ماكبث شكسبير يتحول إلى مسلسل درامي في سورية

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • ماكبث شكسبير يتحول إلى مسلسل درامي في سورية

    ماكبث شكسبير يتحول إلى مسلسل درامي في سوريا


    "وصايا الصبار" مسلسل يغوص في أعماق المجتمع السوري عبر شخصيات متناقضة.


    عبدالمنعم عمايري وأمل عرفة ماكبث وزوجته

    هناك اختلافات شكلية كثيرة بين الفن المسرحي والمسلسلات الدرامية، اختلافات قد تصل عند البعض إلى التناقض التام بين الفنين رغم ما فيهما من تشابه خاصة في اشتغالهما على “الدراما” والتجسيد والشخصيات والنص والصورة وغيرها من عناصر. وتبقى محاولة تحويل عمل من كلاسيكيات المسرح إلى مساحة مسلسل مغامرة، شاهدناها مثلا مع أعمال شكسبير، وهذا الأخير يستعاد مرة أخرى في مسلسل ولكنه عربي هذه المرة بإنتاج سوري، مستند على واحدة من أشهر مسرحياته.

    تعيش في حياة الناس شخصيات قوية تتحكم بمصائرها، وتكون ذات حضور طاغ في محيطها، حتى لو كان هذا الحضور سلبيا. من هذه الشخصيات التاريخية ماكبث، القائد العسكري ثم الملك الطاغية في أسكتلندا، الذي شدت شخصيته الكاتب المسرحي الأشهر في إنجلترا وليم شكسبير وألف عنه وباسمه عرضا مسرحيا شكل حضورا لافتا في تاريخ الفن المسرحي والفني عموما عبر مئات السنين. وكثيرا ما تقدم الحياة شخصيات مشابهة لماكبث، بسلوكه وأطماعه وجشعه وإجرامه.

    من هذا الفهم وبحثا عن تناول جديد لهذه الموضوعة يتناول مسلسل سوري جديد هذه الثيمة مشرحا لها في المجتمع السوري المعاصر.
    حضور مواز


    في عام 1606 ظهرت مسرحية شكسبير “ماكبث”، وهي أقصر تراجيدية كتبها، وقدم فيها سيرة حياة القائد العسكري الأسكتلندي ماكبث، الذي تخبره ساحرات ثلاث أنه سيصير ملك اسكتلندا، فيؤمن بتلك النبوءة ويتملكه الطمع بأن يكون الملك فعلا، وبدفع من السيدة ماكبث زوجته التي لا تقل عنه طمعا وحقدا، يخططان لقتل الملك والاستيلاء على العرش، وهذا ما يكون فعلا، حيث يقتل ماكبث الملك دنكان وكثيرا من المقربين منه لكي يتفرد بالسلطة.



    قدم شكسبير من خلال مسرحية ماكبث معالجة موضوعية للسلوك الإنساني المنحرف القائم على الجشع الذي يتملك شخصا قادرا وحاصلا على الكثير من احتياجات الحياة، بحكم موقعه الوظيفي العالي، لكن طمع النفس البشرية ولوثة حب السلطة والمال تصل به إلى مهاو خطيرة.

    كثيرا ما قدمت مسرحية ماكبث في فنون أخرى، فظهرت في فنون موازية، فقدم النص المسرحي العشرات من المرات في السينما العالمية، منذ المحاولة الأولى في اليابان عام 1957 ثم ظهر النص في محاولات في ألمانيا وإيطاليا ويوغسلافية وفرنسا وطبعا في إنجلترا والولايات المتحدة وصولا إلى العديد من المحاولات الدرامية الفنية المختلفة في مواد وثائقية أو في دراما التلفزيون، حيث تم الاتكاء عليه في بناء مسار فني لمسلسل أو فيلم وثائقي محدد. ومازالت شخوص مسرحية ماكبث حاضرة بقوة في العديد من الظهورات الدرامية المختلفة في الفن العالمي.

    تعيش سوريا منذ ما يزيد عن العشر سنوات حربا قاسية، نكأت في مجتمعها جروحا عميقة، وأظهرت كما في أي مجتمع حرب شكلا مأزوما من الأمراض الإجتماعية والتشوهات النفسية والأخلاقية التي كانت موجودة قبل الحرب ولكن بحدة أقل. فظهرت في المجتمع السوري خلال العشرية الأخيرة شرائح اجتماعية بالغة السوء، تتجه لتحقيق أهدافها على رقاب الآخرين ومهما كانت الأثمان، مستفيدة من حالة الفوضى التي وجدت.

