في يوم مشمس هادئ، على شاطئ خالٍ من البشر، في حضن الطبيعة الأم، بينما يستريح على أريكة من القواقع تَجلَّت له مشاعر الحُرية برفقة نسيم الهواء وحفيف الأمواج، كان يتأمل مسترخيًا، في حين يطالع نصوصًا مُختارة تَطلبها الروح قبل العقل، فكان وجدانه يحلق مع الاستماع لـ “استعادة شخص ذائب” لوديع سعادة، ثم طفق يقرأ فقرات لنيكوس كازانتزاكيس، في سيرته؛ “تصوف- منقذو الآلهة”، وأخذ يُردد:
“أنا مخلوق مؤقت وضعيف، مصنوع من طين وأحلام، لكني أدرك أن في داخلي كل قوى الكون.”
قضى يومًا روتينيًا بشكلٍ يضمرُ الاطمئنان إلى المصير، كقصة “الموت في طهران” *، وفي نهايته، يأخذ حمامًا ساخنًا، ومكالمة عاطفية دافئة، دعاه النوم، والجسد مطمئن إلى مخلده؛ أدار مقطوعة موسيقية أثيرة لـ تشايكوفسكي “بحيرة البجع”، ثم استسلمت الروح قبل الجسد للنوم، سريعًا ما انقض في دوامة نحو هاجس عميق، ظل قابعًا في قاع بئر العقل لسنوات، نفض عنه التراب وخيوط العناكب التي سكنت النفس وكأن القديم مات مع وفاة منية أحلام الربيع.
“دقت الساعة المتعبة
رفعت أمه الطيبة
عينها
(دفعته كُعُوب البنادق في المركبة)
…. …. ….
دقت الساعة المتعبة
نهضت.. نسَّفت مكتبه
(صفعته يدُ.. -أدخلته يد الله في التجربة)”
أمل دنقل، سفر الخروج (أغنية الكعكة الحجرية )
على هامش يوم عيد الأم
في صخب وأصواتٍ مُتداخلة ونداء بلهجة اعتيادية مخاطبًا إياه فتح باب الحجرة، جاءته استجابة طوعية سبقت الإدراك الواعي، كالسائرون أثناء نومهم وكأنما الوعي لم يفرّق بين الواقع والحلم.
أوجه مزدحمه، لم يَر الحالم، سوى ملامح الأب المخطوفة والرعشة الداخلية التي كشف عنها بؤبؤ العين، انقاد الحالم في صمت، ضاع فيه التركيز في كومة قش أيام الحصاد.
بدأ جرس تنبيه الواقع يدق لإيقاظ الحالم من غفوته، ظهرت الأم واجمة، وعلى وجهها مشهد مسرحي من زمن التراجيديا الإغريقية، تلك اللحظة هي الهاجس الذي هرب عقله الباطن منه كثيرًا، كأوديب هاربًا من مصيره، لكن الشعور بالذنب هو المطاف الأخير، كان وجه الأم مُنفعل بإيماءات عدم التصديق أو بالأحرى العجز عن الفهم.
انفجرت فيها غريزة الأمومة المقاومة، تحاول حماية طفلها من براثن المفترس، استمر مشهد صراخ الأم وجريها في الشارع خلف الابن نحو المجهول، شدُ وجذب مع زعيق الأب الصارخ بالدعوات! حينها فقط علم الابن أنه لا مجال للاستيقاظ من الحلم! إنه في جوف الواقع بالفعل! ولم يكن لهتافه المواسي لأمه قليل الحيلة من أثر.. ظل ذلك المشهد قابعًا في المخيلة يأبى أن ينقشع.
كان الأمر هزليًا؛ أن تعاني الأم في فجر يوم أعدوه وأخصوه تكريمًا لمكانتها..
ثرْثَرَة طَيّ متاهات العقل
في البدء كان التيه، وكانت الفوضى، أو هكذا ما تبدو عليه حال الأشياء وحركتها خارج الذهن!
كلما حدد العقل إطارًا ما أو نظامًا مغلقًا يتيسر له من خلاله ضبط رؤية العالم والأشياء وصورة الذات، وريثما يتوزع النظام، لابد له من «أنتروبيا»، تعيد تفتيت كل نظام.
