لمحة تاريخية:
في الكتابات المصرية القديمة التي تعود إلى سنة 1550 قبل الميلاد ما يدل على وجود مرض يتميز بكثرة التبول والهزال، كما وصف أبقراط السكري في القرن الخامس قبل الميلاد. وصف المرض أيضاً العالم المسلم ابن سينا، وأكد الطبيب البريطاني «ويلبس» قبل نحو خمسة قرون أن بول السكري حلو المذاق كأنه مخلوط بالعسل أو السكر، ولم يعرف وجود الغلوكوز في الدم قبل أواخر القرن الثامن عشر، وتبين أنه يُطرح مع بول السكريين، ولم تحدد الرابطة بين المعثكلة والسكري إلا في عام 1891، وبعد نحو ثلاثين سنة تمكن الطبيب فريدريك بانتينجBanting بالتعاون مع طالب الطب شارلز بيست Best في جامعة تورنتو بكندا من عزل مادة من جزر لنغرهانس سماها الإنسولين عام 1921، وأثبتا في وقت قصير أن إعطاء هذا المستخلص للكلاب منزوعة المعثكلة يؤدي إلى »السيطرة« على الداء.
تعريف الداء السكري الطفلي:
الداء السكري الطفلي هو أكثر مرض هرموني استقلابي شيوعاً في الطفولة، يتصف بارتفاع سكّر الدم والبيلة السكرية بسبب نقص الإنسولين نقصاً نسبياً أو مطلقاً، أو بسبب خلل عمله في الخلايا (العضلية والشحمية والكبدية)، مما يؤدي إلى اضطراب في كل عناصر الطاقة من سكريات وبروتين ودسم، لتنجم عنه مع الوقت عواقب مهمة جداً في النمو الجسمي والتطور العاطفي تتطلب تغيير نمط الحياة والحمية تغييراً جذرياً. وتتعلق المراضةmorbidity والوفيات mortality فيه بالاضطرابات الاستقلابية والتغيرات الوعائية بعيدة المدى التي تنال الأوعية الصغيرة والكبيرة، وعلى هذا يعد السكري سابع مرض مسبب لوفاة الأطفال في العالم الثالث (بعد الأخماج وآفات القلب الولادية والخباثات والحوادث والأمراض التنفسية والتشوهات الخلقية)، ويعد السبب الأكثر شيوعاً للعمى في الأطفال والكبار، فيما يعد في العالم المتقدم ثالث الأمراض المزمنة شيوعاً بعد الربو والشلل الدماغي.
يشخص السكري إذا تجاوز سكر الدم على الريق 126ملغ% أو تجاوز 200ملغ% بعد ساعتين من الطعام، وفي مناسبتين مختلفتين، ويعد الشخص غير متحمل للسكر إذا كان سكر الدم على الريق بين 110-125ملغ% أو كان سكر الدم بعد ساعتين من الطعام بين 140-200 ملغ% (الجدول1). وقد يرتفع سكر الدم مؤقتاً في الشدّة وبعض الأمراض، ويكون خطر حدوث الداء السكري في هذه الحالات أقل من 5%، فيما قد يرتفع سكر الدم أحياناً بلا مسوغ وظيفي أو شدّة، ويمكن أن يتطور هذا إلى الداء السكري في 30% من هؤلاء على الأقلّ.
تصنيف السكري:
1- النمط الأول (المعتمد على الإنسولين)Type 1 (Insulin Dependent) T1DM: وهو أكثر شيوعاً في الأطفال، ينجم عن تحطّم الجزر المعثكلية المفرزة للإنسولين (خلايا بيتا لنغرهانس) بآلية مناعية ذاتية، ويعاني المصابون به من غياب الإنسولين المطلق، ولذلك فإنهم يحتاجون إليه في علاجهم مدى الحياة، ولهذا النمطعدة أنواع:
أ- النمط العابر في الوليد: يظهر بعد الولادة مباشرة ويستمر من شهر إلى ثلاثة أشهر، ولا يعود بعدها، فيما يوجد نمط عابر قد يعاود بعد 7-20 سنة.
ب- النمط الدائم في الوليد: ينجم عن عيوب معثكلية مختلفة.
ج- النمط الوصفي (المدرسي): وفيه يرتفع سكر الدم وتحدث البيلة السكرية والخلونية، بوجود أضداد خلايا جزر لنغرهانس منها أضداد نازعة كربوكسيل حمض الغلوتاميglutamic acid decarboxylase، ووجود مركبّة مورثية.
2- النمط الثاني (غير المعتمد على الإنسولين) T2DM: وهو أقلّ شيوعاً في الأطفال، وينجم عن نقص الإنسولين نقصاً نسبياً بسبب مقاومة النسج له ولاسيما في البدينين. إن مرضى هذا النمط غير معتمدين على الإنسولين، لكنهم قد يحتاجون إليه من أجل ضبط السكر. ولهذا النمط عدّة فئات:
أ- التالي لأمراض مختلفة مثل: داء تليف المعثكلة الكيسي، أو داء ترسب الأصبغة الدموية hemochromatosis، أو الأدوية مثل (ل. أسباراجيناز).
ب- النمط الكهلي الوصفي (المدرسي): ويترافق والبدانة ومقاومة الإنسولين والعوامل الوراثية.
ج- سكري الشباب: الذي يبدأ في سن النضج وهو وراثي جسمي قاهر، يبدأ قبل الخامسة والعشرين، ولا يترافق والبدانة ولا عوامل المناعة الذاتية.
د- السكري المتقدّري: وهو يترافق والصمم وعيوب عصبية أخرى.
3- سكري الحمل GDM: وفيه يرتفع سكر الدم ويضطرب تحمل السكر خلال الحمل فحسب، ويعود إلى الحد الطبيعي بعد الولادة، وإن كان يحمل نذر الإصابة بالداء السكري مستقبلاً.
النمط الأول: الداء السكري المعتمد على الإنسولين:
الإمراض:
ينجم هذا الداء عن تحطم خلايا بيتا لنغرهانس المنتجة للإنسولين بآلية مناعية ذاتية تطلقها المورثات المؤهبة للمرض، وعوامل بيئية غير محدّدة. وللمواد الكيميائية مثل مركبات النترات المستخلصة من الخضر واللحوم شأن في إحداث الداء، كما أن للڤيروسات شأناً مثيراً للجدل مثل ڤيروس كوكساكي ب coxsackievirus B، والڤيروس المضخم للخلايا (CMV) cytomegalovirus، وڤيروس الحميراءrubella virus. والڤيروسات وإن كانت تؤثر في الخلايا بيتا، إلا أن الحميراء الولادية هي الوحيدة التي تترافق والداء السكري في المستقبل، إذ يصاب 10-12% من المصابين بها بالنمط الأول من السكري، فيما يرى خلل تحمل السكر في 40% منهم، والآليات المحتملة لحدوثها هي تخريب الڤيروسات لخلايا بيتا لنغرهانس مباشرة، أو عبر التفاعل المتصالب، أو تفعيل متعدد النسائل للمفاويات البائية، فيما يعتقد أنّ هذا النمط من السكري مرضٌ تتواسطه في البدء اللمفاويات التائية.
ترى أضداد الخلايا المعثكلية في الدم قبل بدء اضطرابها الوظيفي بعدة أشهر إلى عشر سنوات، ويشير هذا غالباً إلى أن عمليّة التحطيم مستمرة، ويمكن كشف عدد من أضداد خلايا بيتا منها أضداد الهيولى ICA، وأضداد الإنسولين IAA، وأضداد فوسفاتاز التيروزين IA-2 وأضداد نازعة كربوكسيل حمض الغلوتامي.
الوبائيات:
الداء السكري من النمط الأوّل هو اليوم أكثر الأمراض الغدية الصماوية شيوعاً في الأطفال، إذ يصيب 1/300-500 طفل دون الثامنة عشرة، علماً أن المرض لم يكن شائعاً في النصف الأول من القرن العشرين، لكنه ازداد كثيراً في الخمسين سنة الماضية، ويقدر معدل الزيادة السنوية بـ 3-4% أو أكثر في بعض المناطق، ويتوقع أن يكون عدد الحالات عام 2010 أكثر بنسبة 40% عما كان عليه عام 1997.
متوسط عمر الطفل حين ظهور المرض: 7-15 سنة وللشدة الاجتماعية والعاطفية شأن في إظهار الداء، لذلك ترى لسن الإصابة ذروتان: الأولى في سن المدرسة 5-7 سنوات (حين تكثر الأخماج والشدات)، والثانية حول البلوغ (حين تزداد الستيروئيدات وهرمونات النمو) ويرى هنا ظهور الداء في الإناث أبكر من ظهوره في الذكور، ولذلك سبب مورثي مرتبط بالإستروجين، أو بالمورثة المنظمة للإستروجين، ولهذا يُسرع البلوغ في إظهار الداء السكري في الإناث المستعدات. وتزيد الإصابات في السنتين الأولى والثانية من العمر، وهي مع ذلك قد تظهر في أي عمر ولاسيما في الخريف والشتاء.
تختلف نسبة الحدوث السنوية في العالم بين 30/100.000 (في اسكندنافيا)، و1/100.000(في اليابان)، و15/100.000 (في الولايات المتحدة). وللعوامل الوراثية شأن في الاستعداد لهذا الداء، مع أن الوراثة فيه معقّدة ومتعدّدة المورثات، فخطر إصابة إخوة المصابين بالداء السكري أو أبنائهم هي بحدود 3-6%، ويرتفع الخطر عند التوءم الحقيقي إلى 30-50%، وأكبر عامل استعداد هو وجود المستضدات النسيجيةHLA على الصبغي السادس. وعدا العوامل الوراثية المؤهبة لحدوث الداء تشترك العوامل البيئية في إحداثه، الأمر الذي، يفسر ازدياد حدوث الداء في العقود الأخيرة.
التظاهرات السريرية:
يمر الداء السكري الأول بأربع مراحل هي: قبل السريرية أو اللاعرضية تتحطم فيه خلايا بيتا ويقل الإنسولين، ثم العرضية، ثم فترة الهجوع (أو شهر العسل)، وأخيرا المرض بمضاعفاته الحادة والمزمنة.
أما التظاهرات السريرية فهي في البدء لا نوعية، وأهم ما فيها حالة البوال غير المتناسب مع درجة التجفاف ونقص الوزن:
- وارتفاع سكر الدم hyperglycemiaعقب الطعام هو أوّل تظاهرة للداء السكري، بعد نضوب الإنسولين وعجزه عن السيطرة على سكر الدم وتثبيط اصطناع السكر في الكبد، ويحدث بعدئذٍ ارتفاع سكر الدم على الريق.
- وفي مرحلة تالية لنضوب الإنسولين يحدث الحماض الخلوني السكري diabetic ketoacidosis (DKA))، ذلك أن استمرار استحداث neogenesis السكر، وانحلال الغليكوجين، وأكسدة الحموض الدسمة تسهم في ارتفاع سكر الدم وتشكيل الأجسام الخلونية وهي: بيتا هيدروكسي حمض الزبدBHBA، وحمض الخل الخلوني، والخلون، وينجم عن ذلك زيادة استقلاب البروتين في مخازنه العضلية، واستقلاب الدسم في النسج الشحمية، لتكون ركائز لاستحداث السكر وأكسدة الحموض الدسمة.
- تحدث البيلة السكّرية glycosuria حين يتجاوز سكر الدم العتبة الكلوية لإعادة امتصاص الغلوكوز (وهي بحدود 180ملغ%)، وينجم عنها إدرار حلوليpolyuria يسحب معه شوارد الصوديوم والبوتاسيوم وغيرها بقوة، ليؤدي إلى التجفاف. يكون البوال متقطعاً في البداية أو ليلياً، وحينما يصبح ارتفاع سكر الدم مزمناً يصبح الإدرار مستمراً، مع سلس بولي ليلي مستمر.
- يحدث السُّهاف polydipsia (العطش الشديد) كمحاولة من المريض لتعويض ضياع السوائل الزائد في البول.
- يزداد النهم hyperphagia لتعويض السكريات الضائعة، ومع ذلك ينقص الوزن في النهاية بسبب حالة الهدم المستمرة ونقص الحريرات عبر بيلة السكر والخلّون. إن طفلاً سكرياً في السنة العاشرة يفقد يومياً نحو 5 ليترات من الماء و250غ من السكريات (1000 حريرة)، وهو يعادل 50% من حاجته اليومية من السكريات.
وهكذا تظهر الأعراض الوصفية للسكري من النمط الأول، وهي: (البوال والسُهاف والنهم ونقص الوزن).
الحُماض الخلّوني السكّري:
يرى الحماض الخلوني السكري في 20-40% من المرضى المصابين بالسكري حين تشخيصه للمرة الأولى، وهو الحصيلة النهائية للحالة الاستقلابية المختلة نتيجة وصول الإنسولين إلى حده الأدنى أو غيابه قبل تشخيص المرض المبكر، أو إذا أوقف الإنسولين في المرضى المعالجين به، أو حين حدوث أمراض مفاجئة ترفع هرمونات الكرب (الغلوكاغون، والكورتيزول، والكاتيكولامينات) تلك التي تزيد الحاجة إلى الإنسولين، فتتراكم الحموض الخلونية.
يحدث الحماض الخلوني سريعاً في صغار الأطفال، إذ يتطور خلال أسابيع، فيما يكون حدوثه أبطأ في البالغين ليتطور خلال أشهر، ويشخص الحماض الخلوني بارتفاع سكر الدم مع:
1- هبوط حموضة الدم pH دون 7.25.
2- هبوط بيكربونات الصوديوم دون 15مك/ل.
3- وجود الأجسام الخلونية (الخلون وحمض الخل الخلي) في المصل أو البول.
4- سواء مستوى حمض اللبن (اللاكتات دون 7).
هذا ويصنف الحماض بحسب شدته إلى خفيف ومتوسط وشديد (الجدول 2):
الآلية الإمراضية:
حين ينقص الإنسولين تزداد أكسدة الحموض الدسمة الحرة FFA في الكبد إلى أجسام خلونية، واثنان من هذه الأجسام هي حموض عضوية ينجم عن زيادتها حماض استقلابي مع ارتفاع الفجوة الشارديةanion gap، كما يسهم في الحماض ارتفاع حمض اللبن الناجم عن التجفاف ونقص التروية النسيجية. يسبب فرط سكر الدم إدراراً حلولياً يعوض بالشرب، وحينما تسوء الحالة يعجز المرضى عن تعويض الكميات الكبيرة فيحدث التجفاف، ويسيئ القياء إلى مجمل الأمر بسبب زيادة الحماض وزيادة ضياع السوائل غير المحسوس عبر فرط التهوية. يضطرب ميزان الشوارد بسبب الحماض وضياع قسم كبير من الشوارد (ولاسيما البوتاسيوم والصوديوم) في البول، فحينما تتراكم شوارد الهدروجين في الدم (حالة الحماض) تدخل إلى الخلايا فيخرج البوتاسيوم إلى المصل ليرتفع في بدء الحماض ويطرح في البول، ثم ينخفض في زمن تالٍ يُصلح فيه الحماض. كما أن التجفاف ونقص التروية الكلوية يُفعِّل منظومة (الرنين أنجيوتنسين ألدوستيرون) مما يزيد في ضياع البوتاسيوم، وبحسب مدة الحماض يكون مستوى البوتاسيوم المصلي عالياً أو طبيعياً أو منخفضاً، غير أنّه ناضبٌ في الخلايا، ونقصه في المصل نذير سوء يدل على نضوبه الخلوي، كما أن نضوب الفوسفات قد يحدث نتيجة زيادة طرحها الكلوي في مبادلة شوارد الهدروجين العالية.
