في أثناء خوضي جدالًا مع أحد المقربين قبل سنوات، سألني صديق حكيم: «هل تفضل أن تكون محقًا على أن تكون محبوبًا؟»، ألقى هذا السؤال ضوءه على بقع لطالما استعصت على عيني رؤيتها، وغدا من وقتها مُرشدي كلما دخلت جدالًا مع أحدهم.
إنه لشعور مرضٍ أن تكون على حق، فحينها لن يقع عليك عبء التغيير بل على الطرف المخطئ، وكأن الجدال صياد يحاول أن يخطف بسنارته الطرف المخطئ، فينازع المخطئ الصياد وسنارته التي تفاديتها بصوابك، وقد احتفظت باحترامك لذاتك.
بطبيعة الحال لا نفضل بدء الجدالات في كثير من الأحيان، وعلى ذلك يراودنا شعور مفهوم تمامًا بأن الخطأ ليس خطأنا، إضافةً إلى أننا نختبر في بعض الأوقات حاجةً إلى مُناصرة أنفسنا والدفاع عنها، أو إلى إعلام المقربين بأنهم فعلوا شيئًا يؤذينا.
من الشائع أن تُوَجه أصابع الاتهام إلى أحد أطراف الخلاف، فنجده قد حُشر في دائرة المتهمين وهو يحاول التملص، ما يُطيل أمد الخلاف. وحتى لو خرجت من حرب الجدال رافعًا راية نصرك، فما يزال عليك تضميد جروح عميقة تحدثها خطاباتك كلما خضت جدالًا، وإلا ستتعفن بنمو عدوى البغض وانتشارها فيها.
صاغت خبيرة علاج الأزواج سو جونسون في كتابها الأشهر الأكثر مبيعًا «تشبث بي» ما يسمى حلقة الاتهام الفاسدة، التي تهدف إلى إيجاد الشخص السيئ. ومع استمرار الدوران ضمن تلك الحلقة نجد الاتهام تلو الاتهام، إذ يحاول أطراف الجدال كسب الحجج بكامل طاقتهم ولو أدى ذلك إلى تفكك علاقتهم!
وفقًا لجونسون مؤلفة كتاب «العلاج العاطفي الأزواج»، تخترق المسافة أي علاقة حتمًا، سواء كانت حميمةً أو عائليةً أو داخليةً مع الذات، وتبدأ المسافة بالظهور لدى حدوث أفعال مثل وصول الآخر متأخرًا باستمرار، أو عدم غسله للأطباق، أو انشغاله الدائم عن أداء مشاريع برفقتك، فنختلق قصةً توجه تلك الأفعال نحونا فنأخذها على محمل شخصي، ونبث في الآخر مكمن الشرور، فهو لا يكترث لنا ولا لوقتنا. وكلما توغلت في عقولنا الأفكار وظننا أننا غير كافين، وأن حقيقتنا سيئة أو أننا محض نكرات، ازداد احتمال ظهور النيات المرضية وإلقائها على شريكنا. لكن بدلًا من الإفصاح عن المشاعر المُضمَرة، مثل مشاعر الخوف أو الحزن من فقدان الاتصال مع الطرف الآخر، نذهب إلى خيار الهجوم، فنتهم الآخر بأنه أناني أو كسول أو ربما غير مستقر نفسيًا.
يحفز خوفنا وغضبنا في أثناء الانفعال آلياتنا الدفاعية، ما يحول دون الوصول إلى المشاعر الكامنة في الأعماق التي تكون أكثر لينًا ولطفًا. وغالبًا ما يتدهور الحال بنا ليتحول الجدال إلى معركة يستحضر فيها الطرفان أخطاء بعضهما، في سبيل إثبات نقطة ما، وفي حين مجادلتهما حول فكرة وجود مُحق بينهما، يزداد كل منهما تعاسةً أكثر فأكثر.
لا شك أن المفارقة الكبرى تكمن في أن هذه الرقصة التي تحركها رغبتنا المُلحة في التواصل كما لو أنها الإيقاع، يفسدها نشاز حاجتنا إلى أن نكون على صواب.
التحول من مذنب إلى دور آخر
إن الخطوة الأولى نحو إيقاف تلك الرقصة تكمن في التعرف على كامل تفاصيلها، وتأثير تلك التفاصيل في جودة التواصل بين الطرفين.
