سرور (نجيب ـ)
(1932 ـ 1978)
شاعر وناقد أدبي، وكاتب ومخرج وممثل مسرحي مصري، أسهم في حركة المسرح المصري عندما بلغت أوجها في الستينيات كاتباً ومخرجاً وممثلاً. ولد نجيب سرور في قرية أحطاب من قرى محافظة الدقهلية، وكان والده موظفاً تابعاً لوزارة المالية، يجبي الضرائب من الفلاحين والإقطاعيين. تلقى سرور تعليمه الابتدائي والثانوي في مدارس المحافظة، ثم دخل كلية الحقوق في القاهرة، وانتسب في الوقت نفسه إلى المعهد العالي للفنون المسرحية - قسم التمثيل. وفي إحدى إجازاته الصيفية المبكرة جمع سرور بعض أصدقائه من طلبة الجامعة والثانوية وهاجموا في القرية قصر الإقطاعي الذي كان يسوم الفلاحين والموظفين العذاب فدمروه من الداخل من دون أن يؤذوا أحداً من سكانه. وكان الجواب أن ضرب رجال الإقطاعي جميع رجال عائلات المهاجمين وشبابهم في بيوتهم أمام نسائهم وأبنائهم، مما ترك في نفس سرور شرخاً لا يندمل، إضافة إلى طرد والده من وظيفته.
عندما تعارضت أوقات امتحانات التخرج بين كلية الحقوق والمعهد العالي تخلى سرور عن الحقوق، وتخرج بتفوق عام 1956 من قسم التمثيل. وبعد ذلك بسنتين أوفد مع أول بعثة طلابية مصرية إلى الاتحاد السوڤييتي، حيث درس الإخراج المسرحي وتدريب الممثل في «معهد غيتيس» الشهير في العاصمة موسكو، وتخرج فيه عام 1963. وكان في هذه المدة قد تزوج فتاة روسية أنجبت له هناك ابنه الأول، كما عمل في القسم العربي في إذاعة موسكو. وبدلاً من العودة إلى الوطن عقب التخرج مباشرة تباطأ سرور في موسكو خشيةَ أجهزة الأمن المصرية التي كانت تلاحق اليساريين على الشبهة، فانتقل مع أسرته الصغيرة عام 1963 إلى المجر، حتى سمحت له السلطات المصرية عام 1964 بالعودة، من دون عقوبة إدارية بسبب التأخر. فعاد وانخرط من فوره في الحياة المسرحية النشيطة آنئذ.
كان نجيب سرور يعاني عدوانية كامنة، تعبر عن نفسها بعنف في الأزمات، سواء بالمشاحنات الكلامية الحادة أو بكتاباته، وقلما وثق بشخص لا تعود أصوله إلى العمال أو الفلاحين، مما سبب له كثيراً من العداوات والمنغصات الدائمة. وقد تسربت عدوانيته وريبته هذه إلى أشعاره ومسرحياته التي كانت تصدر عن موقف ماركسي جلي، يطالب بالعدالة الاجتماعية، وبرفع الظلم عن المضطهدين، وبمحاربة البيروقراطية والفساد والتسلط.
بدأ نجيب سرور حياته الأدبية شاعراً، وقد احتضنت باكورة قصائده منذ عام 1954 مجلة «الآداب» اللبنانية التي رأس تحريرها الكاتب والصحفي اللبناني سهيل إدريس. وفي عام 1967 صدرت مجموعته الشعرية الأولى، بعنوان «التراجيدية الإنسانية»، ثم تلتها «بروتوكولات حكماء ريش» (1977) ثم «رباعيات نجيب سرور» (1978)، وقد نشرت كلها في مصر. ويقال إن هناك مخطوطات دواوين لم تنشر لأسباب رقابية، ثم ضاعت بين بغداد وبيروت، وجميعها بالفصحى.
