سرطان المعى الغليظ (القولون والمستقيم) مرض واسع الانتشار في البلدان المتطورة ولاسيما في أمريكا الشمالية، في حين يقل انتشاره في مناطق أخرى من العالم مثل آسيا وأمريكا اللاتينية وخاصة في القسم الواقع جنوبي الصحراء من إفريقيا، وهو يأتي في المرتبة الثالثة بين الأورام الخبيثة من حيث الشيوع في الولايات المتحدة.
السببيات
دلت الدراسات الوبائية على أن العوامل البيئية تؤدي دوراً كبيراً في نشوء هذه الداء، ومما يدعم هذا الرأي وجود اختلاف في وقوعات الداء بين منطقة وأخرى من البلد الواحد عندما يختلف أسلوب حياة السكان في هذه المناطق، وهناك بيّنات متعددة على أن القوت هو من أهم العوامل البيئية ذات العلاقة بحدوث هذا المرض. وقد اتضح من دراسة المكونات المختلفة للقوت أن أهم عناصره التي قد يكون لها صلة بنشوء سرطان المعى الغليظ هي:
1- الدسم: قد تبين أن خطر تشكل هذا السرطان يرتفع عند الشعوب التي تستهلك مقادير عالية من الدسم، وينخفض عند الشعوب التي يقل استهلاكها للدسم، وقد أيدت الدراسات التي أجريت على الحيوانات صواب هذا الرأي. وقد عزا بعضهم التأثير السيئ للدسم إلى كونها تزيد إنشاء الكولسترول والحموض الصفراوية في الكبد التي تطرح مع الصفراء. تقوم الجراثيم القولونية بتحويل هذه المواد إلى حموض صفراوية ثانوية ومستقلبات كولسترولية تعزز قابلية القولون للتسرطن عند الحيوانات. أما آلية تأثيرها فما تزال غامضة وربما كانت عن طريق زيادة الفعالية التكاثرية للظهارة القولونية بوساطة تحريضها عدداً من الإنزيمات الخلوية.
2- الألياف: دلت الدراسات الوبائية والتجارب المجراة على الحيوانات على أن القوت الحاوي نسبة عالية من الألياف يقي من تشكل سرطان المعى الغليظ، ويعزى هذا التأثير الواقي إلى أن الألياف النباتية تزيد حجم الكتلة البرازية مما يؤدي إلى نقص تركيز المواد المسرطنة والمواد المحرضة على التسرطن في البراز، كما أنها تقلل من زمن تماس هذه المواد مع مخاطية القولون عن طريق زيادة سرعة عبور الفضلات في القولون.
3- تشير بعض الدراسات إلى أن الأغذية المحتوية على الڤيتامين Aوالڤيتامين C و E قد تؤدي دوراً في الوقاية من سرطان المعى الغليظ بسبب فعلها المضاد للتأكسد، كما عزي إلى الكلسيوم دور مماثل في الوقاية بسبب تأثيره المثبط لتكاثر الخلايا الظهارية.
العوامل المؤهبة لحدوث سرطان المعى الغليظ:
1- السن: يزداد خطر الإصابة بسرطان المعى الغليظ ازدياداً حاداً بعد سن الأربعين، ويتزايد الخطر كلما تقدم العمر بعد ذلك حتى تبلغ نسبة الوقوع حدها الأقصى في العقد الثامن.
2- الأورام الغدية في المعى الغليظ:تشير الدراسات المتعددة إلى أن معظم سرطانات المعي الغليظ تنشأ من التنكس الخبيث الذي يطرأ على الأورام الغدية الموجودة مسبقاً فيها، ويزداد خطر تسرطن الأورام الغدية كلما زاد عددها حتى إن التسرطن يصبح مؤكداً في جميع الحالات عند المصابين بداء السليلات الغدية العائليfamilial adenomatous polyposis (FAP)؛ إذ يتجاوز عدد الغدومات في هذه الحالات المئات. كما يزداد خطر تسرطن الورم الغدي كلما ازداد حجمه، أو إذا احتوى على بنية زغابية، أو ظهرت فيه علائم نسيجية على الثدن الخلوي الشديد. إضافة إلى ما تقدم اتضح أن عدداً من المصابين بسرطان المعي الغليظ قد تصل نسبتهم إلى 7% يحملون في الوقت نفسه سرطاناً آخر في أحد أقسام القولون، كما أن المرضى الذين سبق علاجهم من سرطان المعى الغليظ يتعرضون لإصابة لاحقة فيه بنسبة قد تصل إلى 5%. أما موعد ظهور هذه الأورام اللاحقة فيتفاوت من حالة إلى أخرى لكن نصفها يقع في مدة 5-7 سنوات من السرطان الأول.
3- الاستعداد الوراثي: لوحظ أن أقرباء الدرجة الأولى للمصابين بسرطان القولون الفرادي sporadic معرضون لخطر الإصابة بهذا المرض بنسبة تعادل ثلاثة أضعاف ما هي عليه عند الأشخاص العاديين. أما المصابون بداء السليلات الغدية العائلي أو متلازمة غاردنر Gardner أو متلازمة Turcotفسيصابون جميعاً بسرطان المعى الغليظ إذا لم يستأصل القولون في الوقت المناسب.
إضافة إلى ذلك لوحظ أن نسبة وقوع سرطان القولون مرتفعة في بعض العائلات، وقد تكون الإصابة السرطانية في هذه الحالة مقتصرة على القولون وتدعى الحالة حينئذ متلازمة لينش الأولى Lynch I، أو أن آفة القولون يرافقها وجود سرطان مرافق أو لاحق في أعضاء أخرى ولاسيما في الجهاز التناسلي الأنثوي وتدعى الحالة عندئذ متلازمة لينش الثانية. يتصف سرطان القولون في متلازمة لينش- وتدعى أيضاً «سرطان المعى الغليظ الوراثي غير السليليHNPCC» - بوراثته الصبغية الجسدية السائدة، وبتوضعه الغالب في القسم الداني من القولون (70% من الحالات) وبكثرة حدوث الشكل الموسيني mucinous من السرطان. ويقدر بعض الخبراء أن متلازمة لينش تمثل 4-6% من مجمل سرطان المعى الغليظ. وتظهر أعراض سرطان القولون في متلازمة لينش في العقد الخامس من العمر؛ أي في وقت أبكر مما هي الحال في سرطان القولون غير العائلي.
4- يهيئ التهاب القولون التقرحي قديم العهد للإصابة بسرطان القولون. ومن الثابت أن هناك علاقة بين خطر التسرطن ومدة الإصابة بالتهاب القولون؛ إذ يبدأ خطر التسرطن بعد انقضاء سبع سنوات على بداية الأعراض ويزداد تدريجياً بعد ذلك، ويقدر بعضهم أن معدل الخطورة يصل إلى 30% بعد انقضاء خمس وعشرين سنة على بداية الداء. أما العامل الثاني المهم في نشوء السرطان عند هؤلاء المرضى فهو امتداد الآفة الالتهابية؛ إذ تبين أن خطر التسرطن يزداد عند المصابين بالتهاب القولون الشامل.
يزداد خطر الإصابة بسرطان القولون أيضاً عند المصابين بداء كرون في القولونات، وقد يصل معدل الإصابة لديهم عشرين ضعف ما هي عليه عند عامة الناس، بيد أن خطر التسرطن في هذا المرض يبقى أقل مما هو عليه في التهاب القولون التقرحي.
التبدلات البيولوجية في سرطان المعى الغليظ
إن تشكل الأورام حدثية معقدة تمر بمراحل متعددة لعل أهمها حدوث شذوذ في التكاثر الخلوي. ومن المعروف أن الخلايا التي تتكاثر بسرعة هي أكثر عرضة للتسرطن من غيرها من الخلايا. وفيما يخص المعي الغليظ تنقسم الخلايا الظهارية وتتكاثر في القسمين السفلي والمتوسط من الخبيئات، وعندما تهاجر الخلايا نحو القسم العلوي من الخبيئة يقل عدد الخلايا التي تستمر في التكاثر، ومتى وصلت إلى القسم العلوي اكتمل تمايزها وفقدت قدرتها على الانقسام.
تشير الدراسات إلى أن هذا الأمر يضطرب في القولون المصاب بآفة ورمية إذ تزداد القدرة التكاثرية لخلايا الخبيئات في هذه الحالة، كما تزداد هذه القدرة عند الأشخاص المعرضين لخطر الإصابة بأورام المعى الغليظ كما هي الحال عند أفراد أسرة المصاب بداء السليلات الغدية العائلي أو متلازمة «غاردنر»، كما شوهدت القدرة التكاثرية الزائدة عند الجرذان التي أعطيت بعض المسرطنات الكيميائية، وعند الحيوانات التي عُرّضت قولوناتها لتأثير بعض المحفزات الورمية (المحضضات)tumor promoters مثل الحموض الصفراوية الثانوية.