حين تبذل الجهود سعيًا لأن تكون محقًا، ألا تشعر بألسنة لهب تتطاير فوق رأسك؟ ألا يعتريك الحزن أو الغضب أو الإحباط أو الاستياء؟ لدى غياب الشخص الآخر الذي تستهدفه بنواياك ألا تجد نفسك مهووسًا بالتفاصيل التي تلقيها على الآخر وسط مشهد تخيلي؟ لاحظ ما يفعله الأمر بجسدك، ولاحظ شعورك تجاه الشخص الآخر، ألا تشعر برغبة في الانسحاب أو الخداع، أو في لَكم شيء ما؟ إن وجدت ما سبق صحيحًا، فاسأل نفسك: هل تستحق حاجتك إلى أن تكون محقًا هذه الضريبة؟
في تلك اللحظة، التي تدرك فيها الضريبة العاطفية لما سبق، وتعترف بعبثية رقصك فوق تلك الحلقة، تستطيع ابتكار خطوات جديدة تعيد بها تشكيل رقصتك، وطريقة نظرك إلى كل تلك الخلافات.
بدلًا من البحث عن مذنب فوق خشبة المسرح، عليك أن تتساءل عن ماهية دورك في المسرحية. فعلى سبيل المثال، لو نكث زوجك بعهده في غسل الأطباق، هل ستنفجرين في وجهه، وتصفينه بالأناني الكسول؟ أو ربما تنسحبين وتتراجعين عن قول شيء تجنبًا للعراك، في حين يثور في داخلك بركان الاستياء؟
في كلتا الحالتين، أنتِ تخلقين مسافةً ضمن العلاقة، وتجعلين منها فريسةً سهلةً لحلقة ضارية من التوبيخ أو اللوم، ما يؤدي إلى خلق اضطراب داخلي وخارجي، مع نفسك ومع الآخر.
يفترض إعادة تأطير دورك في تلك الرقصة إيجاد حلقة مستمرة وفعالة يشكلها عنصران يتمثلان بالسبب والنتيجة، إذ تجمع الحلقة شخصين يحاولان إقامة علاقة ناجحة تلبي حاجاتهما بجعل طرفي العلاقة مسؤولين عن صونها، فيترتب على كل منهما اختبار سلوكه وملاحظة تأثيره في الطرف الآخر.
إذا كنت لا تزال مهتمًا باستثمار جهودك بهدف كسب الجدال أو الدفاع عن موقفك، عليك أن تسأل نفسك: «هل أفضل أن أكون محقًا أم محبوبًا؟».
تطبيق:
إنه لشعور مرضٍ أن تكون على حق، فحينها لن يقع عليك عبء التغيير بل على الطرف المخطئ، وكأن الجدال صياد يحاول أن يخطف بسنارته الطرف المخطئ، فينازع المخطئ الصياد وسنارته التي تفاديتها بصوابك، وقد احتفظت باحترامك لذاتك.
بطبيعة الحال لا نفضل بدء الجدالات في كثير من الأحيان، وعلى ذلك يراودنا شعور مفهوم تمامًا بأن الخطأ ليس خطأنا، إضافةً إلى أننا نختبر في بعض الأوقات حاجةً إلى مُناصرة أنفسنا والدفاع عنها، أو إلى إعلام المقربين بأنهم فعلوا شيئًا يؤذينا.
من الشائع أن تُوَجه أصابع الاتهام إلى أحد أطراف الخلاف، فنجده قد حُشر في دائرة المتهمين وهو يحاول التملص، ما يُطيل أمد الخلاف. وحتى لو خرجت من حرب الجدال رافعًا راية نصرك، فما يزال عليك تضميد جروح عميقة تحدثها خطاباتك كلما خضت جدالًا، وإلا ستتعفن بنمو عدوى البغض وانتشارها فيها.
صاغت خبيرة علاج الأزواج سو جونسون في كتابها الأشهر الأكثر مبيعًا «تشبث بي» ما يسمى حلقة الاتهام الفاسدة، التي تهدف إلى إيجاد الشخص السيئ. ومع استمرار الدوران ضمن تلك الحلقة نجد الاتهام تلو الاتهام، إذ يحاول أطراف الجدال كسب الحجج بكامل طاقتهم ولو أدى ذلك إلى تفكك علاقتهم!
وفقًا لجونسون مؤلفة كتاب «العلاج العاطفي الأزواج»، تخترق المسافة أي علاقة حتمًا، سواء كانت حميمةً أو عائليةً أو داخليةً مع الذات، وتبدأ المسافة بالظهور لدى حدوث أفعال مثل وصول الآخر متأخرًا باستمرار، أو عدم غسله للأطباق، أو انشغاله الدائم عن أداء مشاريع برفقتك، فنختلق قصةً توجه تلك الأفعال نحونا فنأخذها على محمل شخصي، ونبث في الآخر مكمن الشرور، فهو لا يكترث لنا ولا لوقتنا. وكلما توغلت في عقولنا الأفكار وظننا أننا غير كافين، وأن حقيقتنا سيئة أو أننا محض نكرات، ازداد احتمال ظهور النيات المرضية وإلقائها على شريكنا. لكن بدلًا من الإفصاح عن المشاعر المُضمَرة، مثل مشاعر الخوف أو الحزن من فقدان الاتصال مع الطرف الآخر، نذهب إلى خيار الهجوم، فنتهم الآخر بأنه أناني أو كسول أو ربما غير مستقر نفسيًا.
