الأنماط الشخصية هي النماذج الفطرية الجمعية للبشر أو السلوكيات الجمعية، أو الشخصيات التي تساهم في التأثير في سلوك الإنسان. طرحها أول مرة الطبيب النفسي السويسري كارل يونغ ، الذي اقترح أن هذه النماذج هي أشكال عتيقة من المعرفة الفطرية للإنسان ورثناها عن أسلافنا.
في علم نفس يونغ، تمثل الأنماط الشخصية التصورات واسعة الانتشار بوصفها جزءًا من اللاوعي الجمعي، اعتقد يونغ أننا نرث هذه النماذج كما نرث أنماط السلوك الفطري.
اللاوعي الفردي واللاوعي الجمعي
كان يونغ من مؤيدي معلمه سيغموند فرويد، لكن علاقتهما توترت بسبب انتقاد يونغ لفرويد لتأكيده الجنسانية في أثناء التطور، ما قاد يونغ إلى تطوير مقاربته التحليلية الخاصة التي عُرفت بعلم النفس التحليلي.
مع أن يونغ اتفق مع فرويد على أهمية الدور الذي يؤديه اللاوعي في تشكيل الشخصية والسلوك، فقد وسّع فكرة فرويد حول اللاوعي الفردي ليجعلها تتضمن ما أسماه اللاوعي الجمعي. إذ اعتقد يونغ أن النفس البشرية تتألف من ثلاثة عناصر:
- الأنا.
- اللاوعي الفردي.
- اللاوعي الجمعي.
وفقًا ليونغ، تمثل الأنا العقل الواعي، ويضم اللاوعي الفردي الذكريات، ومنها المكبوتة، واللاوعي الجمعي هو عنصر مميز من النفس قدمه يونغ بوصفه شكلًا من الوراثة النفسية، ويضم كل المعارف والتجارب التي يتشاركها البشر.
أصول الأنماط الشخصية عند يونغ
من أين تأتي هذه الأنماط؟ اعتقد يونغ أن اللاوعي الجمعي هو مصدرها، واقترح أن هذه النماذج فطرية وجمعية ومتوارثة، فهي غير مكتسبة وتعمل لتنظيم ردود أفعالنا حيال أمور معينة.
يشرح يونغ هذا في كتابه هيكل النفس: «تعود أقوى الأفكار على مر التاريخ إلى الأنماط الشخصية، وينطبق هذا تمامًا على الأفكار الدينية، والمفهوم الأساسي للعلم والفلسفة والأخلاقيات ليس استثناءً، فهي بصيغتها الحالية تنويعات من أفكار نموذجية بدائية أبدعها تبنيها الواعي وتطبيقها في الواقع، فلا تنحصر وظيفة الوعي في إدراك العالم الخارجي واستيعابه بواسطة الحواس فقط، بل تشمل ترجمة عالمنا الداخلي إلى واقع مرئي أيضًا».
رفض يونغ مفهوم «الصفحة البيضاء»، أو أن العقل البشري لوح فارغ عند الولادة، وأن ما يغنيه التجربة فحسب. واعتقد أن العقل يحتفظ بنواحٍ أساسية وبيولوجية لا واعية من أسلافنا، هذه الانطباعات البدائية تؤدي دورًا أساسيًّا في ترسيخ جذورنا نحن البشر.
وفقًا ليونغ، فإن الشخصيات القديمة والأسطورية التي تبني نمط الشخصية تؤثر في كل الناس حول العالم، هذه الأنماط الشخصية ترمز إلى الدوافع والقيم والشخصيات الإنسانية الأساسية.
كل نمط شخصي يؤدي دورًا في الشخصية، لكن معظم الناس يغلب عليهم نمط واحد، وتتعلق طريقة التعبير عن النمط الشخصي أو إدراكه بعدة عوامل تتضمن التأثيرات الثقافية والتجارب الفردية الخاصة.
حدد يونغ أربعة أنماط شخصية، لكن عدد الأنماط المحتملة غير محدود، ولا يمكن تحديد هذه الأنماط مباشرة، لكن بوسعنا استنتاجها بالنظر إلى النواحي الدينية والأحلام والفن والأدب.
القناع
يشير هذا المصطلح المأخوذ عن الكلمة اللاتينية «persona بيرسونا» إلى أكثر من الترجمة الحرفية لها، فهو الطريقة التي نقدم فيها أنفسنا للعالم. وتمثل البيرسونا كل الأقنعة التي نرتديها في المواقف الاجتماعية المختلفة، وهدفها حماية الأنا من الانطباعات السلبية، وفقًا ليونغ، قد تظهر في الأحلام وتتخذ أشكالًا عديدة.
