تفاهة نساء المسلسل وسطحيتهنّ تختزلان المرأة في البهرجة والشرور.

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • تفاهة نساء المسلسل وسطحيتهنّ تختزلان المرأة في البهرجة والشرور.

    إلى أيّ طبقة اجتماعية تنتمي نساء مسلسل "ستيلتو"


    تفاهة نساء المسلسل وسطحيتهنّ تختزلان المرأة في البهرجة والشرور.

    انشرWhatsAppTwitterFacebook

    نساء لا يشبهن أغلب بنات جنسهن

    “ستيلتو”، مسلسل قد يراه البعض كسائر المسلسلات التي تعرض على الشاشات العربية، لكنه في الواقع يقدم مقاربة درامية لحضور المرأة في الحياة؛ فهو ينفي عنها كل التمكين والمساواة والحقوق التي سعت لافتكاكها عبر العصور، ويسجنها في قالب الجمال والمكائد والتبعية للرجل، ويجعلها امرأة لا تمثل سوى النساء البورجوازيات ولا تشبه بقية النساء المناضلات في العالم.

    نساء “ستيلتو” لا يمثلن -من قريب أو من بعيد، ومن حيث وسيلة كسب العيش، ومن حيث الثقافة والعقلية والطموح والأماني- الملايين من النساء اللواتي يكافحن من أجل لقمة العيش، من أجل الكرامة والمساواة الإنسانية.

    لسنا من الهواة أو من المواظبين الجيدين على متابعة الأفلام والمسلسلات التلفزيونية أو البرامج الترفيهية، إلا أننا وجدنا ضجة وتعليقات كثيرة على مسلسل عرض على قناة “أم بي سي” العراق بعنوان “ستيلتو”، ومازال يعرض على قنوات اشتراك خاصة، بحيث تحول إلى تريند، وتجاوز مواقع التواصل الاجتماعي، ليصل إلى أوساط اجتماعية عديدة، لذلك اضطررنا إلى مشاهدة عدد من حلقات المسلسل كي نعرف سبب كل هذا الصخب حول المسلسل المذكور.

    في كل صغيرة وكبيرة من الأحداث، وفي كل ظاهرة سياسية واجتماعية، وفي كل عمل ثقافي وفكري على صعيد الكتابة والسينما والمسرح والتلفزيون، وفي كل قرار يصدر عن السلطة السياسية أو قوانين تشرعها الهيئات التمثيلية أو النيابية، بسهولة يمكن شم ولمس أو الشعور قليلا بالحاجة إلى التوقف والتمعن لمعرفة أن هناك مصالح طبقية تقف خلفها.


    نساء "ستيلتو" لا يمثلن الملايين من النساء اللواتي يكافحن في أفغانستان وإيران والعراق وكل المنطقة


    وعلى عكس ما تتفوه به الأقلام البرجوازية من نكران للعديد من الظواهر والقرارات والقوانين الصادرة، بأنها إما فوق طبقية أو تشمل مصالح كل الفئات الاجتماعية في المجتمع، فإن السينما والمسرح والفن والأدب، كما هو الحال بالنسبة إلى الدين والأخلاق والأيديولوجيا، هي جزء من البنية الفوقية، والتي ما هي إلا تعبير عن مصالح الطبقة الحاكمة، وتعتبر كل المنظومة الأخلاقية والاجتماعية والثقافية في المجتمع انعكاسا لها.

    إن ذكر هذه المقدمة البسيطة هو من أجل توضيح المنهجية التي تساعدنا على تحليل الماهية الاجتماعية لمسلسل “ستيلتو” الذي تحول إلى ظاهرة مثلما ذكرنا، أثارت العديد من النقاشات بشكل واسع في مواقع التواصل الاجتماعي، وفي أوساط اجتماعية مختلفة، وأصبحت محل شد وجذب حول أحداث المسلسل، وتفسير وتحليل تلك الأحداث من زاوية الصراع بين الخير والشر. والواضح أن هذا الصراع هو سردية تاريخية، أبطاله النساء الأربع بخيرهن وشرهن، وهن من يتحكمن في مفاتيح حياة جميع الذين يعيشون معهن.

    إن حجم الإنفاق الهائل على هذا العمل الدرامي، على صعيد أماكن التصوير في تركيا والمكياج والملابس وغيرها، إضافة إلى الاستعانة بشركة تركية وكوادرها المحترفة، أعطى زخما كبيرا لجذب أكبر عدد من المشاهدين، ولعب حجم الإنفاق المذكور واحترافية القائمين على العمل دورا كبيرا في تسويق المشاهد الاجتماعية التي يسردها العمل الدرامي داخل أوساط واسعة، وتمرير جملة من الأفكار والتصورات التي تساعد على إعادة إنتاج السردية الدينية التاريخية عن المرأة، وتقوية وترسيخ وتثبيت الصورة النمطية للمرأة في المجتمع، والتي أقل ما يمكن أن يقال عنها إنها رجعية.