تتميز الخلايا السرطانية والمؤهبة للتسرطن باحتوائها على العديد من التبدلات في جيناتها تجعلها أكثر تأثراً بالعوامل المسرطنة مما يسهل تحولها من خلايا سوية إلى خلايا سرطانية. وفيما يتعلق بسرطان المعى الغليظ تحمل الخلايا الورمية العديد من هذه التبدلات الجينية أو الطفرات أهمها تلك التي تتناول الجين P53 الواقع في الصبغي/17/ والجين DCC الكائن في الصبغي/18/ والجين APC الواقع في الصبغي الخامس وكلها جنيات كابتة للورم tumor suppressor. ومنها أيضاً الجين K.RAS وهو جين مسرطن proto-oncogen يقع في الصبغي 12، يضاف إلى ذلك الخلل الذي يتناول عدداً من الجينات الأخرى التي تشرف في الخلايا السوية على إصلاح الخلل الذي قد يحصل في الحمض النووي DNA.
التشريح المرضي
يتوضع سرطان المعي الغليظ في أي جزء منه، وتدل الإحصاءات على أن نحو 70% من هذه الأورام يتوضع في القسم الأيسر من المعى أي في القولون النازل والسيني والمستقيم.
يأخذ الورم عيانياً أحد الشكلين التاليين: الشكل السليلاني polypoid الذي يكثر حدوثه في القولون الأيمن، والشكل الارتشاحي الذي يكثر حدوثه في القولون الأيسر والمستقيم، ويمكن لكلا الشكلين المذكورين أن يتقرح.
ن الغالبية العظمى من حالات سرطان الأمعاء الغليظة هي من نوع السرطان الغديadenocarcinoma الذي تفرز غدده كمية متفاوتة من الموسين( المخاطين). قد يكون إفراز الموسين غزيراً في بعض الحالات ويطلق على هذا الشكل اسم السرطان الغرواني colloid أو السرطان الموسيني الذي يؤلف 15% من مجمل سرطانات القولون.
وهناك بالمقابل السرطان الصلدscirrhous قليل الحدوث الذي يتميز بوجود نسيج ليفي غزير. وهناك أشكال أخرى من سرطان المعى الغليظ القليلة الحدوث تشكل بمجموعها أقل من 5% من مجمل سرطانات هذا العضو منها السرطان حرشفي الخلايا والسرطان الملاني melanocarcinoma.
تعيين مرحلة الورم
يتعلق إنذار سرطان المعى الغليظ إلى حد كبير بالمرحلة التي وصل إليها الورم في تطوره، وقد وضعت تصانيف متعددة لتحديد مرحلة الورم أقدمها تصنيف ديوك Dukeالذي عدله «استلر-كولر» Astler-Coller عام 1954 وأصبح من أكثر التصانيف استخداماً في الوقت الحاضر وهو كما يلي:
- المرحلة أ: يتناول الورم الطبقة المخاطية فقط من المعى الغليظ.
- المرحلة ب: يتناول الورم الطبقة المخاطية والعضلية، وتقسم هذه المرحلة إلى درجتين:
ب1: وفيها يتناول الورم الطبقة العضلية خاصة muscularis propria.
ب2: وفيها يتجاوز الورم الطبقة العضلية خاصة ويصل إلى الطبقة المصلية.
- المرحلة جـ: ينتقل فيها الورم إلى العقد اللمفاوية الناحية، وتقسم هذه المرحلة إلى درجتين:
جـ1: وفيها يكون الامتداد الموضعي كما في المرحلة ب1 مع وجود انتقالات إلى العقد اللمفاوية الناحية.
جـ2: وفيها يكون الامتداد الموضعي للورم كما في المرحلة ب2 مع وجود انتقالات إلى العقد اللمفاوية الناحية.
- المرحلة د: يترافق الورم في هذه المرحلة وانتقالات بعيدة إلى الأعضاء الأخرى كالكبد أو الرئتين أو العظام.
وقد اقترح الاتحاد الدولي لمكافحة السرطان UICC تصنيفاً جديداً يعتمد على درجة امتداد الورم الأول (T) وحالة العقد اللمفاوية (N) ووجود انتقالات ورمية في الأعضاء البعيدة (M) (تصنيف TNM)، وبموجب هذا التصنيف يمر الورم بخمس مراحل أولها مرحلة الورم اللابد in situ، وفيها يقتصر توضع الورم على الظهارة والطبقة المخصوصة lamina propria. ويهدف هذا التصنيف إلى توحيد المفاهيم بين الباحثين في الدول المختلفة مما يسمح بإجراء المقارنة بين دراساتهم بأسلوب أفضل والتوصل إلى نتائج أكثر دقة.
الأعراض والعلامات
ينمو سرطان المعى الغليظ ببطء وكثيراً ما يبقى صامتاً من دون أعراض مدة طويلة من الزمن قد تبلغ خمس سنوات، وأهم الأعراض التي يتظاهر بها المرض هي:
1- النزف عن طريق الشرج: وهو العرض الأكثر مصادفة في أورام النصف الأيسر من القولون والمستقيم، وهو نزف قليل المقدار ومتقطع ويندر أن يكون غزيراً، وكل نزف شرجي عند شخص تجاوز الأربعين من العمر يجب أن يثير الشبهة بورم في المعى الغليظ ويستوجب الاستقصاء لكشف السبب. بيد أن النزف الهضمي قد يكون مجهرياً ويؤدي إلى فقر الدم ناقص الصباغ وهو ما يحدث خاصة في أورام القولون الأيمن.
2- الألم البطني: يحدث خاصة في أورام القولون الأيسر التي تأخذ شكلاً حلقياً مضيقاً للمعة؛ مما يسبب آلاماً قولنجية تشتد بعد الطعام وتخف بطرد الغاز أو التغوط، بيد أن الألم قد يكون خفيفاً في أورام القولون الأيمن ويأخذ شكل الضيق أو عدم الارتياح في مكان توضع الورم.
3- تبدل عادات التغوط: ويتجلى على شكل إمساك أو إسهال أو تناوب هذين العرضين، وإن هذا التبدل في عادات التغوط وما يرافقه من آلام بطنية وانتفاخ كثيراً ما يوحي للطبيب بالإصابة بمتلازمة الأمعاء الهيوجة. وتجدر الإشارة إلى أن أعراض الانسداد الجزئي أو التام قد تكون التظاهرة الأولى للإصابة بسرطان المعى الغليظ.
تتميز أورام المستقيم خاصة بالنزف الشرجي الذي كثيراً ما يعزوه المريض والطبيب إلى الإصابة بالبواسير ولاسيما إذا لم يكن المريض متقدماً في السن، ويترافق النزف عادة بشعور المريض بالحاجة المتكررة والكاذبة إلى التغوط، والتي كثيراً ما تؤدي إلى خروج مواد مخاطية قد تكون مدماة، ويعزى هذا العرض إلى تبارز كتلة الورم في لمعة المستقيم.
أما الأعراض العامة لسرطان المعى الغليظ فتشمل الضعف العام والفتور والزلة والألم الخناقي وتعزى كلها إلى فقر الدم المرافق، كما يشكو المريض من القهم ونقص الوزن والحمى التي ترى في المراحل المتقدمة من المرض المترافق بنقائل ورمية بعيدة، ويؤدي غزو الورم للأعضاء المجاورة أيضاً إلى ظهور أعراض تختلف باختلاف العضو المصاب:
- تعدد بيلات وعسر تبول وبيلة دموية عند غزو الورم للجهاز البولي.
- ألم العصب الوركي إثر اجتياح الورم للأنسجة الحوضية.
- الحبن بسبب النقائل الورمية للصفاق.
قد يكشف الفحص السريري للمريض العلامات الدالة على فقر الدم أو ضخامة الكبد بسبب النقائل الورمية أو ضخامة العقد اللمفاوية فوق الترقوة أو العقد المغبنية في أورام المستقيم. يندر أن يكشف الفحص السريري وجود كتلة ورمية في البطن، بيد أن المس الشرجي الذي يجب إجراؤه منوالياً يكشف أورام المستقيم إذا وقع حدها السفلي على مدى الإصبع الماسة.
التشخيص
كثيراً ما يحدث الخطأ في تشخيص سرطان المعى الغليظ إذ تعزى الأعراض التي يتظاهر بها إلى أحد الأمراض الأخرى الحميدة واسعة الانتشار، فالنزف الشرجي كثيراً ما ينسب إلى الإصابة بالبواسير، والألم البطني وتبدل عادات التغوط تعزى عادة إلى متلازمة الأمعاء الهيوجة، أما الألم البطني مع النزف الشرجي فكثيراً ما تعزى إلى الإصابة بالرتوج القولونية في الشعوب التي تنتشر فيها الإصابة بهذا الداء.
وتجنباً لهذه الأخطاء يجب الشك بسرطان المعى الغليظ عند كل مريض يشكو من نزف عن طريق الشرج أو تبدل في عادات التغوط أو في قطر الكتلة البرازية أو ألم بطني غير معلل أو فقر دم ناقص الصباغ ولاسيما إذا تجاوز المريض سن الأربعين أو كانت هناك قصة عائلية للإصابة بسرطان المعى الغليظ. يعتمد التشخيص على تنظير القولونات الشامل الذي يسمح بأخذ عينات للفحص النسيجي وتأكيد التشخيص، وإذا رفض المريض هذا الإجراء يلجأ إلى تصوير القولونات بطريقة التباين المضاعف الذي يكشف وجود التضيق أو الكتلة الورمية في أحد أجزاء القولونات، بيد أن صورة القولونات السلبية لا تنفي وجود السرطان في القولون.