يحمل شعر سرور هماً اجتماعياً سياسياً، ويصدر عن شعور حاد بالاضطهاد الطبقي وفقدان العدالة الاجتماعية، يعبر عنه تارة بحدةٍ سياسية، وتارة أخرى بغنائية عالية لاجئاً إلى شعر التفعيلة، متأثراً تارة بالشاعر المسرحي السوفييتي ماياكوفسكي[ر]، وتارة أخرى بالشاعر يفتوشنكو[ر]. إلاّ أن شعرية سرور تجلت من ثم في مسرحياته التي تراوحت لغتها بين العامية والفصحى والتي تضمنت كثيراً من الأغاني أو أحاديث الرواة الشعرية الطابع.
كتب نجيب سرور ستة نصوص مسرحية، هي «ياسين وبهية» (1965)، و«آه يا ليل يا قمر» (1968)، و«يا بهية وخبريني» (1969) وتشكل هذه المسرحيات من حيث الموضوع والشخصيات المحورية ثلاثية مسرحية. ثم هناك «قولوا لعين الشمس» (1970)، و«ملك الشحاتين» (1972)، و«منين أجيب ناس» (1975).
يقول الناقد المسرحي المصري فاروق عبد القادر عن نجيب سرور في كتابه «ازدهار وسقوط المسرح المصري»: «وبعد أن هدأت عاصفة موت نجيب سرور وخفت الضجيج، واستسلم هو للدائرة التي أسهم في إغلاقها حول نفسه من الإحباط والعدوان المرتد إلى الذات، يبدو ما قدمه للمسرح محدوداً... فنسيج أعماله صياغة ميلودرامية للأحداث والمواقف والكلمات، وغنائيات طويلة مكرورة، هي خليط من المواويل والألفاظ العربية والعامية، وهجائيات تقترب من «كراهة البشر»، والإحالة إلى أحداث من تاريخ مصر القريب، ونقد الواقع نقدات جزئية بهدف الحصول على استجابة ساخنة من جمهور الصالة... لقد خضع مسرح نجيب سرورـ مثل بقية أوجه حياته ـ لتلك الدائرة الملعونة من الإحباط والعدوان. لقد شاء نجيب أن يكون مؤلفاًَ ومخرجاً وممثلاً وناقداً وشاعراً ومعلماً، وكان طبيعياً أن تقف إمكانياته في هذا الواقع من دون التحقق، وأن تطيش سهامه التي كان يطلقها في كل الاتجاهات، وأن يرتد الكثير منها إلى صدره.« إن تأثر سرور بمسرح برتولد برشت [ر] لا تخطئه العين، على صعيد الشكل والمضمون على حد سواء، أما إلى أي حد نجح سرور في تمثل بنية المسرح الملحمي- الجدلي فهذا أمر آخر، نظرياً؛ في حين تثبت إحصائيات مسارح القاهرة أن عروض مسرحياته قد حققت أكبر الإيرادات في أكبر عدد من الأمسيات. لكن الرقابة السياسية كانت له دائماً بالمرصاد، فإما أن توقف العرض، أو لا تسمح به منذ البداية. وقد كان لذلك أثره البالغ في الوضع النفسي لسرور الذي بدأ بالتدهور، إلى جانب منعه من العمل والنشر، بحيث لم يعد يجد من المال ما يطعم عائلته ويسدد أجر بيته، حتى وصل إلى حافة الجنون، فأدخل «مستشفى المجانين» مرتين، كانت الثانية منهما هي القاضية، لا بسبب دخول مستشفى المجانين، ولكن بسبب ارتفاع نسبة السكر في دمه إلى جانب القصور الكلوي، فمات بعد أن كان قد أنجز قبل أيام معدودة دراسته النقدية المهمة «بروتوكولات الثوابت والمتحولات» التي فند فيها أطروحة الشاعر السوري أدونيس في كتابه «الثابت والمتحول»، والتي نشرت بعد وفاته بسنة.
من أعماله الأخرى:
ـ «لزوم ما لا يلزم» (1975) دراسة في شعر أبي العلاء المعري.
ـ «حوار في المسرح» (1969) مقالات نقدية في المسرح المصري المعاصر.
ـ «هكذا قال جحا» (1981) مقالات ساخرة في الأدب.
ـ «هموم الأدب والفن» (1989) مقالات نقدية في قضايا الأدب والفن.
