من سببيات الأورام المدروسة: الڤيروسات والعوامل الإشعاعية والعوامل الكيميائية والعوامل الهرمونية.
أولاً- الڤيروسات:
من الثابت حالياً وجود علاقة وثيقة بين بعض الأورام وبعض الڤيروسات؛ إذ تحدث بعض الأورام عقابيل للإصابة ببعض الڤيروسات سواء منها ڤيروسات RNA أمDNA.
1- ڤيروسات :RNA
من أهم الڤيروسات المعروفة الڤيروسات القهقرية البشرية human retrovirusesوڤيروس ابيضاض الخلية التائية human T-cell leukemia virus وبدرجة أقل ڤيروس نقص المناعة المكتسب (HIV).
أ- تتميز الڤيروسات القهقرية بتفردها بوجود RNA قادر على الانتساخ داخل دناDNA المضيف حيث يتم انتساخ شريطRNA الوحيد على نحو عكسي إلى شريطيDNA، وبعد ذلك تقوم الـ DNA التي تم تشكيلها بالارتباط بأماكن محددة من DNAالمضيف، فعلى سبيل المثال يقوم ڤيروس نقص المناعة المكتسب (HIV) بالارتباط ببروتين يسمى عامل النواة البشرية الموجود على DNA المضيف حيث يتم التكامل بين الـ DNA المقدمة ڤيروسياً والـ DNA عند المضيف ويتطور هذا التكامل مع كل دورة انتساخية تقوم بها الخلية.
ومن المعروف - حين انتساخ الـ DNA - حدوث أخطاء في تقابل الأسس التي يتم انتساخها مؤدية الى طفرات نقطية point mutation يتم إصلاحها بآلية إصلاح الـDNA ، كأن يتم تقابل التايمين مع السيتوزين بدلاً من تقابله مع الأدينين مما يسيء إلى تكامل شريطي الـ DNA فتتشكل طفرات متعددة تكون طليعة لعمل الجينات الورمية مما يقود إلى تشكل الأورام التي ترتبط على نحو مباشر أو غير مباشر بالڤيروسات التي أصابت الخلايا. ومن الجدير بالذكر أن الڤيروسات القهقرية تتميز بحدوث قدر كبير من الطفرات النقطية وعدم التكامل في انتساخ المادة الصبغية للخلية المضيفة تتجاوز عدة ملايين من الأخطاء مما يجعل آلية إصلاح الـ DNA عاجزة عن التعامل مع هذا القدر الكبير من الأخطاء.
ب- من الأورام التي تتسبب بها الإصابة بـHTLV-I ابيضاض الخلية التائية في البالغين التي تتميز بالارتشاحات الورمية في العقد اللمفاوية والكبد والطحال والجلد والرئة. معدل العمر عند الإصابة 58 سنة ويصيب الرجال أكثر من النساء. من المعالم الخاصة بالمرض ارتفاع كلسيوم الدم الذي يكون أحد أسباب الوفيات إضافة إلى الأخماج الانتهازية.
يتضمن التشخيص التفريقي متلازمة الفطار الفطراني mycosis fungoides وداء هودجكن، ومتلازمة سيزاري والابيضاض اللمفاوي المزمن تائي الخلايا.
إن HTLV-II شديد الشبه بـ HTLV-I وهما يتشاركان الحموض الأمينية نفسها بنسب 70% إضافة إلى قدرته على خمج الخلايا التائية وتحويلها إلى الحالة الورمية في الزجاج. عزل هذا الڤيروس عام 1982 من مريض مصاب بابيضاض الخلايا المشعرةhairy cell leukemia تائي الخلايا. وأدى تطوير تقنية PCR إلى إمكانية التمييز بين الڤيروسين HTLV-I وHTLV-II.
ج- الأورام المتعلقة بڤيروس نقص المناعة المكتسب HIV)ارتبطت حالات نقص المناعة سواء أكانت ولادية، أم محرضة أم مكتسبة بميل للتسبب بالأورام من مختلف السلالات الخلوية ولاسيما في المصابين بنقص المناعة المكتسب (الإيدز). وفيما عدا ساركوما كابوزي فإن الأورام الأخرى غالباً ما تتظاهر في مراحل المرض المتقدمة يرافقها انهيار الجهاز المناعي انهياراً تاماً، فعلى سبيل المثال من النادر حصول لمفومات لاهودجكن عند المصابين بالإيدز حين يكون تعداد الخلايا اللمفاوية من نمط CD4 أكثر من 50 خلية في الميليمتر المكعب.
إن معظم اللمفومات (90%) المرافقة لعوز المناعة المكتسب أو الإيدز تكون بائية الخلايا كما ترافقها في 50% من الحالات الإصابة بڤيروس ايبشتاين بار إضافة إلى إعادة ترتيب جين c-myc الذي يعدّ من أهم الجينات الورمية، في حين تكون اللمفومات تائية الخلايا قليلة نسبة إلى بائية الخلايا لأسباب غير معروفة.
ساركوما كابوزي: هي من أهم الأورام التي ترتبط ارتباطاً وثيقاً بڤيروس نقص المناعة المكتسب (HIV) إذ تميل إلى الارتشاح بحيث تصيب الجلد وترتشح في الأنسجة تحته كما تصيب القناة الهضمية والرئة. وخلوياً تكشف الآفات وجود خلايا متعددة النسيلة تراوح من الخلايا المغزلية إلى ارتشاحات بخلايا لمفاوية وتكاثر الأوعية تكاثراً مستحدثاً. أظهرت الدراسات الحديثة شأن البروتين Tat الذي يفرزه الڤيروس المذكور وتأثيره في تطوير ساركوما كابوزي.
2- ڤيروسات الـ NA
أ- ڤيروس ايبيشتاين بار :Epstein- Barr virus كشف هذا الڤيروسَ الطبيبُ دينيس بوركيت عام 1961م، وتبين أنه السبب في إحداث بعض أورام العقد اللمفاوية إضافة إلى العوامل البيولوجية والبيئية الأخرى؛ لذلك أطلق على هذه الأورام اسم لمفوما بوركيت، وهي تصيب 8 من كل 100000 طفل في أجزاء من إفريقيا وغينيا الجديدة.
ويحدث هذا الڤيروس العديد من الأمراض منها الحمى الغدية أو داء وحيدات النوى الخمجي، وسرطانة البلعوم الأنفي الذي يصيب 2% من سكان جنوبي الصين وجنوبي آسيا والمناطق القطبية الشمالية.
كما يحدث بعض الأمراض عند مضعفي المناعة ولاسيما بعد عمليات زراعة الأعضاء وزرع نقي العظم في المصابين باللمفومات والابيضاضات.
ويعرِّض تكرار حدوث الطلاوةleukoplakia على اللسان والفم في المصابين بمتلازمة عوز المناعة المكتسب إلى إصابة الفم بڤيروس ايبشتاين بار.
ومن غير المعروف حتى الآن لماذا يسبب هذا الڤيروس داء وحيدات النوى الخمجي في بعض البلدان في حين يسبب السرطانات في بلدان أخرى مما يرجح تدخل العديد من العوامل الأخرى وعلى رأسها العوامل البيولوجية والوراثية.
يعمل هذا الڤيروس بإصابة نوعين من الخلايا: خلايا الغدد اللعابية والخلايا اللمفاوية البائية. وهو يصيب معظم سكان البلاد النامية و80% من سكان البلاد المتقدمة، وقد ينتقل للأطفال باكراً بطريق أمهاتهم في حين ينتقل من إنسان إلى آخر بطريق المفرزات اللعابية.
ينتج الڤيروس أكثر من 100 مستضد في أثناء الفترة النشيطة من دورته الخلوية في حين ينتج نحو 10 مستضدات في أثناء الفترة الكامنة مما يساعد الخلايا اللمفاوية التائية على تعرفه. ومن الجدير بالذكر أن الڤيروس يفرز في لمفوما بوركيت المستضد السطحي EBNA1 فقط مما يساعده على التخفي عن الخلايا اللمفاوية السامة.
ب- ڤيروس التهاب الكبد :hepatitis B virus (HBV) B سرطانة الخلية الكبديةhepatocellular carcinoma من أكثر الأورام أهمية وشيوعاً، وعلى الرغم من ندرتها في الغرب تعدّ من الأورام الأكثر شيوعاً في جنوب شرقي آسيا ويعكس هذا التوزع ما يسمى التوزع الجغرافي للإصابات المزمنة بڤيروس التهاب الكبد البائي. هذا ما أكدته العديد من الدراسات التي أجريت في تايوان في مرضى مصابين بإصابات مزمنة بالتهاب الكبد البائي تمت متابعتهم منذ الإصابة حتى الوفاة بسبب سرطانة الخلية الكبدية كما أكدت الدراسات السابقة تضاعف خطر الإصابة بمعدل 100 مرة في المصابين بالتهاب الكبد البائي المزمن.
