يعتقد الناس أن الأذكياء أشخاص ناجحون في الحياة، وأن الثراء الفاحش مرتبط بالذكاء الحاد، مثل جاي غاتسبي في رواية غاتسبي العظيم، وليكس لوثر في سلسة سوبرمان.
حتى الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب ادعى في تغريدة نشرها عام 2013 أن ثروته الضخمة مرتبطة بمعدل ذكائه العالي.
لكن إلى جانب من نعدهم عباقرة مثل مارك زوكربيرغ وستيف جوبز، يوجد العديد ممن عانوا أمراضًا عقلية وأزمات نفسية، مثل الاقتصادي جون ناش الحائز على جائزة نوبل، وعالم الرياضيات كورت غوديل. تشير بعض الأبحاث إلى وجود ارتباط بين الذكاء العالي والصحة العقلية، ما يثير تساؤلات عدة حول وجود تأثير حقيقي للذكاء على نجاح الفرد سواء أكان اقتصاديًا أم أكاديميًا أم مبدعًا.
فهم اختبارات الذكاء
صممت أولى اختبارات الذكاء لتحديد الأطفال الذين يحتاجون إلى مساعدة في التعلم، بمرور الوقت أصبحت تلك الاختبارات وسيلة لتحديد الأشخاص الذين يمتلكون ذكاءً أعلى من المعدل الوسطي، يُعد اختبار ستانفورد بينيه أحد تلك الاختبارات، وقد حدد الاختبار معدل الذكاء الوسطي عند 100، الأشخاص الحاصلون على درجة أعلى من 140 يُعدون من فئة النخبة العبقرية، التي تمثل 0.25 –1% من السكان.
دراسة تيرمان للموهوبين
عمل الباحثون بعد ظهور اختبارات الذكاء على دراسة تأثير الذكاء العالي في النجاح الأكاديمي للشخص، درس الطبيب النفسي لويس تيرمان هذه العلاقة، في بدايات عشرينيات القرن الماضي أجرى تيرمان في كاليفورنيا دراسة لتقييم مهارات العاطفة والتنمية الاجتماعية لدى 1500 طفل تتراوح أعمارهم بين 8 و12 سنة ومعدل ذكائهم فوق 150، 80 منهم حققوا نتائج أعلى من 170.
تابع تيرمان مسار الأطفال خلال السنوات التالية ووجد أن معظمهم كانوا اجتماعيين وأسوياء نفسيًّا، أقوياء وطوال القامة ويتمتعون بصحة جيدة وأقل عرضة للحوادث من أقرانهم ذوي الذكاء العادي.
بعد وفاة تيرمان عام 1956، قرر فريق من الأطباء النفسيين الاستمرار في هذه الدراسة، وهي مستمرة حتى يومنا هذا وتُعد أطول دراسة أجريت في التاريخ.
الارتباط بين الذكاء والإنجاز
اشتهر من بين المشاركين في دراسة تيرمان الطبيب النفسي لي كورنباخ، والكاتب جيس أوبنهايمر، وطبيب الأطفال النفسي روبرت سيريس، والعالم آنسل كيز، وأكثر من 50 آخرين أصبحوا أساتذة جامعيين.
لاحظ تيرمان بعد سنوات من متابعته للمشاركين أن معدل دخلهم الوسطي عام 1955 كان مثيرًا للإعجاب، إذ بلغ 33 ألف دولار مقارنةً بمعدل الدخل الوطني للفرد، 5000 دولار. أيضًا فإن ثلثي المشاركين حازوا شهادة جامعية، وحصل عدد كبير منهم على دراسات عليا ودرجات مهنية، أصبحوا أطباء ومحامين ومديرين تنفيذيين وعلماء.
رغم كون النتائج مثيرة للإعجاب فإن قصص النجاح تلك كانت استثنائية، لاحظ تيرمان في تقييمه الخاص أن معظم المشاركين كانوا أصحاب مهن متواضعة مثل شرطي وبحار وطالب وكاتب إيداع، مما دفعه إلى استنتاج عدم وجود ارتباط تام بين الذكاء والنجاح في الحياة.
سمات الشخصية والنجاح
بعد وفاة تيرمان، تابعت الباحثة ميليتا أودين الدراسة، فقارنت بين مجموعتين من أفراد الدراسة، A وC، تتألف كل مجموعة من 100 شخص، أفراد المجموعتين يمتلكون نفس مستوى الذكاء، لكن أفراد المجموعة C متوسط دخلهم كان أعلى بقليل من المتوسط حينها، ولديهم معدلات إدمان كحولي وطلاق أكثر من المجموعة A.
وفقًا لأودين، كان سبب التباين في النتائج الصفات النفسية للمجموعتين، فأفراد المجموعة A يملكون ثلاث سمات جوهرية تميزهم عن أفراد المجموعة C، وهي توجيه الأهداف والثقة بالنفس والمثابرة، إضافةً إلى تمتعهم بصفات نفسية أخرى مثل الحذر والتروي وقوة الإرادة والعزيمة والرغبة في التفوق، فاستنتجت أن الصفات الشخصية هي الميزة الأساسية في تحقيق النجاح، مع أن معدل الذكاء يؤدي دورًا في ذلك أيضًا.
انتقادات تجربة تيرمان
طالت التجربة انتقادات كثيرة، لأنها لم تأخذ في الحسبان عوامل عدة ربما ساهمت في نجاح الفرد أو إخفاقه، مثل تأثير الكساد العظيم والحرب العالمية الثانية في ثقافة الفرد، والسياسة الجندرية ضد المرأة التي حدت من الآفاق المهنية لها. اقترح باحثون آخرون أن أي مجموعة أطفال مختارة عشوائيًا من خلفية ثقافية واحدة ستكون ناجحة بقدر نجاح أفراد تجربة تيرمان.
ما معنى هذا؟
قد تتوقع نتائج اختبار الذكاء بمدى النجاح الأكاديمي والمهني للشخص، لكن لا يمكن اعتبارها معيارًا لذلك. تشير بعض الدراسات إلى أن الأطفال المميزين أكاديميًا أكثر عرضة للكآبة والعزلة الاجتماعية مقارنةً بأقرانهم الأقل تميزًا. وجدت دراسات أخرى أن أصحاب الذكاء العالي أكثر استعدادًا لتدخين الماريجوانا وتعاطي الممنوعات، يُرجع الباحثون ذلك إلى انفتاح الأذكياء على التجارب الجديدة التي قد تُعد غير مقبولة اجتماعيًا وإزالة الحواجز التي تمنعهم من خوض تلك التجربة، تعد هذه الصفة أحد أهم عناصر نظريات الشخصية الخمسة الكبرى، في حين يرتبط الانغلاق بالروتين والسلوك التقليدي والاهتمامات الضيقة.
الخاتمة
قد يكون الذكاء سببًا للنجاح، لكنه ليس معيارًا رئيسيًا له، فالمهارات الفردية والسمات الشخصية تؤدي دورًا أساسيًا في نجاح الشخص، إضافةً إلى الذكاء.