في أدبه، في وقت مبكر جداً يعود إلى عصور ما قبل التاريخ، ويقصد بالأعمال التي تتستر وراء رموز الحيوانات الحقيقية أو المتخيلة أن تكون رموزاً للأخلاق والمثل الدينية. وقد شكلت هذه الأعمال وثائق مهمة لدراسة عقلية القرون الوسطى وأخلاقها، وقدمت نموذجاً للأساليب الأدبية التي تعتمد الاستعارات الرمزية.
حوت نصوص هذه الأعمال تعاليم دينية مترافقة مع توصيفات لنحو خمسين حيواناً، وقد عرف هذا النموذج نجاحاً واسعاً، أكدته الترجمات إلى اللغات المختلفة وأولها الحبشية والسريانية والأرمنية. أما إلى اللغة اللاتينية فقد بدأت الترجمة منذ القرن الرابع الميلادي. ومعظم الحيوانات التي وردت في هذا التراث موجودة في الإنجيل، مع الإشارة إلى الخلط القائم في أسمائها والناتج عن الترجمة.
قام الفرنسي فيليب دي تاون Philippe de Thaon في القرن الثاني عشر بكتابة أول نسخة من كتب الحيوانات الرامزة، ثم تبعه في بداية القرن الثالث عشر جان بوش دور Jean Bouche d’Or وجيرفيز Gervaise الذي كتب نسخة مختصرة جداً (1280 بيتاً) بأسلوب روائي. من أهم الصور التي تتكرر في هذه الكتب التي تتناول الحيوانات: الأسد الذي يزيل آثاره بذيله وتبقى عينه ساهرة عندما ينام؛ الفهد برائحته المغرية إلا للتنين الذي يختنق منها؛ الأفعوان الخرافي ذو الرؤوس السبعة الذي يدخل في مؤخرة التمساح ويقتله؛ حورية البحر التي تنيم أولئك الذين يصغون إليها؛ الأفاعي والأحناش تجدد شبابها بالصوم؛ والتنين يبصق سمّه قبل أن يشرب؛ والثعلب يتظاهر بالموت ليطبق على العصافير؛ القندس يخصي نفسه كي لا يقتله البشر الذين يستخرجون من خصيتيه دواء؛ النملة تتمتع ببصيرة وبعد نظر إذ تخزن الحب بطريقة تمنعه من الإنتاش وتستطيع التمييز بين حبات القمح والشعير؛ الحجلة ترقد على بيض ليس لها مما يدفع بأفراخها إلى الابتعاد عنها؛ النعامة لا تهتم ببيضها؛ البومة العمياء تستطيع الرؤية بفضل أطفالها؛ العنقاء تحترق لتبُعَث من رمادها.
هذه نظرة مجزأة جداً لعالم الحيوان، ولا يخفى التفسير الديني لهذه الرموز، فمثلاً الأسد الذي يمحي آثاره يرمز إلى الحبل غير الدنس، والأفعوان الخرافي يذكر بالمسيح الذي يطفئ النيران، والنمل بالعذارى الحكيمات، والخصاء كتضحية يذكر بفضائل التقشف، واستقياء التنين بالاعتراف.
طوَّر غييوم لو كليرك Guillaume le Clerc نسخة موسّعة جداً (نحو 3426 بيتاً) تنطق بألسنة الحيوانات نفسها من نسخة فيليب دي تاون، لكن مع كثير من الإسهاب الكلامي. ويبدو أنه اقترح أن يكون عالم الحيوان هو عالم الخوف والهدف هو الإرشاد.
ثمة عمل آخر وضعه بيير دي بوفيه Pierre de Beauvais يتكون من 38 فصلاً يتبع إلى حد كبير ترتيب نسخة لو كليرك لكن مع تغيير أسماء الحيوانات، مما يوحي بفرض وجود مصادر أخرى، كما أضاف إليها أسماء الذئب والكلب. أما النسخة الطويلة فقد أضيفت إليها مصادر مختلفة، وخاصة أنواع الطيور.
