برجيس شآمي والبوط عثماني
سمية الجندي
سير
غيلان الصفدي، سورية
شارك هذا المقال
حجم الخط
كثر اللاعبون وأنت وحيدة في الجانب الآخر
يلحفون في ضيمك وأنت في الصمت توغلين
هل تذكرين البرجيس يا أمي؟
لعبة السهرات في شآمنا الحزين
قبل أن رُحِّلت عن البيت والوطن
وقبل أن تصير رقعة البرجيس لظى من الذاكرة
وخيوط الحرير أسلاكًا من الشوك
وقبل أن يعيدوا تعريف الوطن وأعداء الوطن وأبناء الوطن
فيجعلوا منها مفردات قابلة للصرف خارج الزمان والمكان
نحن وحدنا في جانب الرقعة وخصومنا في الجانب الآخر ما أكثرهم
كعصبة من ضباع أنشبوا فينا الأظافر حتى وقعنا وطال بنا الوقوع..
أما قلتِ يومًا "حين تقع النعجة تكثر سكاكينها"؟
وهذا زمان للوقوع، للسكاكين... لا لسنانير الحياكة وإبر التطريز
لحبال الخيش في المشانق لا لحرير رقعة البرجيس
للبارود، لا لنوافير الحوش الرطيب
وهذا "المطبخ" منذ أن صار ثكنة للضباع يرتع الأوباش فيه
يوصدون بابه دوننا بالمؤامرات والسيافين والحواجز
ونحن من غير حجارة ما عاد لنا من ملاذ غير بيانات الشجب
والوعود العصية على التحقق، وروائح المعاهدات التي فسدت من طول تخمر
و"بارة" صارت لنا مثل كابوس رجيم..
لا بد تذكرين...!
ذلك الزمن الهني... مثل آذار... الرحب كسماء الرب فاتحًا صدره لمواكب السنونو واللقالق
قبل أن ترتع في رحبه قاصفات القنابل وراميات البراميل الحارقة
لا بد تذكرين...
زمن الأطايب في سهرات الشتاء والكستناء ودفء الحكايات
وفرقعات الضحك في الليوان، وقرقعة "الودع" فوق رقعة البرجيس
وباحة للبيت تعمرها الخوابي... عامرة بالورد بالريحان بست الحسن وغناجة المستحية ومحلى زمانو...
كنت ربة البيت وربة المطبخ يا أمي...
إلى أن أتى الأوباش فاقتلعوك من دارتك وعاثوا فيها مفسدين
سادوا ومادوا وخبصوا إلى أن شاطت الطبخة وبما فيها فاضت القدور
مزقوا ديباج المتكئ الهني!
لطخوا بالوحل والدم مخمل الرقعة وسمَّوكِ أَمَه
وأنت من كنت (ولا زلت) ربة الياسمين
لو يعلمون كم هو موجع أن يصير صاحب الدار ضيفًا في داره
لو يعلمون أن ركلة ذاك البوط العثماني في وجهك
أوجع من مدافع نابليون ومجانيق ديودوروس
أبناؤك خيل منهكة من سغب ورعب فلا حول لهم
صاروا حتى من قبل أن يبدأ السباق يدعون بالاسم "أحصنة"
ثم دوهمت "شارتك" من "قبة" السارقين!
ألَّب الأوباش عليك "الديوك" و"الجند" معًا
صار برجيسك كعلم قرصان مزقته الريح
ألم يكن في رقعته مكان للبداية ومكان للنهاية...؟
دست، بنج، شكة، بارا...
ولا نحن في البداية ولا نحن إلى النهاية
ما عاد لنا من مكان سوى رقعة الحلم..
والصدفة وحدها قد تكون معجزة للخلاص
تحسم اللعبة وتمحو من عالمنا زخم الكوابيس
فكفكفي دمعك يا أمي.. فلعل الصدفة قادمة.. ولعل سقطتنا لن تطول!
بحق خدك المصفوع بحافر البغل لن تطول
إلى مزيد من الليل مزيد من الذل، ثقي، لن يكون بنا الانتهاء.
*كاتبة سورية/ ستوكهولم.
توضيحات
البرجيس أو البرسيس: لعبة شعبية معروفة في حلب والشام وبلاد الشام.
الأحصنة والحجارة، والديوك والجند والشارة والودع، والمطبخ: مصطلحات تطلق على لوازم لعبة البرجيس.
دست، بنج، شكة، بارا: مصطلحات تستعمل في لعبة البرجيس.
محلى زمانو: النرجس.
غناجة المستحية: العشبة المستحية لها ورق مثل الزعتر تنكمش عند محاولة لمسها.
ست الحسن (بيلا دونا): نبتة عشبية معمرة من العائلة الباذنجانية.