هناك عدد من العوامل التي تؤثر في إنذار المرضى المصابين بسرطان المعى الغليظ وهي:
1- اختراق الورم للجدار المعوي والانتقالات إلى العقد اللمفاوية: بينت الدراسات أن معدل البقيا بعد خمس سنوات عند المرضى الذين ليست لديهم انتقالات إلى العقد اللمفاوية مرتبط بدرجة اختراق الورم للجدار المعوي، ويبلغ هذا المعدل 80% وسطياً عند مرضى المرحلة أ ويهبط إلى 43% عند مرضى المرحلة ب2. كما يرتبط إنذار المرضى أيضاً بإصابة العقد اللمفاوية الناحية فقد اتضح أن معدل البقيا بعد خمس سنوات يبلغ 53% عند مرضى المرحلة جـ1 ويهبط إلى 15% عند مرضى المرحلة جـ2، ويبدو أن لعدد العقد اللمفاوية المصابة بالانتقال الورمي أهمية في تحديد إنذار المرض، فقد تبين أن معدل البقيا في حالة إصابة 1-4 عقد لمفاوية يكون أفضل مما هو في حالة إصابة أكثر من أربع عقد لمفاوية مهما كانت درجة اختراق الورم للجدار المعوي.
2- الصفات المورفولوجية والنسيجية للورم: يتناسب حجم السرطانات عادة مع إنذارها، فكلما ازداد الحجم ساء الإنذار، بيد أن ذلك لا ينطبق على أورام القولون؛ إذ إن الإنذار لا يرتبط بحجم الورم، ويبدو أن الأورام السليلانية ذات إنذار أفضل من الأورام المرتشحة أو المتقرحة.
تؤثر البنية النسيجية للورم في إنذاره، فالأورام سيئة التمايز الخلوي ذات إنذار سيئ بالمقارنة بالأورام جيدة التمايز، كما أن السرطانات الموسينية والصلدة أشد خطورة وتقل فيها البقيا عن الأنواع الأخرى من السرطان.
3- المظاهر السريرية: لعل من البديهي القول إن السرطانات اللاعرضية التي تكشف مصادفة أو في أثناء حملات التقصي تكون أقل تقدماً من السرطانات العرضية وهي بالتالي أفضل إنذاراً.
يشير العديد من الدراسات إلى وجود علاقة بين موضع السرطان وإنذاره، فالسرطان المتوضع في المستقيم والموصل السيني المستقيمي أسوأ إنذاراً من التوضعات الأخرى. كما أن سرطان القولون المعترض والنازل والسين الحرقفي أفضل إنذاراً من سرطان القولون الأيمن، وتتفق جميع الآراء على أن سرطان القولون أفضل إنذاراًَ من سرطان المستقيم.
ويبدو أن لسن المريض علاقة بالإنذار الذي يكون أسوأ في الأعمار الباكرة وقد يكون ذلك ناجماً عن تأخر التشخيص في هذه المراحل الباكرة من العمر، أو عن كثرة مصادفة الأورام الموسينية في الأعمار الباكرة.
الوقاية
يرتفع معدل انتشار سرطان المعى الغليظ في كثير من الدول الغربية حيث أصبح واحداً من المشاكل الصحية الكبرى التي تواجه تلك المجتمعات مما دعا إلى البحث عن وسائل للكشف المبكر عن السرطان عندما تكون معالجته مجدية وفعالة. بيد أنه يجب أن تتوافر في هذه الوسائل عند تطبيقها على مجموعات واسعة من السكان الفعالية وسهولة التطبيق والكلفة المنخفضة في آن واحد؛ الأمر الذي لا يمكن تحقيقه في أي من الوسائل المقترحة. ولكن الجميع يقرون بفائدة أعمال التقصي في خفض معدل الوفيات من سرطان المعى الغليظ ويدعون إلى تطبيق هذه الإجراءات على الرغم من تباين الآراء فيما يخص الأشخاص الذين يجب أن تطبق لديهم هذه التدابير وما هو الإجراء المفضل وما هي مواعيد تطبيقه.
يتفق معظم الخبراء على أن إجراءات التقصي يجب أن تتناول الأشخاص الذين تجاوزوا الخمسين من العمر، وتتضمن هذه الإجراءات:
1- تحري الدم الخفي في البراز مرة كل عام.
2- تنظير المستقيم والسيني بالمنظار اللين مرة كل خمس سنوات.
3- تنظير القولون الشامل مرة كل عشر سنوات أو تصوير القولون الشعاعي بطريقة التباين المضاعف مرة كل 5-10سنوات.
بينت الدراسات الواسعة أن تحري الدم الخفي في البراز باستعمال صفائحhemoccult الجاهزة يعطي نتيجة إيجابية في 2-6% من الأشخاص، وأن قدرته التنبؤية تعادل 20% فيما يخص الأورام الغدية في القولون و5-10% فيما يخص سرطان المعي الغليظ.
ومن جهة أخرى بينت الدراسات المراقبة أن تنظير المستقيم والسيني بالمنظار اللين وما يرافقه من استئصال السلائل الغدية أنقص وقوعات سرطان المعى الغليظ بنسبة 60%. أما تنظير القولون الشامل فيجرى مرة كل 5-10 سنوات لكشف الآفات الواقعة في القسم الداني من القولون. كما يجب إجراء تنظير قولون شامل في كل مرة يكون فيها اختبار الدم الخفي في البراز إيجابياً وعندما يكشف تنظير المستقيم والسيني آفة في القسم القاصي في المعى الغليظ.
أما عند الأشخاص عالي الخطورة المؤهبين للإصابة بسرطان المعى الغليظ فتعتمد الوقاية على كشف الآفات قبيل السرطانية أو السرطانات في مراحلها الباكرة عن طريق تنظير القولون الشامل، وتتضمن هذه الفئة المرضى المصابين بإحدى الآفات التالية:
1- السليلات الغدية أو سرطان المعى الغليظ: بينت الدراسات أن المصابين بالأورام الغدية يتعرضون لنكس الورم بعد استئصاله بنسبة تقدر 20% بعد خمس سنوات من استئصال الورم الأول، كما تبين أن تعدد الأورام الغدية وكبر حجم الورم الغدي وبنيته الزغابية وتقدم العمر تزيد من احتمال نكسه في المستقبل. لذلك وجب أن يخضع جميع هؤلاء الأشخاص للمراقبة الدورية بوساطة تنظير القولون لكشف الأورام التالية واستئصالها قبل أن تصاب بالتنكس السرطاني.
2- الداء المعوي الالتهابي: يتعرض المصابون بالتهاب القولون التقرحي قديم العهد للتنكس السرطاني، لذلك يجب مراقبة هؤلاء بتنظير القولون مرة كل سنة إذا كانوا مصابين بالتهاب القولون الشامل منذ مدة تزيد على سبع سنوات، وأولئك المصابين بالتهاب القولون الأيسر منذ أكثر من خمسة عشر عاماً مع أخذ خزعات متعددة من مختلف أنحاء القولون تفصل الواحدة عن الأخرى مسافة 10سم. كما أن المصابين بداء «كرون» معرضون للتنكس السرطاني أيضاً ولكن بنسبة أقل مما هي في التهاب القولون التقرحي، ويجب أن يخضعوا لعملية تنظير القولون دورياً وأخذ العينات للفحص النسيجي ولاسيما من مناطق التضيق.
3- أدواء السليلات القولونية العائلية:يجب أن يخضع الأشخاص الذين في سوابقهم العائلية إصابة بداء السليلات الغدية العائلي أو متلازمة «غاردنر» لتنظير المستقيم والسيني مرة كل ستة أشهر ابتداءً من سن البلوغ لكشف ظهور السليلات لديهم في الوقت المناسب. إضافة إلى ذلك يجب مراقبة الأشخاص الذين يوجد في سوابقهم العائلية إصابة واحدٍ أو أكثر من أقارب الدرجة الأولى بسرطان المعى الغليظ؛ عن طريق تحري الدم الخفي في البراز وتنظير المستقيم والسيني بالمنظار الليفي وعلى نحو دوري.
المعالجة
المعالجة المفضلة لسرطان المعى الغليظ هي استئصال الجزء من المعى الذي يحتوي على الورم مع استئصال العقد اللمفاوية التي تنزح ذلك الجزء. يجب أن يسبق إجراء العمل الجراحي دراسة كاملة للمريض تتضمن خاصة الأمور التالية:
1- تنظير القولون الشامل لنفي وجود بؤرة سرطانية ثانية أو أورام غدية مرافقة واستئصالها عن طريق التنظير الداخلي إن أمكن.
2- عيار المستضد السرطاني الجنينيCEA الذي يفيد في متابعة المريض بعد الجراحة.