ونضوب الصوديوم شائع في الحماض الخلوني، بسبب ضياعه في البول عبر الإدرار الحلولي، وضياعه بالقيء.
أعراض الحماض الخلوني:
هي البوال والسُهاف والألم البطني والغثيان والقياء، وقد يشبه الألم البطني البطنَ الحادّ. يشير البوال (وبغض النظر عن حالة التجفاف) إلى الإدرار الحلولي، وهو يميز مرضى الحماض الخلوني من مرضى التهاب المعدة والأمعاء وباقي الاضطرابات الهضمية.
تحدث زلّة تنفسيّة مع تنفس عميق وسريع (كوسماول Kussmaul) بسبب المعاوضة التنفسية للحماض، وتشم رائحة الفواكه في النفس (وهي رائحة الخلّون).
قد يتطبّل البطن بسبب خذل الأمعاء، كما قد تتأثر الحالة العقلية بدءاً من فقدان التوجّه حتّى السبات، أما الحمّى فقليلة الحدوث، ويجب أن توجّه إن وجدت نحو التفتيش عن الخمج.
الموجودات المخبرية:
يرتفع سكر الدم من 200ملغ% إلى أكثر من 1000ملغ%، وتنخفض حموضة الدم pHدون 7.25 ويهبط بيكربونات الصوديوم دون 15مك/ل، أما مستوى الصوديوم المصلي فقد يكون عالياً أو طبيعياً أو منخفضاً تبعاً لحالة التجفاف وحالة الكلية وشرب السوائل، وقد يكون مستوى الصوديوم المنخفض خادعاً بسبب فرط سكر الدم، وكذا فرط شحوم الدم.
ترتفع اليوريا وآزوت اليوريا الدموية BUNبسبب القصور الكلوي الناجم عن التجفاف، وترتفع الكريات البيض، وقد تنحرف الصيغة إلى اليسار من دون خمج إلاّ في وجود الحمى، وحينئذ نتوجه نحو استقصاء الخمج.
علاج الحماض الخلوني السكري:
يحتاج إلى حكمة وخبرة في تعويض السوائل والشوارد (تجفاف نحو 8.5%) وخفض السكر بالإنسولين وتصحيح الحماض، فإذا زيدت السوائل أو أعطيت بسرعة حدثت مضاعفات خطرة أهمها وذمة الدماغ التي قد تؤدي إلى الفتق الدماغي، ولهذا يجب علاج الأطفال المصابين في المستشفى، أما الأطفال دون السنتين فيفضّل قبولهم في العناية المشدّدة إذا كان الحماض شديداً (pH دون 7.1)، وتجرى على الفور الفحوص التالية: سكر الدم والشوارد بما فيها الكلس والفسفور والمغنزيوم والكرياتنين وغازات الدم، والأجسام الخلونية في الدم، وتعداد الكريات الشامل، وفحص البول من أجل السكر والخلون. بعدها يفحص سكر الدم كل ساعة، والشوارد وغازات الدم كل ساعتين، والكلسيوم والفسفور كل أربع ساعات، كما يستقصى الخمج حين الشك بوجوده.
يؤمن خطان للسوائل (في وريد واحد) الأول: للإنسولين، والثاني: للسوائل، كي تصلح الاضطرابات في الوقت نفسه.
1- علاج التجفاف: استخدمت خطة ميلووكي Milwaukee protocol على مدى العقدين السابقين من دون مشاكل تذكر، وهي أن يُحسب مقدار التجفاف بحدود 85 مل/كغ، حيث يصلح الحماض المعتدل خلال 10-20 ساعة، فيما يحتاج الحماض الشديد إلى 30-36 ساعة:
- الساعة الأولى: محلول ملحي فيزيولوجي 0.9% (أو محلول رنجر لاكتات) 10-20 مل/كغ. يمكن إعادة ذلك إذا كان ضرورياً، على أن يراقب ميزان السوائل الداخلة والخارجة (عبر القيء أو البول)، وأن يكون المانيتول جاهزاً ويعطى بمقدار 1 غ/كغ بالوريد حين حدوث أعراض وذمة الدماغ.
- الساعة الثانية: محلول ملحي نصف فيزيولوجي 0.45% 20 مل/كغ، مع كلور البوتاسيوم 20 مك/لتر (إذا درّ البول).
- الساعة الثالثة - حتى التحسن: محلول ملحي نصف فيزيولوجي 10 مل/كغ/الساعة، مع كلور البوتاسيوم 40مك/ل (يعطى مع فوسفات البوتاسيوم مناصفةً إذا أمكن).
- بعد تحسن الحماض وغياب القياء: الحاجة اليومية من السوائل مع كلور البوتاسيوم 40 مك/ل.
ملاحظات:
- الغاية من إعطاء أدوية الساعتين الأولى والثانية ملء السرير الوعائي وتأمين تروية الكلية ومن ثم الإدرار، مما يعزز تخفيض سكر الدم، وحين يصل السكر إلى ما دون 180ملغ% يتوقف الإدرار الحلولي، ويتحسن مستوى الإماهة.
- حين ينخفض سكر الدم دون 250 ملغ% (14 ممول/ل) يضاف الدكستروز 10% إلى السوائل منعاً لهبوط السكر (فيصبح التركيز الكلي للسكر 5%)، وإن حدث هبوط سكر حادّ يعطى دكستروز 25% بمقدار 1-2 مل/كغ.
- لا يعطى كلور البوتاسيوم قبل إدرار البول، ويخطط القلب إن أحوج، ولا يعطى بسرعة تزيد على 0.5 مك/كغ/ساعة، لكن يمكن إعطاء 0.5-1 مك/كغ بوتاسيوم عن طريق الفم إن أمكن، أو يضاعف البوتاسيوم حتى 80 مك/لتر إذا كان مقدار البوتاسيوم المصلي دون 3 مك/ل.
- قد يسبب إعطاء الفوسفات نقص الكلس ولهذا يجب مراقبته.
- إذا وجد زرام (انقطاع البول anuria) تعامل الحالة على أنها قصور كلوي حادّ، ويلاحظ أنّ سكر الدم العالي يظهر قصوراً كلوياً أكثر منه نضوباً في الإنسولين.
- وعلى الرغم من الضياع الشديد للصوديوم فإنّ ضياع الماء أكثر منه، وحين حدوث تجفاف مفرط التوتّر (أو الصوديوم) يعطى 50-70% من السوائل خشية وذمة الدماغ.
- ومن المهم أن يذكر أن الصوديوم المصلي الحقيقي أعلى من النتيجة المخبرية المعطاة، بسبب التأثير الممدّد للسكر (نقص صوديوم اصطناعي)، ويمكن تصحيحه على النحو التالي:
بإضافة 1 مك إلى قيمة الصوديوم مقابل كل 60 مغ سكر فوق 100 مغ%.
فلو كان سكر الدم 520 مغ% والصوديوم 140 مك فإن الصوديوم الحقيقي هو:
(520 - 100) - 60 + 140= 147.
2- علاج الحماض: ليس من الضروري إعطاء بيكربونات الصوديوم دائماً، إذ إن الحماض يتطور ببطء ويصبح محتملاً، كما أن تصحيح التجفاف يصحح الحماض، وكذا إعطاء الإنسولين الذي يخفض الغلوكاغون ومن ثم تأثيره في الكبد في إطلاق الحموض الدسمة وتحطيم البروتين، ويعزز دخول السكر إلى الخلايا.
- الحموضة < 7.2 لا تعطى البيكربونات.
- الحموضة 7.1- 7.2 تعطى البيكربونات بمقدار 40 مك/م2 ببطء خلال ساعتين.
- الحموضة > 7.1 يعطى 80 مك/م2 خلال ساعتين.
يصحح الحماض إذا وجدت أعراض فرط البوتاسيوم- الذي يهبط عند تصحيح التجفاف والحماض- إذ يعود إلى الخلايا. ومن المهم أن تعطى البيكربونات ببطء لأن إعطاءها السريع يسبب اضطراب نظم القلب ووذمة الدماغ، وهي غير متوافقة مع الإنسولين ولهذا تعطى في خط منفصل. إن إعطاء البيكربونات السريع يزيد حماض الدماغ بسبب وفرة CO2 الذي يعبر الحاجز الدموي الدماغي بسهولة، كما يؤدي إلى نقص أكسجة النسج، وهنا ينبه إلى إشباع الأكسجين PO2 الذي إذا كان قليلاً يجب التفكير بذات رئة أو بقصور قلب احتقاني أو وذمة رئة.
3- تعويض الإنسولين: يعطى الإنسولين في خط منفصل، ويحضر بإضافة 50 وحدة من الإنسولين السريع إلى 500 مل من المحلول الملحي الفيزيولوجي:
- يسرب 0.05- 0.1 وحدة/كغ/ساعة تنقيطاً وريدياً في الساعة الأولى، يجب أن يهبط سكر الدم 80-100ملغ% خلال ساعة، فإن هبط أقل من 50 ملغ% في الساعة: يعطى 0.2 وحدة/كغ/ساعة. ويجب التذكير أن الإنسولين لا يدفع بالوريد دفعاً لأن نصف عمره أقل من 5 دقائق، كما يؤدي إلى مزيد من نقص السكر والبوتاسيوم.
- يخفض مقدار الإنسولين إلى 0.02-0.05 وحدة/كغ/ساعة إذا هبط السكر دون 150ملغ% على الرغم من إعطاء السكر بالوريد، وهذا المقدار كافٍ من أجل عودة الحموض الدسمة إلى الكبد وتوقف إنتاج الخلون.
- يعطى الإنسولين تحت الجلد 0.25 وحدة/كغ عندما تصبح الحموضة فوق 7.35 أو تتجاوز البيكربونات 16مك.
- يتابع تنقيط الإنسولين ساعة إلى ساعتين عقب الحقنة الأولى تحت الجلد.
- يوقف تسريب الغلوكوز حين يستطيع الطفل تناول وجباته جيداً.
- يعطى الإنسولين تحت الجلد (كل 6-8 ساعات) كلما ارتفع السكر < 250 ملغ، ويحافظ على السكر بين 80- 180ملغ%
- يبدأ بالمضادات الحيوية حين الشك بالخمج، وتجرى الفحوص المخبرية الضرورية.
مضاعفات الحماض الخلوني السكري:
- العصبية: وذمة الدماغ، وأذية الدماغ بنقص السكر، وخُثار دماغي أو احتشاء.
- القلبية: استرخاء العضلة القلبية، واضطراب النظم لفرط البوتاسيوم أونقصه والحماض.
- الكلوية: قصور كلوي حادّ بسبب نقص التروية والصدمة، ونخرة أنبوبية حادّة.
- استقلابية: نقص الكلس بعد العلاج بفوسفات البوتاسيوم، ونقص السكر.
- وذمة رئة.
- التهاب معثكلة.
- نقص تروية الأمعاء.
- وذمة محيطية خلال يوم أو يومين لارتفاع الهرمون المضاد للإدرار والألدوستيرون.
وذمة الدماغ: هي أخطر مضاعفة في الحماض السكري، لخطأ طبي غالباً، مع نسبة وفيات عالية (20-80%)، فيما يشفى 7-14% من دون أذية دماغية دائمة. تحدث في 1-5% من حالات الحماض السكري بسبب تراكم السوائل في الخلايا الدماغية بعد 6-12 ساعة من العلاج. إن حدوث حالة تحت سريرية شائع، غير أن تفاقم الحالة وانفتاق الدماغ يحدثان لأسباب غير واضحة تماماً، منها ارتفاع مقدار النيتروجين BUNفي البدء، وهبوط تركيز ثاني أكسيد الكربون، وفشل ارتفاع الصوديوم مع هبوط سكر الدم، والعلاج بالبيكربونات.
تبدأ الحالة بتغيّم الوعي وتراجع الإحساس، والصداع الشديد والقياء وتغير العلامات الحيوية (بطء القلب وارتفاع الضغط، وتوقف التنفس)، مع تغير الحدقة (توسّع أو عدم تساوٍ)، ووذمة حليمة العصب البصري، وقد يحدث الاختلاج.
يجب مراقبة حدوث هذه الحالة كي تعالج مع أول أعراضها بـ:
- الأكسجين.
- المانيتول 0.5-1غ/كغ خلال 5-10 دقائق، وقد تعاد خلال 2-4 ساعات إن أحوج.
- تحديد السوائل (إبطاء إعطائها).
- تنفس اصطناعي مع فرط تهوية.
- إذا حدثت اختلاجات يعطى الديازبام حتى مرتين ثم الفنتوئين خلال 20-30 دقيقة إن لم يتوقف الاختلاج.
السبات مفرط الحلولية غير الخلوني:
السبب الرئيس في السبات مفرط الحلولية غير الخلوني nonketotic hyperosmolar coma هو فرط سكر الدم (فوق 800 ملغ% غالباً) مع حماض غير خلوني وتجفاف شديد وتغيم الوعي حتى السبات، مع أعراض وعلامات عصبية أخرى مثل الصرع الكبير وفرط الحرارة والخَزَل النصفي hemiparesis وإيجابية منعكس بابنسكي، وتنفس سطحي بحماض حمض اللبن وقد يحدث تنفس كوسماول. تكون حلولية المصل 350 ميلي أوسمول/كغ أو أعلى. هذه الحالة أكثر حدوثاً في الكبار، مع وفيات عالية، وأقل مشاهدة في الأطفال الذين يغلب أن يكونوا مصابين بأذية عصبية سابقة، إذ يرتفع السكر باضطراد من دون أن تتفاعل آلية العطش لتخرب المركز المهادي المنظم للحلولية الذي يفقد حساسيته مع الحلولية العالية. وفي هذه الحالة لا تتشكل الأجسام الخلونية بسبب التأثير المثبط لفرط الحلولية، كما أن فرط كثافة الدم قد يؤدي إلى مضاعفات عصبية مثل الخثار الوريدي والشرياني الدماغي.
تعالج الحالة مثل التجفاف مفرط الصوديوم بإعطاء السوائل الناقصة ببطء خلال 12 ساعة، وتعوض بمحلول نصف ملحي (أو فيزيولوجي كامل)، ويعطى النصف الباقي خلال 24 ساعة، وحينما يصل السكر إلى 300 يضاف الدكستروز 5%، ويضاف البوتاسيوم بمقدار 20مك/ل خشية نقص البوتاسيوم، أما الإنسولين فيعطى في الساعة الثانية بمقدار نصف الكمية المعطاة في الحماض الخلوني.
