حجابه
- MER DES PALAIS
الحجابة
الحجابة لقب لمنصب في البلاط أو لوظيفة في البلاد الإسلامية اختلفت المهمات الموكلة إلى صاحبها باختلاف المناطق والحقب التاريخية.
ومع أن المراجع تشير إلى أنَّ وظيفة الحاجب ظهرت مع خلافة بني أمية، فإنّ خليفة بن خياط في تاريخه يذكر وجود حاجب للخليفة عثمان بن عفّان وآخر للخليفة علي بن أبي طالب، ولكنّ عمله لم يتعدّ على الأكثر طلب الإذن من الخليفة لمن يريد مقابلته، فلما كانت خلافة بني أمية، أصبح الحاجب مسؤولاً عن إدخال الناس على الخليفة مراعياً في ذلك مركزهم وأهمية العمل الذي يقومون به، فالنصوص الواردة في المصادر تشير إلى وجود مراسم متبعة في استقبال الناس من العامة والخاصة في العصر الأموي.
اقتدى الخلفاء العباسيون ببني أمية فاتخذوا الحُجّاب، وأصبح منصباً الوزارة والحجابة أهم منصبين في الدولة.
وكان الحاجب مسؤولاً عن شؤون البلاط وعن المراسم والتشريفات، ويعين من موظفي القصر بينما أصبح الحجاب يعينون من غلمان الخليفة الأتراك في خلافة المعتصم (218-227هـ/ 833-842م).
في نهاية القرن الثالث الهجري تضاءلت سلطة الحاجب مقارنة مع الوزير الذي تحددت سلطاته، وأصبح الوزير بمنزلة رئيس لحكومة تسانده طبقة الكتاب المتخصصين، إلا أنه بقي للحاجب نفوذه، لأن بعض فرق الحرس كانت تحت إمرته ومن ثمَّ كان موقف الحاجب عاملاً حاسماً في إخفاق الانقلاب على الخليفة المقتدر سنة 296هـ/ 908م. كما أن الحاجب نصر القشوري بقي حاجباً للمقتدر من سنة 296هـ حتى سنة 317هـ/ 929م، في حين كان الوزراء يتغيرون باستمرار. وحينما أوجد الراضي (322-329هـ/ 933-940م) منصب إمرة الأمراء، مُنِح الحاجب لقب حاجب الحُجّاب. وأصبحت مهماته الرئيسة الإشراف على كل الأشخاص الموكل إليهم خدمة أو حراسة الخليفة ومراقبة كل ما يحدث في القصر، وأن ينظم المجالس ويقوم بترتيب مكان جلوس أرباب الدولة وأفراد الحاشية.
انتقل منصب الحاجب إلى السامانيين[ر] الذين اقتفوا أثر العباسيين في إدارة دولتهم، فكان الحاجب في البدء يعين من بين حاشية الأمير، ولكن ابتداء من منتصف القرن الرابع الهجري، لم يَعُد الحاجب مجرد موظف بلاط وإنما أصبح قائداً عسكرياً ذا مرتبة عالية، وبما أنّ معظم الجيش الساماني كان يتألف من المماليك الأتراك، فإنّ الحاجب الكبير أو حاجب الحجاب أو الحاجب بُزرك Buzurg كان يُنتقى منهم، فكان مسؤولاً عن مؤسسة القصر والقائد الأعلى للجيش في الوقت نفسه، فقد كانت سلطة الحاجب ألبتكين في عهد عبد الملك بن نوح الساماني (343-350 هـ/954-961م)، هي السلطة العليا في الدولة بعد الأمير. كما أن سبكتكين مملوك ألبتكين الذي كان حاكماً لغزنة نيابة عن السامانيين حتى وفاته سنة 387 هـ/997م نُقش على شاهدة قبره (الحاجب الأجل).