3- دراسة مدى امتداد الورم للبنى المجاورة وانتقالاته إلى الأعضاء البعيدة، والتفتيش خاصة عن الانتقالات الكبدية والصفاقية والرئوية، ويعتمد في ذلك على تخطيط صدى الأحشاء البطنية وتصوير الصدر الشعاعي والتصوير المقطعي المحوسب CT الذي يفيد خاصة في تعيين مدى انتشار سرطان المستقيم للبنى المجاورة، كما يفيد في هذا المجال تخطيط الصدى عبر المستقيم.
يختلف نمط اسئتصال القولون بحسب موقع الورم، فالأورام الواقعة في الأعور أو القولون الصاعد أو الزاوية اليمنى للقولون تعالج باستئصال نصف القولون الأيمن وإجراء مفاغرة بين اللفائفي والقولون المعترض، أما سرطانات القولون الأيسر فتعالج باستئصال نصف القولون الأيسر ثم مفاغرة القولون مع المستقيم.
يتشكل المستقيم من السنتيمترات الخمسة عشر الأخيرة من المعى الغليظ، وعندما يتصدى الجراح لمعالجة السرطان المتوضع في هذا الجزء فإنه يواجه مشكلة المحافظة على وظيفة المصرة الشرجية في ضبط عملية التغوط واستمساك البراز. وقد بينت الدراسات أن قطع الورم مع هامش أمان يبلغ طوله 2سم تحت الحافة السفلية للورم يكفي عادة في هذا النوع من الأورام، لذلك أصبح من الممكن في الوقت الحاضر استئصال القسم الأكبر من أورام المستقيم وإجراء مفاغرة قولونية مستقيمية أو قولونية شرجية مع المحافظة على وظيفة المصرة الشرجية، وهي الأورام التي تتوضع في الثلثين العلوي والمتوسط من المستقيم، وقد ساعدت الأدوات الحديثة التي تقوم بإجراء المفاغرة آلياً على تحقيق هذه الغاية.
أما الأورام المتوضعة في الثلث السفلي من المستقيم وتلك ذات الحجم الكبير أو الممتدة على نحو واسع إلى الجوار أو ذات البنية الخلوية سيئة التمايز فإن معالجتها تتطلب إجراء استئصال شامل للشرج والمستقيم والسيني مع إجراء فغر قولونcolostomy دائم في الحفرة الحرقفية اليسرى، وإذا كان هناك مضاد استطباب لمثل هذه العملية الجراحية الواسعة يلجأ إلى المعالجة الملطفة وفيها يتم تخريب الورم بوساطة أشعة الليزر laser photoablation أو بالتخثير باستعمال argon palsma ، كما أن بالإمكان استئصال الورم السليلاني جزئياً بوساطة السنار snare عن طريق التنظير الداخلي.
معالجة النقائل الكبدية:
إن مضادات استطباب المعالجة الجراحية لسرطان المعى الغليط نادرة وأهمها سوء الحالة العامة للمريض والانتقالات الصفاقية التي تترافق بالحبن عادة، أما الانتقالات البعيدة الأخرى ولاسيما إلى الكبد فلا تعد مضاد استطباب للجراحة التي ينصح بها في هذه الحالات تجنباً لحدوث الانسداد المعوي أو النزف.
يبدي نحو 20% من المصابين بسرطان المعى الغليظ وجود انتقالات كبدية لدى مراجعتهم الطبيب للمرة الأولى، ويصاب نحو 70% من مرضى المعى الغليظ بانتقالات كبدية في السنتين التاليتين لاسئتصال الورم. يعالج الانتقال الوحيد أو الانتقالات التي يقل عددها عن أربعة أو الموضعة في فص واحد من الكبد باستئصالها جراحياً، ويراوح معدل البقيا بعد خمس سنوات لدى هؤلاء المرضى بين 20-34%.
ومن الوسائل المستخدمة في معالجة النقائل الكبدية غير القابلة للاستئصال الجراحي نذكر المعالجة القرية cryotherapyوفيها يتم تجميد الورم بسرعة مما يؤدي إلى موت الخلايا الورمية، ويستعمل لتحقيق ذلك مسبار موجه بالأمواج فوق الصوتية يوضع داخل الكتلة الورمية، ومنها أيضاً تخريب الورم بالأمواج الراديوية عالية التواترradiofrequency ablation، ويتم ذلك بإدخال مسرى كهربائي ضمن كتلة الورم بتوجيه الأمواج فوق الصوتية.
متابعة المرضى بعد الجراحة:
يتعرض المرضى بعد المعالجة لنكس المرض موضعياً في نسبة مرتفعة من المرضى ولاسيما إذا اخترق الورم الطبقة المصلية أو كانت هناك انتقالات إلى العقد اللمفاوية.
كما قد يصاب هؤلاء المرضى بسرطان لاحق metachronous في القولون بنسبة قد تصل إلى 5% من الحالات. لذلك وجب مراقبة المريض بعد الجراحة دورياً عن طريق تنظير القولون لكشف هذه الآفات في وقت مبكر، كما يمكن عيار المستضد السرطاني الجنيني CEA دورياً كل شهرين لمدة سنتين وكل 4 أشهر في السنوات الثلاث التالية، وقد ثبتت فائدته في كشف النكس الموضعي أو النقائل البعيدة ولاسيما أنه قليل الكلفة والإزعاج مقارنة بتنظير القولون. كما يفيد التصوير المقطعي المحوسب والتصوير بالرنين المغنطيسيMRI والتصوير بالإصدار البوزيتروني PETلمراقبة المرض بعد الجراحة.
المعالجة الكيميائية المساعدة:
ولارتفاع معدل النكس الموضعي والعام الذي يصيب المرضى بعد استئصال أورام المعى الغليظ ولاسيما إذا بلغ الورم المرحلة جـ من تصنيف ديوك المعدل؛ فقد وجه الأطباء همهم إلى محاولة القضاء على البؤر الورمية المجهرية المسببة للنكس عن طريق العلاجات الكيميائية.
وقد أكدت الدراسات أن المعالجة الكيميائية المساعدة تؤخر النكس وترفع البقيا في سرطان المعى الغليط إذا بوشر بها في الشهرين التاليين للعمل الجراحي، أما الأدوية المستعملة لهذه الغاية فهي 5- فلورويوراسيل 5-fluorouracil المشرك مع ليفاميزول levamisole، وقد أثبتت هذه المعالجة المشتركة فائدتها في مرضى المرحلة جـ؛ إذ إنها أنقصت النكس بنسبة 42% وأنقصت معدل الوفيات بنسبة 33% في السنوات الخمس التالية للجراحة، أما مرضى المرحلة ب من السرطان فلم يثبت أنهم يستفيدون من هذه المعالجة المساعدة إلا في بعض الحالات الخاصة كالأورام الموسينية والأورام سيئة التمايز.
أما فيما يخص سرطان المستقيم فقد تبين أن المعالجة المساعدة التي تجمع بين الأشعة السينية والأدوية الكيميائية تعطي نتائج أفضل من المعالجة الكيميائية بمفردها في مرضى المرحلتين ب و جـ من سرطان المستقيم.
استخدمت الأدوية الكيميائية أيضاً في معالجة سرطان المعى الغليظ المنتشر (المرحلة د من تصنيف ديوك المعدل) وأكثر الأدوية استعمالاً لهذه الغاية هو 5- فلورويوراسيل بيد أن إشراكه مع اللوكوفورين leucovorin أعطى نتائج أفضل. وقد شهدت السنوات الأخيرة إضافة عدد من الأدوية إلى قائمة الأدوية الكيميائية لمعالجة هذا السرطان ويبدو أنها تعطي نتائج أفضل من سابقاتها، بيد أنه لم يمر على استعمالها وقت كافٍ لتقدير موقع كل منها بدقة ضمن هذه القائمة الطويلة من الأدوية.
المعالجة الشعاعية:
تستعمل الأشعة بعد الجراحة في معالجة سرطان المستقيم والمستقيم السيني من المرحلتين ب2 وجـ اللتين تتصفان بنسبة عالية من النكس الموضعي تراوح بين 40-50% من الحالات؛ وذلك بغية التقليل من هذه النسبة التي تنخفض إلى نحو 6-8% بعد المعالجة الشعاعية، بيد أن تأثيرها في إطالة البقيا بوضوح أمر غير مؤكد. لذلك يفضل أكثر المؤلفين اللجوء إلى المعالجة المشتركة الشعاعية والكيميائية بعد الجراحة التي تطيل البقيا من جهة وتقلل النكس من جهة أخرى.
كما استعملت الأشعة قبل الجراحة لتحويل الأورام المثبتة بجدار الحوض وغير القابلة للاستئصال إلى أورام يمكن استئصالها جراحياً، كما استخدمت معالجة ملطفة لتخفيف الألم والسيطرة على النزف في المراحل المتقدمة من سرطان المستقيم.
