العصر الحجري الحديث أو «النيوليت» neolithique مصطلح يوناني الأصل

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • العصر الحجري الحديث أو «النيوليت» neolithique مصطلح يوناني الأصل

    حجري حديث (عصر)

    The Neolithic (period) - Le Néolithique

    الحجري الحديث (العصر -)

    العصر الحجري الحديث أو «النيوليت» neolithique مصطلح يوناني الأصل، يتألف من neos وتعني حديث وlithos وتعني حجر، استخدم منذ منتصف القرن التاسع عشر تقريباً للدلالة على العصر الذي يؤرخ في الشرق الأوسط، في المرحلة الواقعة بين الألف العاشرة والألف السادسة ق.م. ويقسم إلى قسمين رئيسين، العصر الحجري الحديث ما قبل الفخار pre-pottery neolithic الواقع بين 10000-8000 سنة ق.م، والعصر الحجري الحديث الفخاري pottery neolithic الواقع بين 7000-6000 سنة ق.م.
    اتسع مفهوم هذا المصطلح ليدل على تحول حضاري كان الأهم من نوعه في تاريخ البشرية، تجسد في انتقال مجتمعات العصر الحجري القديم (الباليوليت) من حياة التنقل والصيد والالتقاط إلى الاستقرار وممارسة الزراعة وتدجين الحيوانات، مما قاد إلى نشوء القرى الزراعية الأولى التي ميزت مجتمعات العصر الحجري الحديث، التي أنتجت طعامها بنفسها بعد أن كان أسلافها مستهلكين لخيرات الطبيعة البرية، مما شكل انعطافاً جذرياً في التاريخ الإنساني، أطلق عليه الباحثون اسم الثورة الزراعية أو الثورة النيوليتية neolithic revolution.
    ليس المقصود بتعبير «ثورة» هنا الانقلاب المفاجئ والسريع الذي أطاح بنمط اقتصادي - اجتماعي قديم، ليأتي بنمط جديد، بل استُخدم مصطلح الثورة للدلالة على عمق وشمولية التحول وأهميته ونتائجه على تاريخ الإنسان والحضارة عامة، مع أنه تحوّل تدريجي ومترابط في مختلف مراحله. لقد تجسدت الثورة الزراعية من خلال إبداعات جديدة في مختلف الميادين، دلت عليها القرى الزراعية الأولى التي بُنيت وفق مخططات محددة، وتألفت من بيوت كبيرة وقوية، فيها الشوارع والساحات والمدافن والمعابد والمشاغل وغير ذلك من أنماط الأبنية الفردية والجماعية التي تدل على تبلور سلطة اجتماعية جديدة تنظم وتدير شؤون تلك القرى.
    لم تحدث ابتكارات العصر الحجري الحديث في الوقت والشكل نفسهما في جميع المناطق، وإنما أخذت مظاهر مختلفة في أزمنة مختلفة من العالم. لقد كانت بعض المناطق مهداً أصلاً للتحولات النيوليتية التي انتقلت منها إلى بقية الأرجاء، وقد دلت المكتشفات الأثرية التي أتت على امتداد القرن العشرين أن الشرق الأوسط ،الهلال الخصيب تحديداً، كان الموطن الأول والأقدم الذي حصل فيه البناء والاستقرار وزرعت فيه نباتات القمح والشعير، ودُجنت حيوانات الماعز والغنم والبقر والخنازير، كما دلت على ذلك المواقع الأثرية التي انتشرت من حوض الفرات شمالاً، المريبط وجرف الأحمر في سورية، إلى حوض الأردن جنوباً، أريحا في فلسطين. وقد رافق هذا التحول الاقتصادي تحول اجتماعي عميق آخر دلت عليه الفنون والمعتقدات التي تجسدت بالرسوم الجدارية والحلي والأدوات والتماثيل الإنسانية والحيوانية التي عكست ممارسات عقائد جديدة بينها عقيدة «الربة الأم» و«تقديس الأجداد» و«عبادة الثور» التي استمرت زمناً طويلاً في حضارات الشرق القديم. كما حصل تطور تقني دلت عليه الأسلحة، ولاسيما رؤوس النبال، والأدوات الزراعية كالمناجل والفؤوس والرحى والأجران، تلا ذلك ابتكار الفخار الذي عُدَّ من أهم إنجازات المجتمعات الزراعية في الجزء الثاني من العصر الحجري الحديث، وأصبح من أهم الخصائص التي تميز الشعوب والحضارات على امتداد العصور اللاحقة، إضافة إلى نشوء التجارة وقيام علاقات تبادل بين مختلف المناطق.
    يختلف الباحثون حول حقيقة الأسباب التي أدت إلى نشوء القرى الزراعية التي جسدت الحضارة الإنسانية بمعناها الشامل والمركب، فمنهم من يربطها بالجفاف البيئي الذي تبناه الباحث أرنولد توينبي A.Toyenbee، بينما يرى آخرون أن الزيادة السكانية كانت الدافع الأهم للزراعة، ويعتقد بعضهم أن ابتكار الزراعة يعود إلى التقدم التقني لإنسان العصر الحجري الحديث الذي عاش في بيئة غنية بالخيرات الطبيعية التي أحسن استغلالها (R.Braidwood)، وهناك من يقول إن الزراعة كانت نتيجة دوافع اجتماعية - فكرية (J.Cauvin)، ولكن يتفق هؤلاء على أنه كان للبيئة الغنية بالنباتات والحيوانات البرية، وللمستوى التقني والاجتماعي المتطور لمجتمعات ذلك العصر، الدور الحاسم في ظهور المجتمعات الزراعية الأولى منذ الألفين العاشرة والتاسعة ق.م، ثم انتقلت الزراعة من المشرق العربي القديم إلى شمالي إفريقيا في الألف التاسعة ق.م، وإلى جنوبي ووسط ثم شمالي أوربا على امتداد الألف السادسة والخامسة والرابعة ق.م تباعاً.
    وهناك مناطق أخرى من العالم عرفت الزراعة بشكل مستقل، نتيجة تطور محلي أصيل، فقد زرع الأرز في الصين منذ الألف الثامنة ق.م، بينما لم تعرف بعض المجتمعات في آسيا وإفريقيا الزراعة حتى العصور الميلادية، مما أوجد تبايناً زمنياً وحضارياً شديداً في مفهوم العصر الحجري الحديث على امتداد المعمورة.
    في نهاية الألف السادسة ق.م بدأ الإنسان باستعمال النحاس، وبذلك ينتهي عصر النيوليت ويبدأ عصر «الكالكوليت» chalcolithique أي العصر الحجري النحاسي الذي يمثل المرحلة الأخيرة في عصور ما قبل التاريخ التي تنتهي نحو الألف الرابعة ق.م.
    سلطان محيسن
يعمل...
X