سمية الجندي
سير
غيلان الصفدي، سورية
شارك هذا المقال
حجم الخط
كثر اللاعبون وأنت وحيدة في الجانب الآخر
يلحفون في ضيمك وأنت في الصمت توغلين
هل تذكرين البرجيس يا أمي؟
لعبة السهرات في شآمنا الحزين
قبل أن رُحِّلت عن البيت والوطن
وقبل أن تصير رقعة البرجيس لظى من الذاكرة
وخيوط الحرير أسلاكًا من الشوك
وقبل أن يعيدوا تعريف الوطن وأعداء الوطن وأبناء الوطن
فيجعلوا منها مفردات قابلة للصرف خارج الزمان والمكان
نحن وحدنا في جانب الرقعة وخصومنا في الجانب الآخر ما أكثرهم
كعصبة من ضباع أنشبوا فينا الأظافر حتى وقعنا وطال بنا الوقوع..
أما قلتِ يومًا "حين تقع النعجة تكثر سكاكينها"؟
وهذا زمان للوقوع، للسكاكين... لا لسنانير الحياكة وإبر التطريز
لحبال الخيش في المشانق لا لحرير رقعة البرجيس
للبارود، لا لنوافير الحوش الرطيب
وهذا "المطبخ" منذ أن صار ثكنة للضباع يرتع الأوباش فيه
يوصدون بابه دوننا بالمؤامرات والسيافين والحواجز
ونحن من غير حجارة ما عاد لنا من ملاذ غير بيانات الشجب
والوعود العصية على التحقق، وروائح المعاهدات التي فسدت من طول تخمر
و"بارة" صارت لنا مثل كابوس رجيم..
لا بد تذكرين...!
ذلك الزمن الهني... مثل آذار... الرحب كسماء الرب فاتحًا صدره لمواكب السنونو واللقالق
قبل أن ترتع في رحبه قاصفات القنابل وراميات البراميل الحارقة
لا بد تذكرين...
زمن الأطايب في سهرات الشتاء والكستناء ودفء الحكايات
وفرقعات الضحك في الليوان، وقرقعة "الودع" فوق رقعة البرجيس
وباحة للبيت تعمرها الخوابي... عامرة بالورد بالريحان بست الحسن وغناجة المستحية ومحلى زمانو...
كنت ربة البيت وربة المطبخ يا أمي...
إلى أن أتى الأوباش فاقتلعوك من دارتك وعاثوا فيها مفسدين
سادوا ومادوا وخبصوا إلى أن شاطت الطبخة وبما فيها فاضت القدور
مزقوا ديباج المتكئ الهني!
لطخوا بالوحل والدم مخمل الرقعة وسمَّوكِ أَمَه
وأنت من كنت (ولا زلت) ربة الياسمين
لو يعلمون كم هو موجع أن يصير صاحب الدار ضيفًا في داره
لو يعلمون أن ركلة ذاك البوط العثماني في وجهك
أوجع من مدافع نابليون ومجانيق ديودوروس
أبناؤك خيل منهكة من سغب ورعب فلا حول لهم
صاروا حتى من قبل أن يبدأ السباق يدعون بالاسم "أحصنة"
ثم دوهمت "شارتك" من "قبة" السارقين!
ألَّب الأوباش عليك "الديوك" و"الجند" معًا
صار برجيسك كعلم قرصان مزقته الريح
ألم يكن في رقعته مكان للبداية ومكان للنهاية...؟
دست، بنج، شكة، بارا...
ولا نحن في البداية ولا نحن إلى النهاية
ما عاد لنا من مكان سوى رقعة الحلم..
والصدفة وحدها قد تكون معجزة للخلاص
تحسم اللعبة وتمحو من عالمنا زخم الكوابيس
فكفكفي دمعك يا أمي.. فلعل الصدفة قادمة.. ولعل سقطتنا لن تطول!
بحق خدك المصفوع بحافر البغل لن تطول
إلى مزيد من الليل مزيد من الذل، ثقي، لن يكون بنا الانتهاء.
*كاتبة سورية/ ستوكهولم.
توضيحات
البرجيس أو البرسيس: لعبة شعبية معروفة في حلب والشام وبلاد الشام.
الأحصنة والحجارة، والديوك والجند والشارة والودع، والمطبخ: مصطلحات تطلق على لوازم لعبة البرجيس.
دست، بنج، شكة، بارا: مصطلحات تستعمل في لعبة البرجيس.
محلى زمانو: النرجس.
غناجة المستحية: العشبة المستحية لها ورق مثل الزعتر تنكمش عند محاولة لمسها.
ست الحسن (بيلا دونا): نبتة عشبية معمرة من العائلة الباذنجانية.