السببيات
دلت الدراسات الوبائية على أن العوامل البيئية تؤدي دوراً كبيراً في نشوء هذه الداء، ومما يدعم هذا الرأي وجود اختلاف في وقوعات الداء بين منطقة وأخرى من البلد الواحد عندما يختلف أسلوب حياة السكان في هذه المناطق، وهناك بيّنات متعددة على أن القوت هو من أهم العوامل البيئية ذات العلاقة بحدوث هذا المرض. وقد اتضح من دراسة المكونات المختلفة للقوت أن أهم عناصره التي قد يكون لها صلة بنشوء سرطان المعى الغليظ هي:
1- الدسم: قد تبين أن خطر تشكل هذا السرطان يرتفع عند الشعوب التي تستهلك مقادير عالية من الدسم، وينخفض عند الشعوب التي يقل استهلاكها للدسم، وقد أيدت الدراسات التي أجريت على الحيوانات صواب هذا الرأي. وقد عزا بعضهم التأثير السيئ للدسم إلى كونها تزيد إنشاء الكولسترول والحموض الصفراوية في الكبد التي تطرح مع الصفراء. تقوم الجراثيم القولونية بتحويل هذه المواد إلى حموض صفراوية ثانوية ومستقلبات كولسترولية تعزز قابلية القولون للتسرطن عند الحيوانات. أما آلية تأثيرها فما تزال غامضة وربما كانت عن طريق زيادة الفعالية التكاثرية للظهارة القولونية بوساطة تحريضها عدداً من الإنزيمات الخلوية.
2- الألياف: دلت الدراسات الوبائية والتجارب المجراة على الحيوانات على أن القوت الحاوي نسبة عالية من الألياف يقي من تشكل سرطان المعى الغليظ، ويعزى هذا التأثير الواقي إلى أن الألياف النباتية تزيد حجم الكتلة البرازية مما يؤدي إلى نقص تركيز المواد المسرطنة والمواد المحرضة على التسرطن في البراز، كما أنها تقلل من زمن تماس هذه المواد مع مخاطية القولون عن طريق زيادة سرعة عبور الفضلات في القولون.
3- تشير بعض الدراسات إلى أن الأغذية المحتوية على الڤيتامين Aوالڤيتامين C و E قد تؤدي دوراً في الوقاية من سرطان المعى الغليظ بسبب فعلها المضاد للتأكسد، كما عزي إلى الكلسيوم دور مماثل في الوقاية بسبب تأثيره المثبط لتكاثر الخلايا الظهارية.
العوامل المؤهبة لحدوث سرطان المعى الغليظ:
1- السن: يزداد خطر الإصابة بسرطان المعى الغليظ ازدياداً حاداً بعد سن الأربعين، ويتزايد الخطر كلما تقدم العمر بعد ذلك حتى تبلغ نسبة الوقوع حدها الأقصى في العقد الثامن.
2- الأورام الغدية في المعى الغليظ:تشير الدراسات المتعددة إلى أن معظم سرطانات المعي الغليظ تنشأ من التنكس الخبيث الذي يطرأ على الأورام الغدية الموجودة مسبقاً فيها، ويزداد خطر تسرطن الأورام الغدية كلما زاد عددها حتى إن التسرطن يصبح مؤكداً في جميع الحالات عند المصابين بداء السليلات الغدية العائليfamilial adenomatous polyposis (FAP)؛ إذ يتجاوز عدد الغدومات في هذه الحالات المئات. كما يزداد خطر تسرطن الورم الغدي كلما ازداد حجمه، أو إذا احتوى على بنية زغابية، أو ظهرت فيه علائم نسيجية على الثدن الخلوي الشديد. إضافة إلى ما تقدم اتضح أن عدداً من المصابين بسرطان المعي الغليظ قد تصل نسبتهم إلى 7% يحملون في الوقت نفسه سرطاناً آخر في أحد أقسام القولون، كما أن المرضى الذين سبق علاجهم من سرطان المعى الغليظ يتعرضون لإصابة لاحقة فيه بنسبة قد تصل إلى 5%. أما موعد ظهور هذه الأورام اللاحقة فيتفاوت من حالة إلى أخرى لكن نصفها يقع في مدة 5-7 سنوات من السرطان الأول.
3- الاستعداد الوراثي: لوحظ أن أقرباء الدرجة الأولى للمصابين بسرطان القولون الفرادي sporadic معرضون لخطر الإصابة بهذا المرض بنسبة تعادل ثلاثة أضعاف ما هي عليه عند الأشخاص العاديين. أما المصابون بداء السليلات الغدية العائلي أو متلازمة غاردنر Gardner أو متلازمة Turcotفسيصابون جميعاً بسرطان المعى الغليظ إذا لم يستأصل القولون في الوقت المناسب.
إضافة إلى ذلك لوحظ أن نسبة وقوع سرطان القولون مرتفعة في بعض العائلات، وقد تكون الإصابة السرطانية في هذه الحالة مقتصرة على القولون وتدعى الحالة حينئذ متلازمة لينش الأولى Lynch I، أو أن آفة القولون يرافقها وجود سرطان مرافق أو لاحق في أعضاء أخرى ولاسيما في الجهاز التناسلي الأنثوي وتدعى الحالة عندئذ متلازمة لينش الثانية. يتصف سرطان القولون في متلازمة لينش- وتدعى أيضاً «سرطان المعى الغليظ الوراثي غير السليليHNPCC» - بوراثته الصبغية الجسدية السائدة، وبتوضعه الغالب في القسم الداني من القولون (70% من الحالات) وبكثرة حدوث الشكل الموسيني mucinous من السرطان. ويقدر بعض الخبراء أن متلازمة لينش تمثل 4-6% من مجمل سرطان المعى الغليظ. وتظهر أعراض سرطان القولون في متلازمة لينش في العقد الخامس من العمر؛ أي في وقت أبكر مما هي الحال في سرطان القولون غير العائلي.
4- يهيئ التهاب القولون التقرحي قديم العهد للإصابة بسرطان القولون. ومن الثابت أن هناك علاقة بين خطر التسرطن ومدة الإصابة بالتهاب القولون؛ إذ يبدأ خطر التسرطن بعد انقضاء سبع سنوات على بداية الأعراض ويزداد تدريجياً بعد ذلك، ويقدر بعضهم أن معدل الخطورة يصل إلى 30% بعد انقضاء خمس وعشرين سنة على بداية الداء. أما العامل الثاني المهم في نشوء السرطان عند هؤلاء المرضى فهو امتداد الآفة الالتهابية؛ إذ تبين أن خطر التسرطن يزداد عند المصابين بالتهاب القولون الشامل.
يزداد خطر الإصابة بسرطان القولون أيضاً عند المصابين بداء كرون في القولونات، وقد يصل معدل الإصابة لديهم عشرين ضعف ما هي عليه عند عامة الناس، بيد أن خطر التسرطن في هذا المرض يبقى أقل مما هو عليه في التهاب القولون التقرحي.
التبدلات البيولوجية في سرطان المعى الغليظ
إن تشكل الأورام حدثية معقدة تمر بمراحل متعددة لعل أهمها حدوث شذوذ في التكاثر الخلوي. ومن المعروف أن الخلايا التي تتكاثر بسرعة هي أكثر عرضة للتسرطن من غيرها من الخلايا. وفيما يخص المعي الغليظ تنقسم الخلايا الظهارية وتتكاثر في القسمين السفلي والمتوسط من الخبيئات، وعندما تهاجر الخلايا نحو القسم العلوي من الخبيئة يقل عدد الخلايا التي تستمر في التكاثر، ومتى وصلت إلى القسم العلوي اكتمل تمايزها وفقدت قدرتها على الانقسام.
تشير الدراسات إلى أن هذا الأمر يضطرب في القولون المصاب بآفة ورمية إذ تزداد القدرة التكاثرية لخلايا الخبيئات في هذه الحالة، كما تزداد هذه القدرة عند الأشخاص المعرضين لخطر الإصابة بأورام المعى الغليظ كما هي الحال عند أفراد أسرة المصاب بداء السليلات الغدية العائلي أو متلازمة «غاردنر»، كما شوهدت القدرة التكاثرية الزائدة عند الجرذان التي أعطيت بعض المسرطنات الكيميائية، وعند الحيوانات التي عُرّضت قولوناتها لتأثير بعض المحفزات الورمية (المحضضات)tumor promoters مثل الحموض الصفراوية الثانوية.
تتميز الخلايا السرطانية والمؤهبة للتسرطن باحتوائها على العديد من التبدلات في جيناتها تجعلها أكثر تأثراً بالعوامل المسرطنة مما يسهل تحولها من خلايا سوية إلى خلايا سرطانية. وفيما يتعلق بسرطان المعى الغليظ تحمل الخلايا الورمية العديد من هذه التبدلات الجينية أو الطفرات أهمها تلك التي تتناول الجين P53 الواقع في الصبغي/17/ والجين DCC الكائن في الصبغي/18/ والجين APC الواقع في الصبغي الخامس وكلها جنيات كابتة للورم tumor suppressor. ومنها أيضاً الجين K.RAS وهو جين مسرطن proto-oncogen يقع في الصبغي 12، يضاف إلى ذلك الخلل الذي يتناول عدداً من الجينات الأخرى التي تشرف في الخلايا السوية على إصلاح الخلل الذي قد يحصل في الحمض النووي DNA.