تسبب سرطانة الخلية الكبدية نحو 10000 وفاة سنوية في الولايات المتحدة الأمريكية مما يؤكد شأن ڤيروس التهاب الكبد البائي Bفي إحداث هذه السرطانة بعد إزمانه ويقدر أن هذا الڤيروس مسؤول عن 85% من سرطانة الكبد في الولايات المتحدة الأمريكية، كما أن معدل الوفيات سيتضاعف خلال السنوات العشر القادمة بحسب إحصائيات خاصة بالمعهد الوطني للأورام هناك.
يعد ڤيروس التهاب الكبد البائي من الڤيروسات ذات الـ DNA الصغيرة التي تصيب البشر مؤدية إلى إصابة تحت سريرية أو إصابة حادة يزول بعدها الڤيروس من الكبد والدم في 95% من الحالات في حين تميل الإصابة إلى الإزمان في 5% من الحالات، وتحدث معظم الإصابات بسرطانة الخلية الكبدية في هذه الزمرة من المرضى.
يبدو في 20-30% من الإصابات المزمنة التهاب كبد مزمن غير فعال أو التهاب كبد مزمن فعال، وتكون البؤرة الالتهابية نواة للإصابة بتشمع الكبد وقصور الكبد فيما بعد.
وقد تعزى الإصابات الكبدية إلى رد الفعل المناعي الناجم عن تعرف الجسم المستضدات التي يفرزها الڤيروس ويقدمها على سطح الخلايا المصابة بالخمج حيث يكون للخلايا اللمفاوية التائية السامة شأن كبير أيضاً في إحداث هذه الأذية إضافة إلى زيادة حساسية الخلايا الكبدية لعوامل النخر الخلوي الورمي TNF وللسيتوكينات الأخرى.
تحدث العدوى بالتهاب الكبد البائي بنقل الدم الملوث ومشتقاته بتعاطي المخدرات عن طريق الوريد وتبقى طرق العدوى غير معروفة في نصف المصابين. وتميل الإصابات إلى الإزمان في العديد من المصابين وقد تبقى الأعراض صامتة مدة تزيد على 10 سنوات يقوم الڤيروس في أثنائها بتدمير الخلايا الكبدية التي تعود وتجدد نفسها بنسخ مطابقة للخلايا المصابة، كما أن بعض الخلايا المصابة بأذية كيميائية لا تستطيع ترميم الأخطاء الحاصلة بفعل الغزو الڤيروسي فتتطور بالاتجاه الورمي.
ويقوم الجين M6P وهو من الجينات الكابحة للأورام بتعطيل عامل النمو الشبيه بالإنسولين IGF2 ومن ثم منع الخلايا من الانقسام. وقد أظهرت الدراسات الحديثة أن ڤيروس التهاب الكبد البائي يقوم بمهاجمة الجين الكابح السابق ويمنعه من أداء عمله مطلقاً العنان لعمل غير محدود للجينات الورمية التي تتمثل بمستقبلات وجينات عامل النمو الشبيه بالأنسولين.
ج- ڤيروس الورم الحليمي البشري HPV) يتميز ڤيروس الورم الحليمي البشري بوجود أكثر من 100 نمط له، منها ما هو مسؤول عن إحداث الثآليل الشائعة التي تحدث على اليدين والقدمين وفي المنطقة التناسلية التي تحدث العدوى منها بالاتصال الجنسي وتغيب الأعراض عدة سنوات قد تليها بعض مظاهر الإصابة بأورام عنق الرحم.
تتكون المادة الصبغية لهذا الڤيروس منDNA دائري ثنائي الشريط يتكون من منطقة مبكرة تقوم بإعطاء المعلومات الوراثية الخاصة باصطناع البروتينات الڤيروسية التي لها شأن في استنساخ DNAالڤيروسية، وتنظيم الاستنساخ والتحول الخلوية، في حين تتدخل المنطقة الأخرى وهي المنطقة المتأخرة في استنساخ البروتينات الخاصة بالقلنسوة الڤيروسية. وفي الإصابة الفعالة تقوم المنطقتان باستنساخ البروتينات اللازمة، أما في الإصابات غير الفعالة فيتم استنساخ المادة الوراثية من المنطقة الباكرة فقط.
أظهرت الدراسات عام 2007 علاقة وثيقة بين ڤيروس الورم الحليمي البشري وسرطان عنق الرحم إذ يتم تشخيص 11000 حالة ينتهي 4000 منها بالوفاة سنوياً في الولايات المتحدة الأمريكية وحدها في حين يتم تشخيص أكثر من نصف مليون حالة في العالم. ويتدخل الڤيروس السابق في حدوث سرطانات أخرى تصيب منطقتي الشرج والقضيب. تتميز بعض أنماط هذا الڤيروس بخطورة عالية ولاسيما الأنماط 16 و18 التي تساهم وحدها بالتسبب في 70% من سرطانات عنق الرحم.
وقد رخصت إدارة الأغذية والعقاقير الأمريكية الفحص الخاص بعنق الرحم في السيدات اللواتي تجاوزن الثلاثين من العمر وذلك بتنظير المهبل وأخذ الخزعات اللازمة من المناطق المشتبهة وفحصها نسيجياً.
من الجدير بالذكر أنه ما من علاج ناجع لڤيروس الورم الحليمي البشري، وهو يعامل معاملة الثآليل السطحية بالجراحة أو الكي بالتبريد.
آلية إحداث الڤيروس الحليمي البشري الأورام غير معروفة جيداً ولكن من الفرضيات المقبولة هي إنتاج الڤيروس السابق بروتينات من نمط E6 تثبط الجين الكابح للأورام P53 فيزول تأثيره المنسق للدورة الخلوية وتفلت هذه الدورة من الرقابة وتطلق البروتينات التي تقوم باستقبال عوامل النمو ونقل الإشارة داخل الخلية الورمية.
ثانياً- العوامل الإشعاعية:
الإشعاع هو انبعاث الطاقة من أي مصدر، منها مثلاً: الأشعة السينية المستخدمة في العمل الطبي التي قد تأتي من مصادر أخرى في الكون. تصنف الإشعاعات إلى إشعاعات ذات طاقة عالية وأخرى ذات طاقة منخفضة وتقسم إلى عدة أشكال:
·أشعة غاما.
·الأشعة السينية.
·الأشعة فوق البنفسجية.
·الضوء المرئي.
·الأشعة تحت الحمراء.
·الموجات الدقيقة.
·الموجات الراديوية.
الأشعة المؤينة:
وهي من الإشعاعات ذات التردد العالي وهي قادرة بما تملكه من طاقات عالية على إزالة الإلكترونات من مدارها وإتلاف الحمض الريبي النووي منقوص الأكسجين DNAفتحول بذلك الخلية الطبيعية إلى خلية سرطانية. ومن الأمثلة عليها الأشعة السينية وأشعة غاما والأشعة فوق البنفسجية، أما الأشعة المؤينة منخفضة الطاقة فهي لا تملك الطاقة الكافية لإزالة الإلكترونات من مساراتها ومن الأمثلة عليها الضوء المرئي والأشعة الدقيقة والموجات الراديوية radio waves.
من المفيد فهم الفرق بين أنواع الأشعة المؤينة، فالأشعة المؤينة المنبعثة من الهاتف النقال وشاشة جهاز التلفاز ليست نفسها الأشعة المؤينة الناجمة عن صورة بالأشعة السينية التي تؤخذ في المستشفى مثلاً.
تقوم الأشعة المؤينة عالية الطاقة باختراق الخلية واستهداف الحمض الريبي النووي منقوص الأكسجين مسببة خللاً جينياً عميقاً وطفرات متعددة تضر بالاستقرار الجيني داخل الخلية مما يعد سبباً جوهرياً لحدوث السرطان على المدى الطويل. لقد أثبتت الدراسات العلاقة الوثيقة بين التعرض الإشعاعي وحدوث السرطان، كما أثبت ذلك عملياً القنبلتان الذريتان اللتان أُطلقتا على هيروشيما وناغازاكي وحادثة مفاعل تشيرنوبل النووي. ومن المهم الإشارة إلى أن بعض السرطانات مرتبطة ارتباطاً وثيقاً بالتعرض الإشعاعي ومنها سرطانات الغدة الدرقية وسرطانات الدم، ويعد نقي العظم من الأنسجة الأكثر حساسية للأشعة في حين تحدث بعض السرطانات على نحو متأخر بعد فترة من الكمون قد تصل إلى 15 سنة بعد التعرض الإشعاعي ومنها: سرطانة الرئة، وسرطانات الجلد، والورم النقوي المتعدد، وسرطان الثدي وسرطان المعدة.
تتنوع مصادر التعرض للأشعة المؤينةويمكن حصرها على نحو عام بثلاثة مصادر رئيسية هي:
1- الأشعة الكونية التي تأتي من الشمس والفضاء الخارجي والعناصر المشعة التي توجد في التربة ويشكل هذا كله المصدر الأول للإشعاعات حول العالم.