يحفز خوفنا وغضبنا في أثناء الانفعال آلياتنا الدفاعية، ما يحول دون الوصول إلى المشاعر الكامنة في الأعماق التي تكون أكثر لينًا ولطفًا. وغالبًا ما يتدهور الحال بنا ليتحول الجدال إلى معركة يستحضر فيها الطرفان أخطاء بعضهما، في سبيل إثبات نقطة ما، وفي حين مجادلتهما حول فكرة وجود مُحق بينهما، يزداد كل منهما تعاسةً أكثر فأكثر.
لا شك أن المفارقة الكبرى تكمن في أن هذه الرقصة التي تحركها رغبتنا المُلحة في التواصل كما لو أنها الإيقاع، يفسدها نشاز حاجتنا إلى أن نكون على صواب.
التحول من مذنب إلى دور آخر
إن الخطوة الأولى نحو إيقاف تلك الرقصة تكمن في التعرف على كامل تفاصيلها، وتأثير تلك التفاصيل في جودة التواصل بين الطرفين.
حين تبذل الجهود سعيًا لأن تكون محقًا، ألا تشعر بألسنة لهب تتطاير فوق رأسك؟ ألا يعتريك الحزن أو الغضب أو الإحباط أو الاستياء؟ لدى غياب الشخص الآخر الذي تستهدفه بنواياك ألا تجد نفسك مهووسًا بالتفاصيل التي تلقيها على الآخر وسط مشهد تخيلي؟ لاحظ ما يفعله الأمر بجسدك، ولاحظ شعورك تجاه الشخص الآخر، ألا تشعر برغبة في الانسحاب أو الخداع، أو في لَكم شيء ما؟ إن وجدت ما سبق صحيحًا، فاسأل نفسك: هل تستحق حاجتك إلى أن تكون محقًا هذه الضريبة؟
في تلك اللحظة، التي تدرك فيها الضريبة العاطفية لما سبق، وتعترف بعبثية رقصك فوق تلك الحلقة، تستطيع ابتكار خطوات جديدة تعيد بها تشكيل رقصتك، وطريقة نظرك إلى كل تلك الخلافات.
بدلًا من البحث عن مذنب فوق خشبة المسرح، عليك أن تتساءل عن ماهية دورك في المسرحية. فعلى سبيل المثال، لو نكث زوجك بعهده في غسل الأطباق، هل ستنفجرين في وجهه، وتصفينه بالأناني الكسول؟ أو ربما تنسحبين وتتراجعين عن قول شيء تجنبًا للعراك، في حين يثور في داخلك بركان الاستياء؟
في كلتا الحالتين، أنتِ تخلقين مسافةً ضمن العلاقة، وتجعلين منها فريسةً سهلةً لحلقة ضارية من التوبيخ أو اللوم، ما يؤدي إلى خلق اضطراب داخلي وخارجي، مع نفسك ومع الآخر.
يفترض إعادة تأطير دورك في تلك الرقصة إيجاد حلقة مستمرة وفعالة يشكلها عنصران يتمثلان بالسبب والنتيجة، إذ تجمع الحلقة شخصين يحاولان إقامة علاقة ناجحة تلبي حاجاتهما بجعل طرفي العلاقة مسؤولين عن صونها، فيترتب على كل منهما اختبار سلوكه وملاحظة تأثيره في الطرف الآخر.
إذا كنت لا تزال مهتمًا باستثمار جهودك بهدف كسب الجدال أو الدفاع عن موقفك، عليك أن تسأل نفسك: «هل أفضل أن أكون محقًا أم محبوبًا؟».
تطبيق:
- صف علاقتك بالشخص الذي تخوض معه الجدال، ما مدى أهمية هذا الشخص في حياتك؟ وما سبب بلوغه ذلك المدى؟
- هل ترقص على أنغام كسب الجدال أم على أنغام الحب؟ وكيف تؤثر تلك الأنغام في جسدك؟
- ما دورك في هذه الرقصة؟ (مثلًا عندما يفعل الطرف الآخر هذا الأمر، أفعل أنا ذلك الشيء).
- هل تفضل أن تكون محقًا على أن تكون محبوبًا؟ إن أجبت بنعم فاشرح أهمية كونك على حق، وإن أجبت بلا ففكر في كيفية استرجاع الاتصال المفقود، فكر مثلًا في سماع الآخر أو في عناقه، أو في الاعتراف له بأنك لا تريد أن تستمرا في تبادل الأذى.