العلاج بالإنسولين بعد إصلاح الحماض:
حين تستقر حال المريض ويصبح قادراً على تناول وجباته يبدأ بالإنسولين تحت الجلد قبل إيقاف التسريب الوريدي بنحو ساعة. إذا كان التشخيص معروفاً من قبل يعاد إلى الجرعات التي كان عليها، وإذا كان تشخيصه أوّل مرّة يعطى 0.7 وحدة/كغ/يوم إذا كان دون سن البلوغ، و1 وحدة/كغ/يوم بعد البلوغ على جرعتين ثلثاها في الصباح والثلث الباقي في المساء، ويمكن تحديد الجرعة على النحو التالي: يعاير سكر الدم كل 6 ساعات، ويعطى ربع وحدة إنسولين قصير المفعول/كغ حين يكون السكر < 250 ملغ%، وبعد 2-3 أيام يحسب متوسط الإنسولين المعطى في أثنائها ويعطى يومياًعلى جرعتين:
- في الصباح: ثلثا الجرعة (2/3 إنسولين متوسط المفعول و1/3 قصير المفعول) قبل الإفطار بنصف ساعة إذا كان الإنسولين قصير المفعول Regular أو قبل الإفطار مباشرة إذا كان سريع المفعول (Lispro or Aspart).
- في المساء: ثلث الجرعة الباقي (2/ا متوسط + 2/1 قصير) قبل العشاء بنصف ساعة أو مباشرة بحسب النوع.
تستمر مراقبة السكر كل 6 ساعات عدة أيام، وتضبط جرعة الإنسولين بناء على النتائج وعلى الحمية المناسبة للطفل، ويمكن زيادة الجرعات أو إنقاصها بحدود 10% وبيد طبيب خبير، تجنباً للتغيرات الحادّة، ويفضل معايرة سكر الدم الساعة 3 صباحاً لتجنب حدوث نقص السكر الليلي (ظاهرة سوموجي).
هناك خيارٌ آخر للتحول نحو الحقن تحت الجلد، بإعطاء إنسولين سريع (لسبرو أو أسبارت) قبل كل وجبة، وغلارجينglargine أو NPH قبل النوم، ويمكن أن تحوّل إلى جرعتين يومياً بخليط من النوعين حينما يستطيع المريض تناول وجباته كلها مع سكّر دم مستقر.
يعاير السكر قبل كل وجبة وقبل النوم وفي الساعة 2-3 صباحاً للسبب السابق ذكره، ومن المهم أن يبدأ المرضى والأهل تعلّم مبادئ العناية بالسكّري في أسرع وقت، ومن ذلك تعلّم قياس سكر الدم وإعطاء الإنسولين قبل الخروج من المستشفى، وكذلك معرفة أعراض نقص السكر وكيفية تدبيره، كما أن لترتيب الغذاء أهمية قصوى في هذا المرض، فالخدمات الغذائية جزء رئيس من الخدمات التي تقدم للمرضى، وكذا الرعاية النفسية الاجتماعية.
ولحسن الحظ فقد تطور الإنسولين وزادت سرعة امتصاصه بإبدال مواضع بعض الحموض الأمينية في تركيبه، ومن أمثلته الإنسولين فائق السرعة Lispro) أو (Aspart الذي يفيد في حالة نقص السكر عقب الطعام، لكن يجب خلطه مع إنسولين متوسط المدى أو طويل المدى بسبب قصر مدة تأثيره، أما الغلارجين glargine فيعد اليوم أفضل الأنواع مديدة التأثير وهو يحقن تحت الجلد، ويمتص ببطء شديد، وليس له ذروة، ويغطي زمناً يصل إلى 30 ساعة. ويبين (الجدول 3) أنواع الإنسولين وصفات كل نوع:
وقد أوقف استعمال أنواع الإنسولين طويلة الأمد القديمة مثل (لنت، ألترالنت) اليوم، بوجود الأنواع الجديدة الأجود.
فترة شهر العسل:
لا تتحطم كامل كتلة الخلايا المعثكلية بيتا في المرضى الجدد الذين لم يصابوا بالحماض الخلوني، ولهذا تستعيد الخلايا الباقية نشاطها في أثناء العلاج بالإنسولين، فتقلّ الحاجة إلى الإنسولين الخارجي ويستقر سكر الدم. تدعى هذه الظاهرة (فترة شهر العسل honeymoon period)، وتبدأ في الأسابيع الأولى من العلاج، وتستمر عدة أشهر حتى السنتين، وتكون الحاجة إلى الإنسولين بحدود 0.5 وحدة/كغ/يوم.
تدبير الداء السكري خارج المستشفى:
يحتاج مرضى السكري إلى عناية شاملة طبية وغذائية ونفسية اجتماعية، كما أن تدبير الداء أمرٌ تختلف بعض تفاصيله باختلاف حالة كل مريض وحالة عائلته مما يحتاج معه إلى فريق سكري مدرّب يشمل طبيب الأطفال المختص بالغدد، والممرض السكري المثقف صحياً، والتغذوي والاختصاصي الاجتماعي والنفسي.
الأهداف: تهدف المعالجة الحكيمة بالإنسولين إلى إزالة الأعراض ولاسيما التبول الليلي، والحفاظ على النمو الطبيعي، والوقاية من الحماض، ضمن تغير معقول في نمط الحياة، ويكون ذلك بضبط مقدار سكر الدم نحو المقدار الطبيعي، ومن ثمّ الوقاية من حدوث المضاعفات الوعائية باكراً (اعتلال الشبكية السكري، واعتلال الكلية، واعتلال الأعصاب)، على ألاّ يُغامر بحدوث هبوط السكر الشديد بسبب المعالجة المكثفة، ولاسيما في صغار الأطفال الذين يتأثر جهازهم العصبي غير الناضج بنقص السكر.
وعلى الرغم من أن المضاعفات تتبع مدة الإصابة هناك جدل حول قلة خطرها في مرحلة ما قبل البلوغ عمّا بعده، وعلى هذايختلف الهدف بحسب العمر:
- ففي الأطفال دون الخامسة يكون الهدف الحفاظ على السكر بين 100-200ملغ%.
- وفي أطفال المدرسة يكون الهدف الحفاظ على السكر بين 80-180ملغ%.
- وفي البالغين يكون الهدف الحفاظ على السكر بين 70-150ملغ%.
وتراعى الفروق الفردية كوجود قصة نقص سكر شديد، وقدرات المريض وعائلته.
طرائق الحقن:
1- يعطى أطفال المدرسة الإنسولين تحت الجلد على جرعتين مختلطتين (صباحية ومسائية)، ومن محاسن هذه الطريقة أنها لا تعطى وسط اليوم في أثناء الدوام، لكنها توجب التقيد بثلاث وجبات (إفطار، وغداء، وعشاء) مع وجبات صغيرة snacks بحسب الحاجة، وبحسب درجات النشاط.
2- الطريقة الثانية هي إعطاء حقن متعدّدة من الإنسولين السريع قبل كل وجبة مع إنسولين متوسط أو طويل المدى قبل النوم (مثل غلارجين)، وهذه الطريقة أكثر مرونة لكنها متعددة الوخز، ولهذا تستعمل في البالغين أكثر من الأطفال.
يحقن الإنسولين وحشي الذراعين أو في البطن على جانبي السرة وأسفلها أو على جانبي الفخذين وتحت جلد الأليتين، ويفضل أن يتم الحقن دورياً باستخدام القلم المحقنة لأنه أسهل استعمالاً وأدق. تحفظ زجاجة الإنسولين في الثلاجة (وليس في المجمدة) بحرارة من 2-8ْْ، على أن ترج قبل الإعطاء.
3- مضخة الإنسولين insulin pump:وهي تضخ الإنسولين سريع المفعول باستمرار تحت الجلد، تستعمل في الأطفال والبالغين الذين يتوقون إلى ضبط السكر بإحكام، فتدخل قيم السكر ومحتوى الوجبة من الكربوهيدرات (السكريات) في حاسوب المضخة، التي تضخ الإنسولين بعدئذٍ بالمقدار المناسب. ولهذا الضبط المحكم فوائده في منع هبوط السكر وفي الوقاية من المضاعفات، على أن يتقيد المريض بقواعد ضبط المرض، وإلا فإن المضخة تخفق في تحقيق الضبط، وتحتاج هذه الطريقة إلى عناية وتعقيم ودقة. وقد بينت الدراسات أن إعطاء جرعات متعددة من الغلارجين تعطي النتائج الاستقلابية ذاتها التي تعطيها المضخة.
4- الإنسولين إنشاقاً أو بالفم: هناك تجارب سريرية واعدة حول إعطاء الإنسولين إنشاقاً أو عن طريق الفم، ما زالت قيد الدراسة.
5- غرس (زرع) المعثكلة: وهو الأفضل بلا شك إذا نجح، مما حدا العلماء على التفكير بزرع خلايا بيتا لانغرهانس المفرزة للإنسولين، التي تؤخذ من الحيوانات وتضاف إليها المورثة البشرية المفرزة للإنسولين، وتحفظ في محافظ صغيرة تسمح بدخول السكر والإنسولين ولا تسمح بدخول الخلايا الدموية إليها ومن ثم لا يحدث رفضها، غير أن هذه الطريقة لم تنجح عملياً بعد.
قلم الإنسولين:
أهم ميزة لقلم الإنسولين هو سهولة استخدامه… فلا محاقن ولا صعوبة في تحديد الجرعات ولا ألم يذكر. كل المطلوب هو تحديد مقدار الجرعة ثم ضغط القلم ليحقن الإنسولين تحت الجلد بكل دقة…وبهذه الطريقة يمكن:
1- إعطاء جرعات صغيرة جداً من الإنسولين.
2- إعطاء الإنسولين أكثر من مرة في اليوم (3-4 مرات) وبحسب اللزوم، وبذلك يتقارب إعطاء الإنسولين من الآلية الطبيعية لإفرازه في الأشخاص الطبيعيين، فإذا اضطر الشخص مثلاً إلى تناول مزيد من الطعام في مناسبةٍ ما أمكنه أخذ كمية قليلة من الإنسولين تحت الجلد مباشرة.
3- الاستغناء عن الإبر والزجاجات ولاسيما في النشيطين اجتماعياً فيختفي المظهر المرضي المرافق للحقن، ويتحول إلى قلم سهل الاستعمال لا يلفت النظر، ويؤدي ذلك إلى تحسن نفسي.
4- التوفير؛ لأن الطريقة اقتصادية على المدى البعيد.
إن هذه الطريقة أفضل لإعطاء الإنسولين، سواء أكان ذلك في الأطفال الصغار (بمساعدة شخص بالغ) أم في الأطفال الكبار والشباب، إذ يحقنون الإنسولين بأنفسهم.
يحتاج المرضى - قبل سن البلوغ - الذين يراوح زمن إصابتهم بين السنة والسنتين إلى 0.5-1 وحدة/كغ/يوم، أما في البلوغ (حين يرتفع مستوى هرمون النمو المعاكس لعمل الإنسولين) فيحتاج المرضى إلى كميات أكبر بنسبة 40-50% أي 1-2 وحدة/كغ/يوم، وفي كل ذلك محاولة لتقليد عمل المعثكلة، وإن كانت هناك اختلافات لا يمكن تفاديها، فالإنسولين الذي تفرزه المعثكلة يذهب نصفه مباشرة عبر الدوران البابي إلى الكبد، المكان الأهم للتعامل مع السكر، كما يتوقف إفرازه حين هبوط السكر، فيما لا يحدث ذلك عند حقن الإنسولين، إذ تختلف درجة الامتصاص تبعاً لمكان الحقن ومدته، فقد يتليف مكان الحقن ويقل الامتصاص، وعلى هذا يجب إجراء الحقن في أماكن مختلفة.
التغذية:
تعد موازنة الغذاء مع جرعات الإنسولين من أهم الأمور في ضبط سكر الدم وتجنب ارتفاعه أو هبوطه، وينصح بالمكونات الغذائية التالية:
- السكريات (الكربوهيدرات) 50-60%
- البروتين 21-02 %
- الدسم أقل من 30%
على ألاّ تزيد الدسم المشبعة على 10% من كامل الحريرات، وألاّ يزيد مقدار الكولسترول على 300ملغ/يوم، كما ينصح بالحمية الغنية بالألياف.
ينصح الأطفال الذين يعطون مزيجاً من الإنسولين السريع والمتوسط التأثير بإعطاء ثلاث وجبات رئيسة وثلاث وجبات صغيرة بينها، يبقى مقدار الكربوهيدرات فيها ثابتاً، والغاية من هذا التوزيع توافق قمة تأثير الإنسولين مع أوج ارتفاع السكر، أما الذين يعطون حقناً متعددة أو عبر مضخة الإنسولين فتوقيت الوجبات ومقدار الفحمائيات فيهم أكثر مرونةً، إذ يعطون الحقنة قبل تناول الوجبة، ويضبط مقدار الإنسولين بعدها تبعاً لمقادير سكر الدم وحجم الجهد البدني المبذول.
قياس سكر الدم:
يعاير سكر الدم بجهاز فحص السكر المستقل الذي كثرت أنواعه اليوم، ويكون الفحص قبل الوجبات وحين النوم. يوجه هبوط السكر في الليل أو الاختلاف الكبير لسكر الدم الصباحي إلى إمكانية حدوث ظاهرة سوموجي إذ ينخفض السكر ليلاً بسبب الجرعة العالية من الإنسولين، مما يؤدي إلى استنفار هرمونات الشدة التي ترفع سكر الدم في الصباح، مما يظن معه أن جرعة الإنسولين الليلية قليلة، وحين تزداد الجرعة يرى أن السكر في الصباح عالٍ، فلا يكشف الأمر إلا إذا عوير السكر بين 2-3 صباحاً. هذا ويجب عيار الأجسام الخلونية في البول إذا ارتفع السكر فوق 300ملغ%.
ضبط السكر على المدى الطويل:
وذلك بعيار الخضاب الغلوكوزي Hb A1cالذي يعكس ضبط السكر خلال ثلاثة الأشهر الفائتة. يعاير الخضاب الغلوكوزي أربع مرات سنوياً، وتناقش نتائجه مع المريض بحسب (الجدول 4).
وعيب هذه الطريقة عدم دقتها في المصابين باعتلالات الخضاب (تلاسيميا، وفقر الدم المنجلي)، لذلك يعاير في هؤلاء الألبومين السكري glycosylated albumin أو الفركتوز أمين.
مضاعفات النمط الأول من السكري:
تحدث بعد مرور 3 إلى 5 سنوات على المرض مضاعفات متعددة في أعضاء مختلفة لذا يجب مراقبة المرضى السكريين بفحص العين سنوياً لكشف اعتلال الشبكية، وتحليل البول سنوياً لتحري البيلة الآحينية الدقيقة microalbuminuria؛ فوجودها المبكر ينذر باعتلال الكلية، وتعالج بمثبطات الإنزيم المحول للأنجيوتنسين ACEI الذي قد يوقف تقدم المرض الكلوي.
ويعاير الكولسترول سنوياً أيضاً مع تقييم ضغط الدم دورياً، فاكتشاف ارتفاعهما المبكر وعلاجهما يحد من مخاطر إصابة الشريان الإكليلي.
