طريق الحرير Silk Road من أشهر الطرق التي ربطت بين شعوب العالم القديم

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • طريق الحرير Silk Road من أشهر الطرق التي ربطت بين شعوب العالم القديم

    حرير (طريق)

    Silk Road - Route de la soie

    الحرير (طريق-)

    طريق الحرير Silk Road من أشهر الطرق التي ربطت بين شعوب العالم القديم، وهي شبكة مكونة من مجموعة من الدروب والمسالك والمسارات البرية والبحرية الممتدة من الصين (المصدر الأصلي للحرير الطبيعي) إلى روما. يؤكد بعض المؤرخين أن شهرتها تعود إلى القرن الثاني ق.م، ويرجح آخرون أن نشأتها ترجع إلى عهد فتوحات الاسكندر المقدوني في القرن الرابع ق.م. تسميتها بـ«طريق الحرير» حديثة العهد، أطلقها عليها الباحث الألماني فرديناند فون ريختهوفن Ferdinand von Richthofen في القرن التاسع عشر الميلادي بعد رحلاته المتكررة إلى الصين وجوارها.
    تمر طريق الحرير في مسارها البري، متاخمة الصحارى الآسيوية مثل تاكلامكان وغوبي وبمحاذاة جبال تيان شان وجبال هندكوش الأفغانية المطلة على السواحل الجنوبية لبحر الخزر(قزوين) وجبال زغروس وطوروس، كما كانت تعبر سهولاً وودياناً وأنهاراً، مثل هلمند وسيحون وجيحون (سرداريا وأموداريا) ودجلة والفرات. وكان لهذه الطريق اتجاهان: يعبر الفرع الشمالي صحراء غوبي، ويسير بمحاذاة جبال تيان شان الواقعة على مقربة من التخوم الشمالية لصحراء تاكلامكان، ماراً بواحات ترفان Turfan وكوشه Kucha، وبعدها يصل إلى كاشغر، بينما يتفرع الاتجاه الجنوبي عند دانهوانغ، ويتجه إلى الشمال ثانية ليلتقي بالطريق الأولى عند كاشغر وللطريق فرع آخر، ينطلق من مدينة كاشغر باتجاه سمرقند، ويتابع إلى بحر الخزر، أو إلى قره قورم فداخل الهند. أما الطريق الثانوية فتتفرع عن الطريق الشمالية لتصل إلى شواطئ بحر الخزر عبر طشقند وسمرقند وبخارى، ثم تمتد شبكة الطرق هذه داخل الأراضي الإيرانية عبر محطات رئيسة، أهمها طهران وهمذان وشيراز وكرمنشاه، ثم تصل فروعها إلى محطات عند شواطئ الخليج العربي، وفي بلاد الرافدين كعبدان والأهواز والبصرة والموصل والحضر، وتعبر إلى الأراضي السورية ومدنها الرئيسة الواقعة على ضفاف نهر الفرات كصالحية الفرات (دورا أوروبوس) والرقة، أو تلك الواقعة في قلب البادية السورية كالرّصافة وتدمر، ومن هذين الفرعين تتجه إلى حلب ودمشق وبصرى والبتراء، وإلى المدن السورية الساحلية الواقعة بين أنطاكية وغزة.
    اعتُمد على الطريق البحرية في أثناء نشوب نزاعات واضطرابات برية، اتخذت هذه الطريق مساراتها متاخمة الشواطئ الممتدة من مدن السواحل الشرقية للصين والموانئ اليابانية والكورية المطلة على بحر الصين إلى خليج البنغال، وموانئ شبه القارة الهندية وسيلان، ومنها إلى بحر العرب، فالخليج العربي وموانئ شبه الجزيرة العربية، وغالباً ما كانت ترتبط بطرق برية تتصل بالمراكز الرئيسة.