التشريح المرضي
يتوضع سرطان المعي الغليظ في أي جزء منه، وتدل الإحصاءات على أن نحو 70% من هذه الأورام يتوضع في القسم الأيسر من المعى أي في القولون النازل والسيني والمستقيم.
يأخذ الورم عيانياً أحد الشكلين التاليين: الشكل السليلاني polypoid الذي يكثر حدوثه في القولون الأيمن، والشكل الارتشاحي الذي يكثر حدوثه في القولون الأيسر والمستقيم، ويمكن لكلا الشكلين المذكورين أن يتقرح.
ن الغالبية العظمى من حالات سرطان الأمعاء الغليظة هي من نوع السرطان الغديadenocarcinoma الذي تفرز غدده كمية متفاوتة من الموسين( المخاطين). قد يكون إفراز الموسين غزيراً في بعض الحالات ويطلق على هذا الشكل اسم السرطان الغرواني colloid أو السرطان الموسيني الذي يؤلف 15% من مجمل سرطانات القولون.
وهناك بالمقابل السرطان الصلدscirrhous قليل الحدوث الذي يتميز بوجود نسيج ليفي غزير. وهناك أشكال أخرى من سرطان المعى الغليظ القليلة الحدوث تشكل بمجموعها أقل من 5% من مجمل سرطانات هذا العضو منها السرطان حرشفي الخلايا والسرطان الملاني melanocarcinoma.
تعيين مرحلة الورم
يتعلق إنذار سرطان المعى الغليظ إلى حد كبير بالمرحلة التي وصل إليها الورم في تطوره، وقد وضعت تصانيف متعددة لتحديد مرحلة الورم أقدمها تصنيف ديوك Dukeالذي عدله «استلر-كولر» Astler-Coller عام 1954 وأصبح من أكثر التصانيف استخداماً في الوقت الحاضر وهو كما يلي:
- المرحلة أ: يتناول الورم الطبقة المخاطية فقط من المعى الغليظ.
- المرحلة ب: يتناول الورم الطبقة المخاطية والعضلية، وتقسم هذه المرحلة إلى درجتين:
ب1: وفيها يتناول الورم الطبقة العضلية خاصة muscularis propria.
ب2: وفيها يتجاوز الورم الطبقة العضلية خاصة ويصل إلى الطبقة المصلية.
- المرحلة جـ: ينتقل فيها الورم إلى العقد اللمفاوية الناحية، وتقسم هذه المرحلة إلى درجتين:
جـ1: وفيها يكون الامتداد الموضعي كما في المرحلة ب1 مع وجود انتقالات إلى العقد اللمفاوية الناحية.
جـ2: وفيها يكون الامتداد الموضعي للورم كما في المرحلة ب2 مع وجود انتقالات إلى العقد اللمفاوية الناحية.
- المرحلة د: يترافق الورم في هذه المرحلة وانتقالات بعيدة إلى الأعضاء الأخرى كالكبد أو الرئتين أو العظام.
وقد اقترح الاتحاد الدولي لمكافحة السرطان UICC تصنيفاً جديداً يعتمد على درجة امتداد الورم الأول (T) وحالة العقد اللمفاوية (N) ووجود انتقالات ورمية في الأعضاء البعيدة (M) (تصنيف TNM)، وبموجب هذا التصنيف يمر الورم بخمس مراحل أولها مرحلة الورم اللابد in situ، وفيها يقتصر توضع الورم على الظهارة والطبقة المخصوصة lamina propria. ويهدف هذا التصنيف إلى توحيد المفاهيم بين الباحثين في الدول المختلفة مما يسمح بإجراء المقارنة بين دراساتهم بأسلوب أفضل والتوصل إلى نتائج أكثر دقة.
الأعراض والعلامات
ينمو سرطان المعى الغليظ ببطء وكثيراً ما يبقى صامتاً من دون أعراض مدة طويلة من الزمن قد تبلغ خمس سنوات، وأهم الأعراض التي يتظاهر بها المرض هي:
1- النزف عن طريق الشرج: وهو العرض الأكثر مصادفة في أورام النصف الأيسر من القولون والمستقيم، وهو نزف قليل المقدار ومتقطع ويندر أن يكون غزيراً، وكل نزف شرجي عند شخص تجاوز الأربعين من العمر يجب أن يثير الشبهة بورم في المعى الغليظ ويستوجب الاستقصاء لكشف السبب. بيد أن النزف الهضمي قد يكون مجهرياً ويؤدي إلى فقر الدم ناقص الصباغ وهو ما يحدث خاصة في أورام القولون الأيمن.
2- الألم البطني: يحدث خاصة في أورام القولون الأيسر التي تأخذ شكلاً حلقياً مضيقاً للمعة؛ مما يسبب آلاماً قولنجية تشتد بعد الطعام وتخف بطرد الغاز أو التغوط، بيد أن الألم قد يكون خفيفاً في أورام القولون الأيمن ويأخذ شكل الضيق أو عدم الارتياح في مكان توضع الورم.
3- تبدل عادات التغوط: ويتجلى على شكل إمساك أو إسهال أو تناوب هذين العرضين، وإن هذا التبدل في عادات التغوط وما يرافقه من آلام بطنية وانتفاخ كثيراً ما يوحي للطبيب بالإصابة بمتلازمة الأمعاء الهيوجة. وتجدر الإشارة إلى أن أعراض الانسداد الجزئي أو التام قد تكون التظاهرة الأولى للإصابة بسرطان المعى الغليظ.
تتميز أورام المستقيم خاصة بالنزف الشرجي الذي كثيراً ما يعزوه المريض والطبيب إلى الإصابة بالبواسير ولاسيما إذا لم يكن المريض متقدماً في السن، ويترافق النزف عادة بشعور المريض بالحاجة المتكررة والكاذبة إلى التغوط، والتي كثيراً ما تؤدي إلى خروج مواد مخاطية قد تكون مدماة، ويعزى هذا العرض إلى تبارز كتلة الورم في لمعة المستقيم.
أما الأعراض العامة لسرطان المعى الغليظ فتشمل الضعف العام والفتور والزلة والألم الخناقي وتعزى كلها إلى فقر الدم المرافق، كما يشكو المريض من القهم ونقص الوزن والحمى التي ترى في المراحل المتقدمة من المرض المترافق بنقائل ورمية بعيدة، ويؤدي غزو الورم للأعضاء المجاورة أيضاً إلى ظهور أعراض تختلف باختلاف العضو المصاب:
- تعدد بيلات وعسر تبول وبيلة دموية عند غزو الورم للجهاز البولي.
- ألم العصب الوركي إثر اجتياح الورم للأنسجة الحوضية.
- الحبن بسبب النقائل الورمية للصفاق.
قد يكشف الفحص السريري للمريض العلامات الدالة على فقر الدم أو ضخامة الكبد بسبب النقائل الورمية أو ضخامة العقد اللمفاوية فوق الترقوة أو العقد المغبنية في أورام المستقيم. يندر أن يكشف الفحص السريري وجود كتلة ورمية في البطن، بيد أن المس الشرجي الذي يجب إجراؤه منوالياً يكشف أورام المستقيم إذا وقع حدها السفلي على مدى الإصبع الماسة.
التشخيص
كثيراً ما يحدث الخطأ في تشخيص سرطان المعى الغليظ إذ تعزى الأعراض التي يتظاهر بها إلى أحد الأمراض الأخرى الحميدة واسعة الانتشار، فالنزف الشرجي كثيراً ما ينسب إلى الإصابة بالبواسير، والألم البطني وتبدل عادات التغوط تعزى عادة إلى متلازمة الأمعاء الهيوجة، أما الألم البطني مع النزف الشرجي فكثيراً ما تعزى إلى الإصابة بالرتوج القولونية في الشعوب التي تنتشر فيها الإصابة بهذا الداء.
الشكل (2) سرطان ساد للقولون: أ- المظهر بالتنظير الداخلي ب- مظهر "لب التفاحة" كما يبدو بتصوير القولون الشعاعي جـ- تصبن القولون حلقي الشكل كما يبدو على القولون المستأصل |
هناك عدد من العوامل التي تؤثر في إنذار المرضى المصابين بسرطان المعى الغليظ وهي:
1- اختراق الورم للجدار المعوي والانتقالات إلى العقد اللمفاوية: بينت الدراسات أن معدل البقيا بعد خمس سنوات عند المرضى الذين ليست لديهم انتقالات إلى العقد اللمفاوية مرتبط بدرجة اختراق الورم للجدار المعوي، ويبلغ هذا المعدل 80% وسطياً عند مرضى المرحلة أ ويهبط إلى 43% عند مرضى المرحلة ب2. كما يرتبط إنذار المرضى أيضاً بإصابة العقد اللمفاوية الناحية فقد اتضح أن معدل البقيا بعد خمس سنوات يبلغ 53% عند مرضى المرحلة جـ1 ويهبط إلى 15% عند مرضى المرحلة جـ2، ويبدو أن لعدد العقد اللمفاوية المصابة بالانتقال الورمي أهمية في تحديد إنذار المرض، فقد تبين أن معدل البقيا في حالة إصابة 1-4 عقد لمفاوية يكون أفضل مما هو في حالة إصابة أكثر من أربع عقد لمفاوية مهما كانت درجة اختراق الورم للجدار المعوي.