2- المصادر الطبية للأشعة باستخدام الأجهزة الطبية في التصوير الشعاعي بالأشعة السينية واستخدام النظائر المشعة في عملية التشخيص الشعاعي وفي علاج الأورام بالأشعة الخارجية أو الأشعة الداخلية كما في علاج أورام الغدة الدرقية باليود المشع.
3- أشعة من صنع الإنسان بالأجهزة والاختبارات النووية التي تجرى تحت الأرض.
وفيما يلي بعض الأمثلة عن السرطانات المحرضة بالأشعة:
1- سرطانات الجلد: كانت مشهورة عند العمال الأوائل الذين عملوا في المسرعات الخطية قبل أن تدخل إليها إجراءات السلامة والوقاية الشعاعية.
2- سرطانات الرئة: كانت وما زالت معروفة لدى عمال المناجم ولاسيما مناجم اليورانيوم وخاصة بعد استنشاق غاز الرادون فترة طويلة إذ تطلق ذرات الرادون أشعة ألفا ذات التأثير التراكمي المسرطن.
3- أورام العظام: في العمال الذين يعملون بطلي الساعات بمادة الراديوم.
4- سرطانة الكبد: التي تحدث عند عمال الأصبغة والملونات الذين يستخدمون الثوريوم، وهو من المواد التي تطلق أشعة ألفا.
5- لقد كون الناجون من القنبلتين الذريتين على هيروشيما وناكازاكي مجموعة خاصة من المرضى بسبب التوارد العالي لسرطانات الدم والكثير من السرطانات الصلبة التي لم يشاهد مثلها حتى الوقت الحاضر.
6- شوهدت حالات قليلة من سرطانات الدم في المصابين بالتهاب الفقار المُقْسِط الذين تلقوا علاجاً شعاعياً على الفقرات بقصد السيطرة على الآلام.
هناك فترة تعرف بفترة الكمون تفصل بين التعرض الإشعاعي وحدوث الأورام. تتميز الابيضاضات بأقصر فترة كمون كما شوهد عند الناجين من آثار القنبلتين الذريتين في كل من هيروشيما وناكازاكي إذ حدثت الابيضاضات بعد 5-7 سنوات من الحادثة.
أما في السرطانات الصلبة فقد تصل فترة الكمون إلى 40 سنة ويعزى ذلك إلى الفترة اللازمة كي يصبح فيها الورم بحجم كافٍ للكشف بالاستقصاءات التقليدية، إضافة إلى أن عملية البدء والتطور الورمية تحتاج إلى وقت ليس بالقصير، وقد أظهرت الدراسات الحديثة أنه كلما كان التعرض الإشعاعي في سن مبكرة طالت فترة الكمون.
الأشعة فوق البنفسجية:
تعد سرطانات الجلد من السرطانات الأكثر شيوعاً بسبب هذه الأشعة بمعدل يقارب من 500000 حالة جديدة مشخصة في كل عام في الولايات المتحدة الأمريكية. وتحدث السرطانة القاعدية الخلايا أكثر من السرطانة الحرشفية بأربع مرات لدى الرجال وأكثر بست مرات لدى النساء. وعلى نحو عام تحدث هذه السرطانات عند الرجال أكثر من السيدات وفي المناطق من الجسم المعرضة مباشرة لأشعة الشمس، وعلى الرغم من تزايد معدلات حدوثها تتجاوز نسبة الشفاء منها 95% من الحالات.
من الآليات المفترضة في تسبب الأشعة فوق البنفسجية للأورام مهاجمتها للإنزيمات والآليات التي تقوم بإصلاح الـ DNA، فكما هو معروف تقوم الأشعة بإحداث أذيات مهمة على مستوى النوكليوتيدات تقوم بعده بعض الإنزيمات بتحسس هذا الخلل ثم إزالة النوكليوتيد المعطوب وتنشيط إنزيم DNAبوليميراز الذي يقوم باستبداله والحفاظ على وحدة شريطي الـ DNA وتكاملهما، الشيء الذي تفتقده الخلية حين تعرضها المتكرر للأشعة فوق البنفسجية.
هذا وتتعرض الـDNA للكثير من الأذيات بفعل العديد من العوامل الفيزيائية والكيميائية يتم تعرفها وإصلاحها بالشكل التالي:
تشكل النوكليوتيدات الوحدات الوظيفية البنيوية للـ DNA، والأذيات التي تصيبها قد تتناول الأساس أو السكر أو الزمرة الفوسفاتية.
مصدر الأذية:
1- الحرارة.
2- الحوادث الاستقلالية (الجذور الحرة).
3- الأشعة فوق البنفسجية والأشعة السينية.
4- التعرض للمواد البينزينية.
أنواع الأذية:
1- إزالة الأمينات من النوكليوتيدات.
2- إزالة البورينات من النوكليوتيدات.
3- أكسدة الأسس.
4- تكسرات في شريطي الـ DNA.
ومن الأمثلة على الأمراض التي تسببها أذيات الـ DNA متلازمة ويرنير Werner syndrome التي تتظاهر بتأخر النمو والشيخوخة الباكرة، كما في متلازمة بلومBloom التي تتظاهر بازدياد الحساسية لضوء الشمس.
من أهم التبدلات التي تطرأ على بنية الـDNA وتستوجب الإصلاح:
1- فقدان أساس: وهو ما يعرف بالمكان فاقد البورين أو البيريميدين.
2- إزالة الأمينات: على سبيل المثال إن إزالة الجذر الأميني من السيتوزين يؤدي إلى تشكل اليوراسيل.
3- الأذية الضوئية: من أهم المنتجات الناجمة عن الأذية الضوئية تشكل ارتباطات بين البيريميدينات على شريط الـDNA نفسه مما يؤدي إلى التقارب بين الأساسين المتجاورين ثم حدوث تشوهات غير قابلة للحياة في شريط الـ DNA المصاب، ومن هنا جاء الأثر السيئ للتعرض المديد للأشعة فوق البنفسجية التي تؤدي إلى التقارب وتشكل الروابط بين أساسي تيمينthymine متجاورين مؤدياً إلى تشكل ديمرdimer بين التيمين والسيكلوبوتان. كما قد تؤدي الأشعة فوق البنفسجية إلى تشكل روابط بين أساسين متقابلين من كل شريط للـ DNA مما يؤدي إلى تشوه البنية الحلزونية ما عدا التقطعات التي تطرأ على شريط واحد أو على الشريطين.
تأتي أهمية إصلاح الـ DNA من أنه المخزن الكامل لكل المعلومات الوراثية وهو الجزيء الكيميائي الحيوي الوحيد الذي يتم إصلاحه، ومن هنا تأتي أهمية وجود أكثر من مئة جين تتدخل في عملية الإصلاح آنفة الذكر.
حين حدوث تقطع في شريط واحد يكون الإصلاح ممكناً بسبب وجود نسخة احتياطية في الشريط المقابل، في حين يتعذر الإصلاح حين وجود تقطع في الشريطين بسبب غياب النسخة الاحتياطية في الطرف المقابل.
حين حدوث أي خطأ في اصطناع الـ DNAتأتي الإنزيمات التي تتعرف الخطأ ومن ثم تحدد مكانه مما يستنفر إنزيم النوكليازnuclease الذي يقوم بقطع طرفي الأساس الخاطئ ثم يستدعى إنزيم بنائي آخر هو البوليميراز الذي يقوم بإضافة الأساس الذي تم استئصاله في وقت سابق ليأتي الإنزيم الرابط ligase ويقوم بربط طرفي الأساس المذكور بطرفي الشريط المقطوع.
ثالثاً- العوامل الكيميائية:
هناك العديد من العوامل الكيميائية التي تتدخل في حدوث الأورام منها ما هو سام للجينات ومنها ما هو غير سام لها. تتميز المواد الكيميائية السامة للجينات بقابليتها العالية لإحداث التفاعلات الكيميائية، ومن أهم الأمثلة عليها المواد المؤلكلة التي يمكن أن تشكل روابط قريبة ضمن المادة إضافة إلى إحداث أذيات مباشرة داخل النواة والمتقدرات. إن فكرة العلاقة بين أذيات الـDNA وتشكل الأورام جعلت منها هدفاً للمواد الكيميائية المسرطنة ولاسيما المؤلكلةalkylating agent ومن الأمثلة عليها مركبات النتروز nitroso ومركبات ايبوكسيد.
أظهرت الدراسات التي أجريت على الجرذان بعد إحداث الأورام فيها طفرات في الجين الورمي Ras، ومن أهم التغيرات التي حصلت فيها هو حلول الزوجيA-T مكان الزوجي C-G وذلك بعد التعرض لمركبات النيتروز الميتيلية methylated nitroso-N compounds التي تعمل على إضافة جذر الميثيل عند الأكسجين السادس مما يؤدي إلى عدم التقابل مع التيمين خلال انتساخ الـ DNA.
تظهر الدراسات إمكان الوقاية من العوامل الكيميائية السامة للجينات بالمحافظة على الآليات الفيزيولوجية لإصلاح الـ DNA، وهذا ما يظهره ارتفاع معدل سرطانات الجلد في المرضى المصابين بجفاف الجلد المصطبغxeroderma pigmentosum بسبب فقدان آليات إصلاح الـ DNA.