    تلك السردية قالت إن من أخرج آدم من الجنة هو حواء، وإن أول صراع دموي في التاريخ سببه المرأة، حيث كان بين قابيل وهابيل، وإقدام الأول على قتل أخيه من أجل الفوز بامرأة، وإن المرأة هي سبب كل الشرور في الحياة. وإذا أرادت هذه الصورة النمطية أن تكون أكثر ليبرالية، سنسمع بأن المرأة لا تريد التغيير والحرية، وأن المرأة ضد المرأة، وغير ذلك من الترهات التي تنهال علينا ليلا نهارا من التعليقات والمقالات في مواقع التواصل الاجتماعي والحوارات في الفضائيات.

    جاء مسلسل “ستيلتو” في هذا الوقت كي يكون عونا ودعما لكل تلك التصورات المعادية للمرأة، التي تُعتبر محاولة من أجل تقديس دونية المرأة وترسيخ التصور الذي يقول بأن هذه هي الصورة النمطية للمرأة، فهي لن تتغير، ولا تستحق المساواة الكاملة، وأن جلّ عملها هو حياكة المؤامرات والدسائس، كما كان في مسلسل “حريم السلطان” الذي عرض قبل سنوات، ولكن الفارق مع الأخير هو أن مؤامرات النساء ودسائسهن في “حريم السلطان” كانت من أجل السلطة أو الفوز بها. أما بالنسبة إلى الأول “ستيلتو” فهو وجود مشاكل نفسية وعقد متأصلة في طبيعة المرأة التي تعني في التحليل الأخير إثبات سطحيتها التي لا تملك أي شيء في الحياة سوى الغيرة والحسد والضغينة لملء فراغها والفوز بنشوة تحقيق الذات الخاوية، وأن كل ما تقوم به هو جزء من حقيقة المرأة ورسالة وجودها.

    يعرض مسلسل “ستيلتو” في هذا الوقت، أي في زمن وصل فيه الظلم الجنسي الذي طال النساء إلى درجات يندى لها الجبين، وشخصيا وفي مناسبات عديدة رسمية وغير رسمية، قلت وأقول هنا، حقا أخجل من نفسي لتصنيفي من جنس الرجل، لما وصلت إليه أوضاع النساء. فالذكورية والرجولة المقيتة، التي هي انعكاس مباشر لثقافة السلطة الحاكمة وتكرس في شكل قوانين ومنظومة سياسية واجتماعية وأخلاقية معادية للمرأة، هما اللتان تسودان في المجتمع أو في الشارع بعبارة أدق.


    نساء مترفات


    إن تكريس الظلم على المرأة هو سياسة منهجية ومدروسة. فالتحرش الجنسي بالنساء على سبيل المثال، ليس وليد الصدفة، وليس نابعا من كون المرأة تعرض مفاتنها كما يدعي فطاحل الرجعية والعفونة في المجتمع، فكم من مئات النساء المحجبات تعرضن إلى التحرش الجنسي، وأيضا ليس كما يقولون إن المرأة هي مسؤولة عن التحرش، وليست المنظومة السياسية الحاكمة. إن تحول ظاهرة التحرش الجنسي إلى ظاهرة اجتماعية واسعة، مصدره الإسلام السياسي بالدرجة الأولى، حيث بدأت هذه الظاهرة تتسع وتأخذ مدياتها خلال الثورتين المصرية والتونسية، عندما كانت النساء يتصدرن المشهد بأعدادهن الغفيرة أو بعلو أصواتهن أو بإبداء رأيهن، ومشاركتهن في تلك الثورتين.

    وكما أشرنا في أكثر من مناسبة إلى أن استعباد المرأة ودفعها إلى خلف المجتمع جزء من هوية وجود الإسلام السياسي. وعندما فشلت التعبئة الأيديولوجية والتحريض الاجتماعي في احتواء المرأة واعتقالها في دائرة البيت والطبخ وتربية الأطفال لفرض البلاهة عليها، لجأ الإسلام السياسي إلى سلوك التحرش الجنسي كوسيلة وسياسة لإعادة نصف المشاركات في الثورة إلى بيوتهن وعزل الجماهير والانفراد بضرب هذه الثورة وتفتيت صفوفها.

    هكذا بدأت تنظيمات الإسلام السياسي -وهنا أقصد الإخوان المسلمين- تمارس هذه السياسة، سياسة التحرش الجنسي ضد النساء، لتتحول تلك السياسة وبشكل مدروس إلى عقلية وممارسة اجتماعية سائدة في المجتمع، وإيجاد المبررات التافهة التي أشرنا إليها لإثبات حقانية التحرش، وإنقاذ المتحرش من أي نقد وبالتالي إنقاذ تصرفه من المحاسبة القانونية، وهكذا تحول التحرش إلى سلوك يكاد يكون عاديا في الشوارع وأماكن العمل والتسوق.