وقد تحدث اضطرابات أخرى: مثل التهاب الغدة الدرقية اللمفاوي المزمن الذي يمكن أن يؤدي إلى قصور الغدة الدرقية، وهو التهاب شائع، قد تكون أعراضه خفية، ولهذا تقيم وظائف الغدة الدرقية سنوياً. ومن المضاعفات كذلك الداء البطني celiac disease، وعوز الغلوبولين المناعي وداء أديسون، والقرحة الهضمية.
وقد ترى بعض المشاكل الخاصة مثل: نقص سكر الدم، وفرط سكر الدم في الصباح الباكر، والسكري القَصِف.
نقص سكر الدم:
يحدث نقص سكر الدم نتيجة خطأ علاجي المنشأ iatrogenic، والمرضى الذين يستخدمون العلاج التقليدي بالإنسولين ويكون ضبط السكري فيهم كافياً قد يتعرضون لأعراض نقص السكر الخفيفة بمعدل مرة واحدة في الأسبوع، أما المرضى الذين يتناولون العلاج المكثف فقد يتعرضون لنوبتين حادتين أسبوعياً. ونقص السكر الشديد قد يؤدي إلى نوبات صرع أو سبات تتطلب التدخل الإسعافي في 10-25% من هؤلاء المرضى.
ينقص السكر لزيادة نسبة الإنسولين التي قد تنجم عن تغيرات الجرعات وتوقيتها، أو تغير امتصاص الإنسولين، أو مقدار الكربوهيدرات المتناولة، أو تغيرات حساسية الإنسولين الناجمة عن ممارسة الرياضة، كما أن عيوب الآلية المنظمة للسكر تسهم أيضاً في هبوط سكر الدم، ومن ذلك عيوب استجابة هرمون الغلوكاغون لهبوط السكر التي تحدث في السنوات القليلة الأولى للمرض، وكذا عيوب إطلاق الأدرينالين التي تحدث بعد مدة أطول.
يتظاهر نقص السكر بأعراض الاعتلال العصبي بنقص السكرneuroglycopenia (الصداع، والتغيرات البصرية، والتخليط، والتهيج، والاختلاجات)، والأعراض الناجمة عن ارتفاع الكاتيكولامينات (الرعشة وتسرع القلب وفرط التعرق والقلق). تعالج الحالات الخفيفة بإعطاء سكر سريع الامتصاص عن طريق الفم (هلام أو أقراص السكر، أو عصير الفاكهة)، أما الحالات الشديدة التي تؤدي إلى نوبات فقدان الوعي فتعالج في المستشفى بإعطاء الغلوكاغون والسكر في الوريد.
هناك حالات متعددة يرتفع فيها سكر الدم في الصباح الباكر. السبب الأكثر شيوعاً هو عدم كفاية الجرعة المسائية من الإنسولين متوسط التأثير، ولكن ليست هذه هي الحال دائماً، فقد تعطى جرعة إنسولين مسائية عالية، فينقص السكر في الليل، لترتفع الهرمونات المعاكسة للإنسولين، ومن ثم يرتفع السكر في الصباح، وهي حالة تعرف باسم ظاهرة سوموغي Somogyi phenomenon، أو ارتفاع السكر الصباحي الارتدادي rebound hyperglycemia، وقد يعاني المرضى الذين ينقص السكر لديهم في الليل من الصداع حين الاستيقاظ، وفرط التعرقdiaphoresis، والكوابيس الليلية.
إذا أعطيت جرعة الإنسولين المتوسط مبكراً في المساء فإن مفعولها ينتهي في وقت مبكر ليرتفع سكر الدم في الصباح. ويرتفع السكر في حالة أخرى في المراهقين الذين يرتفع فيهم هرمون النمو في ساعات الصباح الباكر مما يرفع سكر الدم، وتدعى هذه ظاهرة الفجر dawn phenomenon، وللتمييز بين هذه الحالات لابد من عيار سكر الدم بين الساعة الثانية والثالثة صباحاً، فإذا وجد ناقصاً دل على ظاهرة سوموجي، ويكون الحل بإنقاص جرعة الإنسولين المسائية، أما باقي الحالات فتعدل بزيادة الجرعة أو بتنظيم الوقت.
السكري القَصِف :brittle diabetes
يطلق تعبير السكري القَصِف على حادثة ترى غالباً في فتاة سكرية بالغة يتموّج لديها سكر الدم تموجاً كبيراً بلا سبب واضح، كما يتكرر فيها الحماض الخلوني، وتأخذ جرعات عالية من الإنسولين. إن وجود خلل وظيفي موروث أمر نادر، لأن هؤلاء المرضى يستجيبون جيداً للإنسولين حينما يكونون في المستشفى، ولهذا يعزى تموج السكر إلى مشاكل نفسية اجتماعية تشمل اضطرابات تناول الطعام والمشاكل العائلية التي تؤثر في العلاج. تحتاج الحالة إلى دخول المستشفى من أجل ضبط الحالة وإجراء استشارات نفسية واجتماعية، وعلى هذا يجب على السريريين تجنب استخدام مصطلح السكري القَصِف بوصفه تعبيراً تشخيصياً.
النمط2: السكري غير المعتمد على الإنسولين:
الإمراض:
ينجم السكري من النمط الثاني non-insulin dependent (Type 2DM)عن بعض الآليات المرضية المختلفة، وأكثرها شيوعاً مقاومة الإنسولين المحيطية مع فشل المعثكلة في الحفاظ على آلية فرط الإنسولين المعاوضة، والعيوب الدقيقة الكامنة وراء حالة مقاومة الإنسولين وخلايا بيتا المعثكلية معقدة وغير مفهومة.
هناك أنماط أخرى من الداء مثل سكري الشباب الذي يبدأ مع النضج (MODY) ويضم مجموعة أشكال موروثة من مرض السكري المعتدل نسبياً، والذي لا أثر لمقاومة الإنسولين فيه، ولكن استجابة إفراز الإنسولين لفرط السكر غير كافية. يرى هذا الشكل في أطفال من عائلات يشيع فيها السكري، ويكون تحمل السكر إيجابياً، مما يوحي بالوراثة القاهرة. يمكن أن يرى الداء في الطفولة لعيوب وراثية نادرة في مورثات المتقدرات، وأندر من ذلك بسبب طفرات في مورثات مستقبلات الإنسولين، فتنشأ مقاومة شديدة للأشكال غير الطبيعية من الإنسولين.
الوبائيات:
ظُن في السابق أن النمط الثاني غير شائع في مرحلة الطفولة؛ غير أن انتشاره أصبح يلاحظ وبازدياد (أحياناً حتى عشرة أضعاف ما كان عليه في الماضي) بالتوازي مع زيادة معدل بدانة الأطفال، ليقدر اليوم بـ(30%) من حوادث السكري الطفلي، وهو أكثر في المجتمعات التي يشيع فيها الداء في الكبار، مثل مجتمع الهنود الحمر والأمريكيين من أصل إسباني أو إفريقي. ومن عوامل الخطر في حدوثه: البدانة والقصة العائلية للسكري ووجود مرض استقلابي.
المظاهر السريرية والتشخيص التفريقي:
النمط الثاني خفي البدء، وكثيراً ما يراجع المصاب بسبب البدانة والتعب، وتكشف البيلة السكرية عرضاً في فحص البول. يشخص الداء كما هو الحال في النمط الأول تماماً، من حيث الأعراض (بوال، وسهاف) وإن كانت أقل حدوثاً، وقيم سكر الدم، وقد يكون التمييز بين النمطين صعباً أحياناً، ويؤخذ في الحسبان المرضى البدينون والذين في سوابقهم العائلية إصابة بالسكري، وكذا أعراض المرض الاستقلابي، وغياب أضداد خلايا بيتا حين التشخيص والشواك الأسود. (الشواك الأسود acanthosis nigricans - تصبغات سود في مؤخرة العنق والثنيات - هو مظهر جلدي من مظاهر فرط الإنسولينية بسبب مقاومة الإنسولين).
أما الحماض الخلوني السكري فإنه وإن كان أكثر شيوعاً في النمط الأول، فهو يحدث في النمط الثاني بعد الإجهاد، ولذلك لا يعد عاملاً مميزاً على نحو مطلق، وتبقى استجابة إفراز الإنسولين والببتيد سي (طليعة الإنسولين) بعد تناول الكربوهيدرات هي المميزة.
العلاج:
النمط الثاني للداء السكري هو حصيلة حالة من مقاومة الإنسولين ونقص إفرازه، ويكون تدبير الحالات الخفيفة من ارتفاع سكر الدم غير العرضية بتعديل نمط الحياة بما في ذلك الحمية والرياضة، فقد تبين أن الرياضة تخفف مقاومة الإنسولين. وخافضات السكر الفموية هي خط العلاج الأول في معظم الأطفال في بداية المرض، وتشمل هذه الأدوية محرضات إفراز الإنسولين والمحسّسات للإنسولين، وأكثر الأدوية شيوعاً الميتفورمين metformin، أو أحد أفراد عائلة thiazolidinediones. وأهم الآثار الجانبية للمتفورمين وأندرها هو الحماض اللبني الذي يكثر في المرضى الذين يعانون من قصور كلوي، أما أكثرها شيوعاً فهو الاضطرابات المعدية المعوية. إذا حدثت بيلة خلونية أو حماض خلوني فالإنسولين حقناً هو العلاج في البداية، وحين استقرار الحالة في غضون أسابيع تحول المعالجة إلى الطريق الفموي.
قد يكون مسار النمط الثاني طويلاً قبل التشخيص، ولهذا يكون احتمال تشخيصه المبكر أكبر حين وجود قصة عائلية أو مرض استقلابي، وإعطاء محسّسات الإنسولين قد تؤخر تطور المرض أو تمنع حدوثه، وكما هي الحال عند الكبار فإن لتعديل نمط الحياة وتحسين عادات تناول الطعام وزيادة التمارين الرياضية آثارها البالغة في منع معدلات المراضة أو إقلالها.
خلل تحمّل السكر:
قد يظهر في بعض الأشخاص في مرحلة سابقة للداء السكري ما يدعى خلل تحمل السكر impaired glucose tolerance، يتجاوز فيها سكر الدم على الريق 99ملغ% ويكون بين 100-125ملغ%، وتظهر في هؤلاء المضاعفات الوعائية الصغيرة والكبيرة، مع أن كمية سكر الدم فيهم طبيعية في الحالة العادية، ويكون الخضاب السكري كذلك قريباً من الحدود الطبيعية، غير أن تعرضهم للشدة أو تناولهم مقادير عالية من السكر يرفع فيهم سكر الدم. يؤهب الحمل في النساء المصابات بخلل تحمل السكر لظهور الداء السكري في حين لايؤثر هذا الخلل في النساء غير الحوامل.
يترافق هذا الخلل على الأغلب وزيادة مقاومة الإنسولين (أو ما يدعى المتلازمة xأو المتلازمة الاستقلابية metabolic syndrome) وهي مؤلفة من: مقاومة الإنسولين، وفرط الإنسولين المعاوض، والبدانة (ولاسيما الحشوية أو البطنية)، وفرط شحوم الدم، وارتفاع الشحوم الثلاثية أو الليبوبروتين منخفض الكثافة أو كليهما، وفرط الضغط الشرياني، وعلى هذا تعد مؤهبة للنمط الثاني من الداء السكري.
الإنذار:
تشمل المضاعفات طويلة الأجل في السكري الطفلي الأوعية الدموية الصغيرة مثل: اعتلال الشبكية السكري، واعتلال الكلية، واعتلال الأعصاب، وكذا الأوعية الدموية الكبيرة مثل: الشرايين الإكليلية والدماغية مما يزيد من خطر نقص التروية القلبية، واحتشاء عضلة القلب، وموات الأطرافgangrene بسبب انسداد الشرايين، والسكتة الدماغية، وارتفاع الضغط، ولا يحدث تخرب الأعضاء قبل مرور 5 إلى 10 سنوات على الداء إلا نادرا، ولا تتظاهر أعراضها سريرياً قبل 10- 15 سنة.
يحدث اعتلال الشبكية السكري بدرجات مختلفة في كل المرضى تقريباً، وهو السبب فيما يقرب من 5000 حالة جديدة من حالات العمى في الولايات المتحدة سنوياً. أما اعتلال الكلية فيحدث في 30-40% من الحالات، ويقدر بنحو 30% من الحالات الجديدة للكبار الذين يعانون من المرحلة النهائية للمرض الكلوي، فيما يرى اعتلال الأعصاب في 30-40% من المرضى بعد البلوغ، ويتظاهر بأعراض حسية وحركية وعصبية ذاتية.
إن ضبط الداء بمراقبة السكر واستخدام حقن الإنسولين اليومية المتعددة أو مضخة الإنسولين يقلل إلى حد كبير من مضاعفات السكري، فهي تقلل مخاطر اعتلال الشبكية بنسبة 76%، ومخاطر البيلة البروتينية بنسبة 39%، ومخاطر اعتلال الأعصاب بنسبة 60%، ولهذه الفوائد شأنها في البالغين ولو نجم عن الضبط الشديد نقص سكر الدم، أما في المرضى الصغار فينصح بضبط أقل تشدداً، خشية مخاطر نقص السكر فيهم.
ينصح المرضى بتجنب الشدة النفسية والاضطراب العاطفي، وحماية الجلد من الخدوش والجروح والتلوث والعناية بالأسنان وقص الأظفار بشكل مستقيم كيلا تنغرس في اللحم، وبتجنب الرشح والزكام.
دعم عائلة الطفل السكري:
يؤدي تشخيص إصابة الطفل بالسكري إلى اضطراب أهله ويبدو الأمر وكأنه تهديد أمن العائلة واستقرارها وتغيير نمط حياتها، ويدعو إلى الخوف مما قد يلحق بالطفل من مشاكل، ولاسيما أن معلومات معظم الناس عن السكري أنه مرض يصيب الكبار فقط دون الصغار. على أن حالة الصدمة هذه سرعان ما تزول ويُقبل الأمر الواقع ليبدأ التعايش معه، كما يبدأ الأهل بطرح الأسئلة عن المرض وسيره وأخطاره وعقابيله مما يعينهم في تفهم المرض والطريقة التي يجب سلوكها لإعانة مريضهم على التعامل معه، ومن واجب الطبيب كسب هذه الفرصة لتثقيف الطفل المصاب وأهله بغاية ضبط أمرين: الطعام والإنسولين، وعلى الطبيب كذلك مراعاة الجانب النفسي للأهل وتحمل أسئلتهم والإجابة عنها الإجابات المناسبة.
وفي البلدان المتقدمة يشترك مع الطبيب المعالج مختصون اجتماعيون ونفسيون واختصاصيون بالحميات، كما يُجمع الطفل المصاب وأهله بأطفال آخرين مصابين وأهاليهم ليشعر الطفل أن هناك الكثيرين مثله يعيشون عيشة طبيعية وليتبادل الأهل الخبرات في طريقة التعامل مع أطفالهم، ويعَّرف المشرفون على الطلاب في المدارس بطرق حماية هؤلاء الأطفال المصابين إذا بدت عليهم أعراض زيادة كمية السكر في الدم أو نقصها، ويوضع لهذه الغاية للأطفال سوار أو قلادة عليها كل الإرشادات الضرورية للتصرف في حالات نقص وعي الطفل.