فيما يلي بعض أنواع الأورام والمواد الكيميائية المسببة لها:
1- أورام الرئة: من أهم العوامل المسببة: التدخين والزرنيخ والاسبستوز وبينزوبيرين، والكروميوم والفحم والنيكل وغازات الخردل، كذلك العمل في مصانع الألمنيوم والصلب والعمل في المناجم. هذه المواد الكيميائية تتدخل في إحداث سرطانة الرئة حرشفية الخلايا والسرطانة الغدية وورم المتوسطة (الميزوتيليوما) عدا سرطانة الرئة صغيرة الخلايا. إن الانقلاب الجديد الذي حصل في عالم التدخين وهو إضافة المصفاة (الفلتر) منذ خمسينيات القرن الماضي أرخى بظلاله على طبيعة الأورام التي يسببها التدخين، فإضافة المصفاة أدى إلى تصفية الكثير من النيكوتين ذي الوزن الجزيئي والحجم المرتفع أي دخول كمية أقل منه مع كل لفافة يتم تدخينها مما يحيج إلى مضاعفة عدد اللفافات لبلوغ كمية النيكوتين المطلوبة في مرحلة ما قبل المصفاة أي إلى مضاعفة كمية المواد المسرطنة وعلى رأسها النيتروز أمين ذو الوزن والحجم المنخفض أي ذو النفوذية العالية إلى الرئة. وفي استخدام المصفاة يحتاج المدخن إلى أخذ شهيق أعمق بسبب المقاومة مما يساعد على إيصال المواد المسرطنة إلى أبعد المناطق في محيط الرئة أي إلى ازدياد معدل حدوث سرطانات الرئة ولاسيما النساء اللواتي استخدمن هذا النوع من التدخين بحجة أنه خفيف كما يقال لوجود المصفاة في اللفافة.
2- أورام الجوف الفموي: تشاهد هذه الأورام بكثرة في المجتمعات الغربية حيث يكثر التدخين إضافة إلى الاستهلاك العالي للكحول بمختلف أنواعه، كما يكثر هذا النوع من الأورام عند عمال صناعة الأحذية وعمال صناعة المفروشات ما يؤدي إلى تأثيرات تراكمية تنتهي في آخر المطاف إلى تطور السرطانة حرشفية الخلايا في جوف الفم.
3- أورام المعدة: قد تسببها الأغذية المدخنة والمملحة والمثلجة. كما تحدث في عمال صناعة المطاط وتؤدي إلى تشكل السرطانة الغدية.
4- سرطانة الخلية الكبدية: من المواد المسببة الافلاتوكسين وفينيل كلوريد والتدخين والكحول وكلها تتدخل في إحداث سرطانة الخلية الكبدية إضافة إلى الساركومات الوعائية.
5- سرطان المثانة: من أسبابه التدخين وامينوبيفينيل وبينزيدين ونفتيل أمين. كذلك في صناعات الاورامين مما يؤدي إلى تشكل سرطانة الخلية الانتقالية.
6- سرطانات الجلد: بسبب الزرنيخ والقطران. وعمال النفط وعمال الفحم الحجري معرضون للإصابة بالسرطانة حرشفية الخلايا والسرطانة قاعدية الخلايا.
7- أورام العظام: من أسبابها التدخين والبينزين وأوكسيدات الإيتيلين وأدوية الأورام. والتعرض للأبخرة عند عمال صناعة المطاط يؤدي في نهاية المطاف إلى تشكل العديد من الأورام وعلى رأسها الابيضاضات.
رابعاً- العوامل الهرمونية:
1- سرطان الثدي: سرطان الثدي من أكثر السرطانات النسائية شيوعاً إذ يصل الحدوث إلى 180000 حالة جديدة سنوياً في الولايات المتحدة الأمريكية، ويأتي الارتباط بين العوامل الهرمونية وسرطان الثدي من فرضية أن الإستروجين - وعلى نحو مبدئي الإستراديول - من أهم محرضات نمو الخلية الثديية، ويدعم هذه الفكرة أن الانقسامات الخلوية تكون في أوجها خلال الطور الأصفر اللوتيني من الدورة الطمثية.
من الحالات التي تؤهب لحدوث سرطان الثدي: حدوث الدورة الطمثية في سن باكرة، وانقطاع الدورة الطمثية في سن متأخرة، والحمل في سن متأخرة وزيادة الوزن.
تعد الدورة الطمثية المبكرة من عوامل الخطورة في حدوث سرطان الثدي، وقد أظهرت عدة دراسات مقارنة تناقصاً بنسبة 20% في معدل حدوث سرطان الثدي في كل سنة تأخير في حدوث الدورة الطمثية، كما أن نسبة سرطان الثدي تتضاعف إذا انتظمت الدورة الطمثية خلال سنة واحدة من أول طمث مقارنة بالزمرة نفسها من النساء اللواتي يعانين دورة طمثية غير منتظمة خلال السنوات الخمس التي تلي بدء الدورة، فعدم انتظام الدورة الطمثية بعد بدئها يعدّ عامل حماية إلى حد ما من حدوث سرطان الثدي.
تتعرض الفتيات بعمر 12 سنة مع دورة طمثية منتظمة للإصابة بسرطان الثدي يوماً ما أكثر بأربع مرات من اللواتي بعمر 13 سنة أو أكثر مع دورة طمثية غير منتظمة. كما تظهر الدراسات أن بنات النساء المصابات بسرطان الثدي هن أكثر عرضة للإصابة بسرطان الثدي من غيرهن مع ملاحظة وجود مستويات عالية من الإستروجين في الدم أعلى بكثير من الشاهد control.
تسهم ممارسة النشاط الجسماني أو الرياضي - كما في راقصات الباليه أو السباحات - إلى حد ما في تأخير بدء الدورة الطمثية بنحو سنتين مقارنة بالفتيات اللواتي لا يمارسن نشاطاً مشابهاً، كما يقلل هذا النشاط من نمو غدة الثدي إذ تكون الأثداء صغيرة الحجم عند الراقصات وربما أسهم كل ذلك - بما يمثله من إنقاص الحِمل الهرموني - بتقليل نسبة الإصابة بسرطان الثدي في هذه الفئة من الفتيات.
وهناك علاقة بين الوزن ومعدل حدوث سرطان الثدي إذ إن كل عشرة كيلو غرامات زائدة بعد سن اليأس ترفع معدل الإصابة بسرطان الثدي بنسبة 8%.
2- سرطان المبيض: يختلف سرطان المبيض عن باقي السرطانات المحرضة هرمونياً بأن الهرمون المتدخل فيه هو موجهة القند gonadotropin hormoneالذي يؤثر مباشرة في الخلايا البشروية في المبيض مؤدياً إلى حدوث انقسامات عشوائية، إذ يعتقد أن الخلايا البشروية على سطح المبيض أو الخلايا القابعة داخل الجريب في طور التطور هي مصدر الخلايا القابلة للتحول ورمياً.
يقي إنجاب الأولاد من تطور سرطان المبيض بنسبة 50% مقارنة مع أولئك اللواتي لا ينجبن، وكل حمل بعد الحمل الأول يعدّ عامل وقاية إضافياً. فمن عوامل الخطورة في سرطانات المبيض إذاً ازدياد عدد مرات الإباضة وهذا ما يوافق سن اليأس المتأخرة، ومن عوامل الوقاية الإنجاب واستعمال مانعات الحمل الفموية.
3- سرطان الموثة: أصبح سرطان الموثة السرطان الأكثر تشخيصاً عند الرجال في الولايات المتحدة الأمريكية متفوقاً على سرطان الرئة بنسبة ضئيلة حيث تم تشخيص 240000 حالة في عام 1995 فقط. من أهم عوامل الخطورة العمر، فسرطان الموثة نادر جداً قبل سن الأربعين فيما يزداد معدل الحدوث على نحو كبير مع تقدم العمر متفوقاً بذلك على أي نوع من أنواع السرطانات الأخرى.
يجول نحو 2% من الهرمون الذكري وهو التيستوستيرون غير المرتبط بالبروتينات في الدم ليصل إلى غدة الموثة حيث يتحول إلى دي هيدروكسي تيستوستيرون الذي يرتبط بالمستقبلات الخاصة به بصفته عامل نمو وبالتالي تنتقل الإشارة الناجمة عنه إلى داخل النواة لتجد عامل الانتساخ الذي يقوم بتفسيرها هناك.
أثبت Noble عند الفئران تطور سرطانة الموثة الغدية بعد حقن الفئران بالتيستوستيرون الخارجي مما يشير إلى العلاقة المباشرة بين نسب هذا الهرمون الذكري وتطور السرطانة الغدية في الموثة، كما أثبتت الدراسات وجود مستويات عالية من التيستوستيرون في المصابين بسرطان الموثة مقارنة بالأشخاص الأصحاء من الفئة العمرية نفسها.