    إثر توسعات الاسكندر المقدوني، انتشرت في إمبراطوريته المترامية الأطراف اللغة والثقافة اليونانية، إلى جانب الثقافات المحلية الأخرى من عربية وفارسية وهندية، وتمكن التجار المحليون، وخاصة التدمريون منهم، من امتلاك ناصية اللغة اليونانية، وتسخيرها لخدمة أغراضهم التجارية. وفي بداية العصر الروماني، كان هناك ممالك وإمارات مستقلة نشأت على أنقاض إمبراطورية الاسكندر، نشبت بينها صراعات، كالصراعات بين الفرثيين الفرس والرومان، وكذلك بين المملكة التدمرية ومملكة الأنباط من جانب والرومان من الجانب الآخر، وأُخضعت تلك الإمارات في أحيان أخرى إلى تحالفات، فتأثرت المبادلات التجارية عبر طريق الحرير، مما أرغم تلك البلدان، ولو مؤقتاً، على البحث عن طرق بديلة، أو ركوب البحر، لكن الأمر تغير كلياً في ظل الدولة العربية الإسلامية، وخاصة بعد الانتصار على الصينيين سنة 715م، في معركة تالاس بقيادة قتيبة الباهلي، فتم تأمين سلامة الطرق البرية وتزويدها بالحاميات وبالخانات للاستراحة وتبادل السلع وتعميق الصلات بين الشعوب المختلفة.
    أما في الصين، فقد تتالت على حكمها منذ القرن الرابع قبل الميلاد سلالات عدة، تطلعت إلى القضاء على النزاعات الداخلية، وتوحيد البلاد والحفاظ على أسرار إنتاج الحرير وتأمين طرق تصديره. تمكنت سلالة «قن شي هوانجي» سنة 221ق.م من توحيد الصين واللغة، وعملت على تدعيم واستكمال التحصينات القديمة وإنشاء السور العظيم. تولت الحكم بعدها سلالة «هان الغربية» التي حافظت على وحدة الصين، وتابعت بناء السور لصد هجمات القبائل المعادية، وأرسلت بعثات استطلاعية للتعرف على أحوال المناطق الشمالية وشعوبها، كبعثة «تشانغ قيان» سنة 138ق.م، والتي كان لها الفضل في وضع تقارير مفصلة عن المناطق التي زارتها، ووضعت تلك التقارير في خدمة تسهيل الانتقال على طريق الحرير وتأمين سلامة القوافل. عكف الصينيون في نهاية القرن الأول قبل الميلاد على توسيع مناطق نفوذهم إلى البلاد المجاورة، مثل منغوليا والتونكين وتركستان والتبت، ووصل بعض موفديهم إلى منطقة الخليج العربي، ثم توالت على حكم الصين سلالات عديدة، أشهرها سلالات تانغ وسونغ، وكان آخرها سلالة منغ.
    إبان فترة ضعف الخلافة العباسية، تمكن المغول بقيادة جنكيز خان وأحفاده هولاكو وتيمورلنك من بسط نفوذ دولتهم على مناطق شاسعة، امتدت من شرقي وأواسط آسيا حتى الشواطئ الشرقية للبحر المتوسط، عاثوا فيها فساداً وقتلاً وتدميراً. وقد أدت الخلافات العقائدية الحادة بين سلالة تيمورلنك والصينيين إلى إغلاق تام لطريق الحرير البرية، والتحول عنها سنة 1368م إلى الطريق البحرية التي سيطر عليها الأوربيون من برتغاليين وهولنديين وإنكليز. وقد سبق لحملات الفرنجة (1096-1291م)، التي شنت على سواحل الأناضول وبلاد الشام أن مهدت السبيل لهذا التحول، وذلك تجنباً للمخاطر التي اكتنفت الترحال على الطريق البرية.