2- الصفات المورفولوجية والنسيجية للورم: يتناسب حجم السرطانات عادة مع إنذارها، فكلما ازداد الحجم ساء الإنذار، بيد أن ذلك لا ينطبق على أورام القولون؛ إذ إن الإنذار لا يرتبط بحجم الورم، ويبدو أن الأورام السليلانية ذات إنذار أفضل من الأورام المرتشحة أو المتقرحة.
تؤثر البنية النسيجية للورم في إنذاره، فالأورام سيئة التمايز الخلوي ذات إنذار سيئ بالمقارنة بالأورام جيدة التمايز، كما أن السرطانات الموسينية والصلدة أشد خطورة وتقل فيها البقيا عن الأنواع الأخرى من السرطان.
3- المظاهر السريرية: لعل من البديهي القول إن السرطانات اللاعرضية التي تكشف مصادفة أو في أثناء حملات التقصي تكون أقل تقدماً من السرطانات العرضية وهي بالتالي أفضل إنذاراً.
يشير العديد من الدراسات إلى وجود علاقة بين موضع السرطان وإنذاره، فالسرطان المتوضع في المستقيم والموصل السيني المستقيمي أسوأ إنذاراً من التوضعات الأخرى. كما أن سرطان القولون المعترض والنازل والسين الحرقفي أفضل إنذاراً من سرطان القولون الأيمن، وتتفق جميع الآراء على أن سرطان القولون أفضل إنذاراًَ من سرطان المستقيم.
ويبدو أن لسن المريض علاقة بالإنذار الذي يكون أسوأ في الأعمار الباكرة وقد يكون ذلك ناجماً عن تأخر التشخيص في هذه المراحل الباكرة من العمر، أو عن كثرة مصادفة الأورام الموسينية في الأعمار الباكرة.
الوقاية
يرتفع معدل انتشار سرطان المعى الغليظ في كثير من الدول الغربية حيث أصبح واحداً من المشاكل الصحية الكبرى التي تواجه تلك المجتمعات مما دعا إلى البحث عن وسائل للكشف المبكر عن السرطان عندما تكون معالجته مجدية وفعالة. بيد أنه يجب أن تتوافر في هذه الوسائل عند تطبيقها على مجموعات واسعة من السكان الفعالية وسهولة التطبيق والكلفة المنخفضة في آن واحد؛ الأمر الذي لا يمكن تحقيقه في أي من الوسائل المقترحة. ولكن الجميع يقرون بفائدة أعمال التقصي في خفض معدل الوفيات من سرطان المعى الغليظ ويدعون إلى تطبيق هذه الإجراءات على الرغم من تباين الآراء فيما يخص الأشخاص الذين يجب أن تطبق لديهم هذه التدابير وما هو الإجراء المفضل وما هي مواعيد تطبيقه.
يتفق معظم الخبراء على أن إجراءات التقصي يجب أن تتناول الأشخاص الذين تجاوزوا الخمسين من العمر، وتتضمن هذه الإجراءات:
1- تحري الدم الخفي في البراز مرة كل عام.
2- تنظير المستقيم والسيني بالمنظار اللين مرة كل خمس سنوات.
3- تنظير القولون الشامل مرة كل عشر سنوات أو تصوير القولون الشعاعي بطريقة التباين المضاعف مرة كل 5-10سنوات.
بينت الدراسات الواسعة أن تحري الدم الخفي في البراز باستعمال صفائحhemoccult الجاهزة يعطي نتيجة إيجابية في 2-6% من الأشخاص، وأن قدرته التنبؤية تعادل 20% فيما يخص الأورام الغدية في القولون و5-10% فيما يخص سرطان المعي الغليظ.
ومن جهة أخرى بينت الدراسات المراقبة أن تنظير المستقيم والسيني بالمنظار اللين وما يرافقه من استئصال السلائل الغدية أنقص وقوعات سرطان المعى الغليظ بنسبة 60%. أما تنظير القولون الشامل فيجرى مرة كل 5-10 سنوات لكشف الآفات الواقعة في القسم الداني من القولون. كما يجب إجراء تنظير قولون شامل في كل مرة يكون فيها اختبار الدم الخفي في البراز إيجابياً وعندما يكشف تنظير المستقيم والسيني آفة في القسم القاصي في المعى الغليظ.
أما عند الأشخاص عالي الخطورة المؤهبين للإصابة بسرطان المعى الغليظ فتعتمد الوقاية على كشف الآفات قبيل السرطانية أو السرطانات في مراحلها الباكرة عن طريق تنظير القولون الشامل، وتتضمن هذه الفئة المرضى المصابين بإحدى الآفات التالية:
1- السليلات الغدية أو سرطان المعى الغليظ: بينت الدراسات أن المصابين بالأورام الغدية يتعرضون لنكس الورم بعد استئصاله بنسبة تقدر 20% بعد خمس سنوات من استئصال الورم الأول، كما تبين أن تعدد الأورام الغدية وكبر حجم الورم الغدي وبنيته الزغابية وتقدم العمر تزيد من احتمال نكسه في المستقبل. لذلك وجب أن يخضع جميع هؤلاء الأشخاص للمراقبة الدورية بوساطة تنظير القولون لكشف الأورام التالية واستئصالها قبل أن تصاب بالتنكس السرطاني.
2- الداء المعوي الالتهابي: يتعرض المصابون بالتهاب القولون التقرحي قديم العهد للتنكس السرطاني، لذلك يجب مراقبة هؤلاء بتنظير القولون مرة كل سنة إذا كانوا مصابين بالتهاب القولون الشامل منذ مدة تزيد على سبع سنوات، وأولئك المصابين بالتهاب القولون الأيسر منذ أكثر من خمسة عشر عاماً مع أخذ خزعات متعددة من مختلف أنحاء القولون تفصل الواحدة عن الأخرى مسافة 10سم. كما أن المصابين بداء «كرون» معرضون للتنكس السرطاني أيضاً ولكن بنسبة أقل مما هي في التهاب القولون التقرحي، ويجب أن يخضعوا لعملية تنظير القولون دورياً وأخذ العينات للفحص النسيجي ولاسيما من مناطق التضيق.
3- أدواء السليلات القولونية العائلية:يجب أن يخضع الأشخاص الذين في سوابقهم العائلية إصابة بداء السليلات الغدية العائلي أو متلازمة «غاردنر» لتنظير المستقيم والسيني مرة كل ستة أشهر ابتداءً من سن البلوغ لكشف ظهور السليلات لديهم في الوقت المناسب. إضافة إلى ذلك يجب مراقبة الأشخاص الذين يوجد في سوابقهم العائلية إصابة واحدٍ أو أكثر من أقارب الدرجة الأولى بسرطان المعى الغليظ؛ عن طريق تحري الدم الخفي في البراز وتنظير المستقيم والسيني بالمنظار الليفي وعلى نحو دوري.
المعالجة
المعالجة المفضلة لسرطان المعى الغليظ هي استئصال الجزء من المعى الذي يحتوي على الورم مع استئصال العقد اللمفاوية التي تنزح ذلك الجزء. يجب أن يسبق إجراء العمل الجراحي دراسة كاملة للمريض تتضمن خاصة الأمور التالية:
1- تنظير القولون الشامل لنفي وجود بؤرة سرطانية ثانية أو أورام غدية مرافقة واستئصالها عن طريق التنظير الداخلي إن أمكن.
2- عيار المستضد السرطاني الجنينيCEA الذي يفيد في متابعة المريض بعد الجراحة.
3- دراسة مدى امتداد الورم للبنى المجاورة وانتقالاته إلى الأعضاء البعيدة، والتفتيش خاصة عن الانتقالات الكبدية والصفاقية والرئوية، ويعتمد في ذلك على تخطيط صدى الأحشاء البطنية وتصوير الصدر الشعاعي والتصوير المقطعي المحوسب CT الذي يفيد خاصة في تعيين مدى انتشار سرطان المستقيم للبنى المجاورة، كما يفيد في هذا المجال تخطيط الصدى عبر المستقيم.
يختلف نمط اسئتصال القولون بحسب موقع الورم، فالأورام الواقعة في الأعور أو القولون الصاعد أو الزاوية اليمنى للقولون تعالج باستئصال نصف القولون الأيمن وإجراء مفاغرة بين اللفائفي والقولون المعترض، أما سرطانات القولون الأيسر فتعالج باستئصال نصف القولون الأيسر ثم مفاغرة القولون مع المستقيم.