ماهر سلمون
أولاً- الڤيروسات:
من الثابت حالياً وجود علاقة وثيقة بين بعض الأورام وبعض الڤيروسات؛ إذ تحدث بعض الأورام عقابيل للإصابة ببعض الڤيروسات سواء منها ڤيروسات RNA أمDNA.
1- ڤيروسات :RNA
من أهم الڤيروسات المعروفة الڤيروسات القهقرية البشرية human retrovirusesوڤيروس ابيضاض الخلية التائية human T-cell leukemia virus وبدرجة أقل ڤيروس نقص المناعة المكتسب (HIV).
أ- تتميز الڤيروسات القهقرية بتفردها بوجود RNA قادر على الانتساخ داخل دناDNA المضيف حيث يتم انتساخ شريطRNA الوحيد على نحو عكسي إلى شريطيDNA، وبعد ذلك تقوم الـ DNA التي تم تشكيلها بالارتباط بأماكن محددة من DNAالمضيف، فعلى سبيل المثال يقوم ڤيروس نقص المناعة المكتسب (HIV) بالارتباط ببروتين يسمى عامل النواة البشرية الموجود على DNA المضيف حيث يتم التكامل بين الـ DNA المقدمة ڤيروسياً والـ DNA عند المضيف ويتطور هذا التكامل مع كل دورة انتساخية تقوم بها الخلية.
ومن المعروف - حين انتساخ الـ DNA - حدوث أخطاء في تقابل الأسس التي يتم انتساخها مؤدية الى طفرات نقطية point mutation يتم إصلاحها بآلية إصلاح الـDNA ، كأن يتم تقابل التايمين مع السيتوزين بدلاً من تقابله مع الأدينين مما يسيء إلى تكامل شريطي الـ DNA فتتشكل طفرات متعددة تكون طليعة لعمل الجينات الورمية مما يقود إلى تشكل الأورام التي ترتبط على نحو مباشر أو غير مباشر بالڤيروسات التي أصابت الخلايا. ومن الجدير بالذكر أن الڤيروسات القهقرية تتميز بحدوث قدر كبير من الطفرات النقطية وعدم التكامل في انتساخ المادة الصبغية للخلية المضيفة تتجاوز عدة ملايين من الأخطاء مما يجعل آلية إصلاح الـ DNA عاجزة عن التعامل مع هذا القدر الكبير من الأخطاء.
ب- من الأورام التي تتسبب بها الإصابة بـHTLV-I ابيضاض الخلية التائية في البالغين التي تتميز بالارتشاحات الورمية في العقد اللمفاوية والكبد والطحال والجلد والرئة. معدل العمر عند الإصابة 58 سنة ويصيب الرجال أكثر من النساء. من المعالم الخاصة بالمرض ارتفاع كلسيوم الدم الذي يكون أحد أسباب الوفيات إضافة إلى الأخماج الانتهازية.
يتضمن التشخيص التفريقي متلازمة الفطار الفطراني mycosis fungoides وداء هودجكن، ومتلازمة سيزاري والابيضاض اللمفاوي المزمن تائي الخلايا.
إن HTLV-II شديد الشبه بـ HTLV-I وهما يتشاركان الحموض الأمينية نفسها بنسب 70% إضافة إلى قدرته على خمج الخلايا التائية وتحويلها إلى الحالة الورمية في الزجاج. عزل هذا الڤيروس عام 1982 من مريض مصاب بابيضاض الخلايا المشعرةhairy cell leukemia تائي الخلايا. وأدى تطوير تقنية PCR إلى إمكانية التمييز بين الڤيروسين HTLV-I وHTLV-II.
ج- الأورام المتعلقة بڤيروس نقص المناعة المكتسب HIV)ارتبطت حالات نقص المناعة سواء أكانت ولادية، أم محرضة أم مكتسبة بميل للتسبب بالأورام من مختلف السلالات الخلوية ولاسيما في المصابين بنقص المناعة المكتسب (الإيدز). وفيما عدا ساركوما كابوزي فإن الأورام الأخرى غالباً ما تتظاهر في مراحل المرض المتقدمة يرافقها انهيار الجهاز المناعي انهياراً تاماً، فعلى سبيل المثال من النادر حصول لمفومات لاهودجكن عند المصابين بالإيدز حين يكون تعداد الخلايا اللمفاوية من نمط CD4 أكثر من 50 خلية في الميليمتر المكعب.
إن معظم اللمفومات (90%) المرافقة لعوز المناعة المكتسب أو الإيدز تكون بائية الخلايا كما ترافقها في 50% من الحالات الإصابة بڤيروس ايبشتاين بار إضافة إلى إعادة ترتيب جين c-myc الذي يعدّ من أهم الجينات الورمية، في حين تكون اللمفومات تائية الخلايا قليلة نسبة إلى بائية الخلايا لأسباب غير معروفة.
ساركوما كابوزي: هي من أهم الأورام التي ترتبط ارتباطاً وثيقاً بڤيروس نقص المناعة المكتسب (HIV) إذ تميل إلى الارتشاح بحيث تصيب الجلد وترتشح في الأنسجة تحته كما تصيب القناة الهضمية والرئة. وخلوياً تكشف الآفات وجود خلايا متعددة النسيلة تراوح من الخلايا المغزلية إلى ارتشاحات بخلايا لمفاوية وتكاثر الأوعية تكاثراً مستحدثاً. أظهرت الدراسات الحديثة شأن البروتين Tat الذي يفرزه الڤيروس المذكور وتأثيره في تطوير ساركوما كابوزي.
2- ڤيروسات الـ NA
أ- ڤيروس ايبيشتاين بار :Epstein- Barr virus كشف هذا الڤيروسَ الطبيبُ دينيس بوركيت عام 1961م، وتبين أنه السبب في إحداث بعض أورام العقد اللمفاوية إضافة إلى العوامل البيولوجية والبيئية الأخرى؛ لذلك أطلق على هذه الأورام اسم لمفوما بوركيت، وهي تصيب 8 من كل 100000 طفل في أجزاء من إفريقيا وغينيا الجديدة.
ويحدث هذا الڤيروس العديد من الأمراض منها الحمى الغدية أو داء وحيدات النوى الخمجي، وسرطانة البلعوم الأنفي الذي يصيب 2% من سكان جنوبي الصين وجنوبي آسيا والمناطق القطبية الشمالية.
كما يحدث بعض الأمراض عند مضعفي المناعة ولاسيما بعد عمليات زراعة الأعضاء وزرع نقي العظم في المصابين باللمفومات والابيضاضات.
ويعرِّض تكرار حدوث الطلاوةleukoplakia على اللسان والفم في المصابين بمتلازمة عوز المناعة المكتسب إلى إصابة الفم بڤيروس ايبشتاين بار.
ومن غير المعروف حتى الآن لماذا يسبب هذا الڤيروس داء وحيدات النوى الخمجي في بعض البلدان في حين يسبب السرطانات في بلدان أخرى مما يرجح تدخل العديد من العوامل الأخرى وعلى رأسها العوامل البيولوجية والوراثية.
يعمل هذا الڤيروس بإصابة نوعين من الخلايا: خلايا الغدد اللعابية والخلايا اللمفاوية البائية. وهو يصيب معظم سكان البلاد النامية و80% من سكان البلاد المتقدمة، وقد ينتقل للأطفال باكراً بطريق أمهاتهم في حين ينتقل من إنسان إلى آخر بطريق المفرزات اللعابية.
ينتج الڤيروس أكثر من 100 مستضد في أثناء الفترة النشيطة من دورته الخلوية في حين ينتج نحو 10 مستضدات في أثناء الفترة الكامنة مما يساعد الخلايا اللمفاوية التائية على تعرفه. ومن الجدير بالذكر أن الڤيروس يفرز في لمفوما بوركيت المستضد السطحي EBNA1 فقط مما يساعده على التخفي عن الخلايا اللمفاوية السامة.
ب- ڤيروس التهاب الكبد :hepatitis B virus (HBV) B سرطانة الخلية الكبديةhepatocellular carcinoma من أكثر الأورام أهمية وشيوعاً، وعلى الرغم من ندرتها في الغرب تعدّ من الأورام الأكثر شيوعاً في جنوب شرقي آسيا ويعكس هذا التوزع ما يسمى التوزع الجغرافي للإصابات المزمنة بڤيروس التهاب الكبد البائي. هذا ما أكدته العديد من الدراسات التي أجريت في تايوان في مرضى مصابين بإصابات مزمنة بالتهاب الكبد البائي تمت متابعتهم منذ الإصابة حتى الوفاة بسبب سرطانة الخلية الكبدية كما أكدت الدراسات السابقة تضاعف خطر الإصابة بمعدل 100 مرة في المصابين بالتهاب الكبد البائي المزمن.