وفي مرحلة البلوغ قد يفكر المراهق بقطع العلاج من نفسه وهو أمر خطر جداً يجب تنبيه المراهقين له، كما يجب الانتباه أن إهمال العلاج يسرع حدوث المضاعفات ولاسيما إصابة شرايين الكلى والعيون.
غالب خلايلي
في الكتابات المصرية القديمة التي تعود إلى سنة 1550 قبل الميلاد ما يدل على وجود مرض يتميز بكثرة التبول والهزال، كما وصف أبقراط السكري في القرن الخامس قبل الميلاد. وصف المرض أيضاً العالم المسلم ابن سينا، وأكد الطبيب البريطاني «ويلبس» قبل نحو خمسة قرون أن بول السكري حلو المذاق كأنه مخلوط بالعسل أو السكر، ولم يعرف وجود الغلوكوز في الدم قبل أواخر القرن الثامن عشر، وتبين أنه يُطرح مع بول السكريين، ولم تحدد الرابطة بين المعثكلة والسكري إلا في عام 1891، وبعد نحو ثلاثين سنة تمكن الطبيب فريدريك بانتينجBanting بالتعاون مع طالب الطب شارلز بيست Best في جامعة تورنتو بكندا من عزل مادة من جزر لنغرهانس سماها الإنسولين عام 1921، وأثبتا في وقت قصير أن إعطاء هذا المستخلص للكلاب منزوعة المعثكلة يؤدي إلى »السيطرة« على الداء.
تعريف الداء السكري الطفلي:
الداء السكري الطفلي هو أكثر مرض هرموني استقلابي شيوعاً في الطفولة، يتصف بارتفاع سكّر الدم والبيلة السكرية بسبب نقص الإنسولين نقصاً نسبياً أو مطلقاً، أو بسبب خلل عمله في الخلايا (العضلية والشحمية والكبدية)، مما يؤدي إلى اضطراب في كل عناصر الطاقة من سكريات وبروتين ودسم، لتنجم عنه مع الوقت عواقب مهمة جداً في النمو الجسمي والتطور العاطفي تتطلب تغيير نمط الحياة والحمية تغييراً جذرياً. وتتعلق المراضةmorbidity والوفيات mortality فيه بالاضطرابات الاستقلابية والتغيرات الوعائية بعيدة المدى التي تنال الأوعية الصغيرة والكبيرة، وعلى هذا يعد السكري سابع مرض مسبب لوفاة الأطفال في العالم الثالث (بعد الأخماج وآفات القلب الولادية والخباثات والحوادث والأمراض التنفسية والتشوهات الخلقية)، ويعد السبب الأكثر شيوعاً للعمى في الأطفال والكبار، فيما يعد في العالم المتقدم ثالث الأمراض المزمنة شيوعاً بعد الربو والشلل الدماغي.
يشخص السكري إذا تجاوز سكر الدم على الريق 126ملغ% أو تجاوز 200ملغ% بعد ساعتين من الطعام، وفي مناسبتين مختلفتين، ويعد الشخص غير متحمل للسكر إذا كان سكر الدم على الريق بين 110-125ملغ% أو كان سكر الدم بعد ساعتين من الطعام بين 140-200 ملغ% (الجدول1). وقد يرتفع سكر الدم مؤقتاً في الشدّة وبعض الأمراض، ويكون خطر حدوث الداء السكري في هذه الحالات أقل من 5%، فيما قد يرتفع سكر الدم أحياناً بلا مسوغ وظيفي أو شدّة، ويمكن أن يتطور هذا إلى الداء السكري في 30% من هؤلاء على الأقلّ.
|
1- النمط الأول (المعتمد على الإنسولين)Type 1 (Insulin Dependent) T1DM: وهو أكثر شيوعاً في الأطفال، ينجم عن تحطّم الجزر المعثكلية المفرزة للإنسولين (خلايا بيتا لنغرهانس) بآلية مناعية ذاتية، ويعاني المصابون به من غياب الإنسولين المطلق، ولذلك فإنهم يحتاجون إليه في علاجهم مدى الحياة، ولهذا النمطعدة أنواع:
أ- النمط العابر في الوليد: يظهر بعد الولادة مباشرة ويستمر من شهر إلى ثلاثة أشهر، ولا يعود بعدها، فيما يوجد نمط عابر قد يعاود بعد 7-20 سنة.
ب- النمط الدائم في الوليد: ينجم عن عيوب معثكلية مختلفة.
ج- النمط الوصفي (المدرسي): وفيه يرتفع سكر الدم وتحدث البيلة السكرية والخلونية، بوجود أضداد خلايا جزر لنغرهانس منها أضداد نازعة كربوكسيل حمض الغلوتاميglutamic acid decarboxylase، ووجود مركبّة مورثية.
2- النمط الثاني (غير المعتمد على الإنسولين) T2DM: وهو أقلّ شيوعاً في الأطفال، وينجم عن نقص الإنسولين نقصاً نسبياً بسبب مقاومة النسج له ولاسيما في البدينين. إن مرضى هذا النمط غير معتمدين على الإنسولين، لكنهم قد يحتاجون إليه من أجل ضبط السكر. ولهذا النمط عدّة فئات:
أ- التالي لأمراض مختلفة مثل: داء تليف المعثكلة الكيسي، أو داء ترسب الأصبغة الدموية hemochromatosis، أو الأدوية مثل (ل. أسباراجيناز).
ب- النمط الكهلي الوصفي (المدرسي): ويترافق والبدانة ومقاومة الإنسولين والعوامل الوراثية.
ج- سكري الشباب: الذي يبدأ في سن النضج وهو وراثي جسمي قاهر، يبدأ قبل الخامسة والعشرين، ولا يترافق والبدانة ولا عوامل المناعة الذاتية.
د- السكري المتقدّري: وهو يترافق والصمم وعيوب عصبية أخرى.
3- سكري الحمل GDM: وفيه يرتفع سكر الدم ويضطرب تحمل السكر خلال الحمل فحسب، ويعود إلى الحد الطبيعي بعد الولادة، وإن كان يحمل نذر الإصابة بالداء السكري مستقبلاً.
النمط الأول: الداء السكري المعتمد على الإنسولين:
الإمراض:
ينجم هذا الداء عن تحطم خلايا بيتا لنغرهانس المنتجة للإنسولين بآلية مناعية ذاتية تطلقها المورثات المؤهبة للمرض، وعوامل بيئية غير محدّدة. وللمواد الكيميائية مثل مركبات النترات المستخلصة من الخضر واللحوم شأن في إحداث الداء، كما أن للڤيروسات شأناً مثيراً للجدل مثل ڤيروس كوكساكي ب coxsackievirus B، والڤيروس المضخم للخلايا (CMV) cytomegalovirus، وڤيروس الحميراءrubella virus. والڤيروسات وإن كانت تؤثر في الخلايا بيتا، إلا أن الحميراء الولادية هي الوحيدة التي تترافق والداء السكري في المستقبل، إذ يصاب 10-12% من المصابين بها بالنمط الأول من السكري، فيما يرى خلل تحمل السكر في 40% منهم، والآليات المحتملة لحدوثها هي تخريب الڤيروسات لخلايا بيتا لنغرهانس مباشرة، أو عبر التفاعل المتصالب، أو تفعيل متعدد النسائل للمفاويات البائية، فيما يعتقد أنّ هذا النمط من السكري مرضٌ تتواسطه في البدء اللمفاويات التائية.
ترى أضداد الخلايا المعثكلية في الدم قبل بدء اضطرابها الوظيفي بعدة أشهر إلى عشر سنوات، ويشير هذا غالباً إلى أن عمليّة التحطيم مستمرة، ويمكن كشف عدد من أضداد خلايا بيتا منها أضداد الهيولى ICA، وأضداد الإنسولين IAA، وأضداد فوسفاتاز التيروزين IA-2 وأضداد نازعة كربوكسيل حمض الغلوتامي.
الوبائيات:
الداء السكري من النمط الأوّل هو اليوم أكثر الأمراض الغدية الصماوية شيوعاً في الأطفال، إذ يصيب 1/300-500 طفل دون الثامنة عشرة، علماً أن المرض لم يكن شائعاً في النصف الأول من القرن العشرين، لكنه ازداد كثيراً في الخمسين سنة الماضية، ويقدر معدل الزيادة السنوية بـ 3-4% أو أكثر في بعض المناطق، ويتوقع أن يكون عدد الحالات عام 2010 أكثر بنسبة 40% عما كان عليه عام 1997.
متوسط عمر الطفل حين ظهور المرض: 7-15 سنة وللشدة الاجتماعية والعاطفية شأن في إظهار الداء، لذلك ترى لسن الإصابة ذروتان: الأولى في سن المدرسة 5-7 سنوات (حين تكثر الأخماج والشدات)، والثانية حول البلوغ (حين تزداد الستيروئيدات وهرمونات النمو) ويرى هنا ظهور الداء في الإناث أبكر من ظهوره في الذكور، ولذلك سبب مورثي مرتبط بالإستروجين، أو بالمورثة المنظمة للإستروجين، ولهذا يُسرع البلوغ في إظهار الداء السكري في الإناث المستعدات. وتزيد الإصابات في السنتين الأولى والثانية من العمر، وهي مع ذلك قد تظهر في أي عمر ولاسيما في الخريف والشتاء.
تختلف نسبة الحدوث السنوية في العالم بين 30/100.000 (في اسكندنافيا)، و1/100.000(في اليابان)، و15/100.000 (في الولايات المتحدة). وللعوامل الوراثية شأن في الاستعداد لهذا الداء، مع أن الوراثة فيه معقّدة ومتعدّدة المورثات، فخطر إصابة إخوة المصابين بالداء السكري أو أبنائهم هي بحدود 3-6%، ويرتفع الخطر عند التوءم الحقيقي إلى 30-50%، وأكبر عامل استعداد هو وجود المستضدات النسيجيةHLA على الصبغي السادس. وعدا العوامل الوراثية المؤهبة لحدوث الداء تشترك العوامل البيئية في إحداثه، الأمر الذي، يفسر ازدياد حدوث الداء في العقود الأخيرة.
التظاهرات السريرية:
يمر الداء السكري الأول بأربع مراحل هي: قبل السريرية أو اللاعرضية تتحطم فيه خلايا بيتا ويقل الإنسولين، ثم العرضية، ثم فترة الهجوع (أو شهر العسل)، وأخيرا المرض بمضاعفاته الحادة والمزمنة.
أما التظاهرات السريرية فهي في البدء لا نوعية، وأهم ما فيها حالة البوال غير المتناسب مع درجة التجفاف ونقص الوزن:
- وارتفاع سكر الدم hyperglycemiaعقب الطعام هو أوّل تظاهرة للداء السكري، بعد نضوب الإنسولين وعجزه عن السيطرة على سكر الدم وتثبيط اصطناع السكر في الكبد، ويحدث بعدئذٍ ارتفاع سكر الدم على الريق.
- وفي مرحلة تالية لنضوب الإنسولين يحدث الحماض الخلوني السكري diabetic ketoacidosis (DKA))، ذلك أن استمرار استحداث neogenesis السكر، وانحلال الغليكوجين، وأكسدة الحموض الدسمة تسهم في ارتفاع سكر الدم وتشكيل الأجسام الخلونية وهي: بيتا هيدروكسي حمض الزبدBHBA، وحمض الخل الخلوني، والخلون، وينجم عن ذلك زيادة استقلاب البروتين في مخازنه العضلية، واستقلاب الدسم في النسج الشحمية، لتكون ركائز لاستحداث السكر وأكسدة الحموض الدسمة.
- تحدث البيلة السكّرية glycosuria حين يتجاوز سكر الدم العتبة الكلوية لإعادة امتصاص الغلوكوز (وهي بحدود 180ملغ%)، وينجم عنها إدرار حلوليpolyuria يسحب معه شوارد الصوديوم والبوتاسيوم وغيرها بقوة، ليؤدي إلى التجفاف. يكون البوال متقطعاً في البداية أو ليلياً، وحينما يصبح ارتفاع سكر الدم مزمناً يصبح الإدرار مستمراً، مع سلس بولي ليلي مستمر.
- يحدث السُّهاف polydipsia (العطش الشديد) كمحاولة من المريض لتعويض ضياع السوائل الزائد في البول.
- يزداد النهم hyperphagia لتعويض السكريات الضائعة، ومع ذلك ينقص الوزن في النهاية بسبب حالة الهدم المستمرة ونقص الحريرات عبر بيلة السكر والخلّون. إن طفلاً سكرياً في السنة العاشرة يفقد يومياً نحو 5 ليترات من الماء و250غ من السكريات (1000 حريرة)، وهو يعادل 50% من حاجته اليومية من السكريات.
وهكذا تظهر الأعراض الوصفية للسكري من النمط الأول، وهي: (البوال والسُهاف والنهم ونقص الوزن).
الحُماض الخلّوني السكّري:
يرى الحماض الخلوني السكري في 20-40% من المرضى المصابين بالسكري حين تشخيصه للمرة الأولى، وهو الحصيلة النهائية للحالة الاستقلابية المختلة نتيجة وصول الإنسولين إلى حده الأدنى أو غيابه قبل تشخيص المرض المبكر، أو إذا أوقف الإنسولين في المرضى المعالجين به، أو حين حدوث أمراض مفاجئة ترفع هرمونات الكرب (الغلوكاغون، والكورتيزول، والكاتيكولامينات) تلك التي تزيد الحاجة إلى الإنسولين، فتتراكم الحموض الخلونية.
يحدث الحماض الخلوني سريعاً في صغار الأطفال، إذ يتطور خلال أسابيع، فيما يكون حدوثه أبطأ في البالغين ليتطور خلال أشهر، ويشخص الحماض الخلوني بارتفاع سكر الدم مع:
1- هبوط حموضة الدم pH دون 7.25.
2- هبوط بيكربونات الصوديوم دون 15مك/ل.
3- وجود الأجسام الخلونية (الخلون وحمض الخل الخلي) في المصل أو البول.
4- سواء مستوى حمض اللبن (اللاكتات دون 7).
هذا ويصنف الحماض بحسب شدته إلى خفيف ومتوسط وشديد (الجدول 2):
|
حين ينقص الإنسولين تزداد أكسدة الحموض الدسمة الحرة FFA في الكبد إلى أجسام خلونية، واثنان من هذه الأجسام هي حموض عضوية ينجم عن زيادتها حماض استقلابي مع ارتفاع الفجوة الشارديةanion gap، كما يسهم في الحماض ارتفاع حمض اللبن الناجم عن التجفاف ونقص التروية النسيجية. يسبب فرط سكر الدم إدراراً حلولياً يعوض بالشرب، وحينما تسوء الحالة يعجز المرضى عن تعويض الكميات الكبيرة فيحدث التجفاف، ويسيئ القياء إلى مجمل الأمر بسبب زيادة الحماض وزيادة ضياع السوائل غير المحسوس عبر فرط التهوية. يضطرب ميزان الشوارد بسبب الحماض وضياع قسم كبير من الشوارد (ولاسيما البوتاسيوم والصوديوم) في البول، فحينما تتراكم شوارد الهدروجين في الدم (حالة الحماض) تدخل إلى الخلايا فيخرج البوتاسيوم إلى المصل ليرتفع في بدء الحماض ويطرح في البول، ثم ينخفض في زمن تالٍ يُصلح فيه الحماض. كما أن التجفاف ونقص التروية الكلوية يُفعِّل منظومة (الرنين أنجيوتنسين ألدوستيرون) مما يزيد في ضياع البوتاسيوم، وبحسب مدة الحماض يكون مستوى البوتاسيوم المصلي عالياً أو طبيعياً أو منخفضاً، غير أنّه ناضبٌ في الخلايا، ونقصه في المصل نذير سوء يدل على نضوبه الخلوي، كما أن نضوب الفوسفات قد يحدث نتيجة زيادة طرحها الكلوي في مبادلة شوارد الهدروجين العالية.
