George F. Rabahieh
الثلجة الكبيرة 1911
المهندس جورج فارس رباحية
تعرّضت مناطق شرق أوروبا وتركيا وخاصة بلاد الشام ( لبنان ـ سورية ـ الأردن ـ فلسطين ) في فصل شتاء 1910 ـ 1911 الذي تميّز بشتائه القاسي وبرودته الشديدة تخلل هذا الشتاء عاصفة ثلجية قوية في مطلع عام 1911 م بدأت الثلوج تتساقط بغزارة حيث استمر هطول الثلج فيها لمدة أربعين يوماًمتتالية وسميت بالثلجة الكبيرة أو ثلجة الأربعين .
ونورد أدناه ما جاء بكتاب تاريخ حمص الجزء 2 لمنير الخوري أسعد :
(( في الرابع عشر من شباط 1911 أخذ الثلج بالتهطال في مدينة حمص بصورة لم يسبق لها مثيل في تاريخها . إذ كان يتوقف قليلا ثم يعود إلى سيرته الأولى بشكل اكثف وأشد . وظل على هذه الحالة حتى الثلث الخير من شهر آذار 1911 حتى غمر البيوت والشوارع ، وبذل الأهالي الجهود الجبارة لجرف الثلوج عن أسطحة المنازل خوفا من سقوطها على ساكنيها . وقد عمد بعض الناس إلى فتح أنفاق في الثلج ليتمكنوا من الانتقال بين مكان وآخر وتمضية بعض الأوقات لتسلية أبنائهم . وفي آخر شهر آذار أشرقت الشمس في سماء حمص لأول مرة ثم أخذ الثلج في الذوبان تدريجياً حتى لم يبق له أي أثر في العاشر من نيسان سنة 1911 . ))
فترة هطول الثلج
اختلفت بالأيام مواعيد بدء الهطول ونهايته بين منطقة وأخرى وكان يتوقف الهطول قليلا ثم يعود بشكل أكثف :
ــ حمص : 14/2/1911 ــ 26/3/2011
ــ حمص ( وادي النصارى ) : 18/1/2011 ــ 15/3/2011
ــ حمص ( جبل الحلو ) غرب حمص : 10/12/2010 شرقي ( 23/12/2010 غربي ) ــ
20/1/2011 شرقي ( 31/1/2011 غربي )
ــ حمص منطقة الحصن والقرى المجاورة : من منتصف شهر كانون الثاني 1911 ولمدة حوالي
أربعين يوما
ــ حمص : 19/1/2011 ــ 23/2/2011 لم تذكر المنطقة
ــ حلب : 20/1/2011 ــ 1/3/2011
سماكة الثلج : اختلفت سماكة الثلوج من منطقة إلى أخرى وحسب ارتفاعها عن سطح البحر ففي المناطق الجبلية كجبل الحلو غرب حمص بلغ ارتفاعه 200 سم وفي منطقة حمص كان بين 100ـ 150 سم وفي عمان 100 سم وفي القدس 75 سم وفي حيفا 50 سم وفي بلودان والسويداء تجاوز الـ 200 سم
تأثير الثلجة الكبيرة على مجالات حياة السكان :
ــ انقطعت الطرق بين حمص وطرابلس وبين حمص ودمشق وحلب حتى بين القرى المجاورة للمدن .
ــ قاسى الفقراء الأهوال قلة القوت وندرة وجود الفحم للتدفئة وزيت الكاز لإنارة الفوانيس واستخدام بوابير الكاز وكذلك الشمع .
ــ ارتفعت الأسعار بشكل جنوني
ــ توقفت الأفران عن انتاج الخبز لعدم توفر الوقود ( الحطب والشوك كان يأتيهم من البادية )
ــ نفوق عدد كبير من الأغنام في القرى وفي البادية .
ــ توفي عدد كبير من الناس من البرد الشديد والأمراض الصدرية و توفي الكثير من المسافرين الذين كانوا في طرق السفر بردا او افتراسا من الضواري و الوحوش ، وتوفي اعداد من عرب البادية القاطنين في خيم الشعر .
ــ تشققت من شدة البرد الأعمدة الحجرية في بعض المساجد التي يزيد عمرها على ستمائة سنة مما يدل انه لم يأتي مثل هذا البرد منذ ستمائة سنة خلت ! و وتشقّق أكثر الرخام المفروش في المنازل و المساجد ، و تحطمت الاواني الزجاجية التي يوجد فيها السوائل ، و جمد الحبر في المحابر .
ــ يبست الأشجار وكل نبات أخضر وانعدم وجود الخضار الشتوية
ــ ألزمت السلطة العثمانية أصحاب حمامات السوق أن يفتحوها ليلاً لمبيت الفقراء التماساللدفء .
ــ هامت الوحوش والضواري في المدن والقرى
ــ من الروايات المتداولة بأن الثلج غطى البساتين والطرقات ووصلت سماكته لارتفاع أعلى من البيوت وحبس الأهالي في بيوتهم ، وأصبحوا يتناولون مما خزنوه في بيوت المؤن حتى وصلت بهم الحال إلى تناول القمح مسلوقاً وممزوجاً بالملح نتيجة نفاد مؤنهم وعدم قدرتهم على مغادرة بيوتهم ، وحتى تبن الحيوانات كان قد نفد أيضاً ولكثافة الثلج صار الأهالي يجرفونه عن أسطح البيوت وفسحاتها صانعين ممرات صغيرة بين الغرف وباب المنزل ليتمكنوا من التنقل .
ــ هذا الحدث أصبح تأريخاً أهلياً اعتمده الكثيرون لحفظ أحداث حياتهم ، وخاصة أن معظمهم لم يكن يقرأ أو يكتب وإلى اليوم ما زال البعض يقول إن فلاناً ولد في " ثلجة الأربعين " وفلاناً تزوج قبلها وهكذا.
ــ بعد انقطاع الثلج تشكل الصقيع مع برودة شديدة وبدأ الجليد بالتشكل فقد روى الشاهدون أن الماء النازل من " المزراب " كان يتجمد مشكلاً القناديل
ــ حتى النساء كان شغلهن الشاغل هو تنظيف ماء "الدلف" النازل من السقوف وانتشرت الأوعية والأطباق في أرجاء المنزل لتجميع هذا الماء وإبعاده عن إتلاف الأثاث . والرجال يقومون بإزالة الثلج عن سطوع المنازل الترابية كي لا تسقط على ساكنيها وعرجلتها ( بالمعرجلانة) لإزالة ما تشرّب من ماء لرصّ الأسطح الترابية
ــ انتشر الكثير من القصص بين الأهالي عن "ثلجة الأربعين" وما حدث خلالها، حيث يروي البعض أن الوحوش الجائعة التي كانت تقطن الجبال المجاورة لقرى "الوادي" هاجمت هذه القرى واعتدت على من وجدته وحيداً وحتى التهمته، وإحدى هذه القصص عن بائع متجول كان يركب حماره وقد حمل عليه بعض المتاع ليبيعه في قرى مجاورة فتعرضت له ضبع على الطريق ورشته ببولها وأصبح يتبعها أينما سارت فقادته حتى ابتعدت به عن الطريق وأكلته مع حماره.
المهندس جورج فارس رباحية
المصــــادر والمراجـــــع
ــ تاريخ حمص الجزء 2 تأليف منير الخوري أسعد ـ الطبعة1 (1984)
ــ تاريخ حلب المصور أواخر العهد العثماني
ــ أعمدة الحكمة السبعة : لورنس العرب
ــ مواقع على الإنترنت :
+3
غسان فوزات العبدالله
ذاكرة وقادة