    وعلى الصعيد القانوني، وهنا سأتحدث عن العراق، هناك إجحاف واسع في حق النساء على صعيد الأمومة، حيث تم تشريع قانون 57 الذي مفاده انتزاع الأطفال من النساء إذا حدث تفريق بين الأبوين، وشيوع ظاهرة الزواج القسري وخاصة للقاصرات، وقانون تعدد الزوجات. وعلى الصعيد الاقتصادي تضرب البطالة بشكل سرطاني صفوف النساء، حيث تشكل نسبة البطالة في صفوفهن 87 في المئة، كما لعب وباء كورونا دورا كبيرا في تشديد القهر الاقتصادي عليهن.

    أما على الصعيد الاجتماعي فإن انعكاس الوضع الاقتصادي والقانوني على وضع النساء اجتماعيا يكاد يكون كارثيا، حيث ارتفعت نسبة الانتحار في صفوف النساء وزادت حالات جرائم الشرف، ومحدودية خروج النساء من البيوت على الأقل لشم هواء نقي أو التنفيس عن أوضاعهن من خلال التمشي في المتنزهات والشوارع والخروج ليلا، وتحولت أغلبية النساء إما إلى معتقلات في البيوت مع إطلاق سراح مشروط ومحدود أو إلى عبيد في المطابخ والمنازل لتربية الأطفال. وبسبب أشكال الظلم المذكورة نجد أن انخراط النساء في العمل السياسي محدود لا يتجاوز أطر منظمات المجتمع المدني.

    مسلسل "ستيلتو" جاء كي يكون عونا ودعما لكل التصورات المعادية للمرأة، التي تُعتبر محاولة من أجل تقديس دونية المرأة

    في ظل هذه الأوضاع الاقتصادية والسياسية والاجتماعية والقانونية، بالنسبة إلى الأغلبية الساحقة من النساء في المنطقة، يصور مسلسل “ستيلتو” النساء المترفات، واللواتي يعشن بشكل طفيلي، ويقمن باقتناء أغلى الحلي والملابس ويسكنّ في قصور فارهة ولديهنّ عاملات ومربيات، ويُقِمن الحفلات الباذخة، في الوقت الذي لا تجد غالبية النساء في منطقتنا فرصة عمل لتأمين الحد الأدنى للبقاء على قيد الحياة، ويقضين ساعات وأياما وأشهرا في ضياع أعمارهن بين جدران المطبخ والبيوت لإعداد الطعام أو لتربية الأطفال. وإذا كانت تلك المرأة عاملة أو موظفة، فيترتب عليها عمل إضافي يساوي عدد ساعات العمل خارج المنزل، وفي كلتا الحالتين، سواء أكانت عاطلة عن العمل في البيت أم تعمل، تتعرض إلى العنف المنزلي من قبل الأب أو الزوج أو الأخ أو الابن. وهنا يُطرح سؤال: هل لدى هؤلاء النساء متسع من الوقت كي يفكرن في حياكة مؤامرة أو دسيسة ضد زميلاتهن؟!

    وليس هذا فحسب، بل يصور المسلسل دور بقية النساء المشاركات الثانويات، إما يمارسن النفاق الاجتماعي أو النميمة أو يلعبن أدوارا لتعميم أجواء المؤامرات والدسائس كي تتحول إلى محيط اجتماعي يسبح فيه الجميع، في حين يقتصر دور الرجال الثلاثة على كونهم أزواجا لثلاث نساء، هم خارج الزمن ولا يشكلون أي معادلة في الحياة الاجتماعية، بل إنهم أدوات التظاهر الاجتماعي لزوجاتهم، أو وسيلة شكلية تضاف إلى زينة النساء. أما ما يحدث من مظالم ضد النساء في المجتمع، فهؤلاء الرجال هم بعيدون عنه وأبرياء وأنقياء باستثناء أحدهم الذي “تورط” بعلاقة خارج المؤسسة الرسمية للزواج، وحصر شر النظام الرجولي والذكوري -الذي هو جزء من منظومة سياسية واجتماعية تنتجها بوعي وتخطيط السلطة السياسية الحاكمة- في الخيانة الزوجية وليس أكثر من ذلك.

    إن تفاهة وسطحية سلوك النساء في المسلسل (هناك نسختان باللغة التركية والأميركية أيضا) هما تفاهة وسطحية الطبقة التي تنتمي إليها هؤلاء النسوة، وتعكسان ضحالتها وطفيليتها، وهي الطبقة البرجوازية.

    إن نساء “ستيلتو” لا يمثلن -من قريب أو من بعيد، ومن حيث وسيلة كسب العيش، ومن حيث الثقافة والعقلية والطموح والأماني- الملايين من النساء اللواتي يكافحن في أفغانستان وإيران والعراق وكل المنطقة والعالم من أجل لقمة العيش، من أجل الكرامة والمساواة الإنسانية، من أجل التحرر الاقتصادي والسياسي والاجتماعي وتمزيق صفحات كل أشكال الظلم الجنسي، وكسر قيود العبودية، وهدم النظام الذكوري والرجولي الذي هو جزء من السلطة السياسية الحاكمة.


    انشرWhatsAppTwitterFacebook

    سمير عادل
    كاتب عراقي
يعمل...
X