ونضوب الصوديوم شائع في الحماض الخلوني، بسبب ضياعه في البول عبر الإدرار الحلولي، وضياعه بالقيء.
أعراض الحماض الخلوني:
هي البوال والسُهاف والألم البطني والغثيان والقياء، وقد يشبه الألم البطني البطنَ الحادّ. يشير البوال (وبغض النظر عن حالة التجفاف) إلى الإدرار الحلولي، وهو يميز مرضى الحماض الخلوني من مرضى التهاب المعدة والأمعاء وباقي الاضطرابات الهضمية.
تحدث زلّة تنفسيّة مع تنفس عميق وسريع (كوسماول Kussmaul) بسبب المعاوضة التنفسية للحماض، وتشم رائحة الفواكه في النفس (وهي رائحة الخلّون).
قد يتطبّل البطن بسبب خذل الأمعاء، كما قد تتأثر الحالة العقلية بدءاً من فقدان التوجّه حتّى السبات، أما الحمّى فقليلة الحدوث، ويجب أن توجّه إن وجدت نحو التفتيش عن الخمج.
الموجودات المخبرية:
يرتفع سكر الدم من 200ملغ% إلى أكثر من 1000ملغ%، وتنخفض حموضة الدم pHدون 7.25 ويهبط بيكربونات الصوديوم دون 15مك/ل، أما مستوى الصوديوم المصلي فقد يكون عالياً أو طبيعياً أو منخفضاً تبعاً لحالة التجفاف وحالة الكلية وشرب السوائل، وقد يكون مستوى الصوديوم المنخفض خادعاً بسبب فرط سكر الدم، وكذا فرط شحوم الدم.
ترتفع اليوريا وآزوت اليوريا الدموية BUNبسبب القصور الكلوي الناجم عن التجفاف، وترتفع الكريات البيض، وقد تنحرف الصيغة إلى اليسار من دون خمج إلاّ في وجود الحمى، وحينئذ نتوجه نحو استقصاء الخمج.
علاج الحماض الخلوني السكري:
يحتاج إلى حكمة وخبرة في تعويض السوائل والشوارد (تجفاف نحو 8.5%) وخفض السكر بالإنسولين وتصحيح الحماض، فإذا زيدت السوائل أو أعطيت بسرعة حدثت مضاعفات خطرة أهمها وذمة الدماغ التي قد تؤدي إلى الفتق الدماغي، ولهذا يجب علاج الأطفال المصابين في المستشفى، أما الأطفال دون السنتين فيفضّل قبولهم في العناية المشدّدة إذا كان الحماض شديداً (pH دون 7.1)، وتجرى على الفور الفحوص التالية: سكر الدم والشوارد بما فيها الكلس والفسفور والمغنزيوم والكرياتنين وغازات الدم، والأجسام الخلونية في الدم، وتعداد الكريات الشامل، وفحص البول من أجل السكر والخلون. بعدها يفحص سكر الدم كل ساعة، والشوارد وغازات الدم كل ساعتين، والكلسيوم والفسفور كل أربع ساعات، كما يستقصى الخمج حين الشك بوجوده.
يؤمن خطان للسوائل (في وريد واحد) الأول: للإنسولين، والثاني: للسوائل، كي تصلح الاضطرابات في الوقت نفسه.
1- علاج التجفاف: استخدمت خطة ميلووكي Milwaukee protocol على مدى العقدين السابقين من دون مشاكل تذكر، وهي أن يُحسب مقدار التجفاف بحدود 85 مل/كغ، حيث يصلح الحماض المعتدل خلال 10-20 ساعة، فيما يحتاج الحماض الشديد إلى 30-36 ساعة:
- الساعة الأولى: محلول ملحي فيزيولوجي 0.9% (أو محلول رنجر لاكتات) 10-20 مل/كغ. يمكن إعادة ذلك إذا كان ضرورياً، على أن يراقب ميزان السوائل الداخلة والخارجة (عبر القيء أو البول)، وأن يكون المانيتول جاهزاً ويعطى بمقدار 1 غ/كغ بالوريد حين حدوث أعراض وذمة الدماغ.
- الساعة الثانية: محلول ملحي نصف فيزيولوجي 0.45% 20 مل/كغ، مع كلور البوتاسيوم 20 مك/لتر (إذا درّ البول).
- الساعة الثالثة - حتى التحسن: محلول ملحي نصف فيزيولوجي 10 مل/كغ/الساعة، مع كلور البوتاسيوم 40مك/ل (يعطى مع فوسفات البوتاسيوم مناصفةً إذا أمكن).
- بعد تحسن الحماض وغياب القياء: الحاجة اليومية من السوائل مع كلور البوتاسيوم 40 مك/ل.
ملاحظات:
- الغاية من إعطاء أدوية الساعتين الأولى والثانية ملء السرير الوعائي وتأمين تروية الكلية ومن ثم الإدرار، مما يعزز تخفيض سكر الدم، وحين يصل السكر إلى ما دون 180ملغ% يتوقف الإدرار الحلولي، ويتحسن مستوى الإماهة.
- حين ينخفض سكر الدم دون 250 ملغ% (14 ممول/ل) يضاف الدكستروز 10% إلى السوائل منعاً لهبوط السكر (فيصبح التركيز الكلي للسكر 5%)، وإن حدث هبوط سكر حادّ يعطى دكستروز 25% بمقدار 1-2 مل/كغ.
- لا يعطى كلور البوتاسيوم قبل إدرار البول، ويخطط القلب إن أحوج، ولا يعطى بسرعة تزيد على 0.5 مك/كغ/ساعة، لكن يمكن إعطاء 0.5-1 مك/كغ بوتاسيوم عن طريق الفم إن أمكن، أو يضاعف البوتاسيوم حتى 80 مك/لتر إذا كان مقدار البوتاسيوم المصلي دون 3 مك/ل.
- قد يسبب إعطاء الفوسفات نقص الكلس ولهذا يجب مراقبته.
- إذا وجد زرام (انقطاع البول anuria) تعامل الحالة على أنها قصور كلوي حادّ، ويلاحظ أنّ سكر الدم العالي يظهر قصوراً كلوياً أكثر منه نضوباً في الإنسولين.
- وعلى الرغم من الضياع الشديد للصوديوم فإنّ ضياع الماء أكثر منه، وحين حدوث تجفاف مفرط التوتّر (أو الصوديوم) يعطى 50-70% من السوائل خشية وذمة الدماغ.
حلولية المصل (م أوسمول/ل) = 2 (K+ Na) + سكر الدم ممول نحصل على سكر الدم بالممول بالتقسيم على 18 |
بإضافة 1 مك إلى قيمة الصوديوم مقابل كل 60 مغ سكر فوق 100 مغ%.
فلو كان سكر الدم 520 مغ% والصوديوم 140 مك فإن الصوديوم الحقيقي هو:
(520 - 100) - 60 + 140= 147.
2- علاج الحماض: ليس من الضروري إعطاء بيكربونات الصوديوم دائماً، إذ إن الحماض يتطور ببطء ويصبح محتملاً، كما أن تصحيح التجفاف يصحح الحماض، وكذا إعطاء الإنسولين الذي يخفض الغلوكاغون ومن ثم تأثيره في الكبد في إطلاق الحموض الدسمة وتحطيم البروتين، ويعزز دخول السكر إلى الخلايا.
- الحموضة < 7.2 لا تعطى البيكربونات.
- الحموضة 7.1- 7.2 تعطى البيكربونات بمقدار 40 مك/م2 ببطء خلال ساعتين.
- الحموضة > 7.1 يعطى 80 مك/م2 خلال ساعتين.
يصحح الحماض إذا وجدت أعراض فرط البوتاسيوم- الذي يهبط عند تصحيح التجفاف والحماض- إذ يعود إلى الخلايا. ومن المهم أن تعطى البيكربونات ببطء لأن إعطاءها السريع يسبب اضطراب نظم القلب ووذمة الدماغ، وهي غير متوافقة مع الإنسولين ولهذا تعطى في خط منفصل. إن إعطاء البيكربونات السريع يزيد حماض الدماغ بسبب وفرة CO2 الذي يعبر الحاجز الدموي الدماغي بسهولة، كما يؤدي إلى نقص أكسجة النسج، وهنا ينبه إلى إشباع الأكسجين PO2 الذي إذا كان قليلاً يجب التفكير بذات رئة أو بقصور قلب احتقاني أو وذمة رئة.
3- تعويض الإنسولين: يعطى الإنسولين في خط منفصل، ويحضر بإضافة 50 وحدة من الإنسولين السريع إلى 500 مل من المحلول الملحي الفيزيولوجي:
- يسرب 0.05- 0.1 وحدة/كغ/ساعة تنقيطاً وريدياً في الساعة الأولى، يجب أن يهبط سكر الدم 80-100ملغ% خلال ساعة، فإن هبط أقل من 50 ملغ% في الساعة: يعطى 0.2 وحدة/كغ/ساعة. ويجب التذكير أن الإنسولين لا يدفع بالوريد دفعاً لأن نصف عمره أقل من 5 دقائق، كما يؤدي إلى مزيد من نقص السكر والبوتاسيوم.
- يخفض مقدار الإنسولين إلى 0.02-0.05 وحدة/كغ/ساعة إذا هبط السكر دون 150ملغ% على الرغم من إعطاء السكر بالوريد، وهذا المقدار كافٍ من أجل عودة الحموض الدسمة إلى الكبد وتوقف إنتاج الخلون.
- يعطى الإنسولين تحت الجلد 0.25 وحدة/كغ عندما تصبح الحموضة فوق 7.35 أو تتجاوز البيكربونات 16مك.
- يتابع تنقيط الإنسولين ساعة إلى ساعتين عقب الحقنة الأولى تحت الجلد.
- يوقف تسريب الغلوكوز حين يستطيع الطفل تناول وجباته جيداً.
- يعطى الإنسولين تحت الجلد (كل 6-8 ساعات) كلما ارتفع السكر < 250 ملغ، ويحافظ على السكر بين 80- 180ملغ%
- يبدأ بالمضادات الحيوية حين الشك بالخمج، وتجرى الفحوص المخبرية الضرورية.
مضاعفات الحماض الخلوني السكري:
- العصبية: وذمة الدماغ، وأذية الدماغ بنقص السكر، وخُثار دماغي أو احتشاء.
- القلبية: استرخاء العضلة القلبية، واضطراب النظم لفرط البوتاسيوم أونقصه والحماض.
- الكلوية: قصور كلوي حادّ بسبب نقص التروية والصدمة، ونخرة أنبوبية حادّة.
- استقلابية: نقص الكلس بعد العلاج بفوسفات البوتاسيوم، ونقص السكر.
- وذمة رئة.
- التهاب معثكلة.
- نقص تروية الأمعاء.
- وذمة محيطية خلال يوم أو يومين لارتفاع الهرمون المضاد للإدرار والألدوستيرون.
وذمة الدماغ: هي أخطر مضاعفة في الحماض السكري، لخطأ طبي غالباً، مع نسبة وفيات عالية (20-80%)، فيما يشفى 7-14% من دون أذية دماغية دائمة. تحدث في 1-5% من حالات الحماض السكري بسبب تراكم السوائل في الخلايا الدماغية بعد 6-12 ساعة من العلاج. إن حدوث حالة تحت سريرية شائع، غير أن تفاقم الحالة وانفتاق الدماغ يحدثان لأسباب غير واضحة تماماً، منها ارتفاع مقدار النيتروجين BUNفي البدء، وهبوط تركيز ثاني أكسيد الكربون، وفشل ارتفاع الصوديوم مع هبوط سكر الدم، والعلاج بالبيكربونات.
تبدأ الحالة بتغيّم الوعي وتراجع الإحساس، والصداع الشديد والقياء وتغير العلامات الحيوية (بطء القلب وارتفاع الضغط، وتوقف التنفس)، مع تغير الحدقة (توسّع أو عدم تساوٍ)، ووذمة حليمة العصب البصري، وقد يحدث الاختلاج.
يجب مراقبة حدوث هذه الحالة كي تعالج مع أول أعراضها بـ:
- الأكسجين.
- المانيتول 0.5-1غ/كغ خلال 5-10 دقائق، وقد تعاد خلال 2-4 ساعات إن أحوج.
- تحديد السوائل (إبطاء إعطائها).
- تنفس اصطناعي مع فرط تهوية.
- إذا حدثت اختلاجات يعطى الديازبام حتى مرتين ثم الفنتوئين خلال 20-30 دقيقة إن لم يتوقف الاختلاج.
السبات مفرط الحلولية غير الخلوني:
السبب الرئيس في السبات مفرط الحلولية غير الخلوني nonketotic hyperosmolar coma هو فرط سكر الدم (فوق 800 ملغ% غالباً) مع حماض غير خلوني وتجفاف شديد وتغيم الوعي حتى السبات، مع أعراض وعلامات عصبية أخرى مثل الصرع الكبير وفرط الحرارة والخَزَل النصفي hemiparesis وإيجابية منعكس بابنسكي، وتنفس سطحي بحماض حمض اللبن وقد يحدث تنفس كوسماول. تكون حلولية المصل 350 ميلي أوسمول/كغ أو أعلى. هذه الحالة أكثر حدوثاً في الكبار، مع وفيات عالية، وأقل مشاهدة في الأطفال الذين يغلب أن يكونوا مصابين بأذية عصبية سابقة، إذ يرتفع السكر باضطراد من دون أن تتفاعل آلية العطش لتخرب المركز المهادي المنظم للحلولية الذي يفقد حساسيته مع الحلولية العالية. وفي هذه الحالة لا تتشكل الأجسام الخلونية بسبب التأثير المثبط لفرط الحلولية، كما أن فرط كثافة الدم قد يؤدي إلى مضاعفات عصبية مثل الخثار الوريدي والشرياني الدماغي.
تعالج الحالة مثل التجفاف مفرط الصوديوم بإعطاء السوائل الناقصة ببطء خلال 12 ساعة، وتعوض بمحلول نصف ملحي (أو فيزيولوجي كامل)، ويعطى النصف الباقي خلال 24 ساعة، وحينما يصل السكر إلى 300 يضاف الدكستروز 5%، ويضاف البوتاسيوم بمقدار 20مك/ل خشية نقص البوتاسيوم، أما الإنسولين فيعطى في الساعة الثانية بمقدار نصف الكمية المعطاة في الحماض الخلوني.
