«الحرب الباردة Cold War» هو من جملة الاصطلاحات التي ابتدعتها أدبيات السياسة الدولية

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • «الحرب الباردة Cold War» هو من جملة الاصطلاحات التي ابتدعتها أدبيات السياسة الدولية

    حرب بارده

    Cold War - Guerre froide

    الحرب الباردة

    إنَّ اصطلاح «الحرب الباردة» هو من جملة الاصطلاحات التي ابتدعتها أدبيات السياسة الدولية في مرحلة ما بعد الحرب العالمية الثانية للتدليل على نوع العلاقات الدولية التي سادت هذا العصر، وإلى شكل توازن القوى[ر] العالمية الذي استقر عليه خلال ما يقرب من نصف قرن.
    كان الأمير الإسباني خوان مانويلي، في القرن الرابع عشر أوّل من استعمل هذا الاصطلاح للتعبير عن تزاحم أو مواجهة بين القوى العالمية الكبرى قد تهدّد بنشوب نزاع مسلّح، من دون أن تفضي إلى صدام عسكري مباشر فيما بينها.
    وقد تميزت فترة قبيل انتهاء الحرب العالمية الثانية بامتلاك أحد المعسكرين المتخاصمين، (الولايات المتحدة الأمريكية على التحديد) للقنبلة الذرية الفتاكة، وكان ذلك حاسماً في تسريع استسلام الإمبراطورية اليابانية، ثم توصل المعسكر الآخر، (الاتحاد السوڤييتي على التحديد) إلى اكتشاف أسرار الذّرة، فأصبح من ثمَّ من الصحيح القول بالتوازن، (وللذّرة مالها من سعة التدمير). لأن أحداً لن يخرج منتصراً في مثل هذه الحرب الماحقة، بل الإنسانية برمتها والحضارة التي صنعتها، هي الخاسرة.
    وإذا كانت الحرب الباردة، من حيث التعريف، انتفاء للحرب الفعلية الشاملة، فقد تميز تطورها بقيام سباقين عنيفين حادين أحدهما السباق المتزايد على التسلح خشية أن يتقلقل توازن الرعب، والآخر السباق على مناطق النفوذ في العالم، حتى لايتفوق طرف على طرف في الاستئثار بالتأييد العالمي لنزعاته العقائدية ومصالحه المادية.
    ومع أن اصطلاح الحرب الباردة ينطبق بصورة رئيسة على المواجهة السوڤييتية الأمريكية، بعد الحرب العالمية الثانية، ثمّ على المواجهة بين حلف شمال الأطلسي[ر] وبين حلف وارسو[ر] فإنه قد يستخدم في مجال أعمّ، كوصف النزاع الصيني - السوڤييتي، في مرحلة من مراحل الخصومات، بالحرب الباردة، كما استعمل بعض الباحثين الاصطلاح بصدد أحداث داخلية كانتفاضة الطلاب في فرنسا سنة 1968.
    كانت الوساوس (حقيقية أم وهمية) تفرق بين الزعماء الذين كانوا يديرون دفة الحرب على هتلر فكانوا يكتمون خلافاتهم لضرورات تجنب أي شرخ في المجهود الحربي المشترك ضد العدو فما أن تنتهي الحرب حتى تبرز الخلافات إلى العيان وأهمها الخلاف على نظام ألمانيا بعد الحرب.
    ذوبان جليد الحرب الباردة
    بوفاة جوزيف ستالين أحد أبرز أقطاب الحرب الباردة، متأثراً يوم الخامس من آذار سنة1953 بجلطة دماغية، اتخذت الحرب الباردة من فورها منحى أقرب لنوع من الانفراج. وحلّت مجموعة ثلاثية مؤلفة من مالنكوف ومولوتوف وبيريا محلّ الزعيم الراحل، فبدأت بتحسين الأوضاع داخلاً وخارجاً: خفضّت الأسعار الاستهلاكية، وعملت على ثبات الهدنة في كورية وأعادت الصلات مع يوغسلاڤية، واستؤنفت مفاوضات كورية. وعاد تشرشل إلى رئاسة الوزارة البريطانية وعمل مع الرئيس الأمريكي الجديد الجنرال أيزنهاور على العودة إلى التفاوض مع المعسكر الشرقي سعياً لحلّ المشكلة الألمانية وحرب الهند الصينية. وفي مؤتمر وزراء الخارجية الذي انعقد في برلين في كانون الثاني وشباط من سنة 1954 لم يتوصل الأربعة الكبار إلى حلّ وتواعدوا أن يجتمعوا ثانية في جنيڤ في شهر أيار ليبحثوا في مخرج من الأزمتين الكورية والهندية - الصينية.
