سبول (تيسير ـ)
(1358 ـ 1393هـ/1939 ـ 1973م)
كاتب وقصصي، وُلِدَ في قرية الطفيلة جنوبي الأردن، وتلقى تعليمه الابتدائي في الزرقاء، والثانوي في عمان. وحصل على منحة دراسية في الجامعة الأميركية في بيروت، لكنه غادرها بعد فترة قصيرة تحت وطأة الغربة في الفضاء الجامعي واللبناني، وهو ما عبرت عنه قصة سبول «هندي أحمر» التي ترسم القطيعة بين الهندي الأحمر العربي وبين أمريكا.
في جامعة دمشق تابع الكاتب دراسة القانون، وتخرج عام 1962. ثم عاد إلى الأردن ليعمل حيناً موظفاً، وحيناً محامياً، وسافر للعمل إلى البحرين والسعودية، ثم عاد أخيراً إلى العمل في الإذاعة الأردنية، حيث قدم في برنامج «أمواج على الأثير» الكثير من الشعر الحديث والرواية الحديثة وأعلام الفكر. كما قدم برنامج «مع الجيل الجديد»، ونشر في الصحف العديد من المقالات الاجتماعية والسياسية. وعلى إثر إحداها عام 1973 ألغيتْ الألقاب في المناصب الحكومية.
انتحر تيسير سبول مخلفاً ديواناً ورواية وقصتين وعدداً من التمثيليات الإذاعية والتلفزيونية، ومخطوطة كتابه الفكري «جوهر العروبة». وتؤكد زوجته أنه أحرق مخطوطتي روايتي «الجسر» و«مشروع عصري». وقد عُثِرَ من الأخيرة على صفحات البداية.
ويبدو أن الكاتب حمل من نشأته سمة الأب المزواج الصارم المعتدّ بفرديته، كما حمل روح الرومنسية الريفية. ويبدو أن هذا الأمر قد تفاعل بحدة مع حساسية الكاتب المفرطة وصرامته مع الذات، ومع معاناته مرض (الصفراء الراجعة). ويبدو أيضاً أن كل ذلك قد تفاعل بحدة أكبر مع تجربة سبّول الحزبية المبكرة، ومع انفصال الوحدة السورية المصرية عام 1961. وهزيمة حزيران 1967، وأحداث أيلول عام 1970 في عمان، وزيارته للضفة الغربية عام 1972، وصولاً إلى حرب تشرين الأول 1973، حيث بلغت أزمته الفكرية والقومية والوجدانية أقصاها، فكانت نهايته منتحراً، وقد وعُثِرَ معه على مقاطع إضافية للقصيدة التي رثى بها والده وعنوانها «الشيخ الهرم»، وكذلك على قصيدته غير المنشورة «مرثية القافلة الأولى»، وفيها:
لا تهذ بالنصر الملفّق
إنني أُنبيك
خذْ
النور غاب
والليل أطبق فليكن ليلٌ ـ
هيمنت سمة الحزن على كتابات تيسير سبول من الشعر الحديث، كما في القصيدة التي حمل ديوانه عنوانها «أحزان صحراوية» وفي قصيدة «قطعة قلب» وقصيدة «كلمات ثقيلة». وإذا كان أثر شبنغلر جلياً في تجربة سبول الفكرية، كما هو أثر فوكنر في تجربته الروائية، فإن الوجودية تطبع تجربته الإبداعية.
أما التعبير الأكبر عن هذه التجربة فهو في روايته «أنت منذ اليوم» التي فازت بجائزة دار النهار اللبنانية عام 1968 مناصفة مع رواية «الكابوس» للكاتب الأردني أمين شنار.
وتزخر الرواية بالتأملات، ومنها ما يتعلق بأسباب اضطهاد الإمام علي، وبالصراع بين القوميين والشيوعيين. وتستحضر الرواية من التاريخ نهاية فاتح الهند محمد بن القاسم. وتظهر رواية سبول تجربة راويها، وبطلها «عربي» في الحزب القومي، وذكرياته الريفية ودراسته الجامعية في دمشق، وضرب الأب لزوجاته، مما يؤكد عنصر السيرة في الرواية. وقد تجلّت النزعة إلى الحداثة في الرواية في لعبها بالزمن، فنصفها يتعلق بالوحدة السورية المصرية وبالانفصال، ونصفها يمضي إلى هزيمة 1967، حيث تتكسّر خطية الزمن بالاسترجاع وبالنجوى الداخلية. كما تتجلى حداثة الرواية في فرط الحكاية، وفي استلهام ضربة الريشة كما في اللوحة، وفي استثمار الأحلام والكوابيس، والفصل بين الفقرات السردية بالبياض، وفي تنويع الضمائر بين المتكلم الراوي وبين الغائب، وفي تنويع اللغات بين لغة المذيع ولغة الأب ولغة المتناصات التراثية والحديثة (إليوت) ولغة الإمام صابر، ولغة النكرات من الشخصيات العابرة.
وقدكان الموت حاضراً بقوة في تجربة سبول الشعرية، ثم تابع مشروع بطل روايته الانتحاري.
جاء تيسير سبول مع جيل الستينيات من القرن العشرين، لكنه أسرع إلى الانتحار. ولئن صحّ في بطله «عربي» ما رأى إلياس خوري من علاقة خفية بينه وبين غريب البيركامو، لقد ظل تيسير سبول ذلك المبدع الغريب الفرد.