    تثبت المكتشفات الأثرية أن سلعاً عدة مثل أحجار اللازورد من أفغانستان وأخشاب الأرز من الجبال السورية والبرونز من بلاد الإغريق والأناضول والذهب من إفريقيا والعاج من المناطق شبه الاستوائية واللؤلؤ من منطقة الخليج العربي، ومواد كثيرة أخرى، تم تبادلها بين المراكز الحضارية في العالم القديم، منذ الألفين الثالث والثاني قبل الميلاد، واستمرت تلك المبادلات في العصور اللاحقة. لقد ذكر الحرير في أثناء حملات الرومان على الفرثيين، في مسعاهم إلى الحصول على هذه السلعة النفيسة من مصادرها الأصلية بلا وسطاء، بعد أن طبقت شهرتها الآفاق. لقد حملت القوافل المتجهة إلى الصين نفائس منتجات الغرب من ذهب ومعادن ثمينة وأحجار كريمة وعاج وزجاج إلى جانب طيوب جنوبي الجزيرة العربية، من مسك وعنبر وبخور، لقاء مقايضتها بالمنتجات الصينية والهندية الفاخرة كالحرير والفراء والخزفيات والخيول والبرونز والأخشاب الملمعة والحديد والتوابل والأقمشة والورق. اضطلعت بمهمة الوساطة التجارية مجموعات من أقوام عدة، يأتي في مقدمتها الفرثيون والساسانيون والعرب وخاصة اليمنيون والخليجيون من عمانيين وبحرانيين، والتدمريون والأنباط الذين جنوا أرباحاً طائلة تجلت بمظاهر العظمة والأبهة في مدنهم.
    لم تقتصر أهمية طريق الحرير على المجال التجاري فحسب، بل تعدتها إلى مجالات كثيرة أخرى، فقد سارت على دروبها الحملات العسكرية، كما ارتحل المبشرون لهداية الأقوام والأمم الأخرى، وهكذا انتقلت الديانة البوذية من موطنها الأصلي في الهند إلى الصين، وانتقل معها الفن البوذي في مطلع القرن الثاني قبل الميلاد متأثراً بمعتقدات وفنون سكان جبال الهيمالايا وضفاف نهر السند، بينما دخلت الديانة المسيحية ذات المذهب النسطوري إلى إيران وما جاورها من المناطق الشرقية، وعمل التجار في القرون التالية على نشرها على امتداد طريق الحرير. ومع مطلع القرن الثامن الميلادي، أخذ نجم الإسلام يسطع في أطراف الصين والهند، بعد أن اعتنقته الشعوب في أواسط آسيا ودولها اللاحقة من غزنوية وكرمنشاهية وسلجوقية. لقد توسعت مجالات التفاهم بين الشعوب بعد هذا الانتشار الواسع للإسلام واللغة العربية وآدابها وعلومها، وجمعت أغلب الإسهامات في بوتقة الحضارة العربية الإسلامية.
    عندما انصب الاهتمام على الطريق البحرية في مطلع القرن الخامس عشر الميلادي، انحصرت الأخطار الناجمة عن ركوب البحر في سوء الأحوال الجوية وفي غارات قراصنة البحار، لكن الخطورة الكبرى التي نجمت عن هذه الطريق تمثلت في تمكين الأوربيين من توثيق سيطرتهم على شرايين التجارة العالمية وعلى الممرات والموانئ الاستراتيجية في العالم، ثم تمكنوا من الانطلاق منها إلى استعمار أغلب بلدان طريق الحرير بأشكال متعددة من اقتصادية وسياسية واستيطانية، ولا يزال بعضها قائماً حتى الوقت الحاضر.
    حالياً تحظى أبحاث طريق الحرير باهتمام وتشجيع المنظمة الدولية للتربية والثقافة والعلوم (اليونسكو)، وقد عُقدت عدة مؤتمرات وندوات علمية دولية في العقد الأخير من القرن العشرين في تدمر وحلب ودير الزور لدراسة طريق الحرير تاريخياً وأثرياً وحضارياً، كما تعمل جمهوريات آسيا الوسطى على إحيائه بإنشاء شبكة خطوط حديدية تربط شرقي آسيا بمناطق بحر الخزر والبحر الأسود والخليج العربي عبر الأراضي الإيرانية.
    محمد قدور

يعمل...
X