    لكن مؤتمر جنيڤ لم يحقق انفراجاً لاللحرب الدائرة في ڤييتنام، ولا في إيجاد حلّ للأزمة الكورية. وبعد تحييد لاوس وكمبودية، لم تستطع السياسة الأمريكية نفض يدها من حرب ڤييتنام وتورطت بإرسال نصف مليون جندي ومئات الطائرات لسحق الشمال وحركة التحرر في الجنوب دون جدوى، ومع تكاثر الضحايا وانقلاب الرأي العام في أمريكا على الحرب، اضطرت الولايات المتحدة لعقد اتفاق ينهي الحرب، وما لبثت من بعد ڤييتنام الشمالية أن استطاعت توحيد البلاد شمالها وجنوبها تحت حكمها. بينما كان وزير خارجية الصين تشو إن لاي يعلن استعداده للمفاوضة على تخفيف التوتر في منطقة جزيرة فورموزا.
    وعقدت في تلك الأثناء معاهدة باريس 1955 التي سمحت لألمانيا بالانضمام إلى حلف شمال الأطلسي وبإعادة التسلح ما عدا الأسلحة الجرثومية والكيميائية والذرية. فردت موسكو بإنشاء حلف وارسو لمجابهة حلف الأطلسي.كما تجلى بدء ذوبان الجليد بتحييد النمسة وقبول موسكو سحب قواتها منها لقاء ذلك.
    تتابع سمات الانفراج ومفاجآت التأزم
    كان من سمات الانفراج تولي نيكيتا خروتشوف منصب السكرتير العام للحزب الشيوعي في أيلول سنة 1953 ومسارعته للمصالحة مع يوغسلافية واشتراكه في مؤتمر جنيڤ الرباعي في 18 تموز حيث التقى، يصحبه بولغانين رئيسُ الحكومة، أيزنهاور وماكميلان رئيس الوزارة البريطانية وايدغار فور رئيس وزارة فرنسا. وبحث المجتمعون مجدداً قضية ألمانيا ومسألة الحد من السلاح، بعد أن أصبحت القوة النووية في ملكية القطبين كما بحثوا أمر السماوات المفتوحة لطيران العملاقين، وقد رفض خروتشوف ذلك.
    ثم زار أديناور مستشار ألمانيا موسكو وتم إنشاء العلاقات الدبلوماسية بين ألمانيا الغربية والاتحاد السوڤييتي في خريف 1955 وظنَّ أن الحرب الباردة تسير إلى النهاية لولا أزمة السويس.
    فقد أثار تأميم الزعيم المصري جمال عبد الناصر[ر] لشركة قناة السويس في تموز1956 حفيظة بريطانيا وفرنسا وانضمت إلى مشاورتهما إسرائيل التي شنت هجوماً في29 تشرين الأول على صحراء سيناء وتبعتها بريطانيا وفرنسا بشن حملة عسكرية على مصر نزلت في بور سعيد. وقد شجبت الولايات المتحدة هذا العمل، وهدد الاتحاد السوڤييتي على لسان بولغانين باستعمال القوة النووية ضد المعتدين، وانتهت الأزمة بانسحاب الجيوش الغازية وإخلاء سيناء.
    أما في الشرق الأوسط ففيما كان العرب عامة ممتنيّن للسوڤييت لموقفهم في إدانة الهجوم على مصر، فإن الطرف الأمريكي أطلق ما يسمى بمذهب ايزنهاور لمساعدة بلاد الشرق الأوسط على منوال مذهب ترومان لمساعدة اليونان وتركيا قبل عقد من السنين. ومن ثم انقسمت البلاد العربية بين مؤيد للمعسكر الغربي ومؤيد للمعسكر الشرقي. وانتهى الأمر باضطرابات داخلية في لبنان في صيف 1958 وإلى ثورة في العراق قلبت النظام الملكي الذي كان موالياً للغرب. وفي أوج هذا التوتر نزلت قوات للبحرية الأمريكية في بيروت ثم انسحبت بعد أن عادت اللحمة نوعاً ما للموقف العربي.