ويصف نظام الملك نشأة مملوك تركي ببلاط السامانيين منذ لحظة شرائه إلى أن يصل إلى أعلى المراتب وهي رتبة حاجب الحجاب. فبعد أن يتخطى المملوك مراتب عدة طوال سنوات سبع يُمنح في السنة الثامنة لقب وثاق باشي (أي رئيس خيمة) ويضم إليه ثلاثة غلمان من المماليك الجدد، وبعد هذا كان يتدرج حتى يبلغ مرتبة خيل باشي (أي قائد كتيبة من الفرسان) وأخيراً يصل إلى مرتبة الحاجب، وعلى رأس جميع رجال البلاط يقف الحاجب الأكبر (حاجب بُزرك) الذي كان يعد من أعمدة الدولة.
انتقلت وظيفة الحاجب من الـسامـانيين إلى الغزنويين[ر] خلفائهم في خـراسـان، والبيهقي في تاريخه عن الـسلطان مـسعود الغزنوي (421-442هـ/1030-1050م) يشير إلى المكانة الكبيرة التي كان يحتلها الحاجب بزرك، فقد كان القائد الأعلى للجيش بعد السلطان وله السلطة العليا في ميدان المعركة في حال غياب السلطان، وكان تحت إمرته عدد من الحجاب (القادة) معظمهم من الأتراك، ولكنه لم يكن مسؤولاً، كما في عهد السامانيين، عن شؤون البلاط التي أُسندت إلى موظف يُعرف باسم وكيل خاص.
لم يعد لحاجب الحجاب أو الأمير الحاجب في العصر السلجوقي تلك المكانة التي كانت له عند الغزنويين والسامانيين، ولم يعد قائداً للجيش، وإنما أصبح موظفاً من موظفي البلاط، وبما أن بلاط السلاجقة كان بلاطاً عسكرياً، فإنّ الأمير الحاجب كان أميراً تركياً تحت إمرته غلمان من المماليك العسكريين وكان يعد أهمَّ موظف في البلاط وأعلى مرتبة من أمير الحرس، وفي عهد محمد بن ملكشاه من سلاجقة العراق (548-554هـ/ 1153-1159م) كان الأمير الحاجب يقوم بدور الوسيط بين السلطان والوزير، فكان يتلقى الأوامر والتعليمات من السلطان ويبلغها للوزير.
في عهد الإيلخانيين[ر] كان الحاجب مسؤولاً عن شؤون البلاط ويعين من طبقة العسكريين، أما في عهد التيموريين[ر] فإن الحاجب يذكر بين موظفي القصر وكان دون مرتبة نوَّاب الحضرة.
الحاجب في مصر وسورية
كان الحاجب الكبير في بلاط الفاطميين يعرف باسم صاحب الباب أو حاجب الحجاب، ويتمتع بمكانة رفيعة ويترأس عدداً من الحجاب، كما عُرِف في مصر موظف باسم حاجب الديوان، وكان مسؤولاً عن أسرار الدولة.
وقد أدخل السلاجقة في سورية منصب الحاجب العسكري المعروف في الشرق، وبما أن كلاّ من الدولتين الزنكية والأيوبية كانتا متأثرتين بالنظم السلجوقية فإن الحاجب في عهديهما كان قائداً عسكرياً، وقد يعين آمراً للقلعة أو صاحب شرطة (شحنة).
أما رُتبة الحجابة في دولة سلاطين المماليك أو الدولة التركية وفق تعبير المقريزي، فكانت رتبة جليلة تلي رتبة نيابة السلطنة، وكانت مهمته الرئيسة النظر في مخاصمات الأجناد وفقاً لقانون المغول (الياسا).