يتشكل المستقيم من السنتيمترات الخمسة عشر الأخيرة من المعى الغليظ، وعندما يتصدى الجراح لمعالجة السرطان المتوضع في هذا الجزء فإنه يواجه مشكلة المحافظة على وظيفة المصرة الشرجية في ضبط عملية التغوط واستمساك البراز. وقد بينت الدراسات أن قطع الورم مع هامش أمان يبلغ طوله 2سم تحت الحافة السفلية للورم يكفي عادة في هذا النوع من الأورام، لذلك أصبح من الممكن في الوقت الحاضر استئصال القسم الأكبر من أورام المستقيم وإجراء مفاغرة قولونية مستقيمية أو قولونية شرجية مع المحافظة على وظيفة المصرة الشرجية، وهي الأورام التي تتوضع في الثلثين العلوي والمتوسط من المستقيم، وقد ساعدت الأدوات الحديثة التي تقوم بإجراء المفاغرة آلياً على تحقيق هذه الغاية.
أما الأورام المتوضعة في الثلث السفلي من المستقيم وتلك ذات الحجم الكبير أو الممتدة على نحو واسع إلى الجوار أو ذات البنية الخلوية سيئة التمايز فإن معالجتها تتطلب إجراء استئصال شامل للشرج والمستقيم والسيني مع إجراء فغر قولونcolostomy دائم في الحفرة الحرقفية اليسرى، وإذا كان هناك مضاد استطباب لمثل هذه العملية الجراحية الواسعة يلجأ إلى المعالجة الملطفة وفيها يتم تخريب الورم بوساطة أشعة الليزر laser photoablation أو بالتخثير باستعمال argon palsma ، كما أن بالإمكان استئصال الورم السليلاني جزئياً بوساطة السنار snare عن طريق التنظير الداخلي.
معالجة النقائل الكبدية:
إن مضادات استطباب المعالجة الجراحية لسرطان المعى الغليط نادرة وأهمها سوء الحالة العامة للمريض والانتقالات الصفاقية التي تترافق بالحبن عادة، أما الانتقالات البعيدة الأخرى ولاسيما إلى الكبد فلا تعد مضاد استطباب للجراحة التي ينصح بها في هذه الحالات تجنباً لحدوث الانسداد المعوي أو النزف.
يبدي نحو 20% من المصابين بسرطان المعى الغليظ وجود انتقالات كبدية لدى مراجعتهم الطبيب للمرة الأولى، ويصاب نحو 70% من مرضى المعى الغليظ بانتقالات كبدية في السنتين التاليتين لاسئتصال الورم. يعالج الانتقال الوحيد أو الانتقالات التي يقل عددها عن أربعة أو الموضعة في فص واحد من الكبد باستئصالها جراحياً، ويراوح معدل البقيا بعد خمس سنوات لدى هؤلاء المرضى بين 20-34%.
ومن الوسائل المستخدمة في معالجة النقائل الكبدية غير القابلة للاستئصال الجراحي نذكر المعالجة القرية cryotherapyوفيها يتم تجميد الورم بسرعة مما يؤدي إلى موت الخلايا الورمية، ويستعمل لتحقيق ذلك مسبار موجه بالأمواج فوق الصوتية يوضع داخل الكتلة الورمية، ومنها أيضاً تخريب الورم بالأمواج الراديوية عالية التواترradiofrequency ablation، ويتم ذلك بإدخال مسرى كهربائي ضمن كتلة الورم بتوجيه الأمواج فوق الصوتية.
متابعة المرضى بعد الجراحة:
يتعرض المرضى بعد المعالجة لنكس المرض موضعياً في نسبة مرتفعة من المرضى ولاسيما إذا اخترق الورم الطبقة المصلية أو كانت هناك انتقالات إلى العقد اللمفاوية.
كما قد يصاب هؤلاء المرضى بسرطان لاحق metachronous في القولون بنسبة قد تصل إلى 5% من الحالات. لذلك وجب مراقبة المريض بعد الجراحة دورياً عن طريق تنظير القولون لكشف هذه الآفات في وقت مبكر، كما يمكن عيار المستضد السرطاني الجنيني CEA دورياً كل شهرين لمدة سنتين وكل 4 أشهر في السنوات الثلاث التالية، وقد ثبتت فائدته في كشف النكس الموضعي أو النقائل البعيدة ولاسيما أنه قليل الكلفة والإزعاج مقارنة بتنظير القولون. كما يفيد التصوير المقطعي المحوسب والتصوير بالرنين المغنطيسيMRI والتصوير بالإصدار البوزيتروني PETلمراقبة المرض بعد الجراحة.
المعالجة الكيميائية المساعدة:
ولارتفاع معدل النكس الموضعي والعام الذي يصيب المرضى بعد استئصال أورام المعى الغليظ ولاسيما إذا بلغ الورم المرحلة جـ من تصنيف ديوك المعدل؛ فقد وجه الأطباء همهم إلى محاولة القضاء على البؤر الورمية المجهرية المسببة للنكس عن طريق العلاجات الكيميائية.
وقد أكدت الدراسات أن المعالجة الكيميائية المساعدة تؤخر النكس وترفع البقيا في سرطان المعى الغليط إذا بوشر بها في الشهرين التاليين للعمل الجراحي، أما الأدوية المستعملة لهذه الغاية فهي 5- فلورويوراسيل 5-fluorouracil المشرك مع ليفاميزول levamisole، وقد أثبتت هذه المعالجة المشتركة فائدتها في مرضى المرحلة جـ؛ إذ إنها أنقصت النكس بنسبة 42% وأنقصت معدل الوفيات بنسبة 33% في السنوات الخمس التالية للجراحة، أما مرضى المرحلة ب من السرطان فلم يثبت أنهم يستفيدون من هذه المعالجة المساعدة إلا في بعض الحالات الخاصة كالأورام الموسينية والأورام سيئة التمايز.
أما فيما يخص سرطان المستقيم فقد تبين أن المعالجة المساعدة التي تجمع بين الأشعة السينية والأدوية الكيميائية تعطي نتائج أفضل من المعالجة الكيميائية بمفردها في مرضى المرحلتين ب و جـ من سرطان المستقيم.
استخدمت الأدوية الكيميائية أيضاً في معالجة سرطان المعى الغليظ المنتشر (المرحلة د من تصنيف ديوك المعدل) وأكثر الأدوية استعمالاً لهذه الغاية هو 5- فلورويوراسيل بيد أن إشراكه مع اللوكوفورين leucovorin أعطى نتائج أفضل. وقد شهدت السنوات الأخيرة إضافة عدد من الأدوية إلى قائمة الأدوية الكيميائية لمعالجة هذا السرطان ويبدو أنها تعطي نتائج أفضل من سابقاتها، بيد أنه لم يمر على استعمالها وقت كافٍ لتقدير موقع كل منها بدقة ضمن هذه القائمة الطويلة من الأدوية.
المعالجة الشعاعية:
تستعمل الأشعة بعد الجراحة في معالجة سرطان المستقيم والمستقيم السيني من المرحلتين ب2 وجـ اللتين تتصفان بنسبة عالية من النكس الموضعي تراوح بين 40-50% من الحالات؛ وذلك بغية التقليل من هذه النسبة التي تنخفض إلى نحو 6-8% بعد المعالجة الشعاعية، بيد أن تأثيرها في إطالة البقيا بوضوح أمر غير مؤكد. لذلك يفضل أكثر المؤلفين اللجوء إلى المعالجة المشتركة الشعاعية والكيميائية بعد الجراحة التي تطيل البقيا من جهة وتقلل النكس من جهة أخرى.
كما استعملت الأشعة قبل الجراحة لتحويل الأورام المثبتة بجدار الحوض وغير القابلة للاستئصال إلى أورام يمكن استئصالها جراحياً، كما استخدمت معالجة ملطفة لتخفيف الألم والسيطرة على النزف في المراحل المتقدمة من سرطان المستقيم.
علينا أن نتذكر > سرطان المعى الغليظ داء واسع الانتشار في الدول المتطورة ولاسيما في أمريكا الشمالية. > تنشأ معظم سرطانات المعى الغليظ من التنكس الخبيث الذي يصيب الأورام الغدية الموجودة فيه مسبقاً. ويعد الاستعداد الوراثي والإصابة بالداء الالتهابي المعوي من العوامل المؤهبة لحدوث السرطان. > يبقى السرطان لا عرضياً مدة طويلة من الزمن قد تصل إلى عدة سنوات. ويعد النزف الهضمي السفلي أهم الأعراض التي تثير الشبهة بالإصابة ولاسيما عند من تجاوز الأربعين من العمر. > يعتمد التشخيص على تنظير المعى الغليظ الشامل الذي يسمح بأخذ خزعات من الأماكن المشتبهة وفحصها للتأكد من التشخيص. > يعالج المرضى جراحياً باستئصال الجزء المصاب من المعى. ولا يعد وجود نقائل بعيدة ولاسيما في الكبد مضاد استطباب للعمل الجراحي. > تعتمد الوقاية على كشف المرض في مراحله الباكرة واستئصال الأورام الغدية التي تؤهب لحدوثه، ويتم ذلك بتحري الدم الخفي في البراز وإجراء تنظير المستقيم والسيني دورياً عند من تجاوزوا الخمسين من العمر. زياد درويش |