العلاج بالإنسولين بعد إصلاح الحماض:
حين تستقر حال المريض ويصبح قادراً على تناول وجباته يبدأ بالإنسولين تحت الجلد قبل إيقاف التسريب الوريدي بنحو ساعة. إذا كان التشخيص معروفاً من قبل يعاد إلى الجرعات التي كان عليها، وإذا كان تشخيصه أوّل مرّة يعطى 0.7 وحدة/كغ/يوم إذا كان دون سن البلوغ، و1 وحدة/كغ/يوم بعد البلوغ على جرعتين ثلثاها في الصباح والثلث الباقي في المساء، ويمكن تحديد الجرعة على النحو التالي: يعاير سكر الدم كل 6 ساعات، ويعطى ربع وحدة إنسولين قصير المفعول/كغ حين يكون السكر < 250 ملغ%، وبعد 2-3 أيام يحسب متوسط الإنسولين المعطى في أثنائها ويعطى يومياًعلى جرعتين:
- في الصباح: ثلثا الجرعة (2/3 إنسولين متوسط المفعول و1/3 قصير المفعول) قبل الإفطار بنصف ساعة إذا كان الإنسولين قصير المفعول Regular أو قبل الإفطار مباشرة إذا كان سريع المفعول (Lispro or Aspart).
- في المساء: ثلث الجرعة الباقي (2/ا متوسط + 2/1 قصير) قبل العشاء بنصف ساعة أو مباشرة بحسب النوع.
تستمر مراقبة السكر كل 6 ساعات عدة أيام، وتضبط جرعة الإنسولين بناء على النتائج وعلى الحمية المناسبة للطفل، ويمكن زيادة الجرعات أو إنقاصها بحدود 10% وبيد طبيب خبير، تجنباً للتغيرات الحادّة، ويفضل معايرة سكر الدم الساعة 3 صباحاً لتجنب حدوث نقص السكر الليلي (ظاهرة سوموجي).
هناك خيارٌ آخر للتحول نحو الحقن تحت الجلد، بإعطاء إنسولين سريع (لسبرو أو أسبارت) قبل كل وجبة، وغلارجينglargine أو NPH قبل النوم، ويمكن أن تحوّل إلى جرعتين يومياً بخليط من النوعين حينما يستطيع المريض تناول وجباته كلها مع سكّر دم مستقر.
يعاير السكر قبل كل وجبة وقبل النوم وفي الساعة 2-3 صباحاً للسبب السابق ذكره، ومن المهم أن يبدأ المرضى والأهل تعلّم مبادئ العناية بالسكّري في أسرع وقت، ومن ذلك تعلّم قياس سكر الدم وإعطاء الإنسولين قبل الخروج من المستشفى، وكذلك معرفة أعراض نقص السكر وكيفية تدبيره، كما أن لترتيب الغذاء أهمية قصوى في هذا المرض، فالخدمات الغذائية جزء رئيس من الخدمات التي تقدم للمرضى، وكذا الرعاية النفسية الاجتماعية.
ولحسن الحظ فقد تطور الإنسولين وزادت سرعة امتصاصه بإبدال مواضع بعض الحموض الأمينية في تركيبه، ومن أمثلته الإنسولين فائق السرعة Lispro) أو (Aspart الذي يفيد في حالة نقص السكر عقب الطعام، لكن يجب خلطه مع إنسولين متوسط المدى أو طويل المدى بسبب قصر مدة تأثيره، أما الغلارجين glargine فيعد اليوم أفضل الأنواع مديدة التأثير وهو يحقن تحت الجلد، ويمتص ببطء شديد، وليس له ذروة، ويغطي زمناً يصل إلى 30 ساعة. ويبين (الجدول 3) أنواع الإنسولين وصفات كل نوع:
|
فترة شهر العسل:
لا تتحطم كامل كتلة الخلايا المعثكلية بيتا في المرضى الجدد الذين لم يصابوا بالحماض الخلوني، ولهذا تستعيد الخلايا الباقية نشاطها في أثناء العلاج بالإنسولين، فتقلّ الحاجة إلى الإنسولين الخارجي ويستقر سكر الدم. تدعى هذه الظاهرة (فترة شهر العسل honeymoon period)، وتبدأ في الأسابيع الأولى من العلاج، وتستمر عدة أشهر حتى السنتين، وتكون الحاجة إلى الإنسولين بحدود 0.5 وحدة/كغ/يوم.
تدبير الداء السكري خارج المستشفى:
يحتاج مرضى السكري إلى عناية شاملة طبية وغذائية ونفسية اجتماعية، كما أن تدبير الداء أمرٌ تختلف بعض تفاصيله باختلاف حالة كل مريض وحالة عائلته مما يحتاج معه إلى فريق سكري مدرّب يشمل طبيب الأطفال المختص بالغدد، والممرض السكري المثقف صحياً، والتغذوي والاختصاصي الاجتماعي والنفسي.
الأهداف: تهدف المعالجة الحكيمة بالإنسولين إلى إزالة الأعراض ولاسيما التبول الليلي، والحفاظ على النمو الطبيعي، والوقاية من الحماض، ضمن تغير معقول في نمط الحياة، ويكون ذلك بضبط مقدار سكر الدم نحو المقدار الطبيعي، ومن ثمّ الوقاية من حدوث المضاعفات الوعائية باكراً (اعتلال الشبكية السكري، واعتلال الكلية، واعتلال الأعصاب)، على ألاّ يُغامر بحدوث هبوط السكر الشديد بسبب المعالجة المكثفة، ولاسيما في صغار الأطفال الذين يتأثر جهازهم العصبي غير الناضج بنقص السكر.
وعلى الرغم من أن المضاعفات تتبع مدة الإصابة هناك جدل حول قلة خطرها في مرحلة ما قبل البلوغ عمّا بعده، وعلى هذايختلف الهدف بحسب العمر:
- ففي الأطفال دون الخامسة يكون الهدف الحفاظ على السكر بين 100-200ملغ%.
- وفي أطفال المدرسة يكون الهدف الحفاظ على السكر بين 80-180ملغ%.
- وفي البالغين يكون الهدف الحفاظ على السكر بين 70-150ملغ%.
وتراعى الفروق الفردية كوجود قصة نقص سكر شديد، وقدرات المريض وعائلته.
طرائق الحقن:
1- يعطى أطفال المدرسة الإنسولين تحت الجلد على جرعتين مختلطتين (صباحية ومسائية)، ومن محاسن هذه الطريقة أنها لا تعطى وسط اليوم في أثناء الدوام، لكنها توجب التقيد بثلاث وجبات (إفطار، وغداء، وعشاء) مع وجبات صغيرة snacks بحسب الحاجة، وبحسب درجات النشاط.
2- الطريقة الثانية هي إعطاء حقن متعدّدة من الإنسولين السريع قبل كل وجبة مع إنسولين متوسط أو طويل المدى قبل النوم (مثل غلارجين)، وهذه الطريقة أكثر مرونة لكنها متعددة الوخز، ولهذا تستعمل في البالغين أكثر من الأطفال.
يحقن الإنسولين وحشي الذراعين أو في البطن على جانبي السرة وأسفلها أو على جانبي الفخذين وتحت جلد الأليتين، ويفضل أن يتم الحقن دورياً باستخدام القلم المحقنة لأنه أسهل استعمالاً وأدق. تحفظ زجاجة الإنسولين في الثلاجة (وليس في المجمدة) بحرارة من 2-8ْْ، على أن ترج قبل الإعطاء.
3- مضخة الإنسولين insulin pump:وهي تضخ الإنسولين سريع المفعول باستمرار تحت الجلد، تستعمل في الأطفال والبالغين الذين يتوقون إلى ضبط السكر بإحكام، فتدخل قيم السكر ومحتوى الوجبة من الكربوهيدرات (السكريات) في حاسوب المضخة، التي تضخ الإنسولين بعدئذٍ بالمقدار المناسب. ولهذا الضبط المحكم فوائده في منع هبوط السكر وفي الوقاية من المضاعفات، على أن يتقيد المريض بقواعد ضبط المرض، وإلا فإن المضخة تخفق في تحقيق الضبط، وتحتاج هذه الطريقة إلى عناية وتعقيم ودقة. وقد بينت الدراسات أن إعطاء جرعات متعددة من الغلارجين تعطي النتائج الاستقلابية ذاتها التي تعطيها المضخة.
4- الإنسولين إنشاقاً أو بالفم: هناك تجارب سريرية واعدة حول إعطاء الإنسولين إنشاقاً أو عن طريق الفم، ما زالت قيد الدراسة.
5- غرس (زرع) المعثكلة: وهو الأفضل بلا شك إذا نجح، مما حدا العلماء على التفكير بزرع خلايا بيتا لانغرهانس المفرزة للإنسولين، التي تؤخذ من الحيوانات وتضاف إليها المورثة البشرية المفرزة للإنسولين، وتحفظ في محافظ صغيرة تسمح بدخول السكر والإنسولين ولا تسمح بدخول الخلايا الدموية إليها ومن ثم لا يحدث رفضها، غير أن هذه الطريقة لم تنجح عملياً بعد.
قلم الإنسولين:
أهم ميزة لقلم الإنسولين هو سهولة استخدامه… فلا محاقن ولا صعوبة في تحديد الجرعات ولا ألم يذكر. كل المطلوب هو تحديد مقدار الجرعة ثم ضغط القلم ليحقن الإنسولين تحت الجلد بكل دقة…وبهذه الطريقة يمكن:
1- إعطاء جرعات صغيرة جداً من الإنسولين.
2- إعطاء الإنسولين أكثر من مرة في اليوم (3-4 مرات) وبحسب اللزوم، وبذلك يتقارب إعطاء الإنسولين من الآلية الطبيعية لإفرازه في الأشخاص الطبيعيين، فإذا اضطر الشخص مثلاً إلى تناول مزيد من الطعام في مناسبةٍ ما أمكنه أخذ كمية قليلة من الإنسولين تحت الجلد مباشرة.
3- الاستغناء عن الإبر والزجاجات ولاسيما في النشيطين اجتماعياً فيختفي المظهر المرضي المرافق للحقن، ويتحول إلى قلم سهل الاستعمال لا يلفت النظر، ويؤدي ذلك إلى تحسن نفسي.
4- التوفير؛ لأن الطريقة اقتصادية على المدى البعيد.
إن هذه الطريقة أفضل لإعطاء الإنسولين، سواء أكان ذلك في الأطفال الصغار (بمساعدة شخص بالغ) أم في الأطفال الكبار والشباب، إذ يحقنون الإنسولين بأنفسهم.
يحتاج المرضى - قبل سن البلوغ - الذين يراوح زمن إصابتهم بين السنة والسنتين إلى 0.5-1 وحدة/كغ/يوم، أما في البلوغ (حين يرتفع مستوى هرمون النمو المعاكس لعمل الإنسولين) فيحتاج المرضى إلى كميات أكبر بنسبة 40-50% أي 1-2 وحدة/كغ/يوم، وفي كل ذلك محاولة لتقليد عمل المعثكلة، وإن كانت هناك اختلافات لا يمكن تفاديها، فالإنسولين الذي تفرزه المعثكلة يذهب نصفه مباشرة عبر الدوران البابي إلى الكبد، المكان الأهم للتعامل مع السكر، كما يتوقف إفرازه حين هبوط السكر، فيما لا يحدث ذلك عند حقن الإنسولين، إذ تختلف درجة الامتصاص تبعاً لمكان الحقن ومدته، فقد يتليف مكان الحقن ويقل الامتصاص، وعلى هذا يجب إجراء الحقن في أماكن مختلفة.
التغذية:
تعد موازنة الغذاء مع جرعات الإنسولين من أهم الأمور في ضبط سكر الدم وتجنب ارتفاعه أو هبوطه، وينصح بالمكونات الغذائية التالية:
- السكريات (الكربوهيدرات) 50-60%
- البروتين 21-02 %
- الدسم أقل من 30%
على ألاّ تزيد الدسم المشبعة على 10% من كامل الحريرات، وألاّ يزيد مقدار الكولسترول على 300ملغ/يوم، كما ينصح بالحمية الغنية بالألياف.
ينصح الأطفال الذين يعطون مزيجاً من الإنسولين السريع والمتوسط التأثير بإعطاء ثلاث وجبات رئيسة وثلاث وجبات صغيرة بينها، يبقى مقدار الكربوهيدرات فيها ثابتاً، والغاية من هذا التوزيع توافق قمة تأثير الإنسولين مع أوج ارتفاع السكر، أما الذين يعطون حقناً متعددة أو عبر مضخة الإنسولين فتوقيت الوجبات ومقدار الفحمائيات فيهم أكثر مرونةً، إذ يعطون الحقنة قبل تناول الوجبة، ويضبط مقدار الإنسولين بعدها تبعاً لمقادير سكر الدم وحجم الجهد البدني المبذول.
قياس سكر الدم:
يعاير سكر الدم بجهاز فحص السكر المستقل الذي كثرت أنواعه اليوم، ويكون الفحص قبل الوجبات وحين النوم. يوجه هبوط السكر في الليل أو الاختلاف الكبير لسكر الدم الصباحي إلى إمكانية حدوث ظاهرة سوموجي إذ ينخفض السكر ليلاً بسبب الجرعة العالية من الإنسولين، مما يؤدي إلى استنفار هرمونات الشدة التي ترفع سكر الدم في الصباح، مما يظن معه أن جرعة الإنسولين الليلية قليلة، وحين تزداد الجرعة يرى أن السكر في الصباح عالٍ، فلا يكشف الأمر إلا إذا عوير السكر بين 2-3 صباحاً. هذا ويجب عيار الأجسام الخلونية في البول إذا ارتفع السكر فوق 300ملغ%.
ضبط السكر على المدى الطويل:
وذلك بعيار الخضاب الغلوكوزي Hb A1cالذي يعكس ضبط السكر خلال ثلاثة الأشهر الفائتة. يعاير الخضاب الغلوكوزي أربع مرات سنوياً، وتناقش نتائجه مع المريض بحسب (الجدول 4).
|
مضاعفات النمط الأول من السكري:
تحدث بعد مرور 3 إلى 5 سنوات على المرض مضاعفات متعددة في أعضاء مختلفة لذا يجب مراقبة المرضى السكريين بفحص العين سنوياً لكشف اعتلال الشبكية، وتحليل البول سنوياً لتحري البيلة الآحينية الدقيقة microalbuminuria؛ فوجودها المبكر ينذر باعتلال الكلية، وتعالج بمثبطات الإنزيم المحول للأنجيوتنسين ACEI الذي قد يوقف تقدم المرض الكلوي.
ويعاير الكولسترول سنوياً أيضاً مع تقييم ضغط الدم دورياً، فاكتشاف ارتفاعهما المبكر وعلاجهما يحد من مخاطر إصابة الشريان الإكليلي.
وقد تحدث اضطرابات أخرى: مثل التهاب الغدة الدرقية اللمفاوي المزمن الذي يمكن أن يؤدي إلى قصور الغدة الدرقية، وهو التهاب شائع، قد تكون أعراضه خفية، ولهذا تقيم وظائف الغدة الدرقية سنوياً. ومن المضاعفات كذلك الداء البطني celiac disease، وعوز الغلوبولين المناعي وداء أديسون، والقرحة الهضمية.