لم يكن أحد من الحجاب في بادئ الأمر يتعرض للحكم في شيء من الأمور الشرعية، وإنما يرجع ذلك إلى قضاة الشرع، ثم تغيّر الوضع حينما أسند سنة 735 هـ/1334م إلى الحاجب سيف الدين جرجي النظر في أرباب الديون، ثم صار الحاجب في عهد المقريزي (القرن التاسع الهجري/الخامس عشر الميلادي) يحكم في كل جليل وحقير من الأمور سواء أكان الحكم شرعياً أم سياسياً، وإن تعرَّض قاض من قضاة الشرع لأخذ غريم من باب الحاجب لم يمكّن من ذلك، وفي عهد السلطان المؤيد شيخ (815-824هـ/1412-1421م) منحت وظيفة المحتسب أول مرة لأمير حاجب، بينما كانت قبلاً تُعهد إلى أحد العلماء.
لم يقتصر وجود الحاجب وأمير حاجب في مصر فقط، وإنما وجد في نيابة دمشق في عهد الناصر بن قلاوون (709-741 هـ/1310-1341م) ثلاثة حجاب أحدهم حاجب الحجاب وكذلك في نيابة حلب وطرابلس.
اختلفت مهمات الحاجب في الأندلس عما كانت عليه في المشرق سواء في عهد الإمارة (138-316 هـ/755-928م) أو الخلافة (316-399 هـ/928-1008م) فقد كان منصب الحجابة في الأندلس أرفع مستوى من منصب الوزير، لأن الوزراء كانوا مستشارين يجمعهم الأمير أو الخليفة حوله وينتقى من بينهم الحاجب الذي كان يعاون الأمير في الإدارة والحكم، وكان بمنزلة رئيس للوزراء يشرف على القصور الملكية وعلى القضاء وديوان المالية، وإذا كان منصب الحجابة قد بقي شاغراً مدة ثلاثين سنة في عهد الخليفة عبد الرحمن الثالث (300 -350 هـ/912-961م) فإن ابنه الحكم الثاني (350-366 هـ/961-976م) عاد إلى تعيين حاجب له بعد وفاة والده. وبعد سنوات قليلة أصبح منصب الحجابة نقطة الانطلاق التي حققت لابن عامر مطامحه، فقد نجح في عام 367 هـ/977م في أن يتوصل إلى منصب الحاجب، ثم أن يجمع كل السلطات في يده في خلافة هشام الثاني الصغير السن، واتخذ لنفسه عام 371 هـ/981م لقب المنصور بالله. إنّ الهيبة التي ارتبطت بمنصب الحجابة استمرت حتى بعد سقوط الخلافة الأموية، فإن أمراء دول الطوائف اتخذوا لأنفسهم في بادئ الأمر لقب الحاجب للدلالة على أنهم نواب الخليفة في حكم مناطقهم.
أما في شـمالي إفريقية فلـم يعد لـوظيفة الحاجب وجود بعد انتقال الفاطميين إلى مصر سنة 362 هـ/972م، ولكن هذه الوظيفة ظهرت ثانية في عهد الحفصيين[ر]، ففي عهد السلطان أبي إسحاق (678-682 هـ/1279-1283م) كان الحاجب مشرفاً على شؤون القصر، كما كان وسيطاً بين الحاكم ورعيته على اختلاف طبقاتها. ازدادت أهمية الحاجب بعد حكم أبي حفص عمر الأول (683-694 هـ/1284-1295م) فقد أصبح حاجب أبي بكر الثاني (718-747هـ/1318-1346م) بمنزلة رئيس للوزراء. وكان أشهر حاجب في عهد الحفصيين ابن تفراجين الذي جعل الحجابة في النصف الثاني من حكم أبي بكر منصباً له مسؤولياته الكبيرة. وبعد عودة الحفصيين للحكم في الثلث الأخير من القرن الثامن الهجري، الرابع عشر الميلادي عاد الحاجب مشرفاً على شؤون القصر ومسؤولاً عن المراسم والتشريفات، وفي تلمسان في عهد بني عبد الواد (637-962 هـ/1329-1554م) أصبح الحاجب كبير موظفي القصر ووزيراً للمالية، واختفت هذه الوظيفة بعد سقوط الدولتين.