نبيل سليمان
(1358 ـ 1393هـ/1939 ـ 1973م)
كاتب وقصصي، وُلِدَ في قرية الطفيلة جنوبي الأردن، وتلقى تعليمه الابتدائي في الزرقاء، والثانوي في عمان. وحصل على منحة دراسية في الجامعة الأميركية في بيروت، لكنه غادرها بعد فترة قصيرة تحت وطأة الغربة في الفضاء الجامعي واللبناني، وهو ما عبرت عنه قصة سبول «هندي أحمر» التي ترسم القطيعة بين الهندي الأحمر العربي وبين أمريكا.
في جامعة دمشق تابع الكاتب دراسة القانون، وتخرج عام 1962. ثم عاد إلى الأردن ليعمل حيناً موظفاً، وحيناً محامياً، وسافر للعمل إلى البحرين والسعودية، ثم عاد أخيراً إلى العمل في الإذاعة الأردنية، حيث قدم في برنامج «أمواج على الأثير» الكثير من الشعر الحديث والرواية الحديثة وأعلام الفكر. كما قدم برنامج «مع الجيل الجديد»، ونشر في الصحف العديد من المقالات الاجتماعية والسياسية. وعلى إثر إحداها عام 1973 ألغيتْ الألقاب في المناصب الحكومية.
انتحر تيسير سبول مخلفاً ديواناً ورواية وقصتين وعدداً من التمثيليات الإذاعية والتلفزيونية، ومخطوطة كتابه الفكري «جوهر العروبة». وتؤكد زوجته أنه أحرق مخطوطتي روايتي «الجسر» و«مشروع عصري». وقد عُثِرَ من الأخيرة على صفحات البداية.
ويبدو أن الكاتب حمل من نشأته سمة الأب المزواج الصارم المعتدّ بفرديته، كما حمل روح الرومنسية الريفية. ويبدو أن هذا الأمر قد تفاعل بحدة مع حساسية الكاتب المفرطة وصرامته مع الذات، ومع معاناته مرض (الصفراء الراجعة). ويبدو أيضاً أن كل ذلك قد تفاعل بحدة أكبر مع تجربة سبّول الحزبية المبكرة، ومع انفصال الوحدة السورية المصرية عام 1961. وهزيمة حزيران 1967، وأحداث أيلول عام 1970 في عمان، وزيارته للضفة الغربية عام 1972، وصولاً إلى حرب تشرين الأول 1973، حيث بلغت أزمته الفكرية والقومية والوجدانية أقصاها، فكانت نهايته منتحراً، وقد وعُثِرَ معه على مقاطع إضافية للقصيدة التي رثى بها والده وعنوانها «الشيخ الهرم»، وكذلك على قصيدته غير المنشورة «مرثية القافلة الأولى»، وفيها:
لا تهذ بالنصر الملفّق
إنني أُنبيك
خذْ
النور غاب
والليل أطبق فليكن ليلٌ ـ
هيمنت سمة الحزن على كتابات تيسير سبول من الشعر الحديث، كما في القصيدة التي حمل ديوانه عنوانها «أحزان صحراوية» وفي قصيدة «قطعة قلب» وقصيدة «كلمات ثقيلة». وإذا كان أثر شبنغلر جلياً في تجربة سبول الفكرية، كما هو أثر فوكنر في تجربته الروائية، فإن الوجودية تطبع تجربته الإبداعية.
أما التعبير الأكبر عن هذه التجربة فهو في روايته «أنت منذ اليوم» التي فازت بجائزة دار النهار اللبنانية عام 1968 مناصفة مع رواية «الكابوس» للكاتب الأردني أمين شنار.
وتزخر الرواية بالتأملات، ومنها ما يتعلق بأسباب اضطهاد الإمام علي، وبالصراع بين القوميين والشيوعيين. وتستحضر الرواية من التاريخ نهاية فاتح الهند محمد بن القاسم. وتظهر رواية سبول تجربة راويها، وبطلها «عربي» في الحزب القومي، وذكرياته الريفية ودراسته الجامعية في دمشق، وضرب الأب لزوجاته، مما يؤكد عنصر السيرة في الرواية. وقد تجلّت النزعة إلى الحداثة في الرواية في لعبها بالزمن، فنصفها يتعلق بالوحدة السورية المصرية وبالانفصال، ونصفها يمضي إلى هزيمة 1967، حيث تتكسّر خطية الزمن بالاسترجاع وبالنجوى الداخلية. كما تتجلى حداثة الرواية في فرط الحكاية، وفي استلهام ضربة الريشة كما في اللوحة، وفي استثمار الأحلام والكوابيس، والفصل بين الفقرات السردية بالبياض، وفي تنويع الضمائر بين المتكلم الراوي وبين الغائب، وفي تنويع اللغات بين لغة المذيع ولغة الأب ولغة المتناصات التراثية والحديثة (إليوت) ولغة الإمام صابر، ولغة النكرات من الشخصيات العابرة.
وقدكان الموت حاضراً بقوة في تجربة سبول الشعرية، ثم تابع مشروع بطل روايته الانتحاري.
جاء تيسير سبول مع جيل الستينيات من القرن العشرين، لكنه أسرع إلى الانتحار. ولئن صحّ في بطله «عربي» ما رأى إلياس خوري من علاقة خفية بينه وبين غريب البيركامو، لقد ظل تيسير سبول ذلك المبدع الغريب الفرد.
نبيل سليمان