يستخدم ريشارد دي فورنيفال Richard de Fournival في كتابه «حكايات الحيوان الغزلية» Bestiaires d’amours (منتصف القرن الثالث عشر) 57 نموذجاً من الحيوانات اعتمد في معظمها على موروث قريب من بوفيه، لكنه يدخل فيه عقيدة الحب العذري L’amour courtois. ويؤكد هذا التغير أن العلاقة القائمة في ذلك الوقت بين العلامة الرمزية وتفسيرها لم تكن ثابتة. فهذه الحيوانات نفسها ستتحول إلى الكشف عن أسرار سلوكيات الغزل بدل القيم الدينية والأخلاقية. وسيدعم المثال من طبيعة الحيوان فكرة الحب التي يريد الكاتب تقديمها، مما يوصل إلى مقارنات جميلة، فصورة الذئب الذي يفقد قوته حين تثبيت النظر إليه يجسد صورة المرأة العاشقة التي تفقد قوتها باستسلامها لحبها.
شهد القرن الرابع عشر حلول كتب الحيوان المهتمة بالصيد محل تلك التي تروي التاريخ الأسطوري في الأدب المجازي، لكن دون استغناء عن الحكم الأخلاقية. وفي هذا الإطار ألف هنري دي فيريير Henri de Ferrières عام 1350 كتاباً عنوانه «كتب الملك مودوس والملكة راسيو» Les Livres du roy Mudus et de la royne Ratio يصف فيه الملك حياة الحيوانات التي كان يصطادها الناس في فرنسا آنذاك وعاداتها، وتقوم الملكة راسيو باستخلاص العبر الأخلاقية من هذه الأوصاف. ويُلاحظ أن المؤلف ينتقل من التصوير الخيالي والغرائبي إلى التصوير الواقعي والأليف. وتأخذ هذه الاهتمامات العملية (الصيد) باحتلال موقع الصدارة في عمل غاس دي لا بويني Gace de la Buigne «رواية اللهو» Roman des deduis (نحو عام1360). فبعد صراع بين الرذائل والفضائل تنشب معركة بين مربي الصقور وصياد يستخدم الكلاب: المهم في هذا الأمر هو تناول موضوعة الصيد كحقيقة واقعية تتفوق بالنهاية على المجازية. ومع ذلك ساعد موضوع الصيد في تجديد الاستعارات عند الشعراء، كما لدى اكتوفيان دي سان-جيليه Octovien de Saint-Gelais الذي قدّم مختارات من هذه القصائد تحت عنوان «الصيد ورحيل الحب» La Chasse et le départ d’amours، وأصبحت الحيوانات الرامزة كالكلب والصقر والطرائد المختلفة جزءاً من الحياة اليومية. أما الحيوانات الغريبة والعجيبة (كالأيل ذي الأجنحة) لم تظهر إلا عند كبار الشعراء في القرن الخامس عشر.
استطاع النحت تأمين استمرارية بعض الصور الأسطورية، كما دفعت قراءة فرجيليوس[ر] وأوفيد[ر] إلى الحلم بجنية البحر وبالقنطورس وبوحوش أخرى. وقد رسخ الكتاب المقدس خاصة فكرة الحيوانات التي تنتمي إلى عالم مليء بالدلالات الغامضة، ولا يزال الفصل بين الخير والشر عند الحيوانات فارضاً نفسه في كل الكتب.
وهكذا تنتهي معظم صور الحيوانات بالتعبير عن إيديولوجية مختلفة كثيراً عن فكرتها الرمزية الأولية التي جسدتها، وربما تصل إلى حد التناقض معها. إن الحكايات الخرافية التي تحاط بها صور هذه الحيوانات والدروس التي تستخلص منها تعكس في الواقع رعباً غريزياً أمام قوى الحياة عاشه الإنسان قديماً ولا يزال. ولابد من الإشارة إلى تطور استخدام الحيوانات الرامزة في الأعمال الفنية المختلفة، وخاصة في العصور الحديثة. فقد أدت دوراً مهماً في أدب الأطفال حينما احتل الحيوان أدوار البطولة في كثير من الحكايات والقصص والأعمال التلفزيونية الموجهة للأطفال، وقام بدور الوسيط بين الطفل والعالم المحيط به.
وائل بركات