نجدة خماش
- MER DES PALAIS
الحجابة
الحجابة لقب لمنصب في البلاط أو لوظيفة في البلاد الإسلامية اختلفت المهمات الموكلة إلى صاحبها باختلاف المناطق والحقب التاريخية.
ومع أن المراجع تشير إلى أنَّ وظيفة الحاجب ظهرت مع خلافة بني أمية، فإنّ خليفة بن خياط في تاريخه يذكر وجود حاجب للخليفة عثمان بن عفّان وآخر للخليفة علي بن أبي طالب، ولكنّ عمله لم يتعدّ على الأكثر طلب الإذن من الخليفة لمن يريد مقابلته، فلما كانت خلافة بني أمية، أصبح الحاجب مسؤولاً عن إدخال الناس على الخليفة مراعياً في ذلك مركزهم وأهمية العمل الذي يقومون به، فالنصوص الواردة في المصادر تشير إلى وجود مراسم متبعة في استقبال الناس من العامة والخاصة في العصر الأموي.
اقتدى الخلفاء العباسيون ببني أمية فاتخذوا الحُجّاب، وأصبح منصباً الوزارة والحجابة أهم منصبين في الدولة.
وكان الحاجب مسؤولاً عن شؤون البلاط وعن المراسم والتشريفات، ويعين من موظفي القصر بينما أصبح الحجاب يعينون من غلمان الخليفة الأتراك في خلافة المعتصم (218-227هـ/ 833-842م).
في نهاية القرن الثالث الهجري تضاءلت سلطة الحاجب مقارنة مع الوزير الذي تحددت سلطاته، وأصبح الوزير بمنزلة رئيس لحكومة تسانده طبقة الكتاب المتخصصين، إلا أنه بقي للحاجب نفوذه، لأن بعض فرق الحرس كانت تحت إمرته ومن ثمَّ كان موقف الحاجب عاملاً حاسماً في إخفاق الانقلاب على الخليفة المقتدر سنة 296هـ/ 908م. كما أن الحاجب نصر القشوري بقي حاجباً للمقتدر من سنة 296هـ حتى سنة 317هـ/ 929م، في حين كان الوزراء يتغيرون باستمرار. وحينما أوجد الراضي (322-329هـ/ 933-940م) منصب إمرة الأمراء، مُنِح الحاجب لقب حاجب الحُجّاب. وأصبحت مهماته الرئيسة الإشراف على كل الأشخاص الموكل إليهم خدمة أو حراسة الخليفة ومراقبة كل ما يحدث في القصر، وأن ينظم المجالس ويقوم بترتيب مكان جلوس أرباب الدولة وأفراد الحاشية.
انتقل منصب الحاجب إلى السامانيين[ر] الذين اقتفوا أثر العباسيين في إدارة دولتهم، فكان الحاجب في البدء يعين من بين حاشية الأمير، ولكن ابتداء من منتصف القرن الرابع الهجري، لم يَعُد الحاجب مجرد موظف بلاط وإنما أصبح قائداً عسكرياً ذا مرتبة عالية، وبما أنّ معظم الجيش الساماني كان يتألف من المماليك الأتراك، فإنّ الحاجب الكبير أو حاجب الحجاب أو الحاجب بُزرك Buzurg كان يُنتقى منهم، فكان مسؤولاً عن مؤسسة القصر والقائد الأعلى للجيش في الوقت نفسه، فقد كانت سلطة الحاجب ألبتكين في عهد عبد الملك بن نوح الساماني (343-350 هـ/954-961م)، هي السلطة العليا في الدولة بعد الأمير. كما أن سبكتكين مملوك ألبتكين الذي كان حاكماً لغزنة نيابة عن السامانيين حتى وفاته سنة 387 هـ/997م نُقش على شاهدة قبره (الحاجب الأجل).