تسبب سرطانة الخلية الكبدية نحو 10000 وفاة سنوية في الولايات المتحدة الأمريكية مما يؤكد شأن ڤيروس التهاب الكبد البائي Bفي إحداث هذه السرطانة بعد إزمانه ويقدر أن هذا الڤيروس مسؤول عن 85% من سرطانة الكبد في الولايات المتحدة الأمريكية، كما أن معدل الوفيات سيتضاعف خلال السنوات العشر القادمة بحسب إحصائيات خاصة بالمعهد الوطني للأورام هناك.
يعد ڤيروس التهاب الكبد البائي من الڤيروسات ذات الـ DNA الصغيرة التي تصيب البشر مؤدية إلى إصابة تحت سريرية أو إصابة حادة يزول بعدها الڤيروس من الكبد والدم في 95% من الحالات في حين تميل الإصابة إلى الإزمان في 5% من الحالات، وتحدث معظم الإصابات بسرطانة الخلية الكبدية في هذه الزمرة من المرضى.
يبدو في 20-30% من الإصابات المزمنة التهاب كبد مزمن غير فعال أو التهاب كبد مزمن فعال، وتكون البؤرة الالتهابية نواة للإصابة بتشمع الكبد وقصور الكبد فيما بعد.
وقد تعزى الإصابات الكبدية إلى رد الفعل المناعي الناجم عن تعرف الجسم المستضدات التي يفرزها الڤيروس ويقدمها على سطح الخلايا المصابة بالخمج حيث يكون للخلايا اللمفاوية التائية السامة شأن كبير أيضاً في إحداث هذه الأذية إضافة إلى زيادة حساسية الخلايا الكبدية لعوامل النخر الخلوي الورمي TNF وللسيتوكينات الأخرى.
تحدث العدوى بالتهاب الكبد البائي بنقل الدم الملوث ومشتقاته بتعاطي المخدرات عن طريق الوريد وتبقى طرق العدوى غير معروفة في نصف المصابين. وتميل الإصابات إلى الإزمان في العديد من المصابين وقد تبقى الأعراض صامتة مدة تزيد على 10 سنوات يقوم الڤيروس في أثنائها بتدمير الخلايا الكبدية التي تعود وتجدد نفسها بنسخ مطابقة للخلايا المصابة، كما أن بعض الخلايا المصابة بأذية كيميائية لا تستطيع ترميم الأخطاء الحاصلة بفعل الغزو الڤيروسي فتتطور بالاتجاه الورمي.
ويقوم الجين M6P وهو من الجينات الكابحة للأورام بتعطيل عامل النمو الشبيه بالإنسولين IGF2 ومن ثم منع الخلايا من الانقسام. وقد أظهرت الدراسات الحديثة أن ڤيروس التهاب الكبد البائي يقوم بمهاجمة الجين الكابح السابق ويمنعه من أداء عمله مطلقاً العنان لعمل غير محدود للجينات الورمية التي تتمثل بمستقبلات وجينات عامل النمو الشبيه بالأنسولين.
ج- ڤيروس الورم الحليمي البشري HPV) يتميز ڤيروس الورم الحليمي البشري بوجود أكثر من 100 نمط له، منها ما هو مسؤول عن إحداث الثآليل الشائعة التي تحدث على اليدين والقدمين وفي المنطقة التناسلية التي تحدث العدوى منها بالاتصال الجنسي وتغيب الأعراض عدة سنوات قد تليها بعض مظاهر الإصابة بأورام عنق الرحم.
تتكون المادة الصبغية لهذا الڤيروس منDNA دائري ثنائي الشريط يتكون من منطقة مبكرة تقوم بإعطاء المعلومات الوراثية الخاصة باصطناع البروتينات الڤيروسية التي لها شأن في استنساخ DNAالڤيروسية، وتنظيم الاستنساخ والتحول الخلوية، في حين تتدخل المنطقة الأخرى وهي المنطقة المتأخرة في استنساخ البروتينات الخاصة بالقلنسوة الڤيروسية. وفي الإصابة الفعالة تقوم المنطقتان باستنساخ البروتينات اللازمة، أما في الإصابات غير الفعالة فيتم استنساخ المادة الوراثية من المنطقة الباكرة فقط.
أظهرت الدراسات عام 2007 علاقة وثيقة بين ڤيروس الورم الحليمي البشري وسرطان عنق الرحم إذ يتم تشخيص 11000 حالة ينتهي 4000 منها بالوفاة سنوياً في الولايات المتحدة الأمريكية وحدها في حين يتم تشخيص أكثر من نصف مليون حالة في العالم. ويتدخل الڤيروس السابق في حدوث سرطانات أخرى تصيب منطقتي الشرج والقضيب. تتميز بعض أنماط هذا الڤيروس بخطورة عالية ولاسيما الأنماط 16 و18 التي تساهم وحدها بالتسبب في 70% من سرطانات عنق الرحم.
وقد رخصت إدارة الأغذية والعقاقير الأمريكية الفحص الخاص بعنق الرحم في السيدات اللواتي تجاوزن الثلاثين من العمر وذلك بتنظير المهبل وأخذ الخزعات اللازمة من المناطق المشتبهة وفحصها نسيجياً.
من الجدير بالذكر أنه ما من علاج ناجع لڤيروس الورم الحليمي البشري، وهو يعامل معاملة الثآليل السطحية بالجراحة أو الكي بالتبريد.
آلية إحداث الڤيروس الحليمي البشري الأورام غير معروفة جيداً ولكن من الفرضيات المقبولة هي إنتاج الڤيروس السابق بروتينات من نمط E6 تثبط الجين الكابح للأورام P53 فيزول تأثيره المنسق للدورة الخلوية وتفلت هذه الدورة من الرقابة وتطلق البروتينات التي تقوم باستقبال عوامل النمو ونقل الإشارة داخل الخلية الورمية.
ثانياً- العوامل الإشعاعية:
الإشعاع هو انبعاث الطاقة من أي مصدر، منها مثلاً: الأشعة السينية المستخدمة في العمل الطبي التي قد تأتي من مصادر أخرى في الكون. تصنف الإشعاعات إلى إشعاعات ذات طاقة عالية وأخرى ذات طاقة منخفضة وتقسم إلى عدة أشكال:
·أشعة غاما.
·الأشعة السينية.
·الأشعة فوق البنفسجية.
·الضوء المرئي.
·الأشعة تحت الحمراء.
·الموجات الدقيقة.
·الموجات الراديوية.
الأشعة المؤينة:
وهي من الإشعاعات ذات التردد العالي وهي قادرة بما تملكه من طاقات عالية على إزالة الإلكترونات من مدارها وإتلاف الحمض الريبي النووي منقوص الأكسجين DNAفتحول بذلك الخلية الطبيعية إلى خلية سرطانية. ومن الأمثلة عليها الأشعة السينية وأشعة غاما والأشعة فوق البنفسجية، أما الأشعة المؤينة منخفضة الطاقة فهي لا تملك الطاقة الكافية لإزالة الإلكترونات من مساراتها ومن الأمثلة عليها الضوء المرئي والأشعة الدقيقة والموجات الراديوية radio waves.
من المفيد فهم الفرق بين أنواع الأشعة المؤينة، فالأشعة المؤينة المنبعثة من الهاتف النقال وشاشة جهاز التلفاز ليست نفسها الأشعة المؤينة الناجمة عن صورة بالأشعة السينية التي تؤخذ في المستشفى مثلاً.
تقوم الأشعة المؤينة عالية الطاقة باختراق الخلية واستهداف الحمض الريبي النووي منقوص الأكسجين مسببة خللاً جينياً عميقاً وطفرات متعددة تضر بالاستقرار الجيني داخل الخلية مما يعد سبباً جوهرياً لحدوث السرطان على المدى الطويل. لقد أثبتت الدراسات العلاقة الوثيقة بين التعرض الإشعاعي وحدوث السرطان، كما أثبت ذلك عملياً القنبلتان الذريتان اللتان أُطلقتا على هيروشيما وناغازاكي وحادثة مفاعل تشيرنوبل النووي. ومن المهم الإشارة إلى أن بعض السرطانات مرتبطة ارتباطاً وثيقاً بالتعرض الإشعاعي ومنها سرطانات الغدة الدرقية وسرطانات الدم، ويعد نقي العظم من الأنسجة الأكثر حساسية للأشعة في حين تحدث بعض السرطانات على نحو متأخر بعد فترة من الكمون قد تصل إلى 15 سنة بعد التعرض الإشعاعي ومنها: سرطانة الرئة، وسرطانات الجلد، والورم النقوي المتعدد، وسرطان الثدي وسرطان المعدة.
تتنوع مصادر التعرض للأشعة المؤينةويمكن حصرها على نحو عام بثلاثة مصادر رئيسية هي:
1- الأشعة الكونية التي تأتي من الشمس والفضاء الخارجي والعناصر المشعة التي توجد في التربة ويشكل هذا كله المصدر الأول للإشعاعات حول العالم.
2- المصادر الطبية للأشعة باستخدام الأجهزة الطبية في التصوير الشعاعي بالأشعة السينية واستخدام النظائر المشعة في عملية التشخيص الشعاعي وفي علاج الأورام بالأشعة الخارجية أو الأشعة الداخلية كما في علاج أورام الغدة الدرقية باليود المشع.