ربما تكون سمة الأشياء في حركة دائمة، صيرورة لا متناهية، بداية من العوالم الكمية واحتمالية الفهم إلى مجرات وربما أكوان لا نهائية، لذا فليس من الغريب أن تتشكل دواخل النفس من دوافع وحركة مدفونة لا واعية! من داخل العشوائية يولد النظام، من اللا وعي يظهر الوعي، من اللا عقلانية تُبنى العقلانية!
“أنا مخلوق مؤقت وضعيف، مصنوع من طين وأحلام، لكني أدرك أن في داخلي كل قوى الكون.”
قضى يومًا روتينيًا بشكلٍ يضمرُ الاطمئنان إلى المصير، كقصة “الموت في طهران” *، وفي نهايته، يأخذ حمامًا ساخنًا، ومكالمة عاطفية دافئة، دعاه النوم، والجسد مطمئن إلى مخلده؛ أدار مقطوعة موسيقية أثيرة لـ تشايكوفسكي “بحيرة البجع”، ثم استسلمت الروح قبل الجسد للنوم، سريعًا ما انقض في دوامة نحو هاجس عميق، ظل قابعًا في قاع بئر العقل لسنوات، نفض عنه التراب وخيوط العناكب التي سكنت النفس وكأن القديم مات مع وفاة منية أحلام الربيع.
“دقت الساعة المتعبة
رفعت أمه الطيبة
عينها
(دفعته كُعُوب البنادق في المركبة)
…. …. ….
دقت الساعة المتعبة
نهضت.. نسَّفت مكتبه
(صفعته يدُ.. -أدخلته يد الله في التجربة)”
أمل دنقل، سفر الخروج (أغنية الكعكة الحجرية )
على هامش يوم عيد الأم
في صخب وأصواتٍ مُتداخلة ونداء بلهجة اعتيادية مخاطبًا إياه فتح باب الحجرة، جاءته استجابة طوعية سبقت الإدراك الواعي، كالسائرون أثناء نومهم وكأنما الوعي لم يفرّق بين الواقع والحلم.
أوجه مزدحمه، لم يَر الحالم، سوى ملامح الأب المخطوفة والرعشة الداخلية التي كشف عنها بؤبؤ العين، انقاد الحالم في صمت، ضاع فيه التركيز في كومة قش أيام الحصاد.
بدأ جرس تنبيه الواقع يدق لإيقاظ الحالم من غفوته، ظهرت الأم واجمة، وعلى وجهها مشهد مسرحي من زمن التراجيديا الإغريقية، تلك اللحظة هي الهاجس الذي هرب عقله الباطن منه كثيرًا، كأوديب هاربًا من مصيره، لكن الشعور بالذنب هو المطاف الأخير، كان وجه الأم مُنفعل بإيماءات عدم التصديق أو بالأحرى العجز عن الفهم.
انفجرت فيها غريزة الأمومة المقاومة، تحاول حماية طفلها من براثن المفترس، استمر مشهد صراخ الأم وجريها في الشارع خلف الابن نحو المجهول، شدُ وجذب مع زعيق الأب الصارخ بالدعوات! حينها فقط علم الابن أنه لا مجال للاستيقاظ من الحلم! إنه في جوف الواقع بالفعل! ولم يكن لهتافه المواسي لأمه قليل الحيلة من أثر.. ظل ذلك المشهد قابعًا في المخيلة يأبى أن ينقشع.
كان الأمر هزليًا؛ أن تعاني الأم في فجر يوم أعدوه وأخصوه تكريمًا لمكانتها..
ثرْثَرَة طَيّ متاهات العقل
في البدء كان التيه، وكانت الفوضى، أو هكذا ما تبدو عليه حال الأشياء وحركتها خارج الذهن!
كلما حدد العقل إطارًا ما أو نظامًا مغلقًا يتيسر له من خلاله ضبط رؤية العالم والأشياء وصورة الذات، وريثما يتوزع النظام، لابد له من «أنتروبيا»، تعيد تفتيت كل نظام.
ربما تكون سمة الأشياء في حركة دائمة، صيرورة لا متناهية، بداية من العوالم الكمية واحتمالية الفهم إلى مجرات وربما أكوان لا نهائية، لذا فليس من الغريب أن تتشكل دواخل النفس من دوافع وحركة مدفونة لا واعية! من داخل العشوائية يولد النظام، من اللا وعي يظهر الوعي، من اللا عقلانية تُبنى العقلانية!