ويصف نظام الملك نشأة مملوك تركي ببلاط السامانيين منذ لحظة شرائه إلى أن يصل إلى أعلى المراتب وهي رتبة حاجب الحجاب. فبعد أن يتخطى المملوك مراتب عدة طوال سنوات سبع يُمنح في السنة الثامنة لقب وثاق باشي (أي رئيس خيمة) ويضم إليه ثلاثة غلمان من المماليك الجدد، وبعد هذا كان يتدرج حتى يبلغ مرتبة خيل باشي (أي قائد كتيبة من الفرسان) وأخيراً يصل إلى مرتبة الحاجب، وعلى رأس جميع رجال البلاط يقف الحاجب الأكبر (حاجب بُزرك) الذي كان يعد من أعمدة الدولة.
انتقلت وظيفة الحاجب من الـسامـانيين إلى الغزنويين[ر] خلفائهم في خـراسـان، والبيهقي في تاريخه عن الـسلطان مـسعود الغزنوي (421-442هـ/1030-1050م) يشير إلى المكانة الكبيرة التي كان يحتلها الحاجب بزرك، فقد كان القائد الأعلى للجيش بعد السلطان وله السلطة العليا في ميدان المعركة في حال غياب السلطان، وكان تحت إمرته عدد من الحجاب (القادة) معظمهم من الأتراك، ولكنه لم يكن مسؤولاً، كما في عهد السامانيين، عن شؤون البلاط التي أُسندت إلى موظف يُعرف باسم وكيل خاص.
لم يعد لحاجب الحجاب أو الأمير الحاجب في العصر السلجوقي تلك المكانة التي كانت له عند الغزنويين والسامانيين، ولم يعد قائداً للجيش، وإنما أصبح موظفاً من موظفي البلاط، وبما أن بلاط السلاجقة كان بلاطاً عسكرياً، فإنّ الأمير الحاجب كان أميراً تركياً تحت إمرته غلمان من المماليك العسكريين وكان يعد أهمَّ موظف في البلاط وأعلى مرتبة من أمير الحرس، وفي عهد محمد بن ملكشاه من سلاجقة العراق (548-554هـ/ 1153-1159م) كان الأمير الحاجب يقوم بدور الوسيط بين السلطان والوزير، فكان يتلقى الأوامر والتعليمات من السلطان ويبلغها للوزير.
في عهد الإيلخانيين[ر] كان الحاجب مسؤولاً عن شؤون البلاط ويعين من طبقة العسكريين، أما في عهد التيموريين[ر] فإن الحاجب يذكر بين موظفي القصر وكان دون مرتبة نوَّاب الحضرة.
الحاجب في مصر وسورية
كان الحاجب الكبير في بلاط الفاطميين يعرف باسم صاحب الباب أو حاجب الحجاب، ويتمتع بمكانة رفيعة ويترأس عدداً من الحجاب، كما عُرِف في مصر موظف باسم حاجب الديوان، وكان مسؤولاً عن أسرار الدولة.
وقد أدخل السلاجقة في سورية منصب الحاجب العسكري المعروف في الشرق، وبما أن كلاّ من الدولتين الزنكية والأيوبية كانتا متأثرتين بالنظم السلجوقية فإن الحاجب في عهديهما كان قائداً عسكرياً، وقد يعين آمراً للقلعة أو صاحب شرطة (شحنة).
أما رُتبة الحجابة في دولة سلاطين المماليك أو الدولة التركية وفق تعبير المقريزي، فكانت رتبة جليلة تلي رتبة نيابة السلطنة، وكانت مهمته الرئيسة النظر في مخاصمات الأجناد وفقاً لقانون المغول (الياسا).