3- أشعة من صنع الإنسان بالأجهزة والاختبارات النووية التي تجرى تحت الأرض.
وفيما يلي بعض الأمثلة عن السرطانات المحرضة بالأشعة:
1- سرطانات الجلد: كانت مشهورة عند العمال الأوائل الذين عملوا في المسرعات الخطية قبل أن تدخل إليها إجراءات السلامة والوقاية الشعاعية.
2- سرطانات الرئة: كانت وما زالت معروفة لدى عمال المناجم ولاسيما مناجم اليورانيوم وخاصة بعد استنشاق غاز الرادون فترة طويلة إذ تطلق ذرات الرادون أشعة ألفا ذات التأثير التراكمي المسرطن.
3- أورام العظام: في العمال الذين يعملون بطلي الساعات بمادة الراديوم.
4- سرطانة الكبد: التي تحدث عند عمال الأصبغة والملونات الذين يستخدمون الثوريوم، وهو من المواد التي تطلق أشعة ألفا.
5- لقد كون الناجون من القنبلتين الذريتين على هيروشيما وناكازاكي مجموعة خاصة من المرضى بسبب التوارد العالي لسرطانات الدم والكثير من السرطانات الصلبة التي لم يشاهد مثلها حتى الوقت الحاضر.
6- شوهدت حالات قليلة من سرطانات الدم في المصابين بالتهاب الفقار المُقْسِط الذين تلقوا علاجاً شعاعياً على الفقرات بقصد السيطرة على الآلام.
هناك فترة تعرف بفترة الكمون تفصل بين التعرض الإشعاعي وحدوث الأورام. تتميز الابيضاضات بأقصر فترة كمون كما شوهد عند الناجين من آثار القنبلتين الذريتين في كل من هيروشيما وناكازاكي إذ حدثت الابيضاضات بعد 5-7 سنوات من الحادثة.
أما في السرطانات الصلبة فقد تصل فترة الكمون إلى 40 سنة ويعزى ذلك إلى الفترة اللازمة كي يصبح فيها الورم بحجم كافٍ للكشف بالاستقصاءات التقليدية، إضافة إلى أن عملية البدء والتطور الورمية تحتاج إلى وقت ليس بالقصير، وقد أظهرت الدراسات الحديثة أنه كلما كان التعرض الإشعاعي في سن مبكرة طالت فترة الكمون.
الأشعة فوق البنفسجية:
تعد سرطانات الجلد من السرطانات الأكثر شيوعاً بسبب هذه الأشعة بمعدل يقارب من 500000 حالة جديدة مشخصة في كل عام في الولايات المتحدة الأمريكية. وتحدث السرطانة القاعدية الخلايا أكثر من السرطانة الحرشفية بأربع مرات لدى الرجال وأكثر بست مرات لدى النساء. وعلى نحو عام تحدث هذه السرطانات عند الرجال أكثر من السيدات وفي المناطق من الجسم المعرضة مباشرة لأشعة الشمس، وعلى الرغم من تزايد معدلات حدوثها تتجاوز نسبة الشفاء منها 95% من الحالات.
من الآليات المفترضة في تسبب الأشعة فوق البنفسجية للأورام مهاجمتها للإنزيمات والآليات التي تقوم بإصلاح الـ DNA، فكما هو معروف تقوم الأشعة بإحداث أذيات مهمة على مستوى النوكليوتيدات تقوم بعده بعض الإنزيمات بتحسس هذا الخلل ثم إزالة النوكليوتيد المعطوب وتنشيط إنزيم DNAبوليميراز الذي يقوم باستبداله والحفاظ على وحدة شريطي الـ DNA وتكاملهما، الشيء الذي تفتقده الخلية حين تعرضها المتكرر للأشعة فوق البنفسجية.
هذا وتتعرض الـDNA للكثير من الأذيات بفعل العديد من العوامل الفيزيائية والكيميائية يتم تعرفها وإصلاحها بالشكل التالي:
تشكل النوكليوتيدات الوحدات الوظيفية البنيوية للـ DNA، والأذيات التي تصيبها قد تتناول الأساس أو السكر أو الزمرة الفوسفاتية.
مصدر الأذية:
1- الحرارة.
2- الحوادث الاستقلالية (الجذور الحرة).
3- الأشعة فوق البنفسجية والأشعة السينية.
4- التعرض للمواد البينزينية.
أنواع الأذية:
1- إزالة الأمينات من النوكليوتيدات.
2- إزالة البورينات من النوكليوتيدات.
3- أكسدة الأسس.
4- تكسرات في شريطي الـ DNA.
ومن الأمثلة على الأمراض التي تسببها أذيات الـ DNA متلازمة ويرنير Werner syndrome التي تتظاهر بتأخر النمو والشيخوخة الباكرة، كما في متلازمة بلومBloom التي تتظاهر بازدياد الحساسية لضوء الشمس.
من أهم التبدلات التي تطرأ على بنية الـDNA وتستوجب الإصلاح:
1- فقدان أساس: وهو ما يعرف بالمكان فاقد البورين أو البيريميدين.
2- إزالة الأمينات: على سبيل المثال إن إزالة الجذر الأميني من السيتوزين يؤدي إلى تشكل اليوراسيل.
3- الأذية الضوئية: من أهم المنتجات الناجمة عن الأذية الضوئية تشكل ارتباطات بين البيريميدينات على شريط الـDNA نفسه مما يؤدي إلى التقارب بين الأساسين المتجاورين ثم حدوث تشوهات غير قابلة للحياة في شريط الـ DNA المصاب، ومن هنا جاء الأثر السيئ للتعرض المديد للأشعة فوق البنفسجية التي تؤدي إلى التقارب وتشكل الروابط بين أساسي تيمينthymine متجاورين مؤدياً إلى تشكل ديمرdimer بين التيمين والسيكلوبوتان. كما قد تؤدي الأشعة فوق البنفسجية إلى تشكل روابط بين أساسين متقابلين من كل شريط للـ DNA مما يؤدي إلى تشوه البنية الحلزونية ما عدا التقطعات التي تطرأ على شريط واحد أو على الشريطين.
تأتي أهمية إصلاح الـ DNA من أنه المخزن الكامل لكل المعلومات الوراثية وهو الجزيء الكيميائي الحيوي الوحيد الذي يتم إصلاحه، ومن هنا تأتي أهمية وجود أكثر من مئة جين تتدخل في عملية الإصلاح آنفة الذكر.
حين حدوث تقطع في شريط واحد يكون الإصلاح ممكناً بسبب وجود نسخة احتياطية في الشريط المقابل، في حين يتعذر الإصلاح حين وجود تقطع في الشريطين بسبب غياب النسخة الاحتياطية في الطرف المقابل.
حين حدوث أي خطأ في اصطناع الـ DNAتأتي الإنزيمات التي تتعرف الخطأ ومن ثم تحدد مكانه مما يستنفر إنزيم النوكليازnuclease الذي يقوم بقطع طرفي الأساس الخاطئ ثم يستدعى إنزيم بنائي آخر هو البوليميراز الذي يقوم بإضافة الأساس الذي تم استئصاله في وقت سابق ليأتي الإنزيم الرابط ligase ويقوم بربط طرفي الأساس المذكور بطرفي الشريط المقطوع.
ثالثاً- العوامل الكيميائية:
هناك العديد من العوامل الكيميائية التي تتدخل في حدوث الأورام منها ما هو سام للجينات ومنها ما هو غير سام لها. تتميز المواد الكيميائية السامة للجينات بقابليتها العالية لإحداث التفاعلات الكيميائية، ومن أهم الأمثلة عليها المواد المؤلكلة التي يمكن أن تشكل روابط قريبة ضمن المادة إضافة إلى إحداث أذيات مباشرة داخل النواة والمتقدرات. إن فكرة العلاقة بين أذيات الـDNA وتشكل الأورام جعلت منها هدفاً للمواد الكيميائية المسرطنة ولاسيما المؤلكلةalkylating agent ومن الأمثلة عليها مركبات النتروز nitroso ومركبات ايبوكسيد.
أظهرت الدراسات التي أجريت على الجرذان بعد إحداث الأورام فيها طفرات في الجين الورمي Ras، ومن أهم التغيرات التي حصلت فيها هو حلول الزوجيA-T مكان الزوجي C-G وذلك بعد التعرض لمركبات النيتروز الميتيلية methylated nitroso-N compounds التي تعمل على إضافة جذر الميثيل عند الأكسجين السادس مما يؤدي إلى عدم التقابل مع التيمين خلال انتساخ الـ DNA.
تظهر الدراسات إمكان الوقاية من العوامل الكيميائية السامة للجينات بالمحافظة على الآليات الفيزيولوجية لإصلاح الـ DNA، وهذا ما يظهره ارتفاع معدل سرطانات الجلد في المرضى المصابين بجفاف الجلد المصطبغxeroderma pigmentosum بسبب فقدان آليات إصلاح الـ DNA.