نبيل الحفار
(1932 ـ 1978)
شاعر وناقد أدبي، وكاتب ومخرج وممثل مسرحي مصري، أسهم في حركة المسرح المصري عندما بلغت أوجها في الستينيات كاتباً ومخرجاً وممثلاً. ولد نجيب سرور في قرية أحطاب من قرى محافظة الدقهلية، وكان والده موظفاً تابعاً لوزارة المالية، يجبي الضرائب من الفلاحين والإقطاعيين. تلقى سرور تعليمه الابتدائي والثانوي في مدارس المحافظة، ثم دخل كلية الحقوق في القاهرة، وانتسب في الوقت نفسه إلى المعهد العالي للفنون المسرحية - قسم التمثيل. وفي إحدى إجازاته الصيفية المبكرة جمع سرور بعض أصدقائه من طلبة الجامعة والثانوية وهاجموا في القرية قصر الإقطاعي الذي كان يسوم الفلاحين والموظفين العذاب فدمروه من الداخل من دون أن يؤذوا أحداً من سكانه. وكان الجواب أن ضرب رجال الإقطاعي جميع رجال عائلات المهاجمين وشبابهم في بيوتهم أمام نسائهم وأبنائهم، مما ترك في نفس سرور شرخاً لا يندمل، إضافة إلى طرد والده من وظيفته.
عندما تعارضت أوقات امتحانات التخرج بين كلية الحقوق والمعهد العالي تخلى سرور عن الحقوق، وتخرج بتفوق عام 1956 من قسم التمثيل. وبعد ذلك بسنتين أوفد مع أول بعثة طلابية مصرية إلى الاتحاد السوڤييتي، حيث درس الإخراج المسرحي وتدريب الممثل في «معهد غيتيس» الشهير في العاصمة موسكو، وتخرج فيه عام 1963. وكان في هذه المدة قد تزوج فتاة روسية أنجبت له هناك ابنه الأول، كما عمل في القسم العربي في إذاعة موسكو. وبدلاً من العودة إلى الوطن عقب التخرج مباشرة تباطأ سرور في موسكو خشيةَ أجهزة الأمن المصرية التي كانت تلاحق اليساريين على الشبهة، فانتقل مع أسرته الصغيرة عام 1963 إلى المجر، حتى سمحت له السلطات المصرية عام 1964 بالعودة، من دون عقوبة إدارية بسبب التأخر. فعاد وانخرط من فوره في الحياة المسرحية النشيطة آنئذ.
كان نجيب سرور يعاني عدوانية كامنة، تعبر عن نفسها بعنف في الأزمات، سواء بالمشاحنات الكلامية الحادة أو بكتاباته، وقلما وثق بشخص لا تعود أصوله إلى العمال أو الفلاحين، مما سبب له كثيراً من العداوات والمنغصات الدائمة. وقد تسربت عدوانيته وريبته هذه إلى أشعاره ومسرحياته التي كانت تصدر عن موقف ماركسي جلي، يطالب بالعدالة الاجتماعية، وبرفع الظلم عن المضطهدين، وبمحاربة البيروقراطية والفساد والتسلط.
بدأ نجيب سرور حياته الأدبية شاعراً، وقد احتضنت باكورة قصائده منذ عام 1954 مجلة «الآداب» اللبنانية التي رأس تحريرها الكاتب والصحفي اللبناني سهيل إدريس. وفي عام 1967 صدرت مجموعته الشعرية الأولى، بعنوان «التراجيدية الإنسانية»، ثم تلتها «بروتوكولات حكماء ريش» (1977) ثم «رباعيات نجيب سرور» (1978)، وقد نشرت كلها في مصر. ويقال إن هناك مخطوطات دواوين لم تنشر لأسباب رقابية، ثم ضاعت بين بغداد وبيروت، وجميعها بالفصحى.