    هؤلاء الوصوليون يشبهون شخوص مسرحية ماكبث الذين كانوا وقودا لأطماعه ونزواته، ومن خلال هذه الثيمة تصدى الكاتب فادي حسين لكتابة نص درامي تلفزيوني في عشر حلقات، حمل عنوان “وصايا الصبار” في كناية عن نبات الصبار الشوكي الذي يهدد من يلمسه بخطر التأذي بأشواكه.

    العمل هو باكورة إنتاجات شركة “أمبريس ستوديو” التي عهدت بالعمل لمخرج تلفزيوني متميز حقق نجاحات سابقة في الدراما السورية، خاصة في الشكل الاجتماعي القريب بل المعاش في حياة الناس، وهو المخرج سمير حسين، صاحب مسلسلات “ليل ورجال” و”أمهات” و”قاع المدينة” و”وراء الشمس” و”فوضى” و”بانتظار الياسمين” الذي وصل به إلى آخر مرحلة في مسابقة الإيمي ووردز العالمية في الولايات المتحدة وهي تعادل الأوسكار السينمائي. وها هو يعود بعمله الحالي لشكل المسلسل الاجتماعي البحت بعد مشروع كبير ومتعثر له في الموسمين الماضيين من خلال مسلسل الكندوش الذي قدمه في شكل البيئة الشامية.



    صراعات ومواجهات ومصائر خطرة ومجهولة ترافق حياة شخوص مسلسل “وصايا الصبار”، فبحسب كاتبه فادي حسين يلفت إلى أنه أراد أن يكتب عن الناس الطبيعيين في مجتمع ما بعد الحرب وما يمكن أن يكونوا عليه.

    وأضاف حسين “دلالة عنوان العمل ‘وصايا الصبار‘ فرضتها حيثيات شخوصه، فنبات الصبار شوكي، لا يمكن أن ينتج إلا الأشواك التي تسبب الألم للناس، وهو بحاله المعروف عليها لا يمكن أن ينتج إلا الأشواك، كذلك بعض الناس الذين مهما كان شكلهم ناعما ولطيفا فإنهم لا يمكن أن يقدموا إلا الشرور والمتاعب”.

    ويبين الكاتب بأنه يقدم في مسلسله “متابعة لمجموعة من الأشخاص في طبقتين اجتماعيتين متباعدتين، إحداهما تمتلك السلطة والمال والثانية عكسها، مسحوقة ومغلوبة، وهنالك جزء تاريخي قديم ولاهب ومشترك بينهما، لا يلبث أن يظهر في مسارات حيواتهم، ويحدث المزيد من الصراعات والخلافات بينها، حاملا المزيد من الحبكات الدرامية المشوقة والمثيرة”.
    مخرج الأعمال الاجتماعية


    دأب سمير حسين مخرج المسلسل على تقديم رؤى فنية عميقة لما يقدمه، فقدم سابقا عملا عن الأمهات وأصحاب الاحتياجات الخاصة وعوالم الشعوذة، وكذلك في أحلام ساكني العشوائيات، دخل إلى عوالم مجهولة ومهمشة من قاع المجتمع، وهو يؤكد بأنه سيقدم في المسلسل الجديد “ما يقارب المجتمع السوري الحالي، بتناقضاته و تفاصيله المؤلمة، وهي المساحة التي أرتاح في العمل فيها، كوني من منشأ مناطق شعبية حملت هذا التناقض والتلون حتى أقصاه، وأوجد عندي معرفة تامة بخبايا هذا المجتمع وبالتالي القدرة على استجلاء مكامن الغموض فيه وتقديمه بشكل موثق وواضح”.

    وقدم حسين قبلا العديد من الأعمال الاجتماعية التي لاقت نجاحا في الدراما العربية، كما في مسلسل “قاع المدينة” الذي كتبه محمد العاص وقدم فيه حياة العشوائيات المحيطة بدمشق ومرارات الحياة التي تكون فيها ومقدار التشوهات الاجتماعية التي تتكون فيها، وهو الموضوع الذي تناوله بعدها في مسلسل “فوضى” عن نص ألفة حسن سامي يوسف، كما قدم مسلسلا شهيرا عن ذوي الاحتياجات الخاصة حمل عنوان “وراء الشمس” كان بطله بسام كوسا وحقق نجاحا غير مسبوق واعتبر نقطة مضيئة في تاريخ الدراما السورية والعربية عموما.
    تفاصيل إنتاجية



    شخصيات وصولية


    يشكل “وصايا الصبار” الظهور الأول للجهة المنتجة، وقد بينت أنها توجهت نحو الشكل الاجتماعي كونه يشكل الجاذب الأوسع للجمهور، ويؤكد منتج المسلسل أن “الإعداد له كلف الكثير من الوقت والجهد، فالكاتب أعد نصا يحكي فيه عن المشاكل الحياتية اليومية ومشاكل الطمع في السلوك الإنساني، وبمجرد انطلاق العمل بدأت ورشة عمل بين الكاتب والمخرج سمير حسين لإجراء تعديلات وتطويرات في النص”.