فيما يلي بعض أنواع الأورام والمواد الكيميائية المسببة لها:
1- أورام الرئة: من أهم العوامل المسببة: التدخين والزرنيخ والاسبستوز وبينزوبيرين، والكروميوم والفحم والنيكل وغازات الخردل، كذلك العمل في مصانع الألمنيوم والصلب والعمل في المناجم. هذه المواد الكيميائية تتدخل في إحداث سرطانة الرئة حرشفية الخلايا والسرطانة الغدية وورم المتوسطة (الميزوتيليوما) عدا سرطانة الرئة صغيرة الخلايا. إن الانقلاب الجديد الذي حصل في عالم التدخين وهو إضافة المصفاة (الفلتر) منذ خمسينيات القرن الماضي أرخى بظلاله على طبيعة الأورام التي يسببها التدخين، فإضافة المصفاة أدى إلى تصفية الكثير من النيكوتين ذي الوزن الجزيئي والحجم المرتفع أي دخول كمية أقل منه مع كل لفافة يتم تدخينها مما يحيج إلى مضاعفة عدد اللفافات لبلوغ كمية النيكوتين المطلوبة في مرحلة ما قبل المصفاة أي إلى مضاعفة كمية المواد المسرطنة وعلى رأسها النيتروز أمين ذو الوزن والحجم المنخفض أي ذو النفوذية العالية إلى الرئة. وفي استخدام المصفاة يحتاج المدخن إلى أخذ شهيق أعمق بسبب المقاومة مما يساعد على إيصال المواد المسرطنة إلى أبعد المناطق في محيط الرئة أي إلى ازدياد معدل حدوث سرطانات الرئة ولاسيما النساء اللواتي استخدمن هذا النوع من التدخين بحجة أنه خفيف كما يقال لوجود المصفاة في اللفافة.
2- أورام الجوف الفموي: تشاهد هذه الأورام بكثرة في المجتمعات الغربية حيث يكثر التدخين إضافة إلى الاستهلاك العالي للكحول بمختلف أنواعه، كما يكثر هذا النوع من الأورام عند عمال صناعة الأحذية وعمال صناعة المفروشات ما يؤدي إلى تأثيرات تراكمية تنتهي في آخر المطاف إلى تطور السرطانة حرشفية الخلايا في جوف الفم.
3- أورام المعدة: قد تسببها الأغذية المدخنة والمملحة والمثلجة. كما تحدث في عمال صناعة المطاط وتؤدي إلى تشكل السرطانة الغدية.
4- سرطانة الخلية الكبدية: من المواد المسببة الافلاتوكسين وفينيل كلوريد والتدخين والكحول وكلها تتدخل في إحداث سرطانة الخلية الكبدية إضافة إلى الساركومات الوعائية.
5- سرطان المثانة: من أسبابه التدخين وامينوبيفينيل وبينزيدين ونفتيل أمين. كذلك في صناعات الاورامين مما يؤدي إلى تشكل سرطانة الخلية الانتقالية.
6- سرطانات الجلد: بسبب الزرنيخ والقطران. وعمال النفط وعمال الفحم الحجري معرضون للإصابة بالسرطانة حرشفية الخلايا والسرطانة قاعدية الخلايا.
7- أورام العظام: من أسبابها التدخين والبينزين وأوكسيدات الإيتيلين وأدوية الأورام. والتعرض للأبخرة عند عمال صناعة المطاط يؤدي في نهاية المطاف إلى تشكل العديد من الأورام وعلى رأسها الابيضاضات.
رابعاً- العوامل الهرمونية:
1- سرطان الثدي: سرطان الثدي من أكثر السرطانات النسائية شيوعاً إذ يصل الحدوث إلى 180000 حالة جديدة سنوياً في الولايات المتحدة الأمريكية، ويأتي الارتباط بين العوامل الهرمونية وسرطان الثدي من فرضية أن الإستروجين - وعلى نحو مبدئي الإستراديول - من أهم محرضات نمو الخلية الثديية، ويدعم هذه الفكرة أن الانقسامات الخلوية تكون في أوجها خلال الطور الأصفر اللوتيني من الدورة الطمثية.
من الحالات التي تؤهب لحدوث سرطان الثدي: حدوث الدورة الطمثية في سن باكرة، وانقطاع الدورة الطمثية في سن متأخرة، والحمل في سن متأخرة وزيادة الوزن.
تعد الدورة الطمثية المبكرة من عوامل الخطورة في حدوث سرطان الثدي، وقد أظهرت عدة دراسات مقارنة تناقصاً بنسبة 20% في معدل حدوث سرطان الثدي في كل سنة تأخير في حدوث الدورة الطمثية، كما أن نسبة سرطان الثدي تتضاعف إذا انتظمت الدورة الطمثية خلال سنة واحدة من أول طمث مقارنة بالزمرة نفسها من النساء اللواتي يعانين دورة طمثية غير منتظمة خلال السنوات الخمس التي تلي بدء الدورة، فعدم انتظام الدورة الطمثية بعد بدئها يعدّ عامل حماية إلى حد ما من حدوث سرطان الثدي.
تتعرض الفتيات بعمر 12 سنة مع دورة طمثية منتظمة للإصابة بسرطان الثدي يوماً ما أكثر بأربع مرات من اللواتي بعمر 13 سنة أو أكثر مع دورة طمثية غير منتظمة. كما تظهر الدراسات أن بنات النساء المصابات بسرطان الثدي هن أكثر عرضة للإصابة بسرطان الثدي من غيرهن مع ملاحظة وجود مستويات عالية من الإستروجين في الدم أعلى بكثير من الشاهد control.
تسهم ممارسة النشاط الجسماني أو الرياضي - كما في راقصات الباليه أو السباحات - إلى حد ما في تأخير بدء الدورة الطمثية بنحو سنتين مقارنة بالفتيات اللواتي لا يمارسن نشاطاً مشابهاً، كما يقلل هذا النشاط من نمو غدة الثدي إذ تكون الأثداء صغيرة الحجم عند الراقصات وربما أسهم كل ذلك - بما يمثله من إنقاص الحِمل الهرموني - بتقليل نسبة الإصابة بسرطان الثدي في هذه الفئة من الفتيات.
وهناك علاقة بين الوزن ومعدل حدوث سرطان الثدي إذ إن كل عشرة كيلو غرامات زائدة بعد سن اليأس ترفع معدل الإصابة بسرطان الثدي بنسبة 8%.
2- سرطان المبيض: يختلف سرطان المبيض عن باقي السرطانات المحرضة هرمونياً بأن الهرمون المتدخل فيه هو موجهة القند gonadotropin hormoneالذي يؤثر مباشرة في الخلايا البشروية في المبيض مؤدياً إلى حدوث انقسامات عشوائية، إذ يعتقد أن الخلايا البشروية على سطح المبيض أو الخلايا القابعة داخل الجريب في طور التطور هي مصدر الخلايا القابلة للتحول ورمياً.
يقي إنجاب الأولاد من تطور سرطان المبيض بنسبة 50% مقارنة مع أولئك اللواتي لا ينجبن، وكل حمل بعد الحمل الأول يعدّ عامل وقاية إضافياً. فمن عوامل الخطورة في سرطانات المبيض إذاً ازدياد عدد مرات الإباضة وهذا ما يوافق سن اليأس المتأخرة، ومن عوامل الوقاية الإنجاب واستعمال مانعات الحمل الفموية.
3- سرطان الموثة: أصبح سرطان الموثة السرطان الأكثر تشخيصاً عند الرجال في الولايات المتحدة الأمريكية متفوقاً على سرطان الرئة بنسبة ضئيلة حيث تم تشخيص 240000 حالة في عام 1995 فقط. من أهم عوامل الخطورة العمر، فسرطان الموثة نادر جداً قبل سن الأربعين فيما يزداد معدل الحدوث على نحو كبير مع تقدم العمر متفوقاً بذلك على أي نوع من أنواع السرطانات الأخرى.
يجول نحو 2% من الهرمون الذكري وهو التيستوستيرون غير المرتبط بالبروتينات في الدم ليصل إلى غدة الموثة حيث يتحول إلى دي هيدروكسي تيستوستيرون الذي يرتبط بالمستقبلات الخاصة به بصفته عامل نمو وبالتالي تنتقل الإشارة الناجمة عنه إلى داخل النواة لتجد عامل الانتساخ الذي يقوم بتفسيرها هناك.
أثبت Noble عند الفئران تطور سرطانة الموثة الغدية بعد حقن الفئران بالتيستوستيرون الخارجي مما يشير إلى العلاقة المباشرة بين نسب هذا الهرمون الذكري وتطور السرطانة الغدية في الموثة، كما أثبتت الدراسات وجود مستويات عالية من التيستوستيرون في المصابين بسرطان الموثة مقارنة بالأشخاص الأصحاء من الفئة العمرية نفسها.
ماهر سلمون