يحمل شعر سرور هماً اجتماعياً سياسياً، ويصدر عن شعور حاد بالاضطهاد الطبقي وفقدان العدالة الاجتماعية، يعبر عنه تارة بحدةٍ سياسية، وتارة أخرى بغنائية عالية لاجئاً إلى شعر التفعيلة، متأثراً تارة بالشاعر المسرحي السوفييتي ماياكوفسكي[ر]، وتارة أخرى بالشاعر يفتوشنكو[ر]. إلاّ أن شعرية سرور تجلت من ثم في مسرحياته التي تراوحت لغتها بين العامية والفصحى والتي تضمنت كثيراً من الأغاني أو أحاديث الرواة الشعرية الطابع.
كتب نجيب سرور ستة نصوص مسرحية، هي «ياسين وبهية» (1965)، و«آه يا ليل يا قمر» (1968)، و«يا بهية وخبريني» (1969) وتشكل هذه المسرحيات من حيث الموضوع والشخصيات المحورية ثلاثية مسرحية. ثم هناك «قولوا لعين الشمس» (1970)، و«ملك الشحاتين» (1972)، و«منين أجيب ناس» (1975).
يقول الناقد المسرحي المصري فاروق عبد القادر عن نجيب سرور في كتابه «ازدهار وسقوط المسرح المصري»: «وبعد أن هدأت عاصفة موت نجيب سرور وخفت الضجيج، واستسلم هو للدائرة التي أسهم في إغلاقها حول نفسه من الإحباط والعدوان المرتد إلى الذات، يبدو ما قدمه للمسرح محدوداً... فنسيج أعماله صياغة ميلودرامية للأحداث والمواقف والكلمات، وغنائيات طويلة مكرورة، هي خليط من المواويل والألفاظ العربية والعامية، وهجائيات تقترب من «كراهة البشر»، والإحالة إلى أحداث من تاريخ مصر القريب، ونقد الواقع نقدات جزئية بهدف الحصول على استجابة ساخنة من جمهور الصالة... لقد خضع مسرح نجيب سرورـ مثل بقية أوجه حياته ـ لتلك الدائرة الملعونة من الإحباط والعدوان. لقد شاء نجيب أن يكون مؤلفاًَ ومخرجاً وممثلاً وناقداً وشاعراً ومعلماً، وكان طبيعياً أن تقف إمكانياته في هذا الواقع من دون التحقق، وأن تطيش سهامه التي كان يطلقها في كل الاتجاهات، وأن يرتد الكثير منها إلى صدره.« إن تأثر سرور بمسرح برتولد برشت [ر] لا تخطئه العين، على صعيد الشكل والمضمون على حد سواء، أما إلى أي حد نجح سرور في تمثل بنية المسرح الملحمي- الجدلي فهذا أمر آخر، نظرياً؛ في حين تثبت إحصائيات مسارح القاهرة أن عروض مسرحياته قد حققت أكبر الإيرادات في أكبر عدد من الأمسيات. لكن الرقابة السياسية كانت له دائماً بالمرصاد، فإما أن توقف العرض، أو لا تسمح به منذ البداية. وقد كان لذلك أثره البالغ في الوضع النفسي لسرور الذي بدأ بالتدهور، إلى جانب منعه من العمل والنشر، بحيث لم يعد يجد من المال ما يطعم عائلته ويسدد أجر بيته، حتى وصل إلى حافة الجنون، فأدخل «مستشفى المجانين» مرتين، كانت الثانية منهما هي القاضية، لا بسبب دخول مستشفى المجانين، ولكن بسبب ارتفاع نسبة السكر في دمه إلى جانب القصور الكلوي، فمات بعد أن كان قد أنجز قبل أيام معدودة دراسته النقدية المهمة «بروتوكولات الثوابت والمتحولات» التي فند فيها أطروحة الشاعر السوري أدونيس في كتابه «الثابت والمتحول»، والتي نشرت بعد وفاته بسنة.
من أعماله الأخرى:
ـ «لزوم ما لا يلزم» (1975) دراسة في شعر أبي العلاء المعري.
ـ «حوار في المسرح» (1969) مقالات نقدية في المسرح المصري المعاصر.
ـ «هكذا قال جحا» (1981) مقالات ساخرة في الأدب.
ـ «هموم الأدب والفن» (1989) مقالات نقدية في قضايا الأدب والفن.
نبيل الحفار