لم يكن أحد من الحجاب في بادئ الأمر يتعرض للحكم في شيء من الأمور الشرعية، وإنما يرجع ذلك إلى قضاة الشرع، ثم تغيّر الوضع حينما أسند سنة 735 هـ/1334م إلى الحاجب سيف الدين جرجي النظر في أرباب الديون، ثم صار الحاجب في عهد المقريزي (القرن التاسع الهجري/الخامس عشر الميلادي) يحكم في كل جليل وحقير من الأمور سواء أكان الحكم شرعياً أم سياسياً، وإن تعرَّض قاض من قضاة الشرع لأخذ غريم من باب الحاجب لم يمكّن من ذلك، وفي عهد السلطان المؤيد شيخ (815-824هـ/1412-1421م) منحت وظيفة المحتسب أول مرة لأمير حاجب، بينما كانت قبلاً تُعهد إلى أحد العلماء.
لم يقتصر وجود الحاجب وأمير حاجب في مصر فقط، وإنما وجد في نيابة دمشق في عهد الناصر بن قلاوون (709-741 هـ/1310-1341م) ثلاثة حجاب أحدهم حاجب الحجاب وكذلك في نيابة حلب وطرابلس.
اختلفت مهمات الحاجب في الأندلس عما كانت عليه في المشرق سواء في عهد الإمارة (138-316 هـ/755-928م) أو الخلافة (316-399 هـ/928-1008م) فقد كان منصب الحجابة في الأندلس أرفع مستوى من منصب الوزير، لأن الوزراء كانوا مستشارين يجمعهم الأمير أو الخليفة حوله وينتقى من بينهم الحاجب الذي كان يعاون الأمير في الإدارة والحكم، وكان بمنزلة رئيس للوزراء يشرف على القصور الملكية وعلى القضاء وديوان المالية، وإذا كان منصب الحجابة قد بقي شاغراً مدة ثلاثين سنة في عهد الخليفة عبد الرحمن الثالث (300 -350 هـ/912-961م) فإن ابنه الحكم الثاني (350-366 هـ/961-976م) عاد إلى تعيين حاجب له بعد وفاة والده. وبعد سنوات قليلة أصبح منصب الحجابة نقطة الانطلاق التي حققت لابن عامر مطامحه، فقد نجح في عام 367 هـ/977م في أن يتوصل إلى منصب الحاجب، ثم أن يجمع كل السلطات في يده في خلافة هشام الثاني الصغير السن، واتخذ لنفسه عام 371 هـ/981م لقب المنصور بالله. إنّ الهيبة التي ارتبطت بمنصب الحجابة استمرت حتى بعد سقوط الخلافة الأموية، فإن أمراء دول الطوائف اتخذوا لأنفسهم في بادئ الأمر لقب الحاجب للدلالة على أنهم نواب الخليفة في حكم مناطقهم.
أما في شـمالي إفريقية فلـم يعد لـوظيفة الحاجب وجود بعد انتقال الفاطميين إلى مصر سنة 362 هـ/972م، ولكن هذه الوظيفة ظهرت ثانية في عهد الحفصيين[ر]، ففي عهد السلطان أبي إسحاق (678-682 هـ/1279-1283م) كان الحاجب مشرفاً على شؤون القصر، كما كان وسيطاً بين الحاكم ورعيته على اختلاف طبقاتها. ازدادت أهمية الحاجب بعد حكم أبي حفص عمر الأول (683-694 هـ/1284-1295م) فقد أصبح حاجب أبي بكر الثاني (718-747هـ/1318-1346م) بمنزلة رئيس للوزراء. وكان أشهر حاجب في عهد الحفصيين ابن تفراجين الذي جعل الحجابة في النصف الثاني من حكم أبي بكر منصباً له مسؤولياته الكبيرة. وبعد عودة الحفصيين للحكم في الثلث الأخير من القرن الثامن الهجري، الرابع عشر الميلادي عاد الحاجب مشرفاً على شؤون القصر ومسؤولاً عن المراسم والتشريفات، وفي تلمسان في عهد بني عبد الواد (637-962 هـ/1329-1554م) أصبح الحاجب كبير موظفي القصر ووزيراً للمالية، واختفت هذه الوظيفة بعد سقوط الدولتين.
نجدة خماش