وقد ترى بعض المشاكل الخاصة مثل: نقص سكر الدم، وفرط سكر الدم في الصباح الباكر، والسكري القَصِف.
نقص سكر الدم:
يحدث نقص سكر الدم نتيجة خطأ علاجي المنشأ iatrogenic، والمرضى الذين يستخدمون العلاج التقليدي بالإنسولين ويكون ضبط السكري فيهم كافياً قد يتعرضون لأعراض نقص السكر الخفيفة بمعدل مرة واحدة في الأسبوع، أما المرضى الذين يتناولون العلاج المكثف فقد يتعرضون لنوبتين حادتين أسبوعياً. ونقص السكر الشديد قد يؤدي إلى نوبات صرع أو سبات تتطلب التدخل الإسعافي في 10-25% من هؤلاء المرضى.
ينقص السكر لزيادة نسبة الإنسولين التي قد تنجم عن تغيرات الجرعات وتوقيتها، أو تغير امتصاص الإنسولين، أو مقدار الكربوهيدرات المتناولة، أو تغيرات حساسية الإنسولين الناجمة عن ممارسة الرياضة، كما أن عيوب الآلية المنظمة للسكر تسهم أيضاً في هبوط سكر الدم، ومن ذلك عيوب استجابة هرمون الغلوكاغون لهبوط السكر التي تحدث في السنوات القليلة الأولى للمرض، وكذا عيوب إطلاق الأدرينالين التي تحدث بعد مدة أطول.
يتظاهر نقص السكر بأعراض الاعتلال العصبي بنقص السكرneuroglycopenia (الصداع، والتغيرات البصرية، والتخليط، والتهيج، والاختلاجات)، والأعراض الناجمة عن ارتفاع الكاتيكولامينات (الرعشة وتسرع القلب وفرط التعرق والقلق). تعالج الحالات الخفيفة بإعطاء سكر سريع الامتصاص عن طريق الفم (هلام أو أقراص السكر، أو عصير الفاكهة)، أما الحالات الشديدة التي تؤدي إلى نوبات فقدان الوعي فتعالج في المستشفى بإعطاء الغلوكاغون والسكر في الوريد.
هناك حالات متعددة يرتفع فيها سكر الدم في الصباح الباكر. السبب الأكثر شيوعاً هو عدم كفاية الجرعة المسائية من الإنسولين متوسط التأثير، ولكن ليست هذه هي الحال دائماً، فقد تعطى جرعة إنسولين مسائية عالية، فينقص السكر في الليل، لترتفع الهرمونات المعاكسة للإنسولين، ومن ثم يرتفع السكر في الصباح، وهي حالة تعرف باسم ظاهرة سوموغي Somogyi phenomenon، أو ارتفاع السكر الصباحي الارتدادي rebound hyperglycemia، وقد يعاني المرضى الذين ينقص السكر لديهم في الليل من الصداع حين الاستيقاظ، وفرط التعرقdiaphoresis، والكوابيس الليلية.
إذا أعطيت جرعة الإنسولين المتوسط مبكراً في المساء فإن مفعولها ينتهي في وقت مبكر ليرتفع سكر الدم في الصباح. ويرتفع السكر في حالة أخرى في المراهقين الذين يرتفع فيهم هرمون النمو في ساعات الصباح الباكر مما يرفع سكر الدم، وتدعى هذه ظاهرة الفجر dawn phenomenon، وللتمييز بين هذه الحالات لابد من عيار سكر الدم بين الساعة الثانية والثالثة صباحاً، فإذا وجد ناقصاً دل على ظاهرة سوموجي، ويكون الحل بإنقاص جرعة الإنسولين المسائية، أما باقي الحالات فتعدل بزيادة الجرعة أو بتنظيم الوقت.
السكري القَصِف :brittle diabetes
يطلق تعبير السكري القَصِف على حادثة ترى غالباً في فتاة سكرية بالغة يتموّج لديها سكر الدم تموجاً كبيراً بلا سبب واضح، كما يتكرر فيها الحماض الخلوني، وتأخذ جرعات عالية من الإنسولين. إن وجود خلل وظيفي موروث أمر نادر، لأن هؤلاء المرضى يستجيبون جيداً للإنسولين حينما يكونون في المستشفى، ولهذا يعزى تموج السكر إلى مشاكل نفسية اجتماعية تشمل اضطرابات تناول الطعام والمشاكل العائلية التي تؤثر في العلاج. تحتاج الحالة إلى دخول المستشفى من أجل ضبط الحالة وإجراء استشارات نفسية واجتماعية، وعلى هذا يجب على السريريين تجنب استخدام مصطلح السكري القَصِف بوصفه تعبيراً تشخيصياً.
النمط2: السكري غير المعتمد على الإنسولين:
الإمراض:
ينجم السكري من النمط الثاني non-insulin dependent (Type 2DM)عن بعض الآليات المرضية المختلفة، وأكثرها شيوعاً مقاومة الإنسولين المحيطية مع فشل المعثكلة في الحفاظ على آلية فرط الإنسولين المعاوضة، والعيوب الدقيقة الكامنة وراء حالة مقاومة الإنسولين وخلايا بيتا المعثكلية معقدة وغير مفهومة.
هناك أنماط أخرى من الداء مثل سكري الشباب الذي يبدأ مع النضج (MODY) ويضم مجموعة أشكال موروثة من مرض السكري المعتدل نسبياً، والذي لا أثر لمقاومة الإنسولين فيه، ولكن استجابة إفراز الإنسولين لفرط السكر غير كافية. يرى هذا الشكل في أطفال من عائلات يشيع فيها السكري، ويكون تحمل السكر إيجابياً، مما يوحي بالوراثة القاهرة. يمكن أن يرى الداء في الطفولة لعيوب وراثية نادرة في مورثات المتقدرات، وأندر من ذلك بسبب طفرات في مورثات مستقبلات الإنسولين، فتنشأ مقاومة شديدة للأشكال غير الطبيعية من الإنسولين.
الوبائيات:
ظُن في السابق أن النمط الثاني غير شائع في مرحلة الطفولة؛ غير أن انتشاره أصبح يلاحظ وبازدياد (أحياناً حتى عشرة أضعاف ما كان عليه في الماضي) بالتوازي مع زيادة معدل بدانة الأطفال، ليقدر اليوم بـ(30%) من حوادث السكري الطفلي، وهو أكثر في المجتمعات التي يشيع فيها الداء في الكبار، مثل مجتمع الهنود الحمر والأمريكيين من أصل إسباني أو إفريقي. ومن عوامل الخطر في حدوثه: البدانة والقصة العائلية للسكري ووجود مرض استقلابي.
المظاهر السريرية والتشخيص التفريقي:
النمط الثاني خفي البدء، وكثيراً ما يراجع المصاب بسبب البدانة والتعب، وتكشف البيلة السكرية عرضاً في فحص البول. يشخص الداء كما هو الحال في النمط الأول تماماً، من حيث الأعراض (بوال، وسهاف) وإن كانت أقل حدوثاً، وقيم سكر الدم، وقد يكون التمييز بين النمطين صعباً أحياناً، ويؤخذ في الحسبان المرضى البدينون والذين في سوابقهم العائلية إصابة بالسكري، وكذا أعراض المرض الاستقلابي، وغياب أضداد خلايا بيتا حين التشخيص والشواك الأسود. (الشواك الأسود acanthosis nigricans - تصبغات سود في مؤخرة العنق والثنيات - هو مظهر جلدي من مظاهر فرط الإنسولينية بسبب مقاومة الإنسولين).
أما الحماض الخلوني السكري فإنه وإن كان أكثر شيوعاً في النمط الأول، فهو يحدث في النمط الثاني بعد الإجهاد، ولذلك لا يعد عاملاً مميزاً على نحو مطلق، وتبقى استجابة إفراز الإنسولين والببتيد سي (طليعة الإنسولين) بعد تناول الكربوهيدرات هي المميزة.
العلاج:
النمط الثاني للداء السكري هو حصيلة حالة من مقاومة الإنسولين ونقص إفرازه، ويكون تدبير الحالات الخفيفة من ارتفاع سكر الدم غير العرضية بتعديل نمط الحياة بما في ذلك الحمية والرياضة، فقد تبين أن الرياضة تخفف مقاومة الإنسولين. وخافضات السكر الفموية هي خط العلاج الأول في معظم الأطفال في بداية المرض، وتشمل هذه الأدوية محرضات إفراز الإنسولين والمحسّسات للإنسولين، وأكثر الأدوية شيوعاً الميتفورمين metformin، أو أحد أفراد عائلة thiazolidinediones. وأهم الآثار الجانبية للمتفورمين وأندرها هو الحماض اللبني الذي يكثر في المرضى الذين يعانون من قصور كلوي، أما أكثرها شيوعاً فهو الاضطرابات المعدية المعوية. إذا حدثت بيلة خلونية أو حماض خلوني فالإنسولين حقناً هو العلاج في البداية، وحين استقرار الحالة في غضون أسابيع تحول المعالجة إلى الطريق الفموي.
قد يكون مسار النمط الثاني طويلاً قبل التشخيص، ولهذا يكون احتمال تشخيصه المبكر أكبر حين وجود قصة عائلية أو مرض استقلابي، وإعطاء محسّسات الإنسولين قد تؤخر تطور المرض أو تمنع حدوثه، وكما هي الحال عند الكبار فإن لتعديل نمط الحياة وتحسين عادات تناول الطعام وزيادة التمارين الرياضية آثارها البالغة في منع معدلات المراضة أو إقلالها.
خلل تحمّل السكر:
قد يظهر في بعض الأشخاص في مرحلة سابقة للداء السكري ما يدعى خلل تحمل السكر impaired glucose tolerance، يتجاوز فيها سكر الدم على الريق 99ملغ% ويكون بين 100-125ملغ%، وتظهر في هؤلاء المضاعفات الوعائية الصغيرة والكبيرة، مع أن كمية سكر الدم فيهم طبيعية في الحالة العادية، ويكون الخضاب السكري كذلك قريباً من الحدود الطبيعية، غير أن تعرضهم للشدة أو تناولهم مقادير عالية من السكر يرفع فيهم سكر الدم. يؤهب الحمل في النساء المصابات بخلل تحمل السكر لظهور الداء السكري في حين لايؤثر هذا الخلل في النساء غير الحوامل.
يترافق هذا الخلل على الأغلب وزيادة مقاومة الإنسولين (أو ما يدعى المتلازمة xأو المتلازمة الاستقلابية metabolic syndrome) وهي مؤلفة من: مقاومة الإنسولين، وفرط الإنسولين المعاوض، والبدانة (ولاسيما الحشوية أو البطنية)، وفرط شحوم الدم، وارتفاع الشحوم الثلاثية أو الليبوبروتين منخفض الكثافة أو كليهما، وفرط الضغط الشرياني، وعلى هذا تعد مؤهبة للنمط الثاني من الداء السكري.
الإنذار:
تشمل المضاعفات طويلة الأجل في السكري الطفلي الأوعية الدموية الصغيرة مثل: اعتلال الشبكية السكري، واعتلال الكلية، واعتلال الأعصاب، وكذا الأوعية الدموية الكبيرة مثل: الشرايين الإكليلية والدماغية مما يزيد من خطر نقص التروية القلبية، واحتشاء عضلة القلب، وموات الأطرافgangrene بسبب انسداد الشرايين، والسكتة الدماغية، وارتفاع الضغط، ولا يحدث تخرب الأعضاء قبل مرور 5 إلى 10 سنوات على الداء إلا نادرا، ولا تتظاهر أعراضها سريرياً قبل 10- 15 سنة.
يحدث اعتلال الشبكية السكري بدرجات مختلفة في كل المرضى تقريباً، وهو السبب فيما يقرب من 5000 حالة جديدة من حالات العمى في الولايات المتحدة سنوياً. أما اعتلال الكلية فيحدث في 30-40% من الحالات، ويقدر بنحو 30% من الحالات الجديدة للكبار الذين يعانون من المرحلة النهائية للمرض الكلوي، فيما يرى اعتلال الأعصاب في 30-40% من المرضى بعد البلوغ، ويتظاهر بأعراض حسية وحركية وعصبية ذاتية.
إن ضبط الداء بمراقبة السكر واستخدام حقن الإنسولين اليومية المتعددة أو مضخة الإنسولين يقلل إلى حد كبير من مضاعفات السكري، فهي تقلل مخاطر اعتلال الشبكية بنسبة 76%، ومخاطر البيلة البروتينية بنسبة 39%، ومخاطر اعتلال الأعصاب بنسبة 60%، ولهذه الفوائد شأنها في البالغين ولو نجم عن الضبط الشديد نقص سكر الدم، أما في المرضى الصغار فينصح بضبط أقل تشدداً، خشية مخاطر نقص السكر فيهم.
ينصح المرضى بتجنب الشدة النفسية والاضطراب العاطفي، وحماية الجلد من الخدوش والجروح والتلوث والعناية بالأسنان وقص الأظفار بشكل مستقيم كيلا تنغرس في اللحم، وبتجنب الرشح والزكام.
دعم عائلة الطفل السكري:
يؤدي تشخيص إصابة الطفل بالسكري إلى اضطراب أهله ويبدو الأمر وكأنه تهديد أمن العائلة واستقرارها وتغيير نمط حياتها، ويدعو إلى الخوف مما قد يلحق بالطفل من مشاكل، ولاسيما أن معلومات معظم الناس عن السكري أنه مرض يصيب الكبار فقط دون الصغار. على أن حالة الصدمة هذه سرعان ما تزول ويُقبل الأمر الواقع ليبدأ التعايش معه، كما يبدأ الأهل بطرح الأسئلة عن المرض وسيره وأخطاره وعقابيله مما يعينهم في تفهم المرض والطريقة التي يجب سلوكها لإعانة مريضهم على التعامل معه، ومن واجب الطبيب كسب هذه الفرصة لتثقيف الطفل المصاب وأهله بغاية ضبط أمرين: الطعام والإنسولين، وعلى الطبيب كذلك مراعاة الجانب النفسي للأهل وتحمل أسئلتهم والإجابة عنها الإجابات المناسبة.
وفي البلدان المتقدمة يشترك مع الطبيب المعالج مختصون اجتماعيون ونفسيون واختصاصيون بالحميات، كما يُجمع الطفل المصاب وأهله بأطفال آخرين مصابين وأهاليهم ليشعر الطفل أن هناك الكثيرين مثله يعيشون عيشة طبيعية وليتبادل الأهل الخبرات في طريقة التعامل مع أطفالهم، ويعَّرف المشرفون على الطلاب في المدارس بطرق حماية هؤلاء الأطفال المصابين إذا بدت عليهم أعراض زيادة كمية السكر في الدم أو نقصها، ويوضع لهذه الغاية للأطفال سوار أو قلادة عليها كل الإرشادات الضرورية للتصرف في حالات نقص وعي الطفل.
وفي مرحلة البلوغ قد يفكر المراهق بقطع العلاج من نفسه وهو أمر خطر جداً يجب تنبيه المراهقين له، كما يجب الانتباه أن إهمال العلاج يسرع حدوث المضاعفات ولاسيما إصابة شرايين الكلى والعيون.
غالب خلايلي