    نهاية الحرب الباردة
    بيد أن مضي الولايات المتحدة بالتسلح المكلف الكثيف كإنشائها لقوة الانتشار السريع وقرارها في الثمانينات في عهد الرئيس ريغان بما في ذلك قرار المضي في «مبادرة الدفاع الاستراتيجي» على الرغم مما يكبد خزانة الولايات المتحدة من أموال طائلة، مع ما رافق ذلك من نضوب في موارد الاتحاد السوڤييتي، وتعثر في قيادة التنمية الاقتصادية، وتراجع في حسن إدارة الصناعة، بدأ كل ذلك يلوح للقادة السوڤييت أنهم عاجزون عن اللحاق بخطوات الولايات المتحدة. وأضحت تهديدات السوڤييت بالتدخل في حركات التحرر البولونية، وقرار الاتحاد السوڤييتي بالتدخل المباشر في أفغانستان، وردّ الولايات المتحدة بأنها لن تتسامح بهذا التصعيد، وتصديها لقوات السوڤييت بمقاومة منظمة مستمرة، وفتحها لملفات حقوق الإنسان وما أحدثه ذلك من هزات في دول أوربا الشرقية، كل ذلك ساعد على تغيير القيادة في الاتحاد السوڤييتي، وجاءت قيادة غورباتشوف الإصلاحية، تختار ما سمته «الانفتاح» في السياسة الداخلية والخارجية، وإحياء الاقتصاد السوڤييتي الذي بددت جله النفقات الحربية، والعمل على انفراج حقيقي دائم مع الغرب، ومع ذلك لم يتنبه إلى مخاطر الاستمرار في حرب أفغانستان ولا إلى ما تحمله «حركة التضامن» في بولونية من قوة واستمرار وتأثير في بلاد الجوار. وكانت رغبته بالتسامح مع بعض التغيير في دول أوربا الشرقية والوسطى، كي يكسب فسحة من الوقت تمكنه من إجراء الإصلاح داخل الاتحاد السوڤييتي قد حولت أمل قيام نظام شيوعي أكثر انفتاحاً إلى تسارع انهيار النظام بأكمله. وقد انهار جدار برلين وتوحدت الألمانيتان وأعلنت بلاد أوربا الشرقية استقلالها عن الاتحاد السوڤييتي وغيرت من نظمها وتفكك حلف وارسو. وطالت التغييرات غورباتشوف نفسه فتنحى عن الحكم وخلفه الرئيس يلتسن الذي جاهر بمعارضته للنظام القائم ورواسبه.
    نتائج الحرب الباردة
    أدت نهاية الحرب الباردة وما حملته من تفكك الاتحاد السوڤييتي إلى نهاية توازن القوى الذي تميزت به فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية والذي قام على ثنائية القطب الفاعل في مجرى السياسة الدولية. وأصبح ظاهراً للعيان ما يحمل الاستقطاب الأحادي في طياته من هيمنة وامتداد في السيطرة مشروع أو غير مشروع. ولكن برزت من جهة أخرى إشارات إلى أن أقطاباً محتملة هي في سبيل التكون كالاتحاد الأوربي والصين واليابان، يرافق ذلك قيام التكتلات الاقتصادية الإقليمية وتعاظم دور الشركات المتعددة الجنسيات[ر]. وفيما أصبح الانتباه يوجه إلى إمكانات التعاون مع روسية الاتحادية الجديدة ودول آسيا الوسطى التي انفصلت عن الاتحاد السوڤييتي، وإلى إنعاش اقتصاديات دول أوربا الشرقية، فإن الحروب الإثنية التي تنفجر، والفقر الذي ينتشر في البلاد المتخلفة، والانفجار السكاني في بلاد العالم الثالث، كل ذلك يهدد بأخطار أكبر مما تعرضت له فترة الحرب الباردة ويحتاج إلى الكثير من الجهد والتعاون، داخل منظمة الأمم المتحدة وخارجها، كيلا تكون الهوة التي تفصل بين العالم الصناعي والعالم الذي يسير في طريق النمو من الاتساع الذي قد يفضي إلى زعزعة الأمن والاستقرار في العالم.
    رفيق جويجاتي

يعمل...
X