    ويضيف “استمرت هذه الفترة لما يقارب الستة أشهر لكن النتيجة كانت في الوصول إلى نص مليء بالتشويق والإثارة. ويبدو أن طبيعة النص أوجدت العديد من الشخصيات الشابة”.

    ويبيّن المنتج أن النص أتاح فرصة وجود مواهب في فن التمثيل من جيل الشباب، وقد عهدت الجهة المنتجة بهذه الشخصيات لعدد من الخريجين الجدد من المعهد العالي للفنون المسرحية. وسيعرض المسلسل الذي ستتنهي أعماله الفنية قريبا على المنصات الإلكترونية وليس القنوات التلفزيونية، وخارج الموسم الرمضاني، وهو بذلك يكرس حالة العروض غير الرمضانية التي صارت تشكل نمطا موازيا للعروض التلفزيونية التي تحاط بطقوس جماهيرية وإعلانية خاصة، يبدو أن الجمهور ومنابر العرض بدأوا بالتخلص منها لصالح أشكال موازية تحقق المزيد من المرونة والسرعة والسهولة في طرح الأفكار وتنفيذها وعرضها وبالتالي تفاعل الناس معها وتحقيق المردود الجماهيري والمالي منها.


    فايز قزق في شخصية سلوم الملاح بالمسلسل


    ليست سوريا هكذا، جملة سمعها منتجو العمل وهم يعدون له، فالجهات الرقابية اعترضت على بعض الأفكار التي وردت فيه، لكن إصرار الجهة الإنتاجية وفريق العمل بأن يتم تقديم أفكار هامة فيه جعل حسم الموضوع أمرا صعبا.

    وطالبت الرقابة بإجراء تعديلات عليه، واستغرق هذا الأمر جلسات حوارية مكثفة بين الجهة المنتجة وجهات الرقابة، وبعد الكثير من العمل وبتنسيق الجهد بين كاتب المسلسل ومخرجه انتهى الأمر بالوصول إلى صيغة محددة، حققت مقولات العمل وفق معايير محددة رقابيا، ووصل إلى مرحلة التنفيذ.

    ويحاول المسلسل بإصرار فريق العمل فيه تقديم وجبة درامية تقارب الحياة اليومية التي يعيشها الناس في المجتمع السوري حاضرا، وهي من السمات التي تحقق لدى الجمهور شرطا جاذبا للمتابعة. وهي العلاقة التي بناها الجمهور مع العديد من الأعمال الإجتماعية التي حققت متابعة واسعة وحضورا قويا لديه.

    تعد شخصيتا ماكبث وزوجته محوريتين في المسرحية، وكذلك في مسلسل ‘وصايا الصبار’، وقد اختار فريق العمل لتقديمهما قامتين فنيتين هامتين في المشهد الفني السوري، وهما عبدالمنعم عمايري وأمل عرفة، اللذان ظهرا مرارا في أعمال درامية سورية سابقا منها تجربة عشتار الذي ألفته أمل عرفة في حينه.

    كما شارك في التمثيل مجموعة من الفنانين السوريين مثل: فايز قزق وحسام الشاه وعامر علي وروبين عيسى وصفاء سلطان وبشار إسماعيل وسناء سواح وعاصم حواط وعلي القاسم ويوسف المقبل وتسنيم الباشا، كما تشارك رنا العضم كضيفة شرف رغم كونها مشاركة في إنتاج العمل مع حسين فخرالدين.

    وعن تبريرها لذلك تقول “لم أجد في المسلسل شخصية درامية لي، فالشرطية المهنية هي من يحكم خيارات العمل وليس الصفة الإنتاجية، فما يناسب العمل كان موجودا، وليس للمعيار الشخصي أي اعتبار، وكل الفنانين المشاركين هم أفضل من سيقدم شخصياته”.

    انشرWhatsAppTwitterFacebook

    نضال قوشحة
    كاتب سوري
يعمل...
X