يتعلم الأطفال على مسار التطور أن عليهم التصرف بطريقة معينة لكي يرتقوا إلى مستوى توقعات المجتمع ومعاييره، وتتطور البيرسونا بوصفها قناعًا اجتماعيًا لكبح كل الدوافع الفطرية والمشاعر غير المقبولة اجتماعيًا واحتوائها.
يساعد نمط شخصية القناع الناس على التكيف مع العالم المحيط بهم والانتماء للمجتمع الذي يعيشون ضمنه، لكن البقاء طويلًا تحت القناع قد يؤدي إلى فقدان مفهوم الذات الحقيقية.
الظل
يضم الناحية الجنسية والغرائز. الظل بوصفه جزءًا من اللاوعي، يتكون من الأفكار المكبوتة ونقاط الضعف والرغبات والغرائز والنقائص.
ينشأ الظل من محاولاتنا التكيف مع المعايير الثقافية والتوقعات، وهو النمط الشخصي الذي يضم كل الأمور التي ترفضها أخلاق الشخص نفسه وقيمه وليس المجتمع فقط، فقد يضم أشياء كالحسد والجشع والتكبر والكراهية والعنف.
اقترح يونغ أن الظل قد يظهر في الأحلام والرؤى ويتخذ أشكالًا عديدة، فيظهر على شكل أفعى، أو وحش، أو شيطان، أو تنين، أو أي شكل غريب وخبيث وهمجي.
يوصف هذا النمط بأنه الجانب المظلم للنفس، فهو يمثل الهمجية والفوضى والمجهول. اعتقد يونغ أن هذه النزعات الكامنة موجودة فينا جميعًا، مع أن الناس ينكرونها من أنفسهم عادة ويعكسونها على الآخرين.
أنوثة الذكر (أنيما) وذكورة الأنثى (أنيموس)
الأنيما هي انطباع أنثوي في نفس الذكر، والأنيموس هو انطباع ذكوري في نفس الأنثى، تمثل ثنائية أنيما-أنيموس الذات الحقيقية أكثر من تمثيلها للصورة التي نقدمها للآخرين، وتشكّل مصدرًا أوليًا في التواصل مع اللاوعي الجمعي.
اعتقد يونغ أن التغيرات النفسية والتأثيرات الاجتماعية ساهمت في تحديد الأدوار الجنسية والهوية الجندرية وأدوارنا تبعًا لجنسنا، واقترح أن تأثير النمطين الشخصيين -أنيما وأنيموس- له دور في هذه العملية أيضًا، تمثل الأنيموس الجانب الذكوري للمرأة، في حين تمثل الأنيما الجانب الأنثوي للرجل.
تعود تصورات النمطين الشخصيين إلى اللاوعي الفردي والجمعي معًا، فيضم اللاوعي الجمعي مفاهيم عن السلوك المفترض للمرأة، في حين تساهم التجربة الشخصية مع الزوجة والحبيبة والأخت والأم في تعميق الصورة الشخصية عن المرأة.
لكن العديد من الثقافات تدفع الرجال والنساء إلى تبني أدوار تقليدية وأحيانًا صارمة استنادًا إلى الجنس، ورأى يونغ أن تثبيط استكشاف الرجال لجوانبهم الأنثوية والنساء لجوانبهن الذكورية يقوّض التطور النفسي.
يُعرَف الأنيما والأنيموس مُجتمعَين بالاقتران أو الزواج المقدس، ويمثّل الاكتمال والاتحاد والكُليّة.
الذات
نمط شخصي يمثل اتحاد الوعي مع اللاوعي عند الفرد، وغالبًا ما قدمها يونغ على شكل دائرة أو مربع أو ماندالا.
تُخلَق الذات في عملية تُعرَف بالتفرُّد، إذ تتكامل فيها النواحي المتعددة من الشخصية. اعتقد يونغ أن التنافر بين العقل الواعي واللاواعي قد يسبب مشكلات نفسية، كان إحضار هذه الصراعات إلى واجهة الوعي ومواءمتها في الوعي جزءًا مهمًا من عملية التفرد (تكوين الذات).
اقترح يونغ وجود مركزين مختلفين للشخصية:
- تشكّل الأنا مركز الوعي. لكن الذات هي التي تتربع في مركز الشخصية.
- تشمل الشخصية الأنا والعقل الواعي، لا الوعي فقط.
لفهمها تخيل دائرة مع نقطة في مركزها، الدائرة هي الذات، والنقطة الصغيرة في المنتصف هي الأنا. كان الهدف الأساسي ليونغ أن يصل الفرد إلى ذات متينة تشبه في العديد من النواحي مفهوم ماسلو حول تحقيق الذات.
أنماط شخصية أخرى
أشار يونغ إلى أن عدد الأنماط الشخصية الموجودة غير ثابت أو محدد، بل على العكس، قد تتداخل وتندمج في أي وقت، من الأنماط الشخصية الأخرى:
- الأب: رمز السلطة والصرامة والقوة.
- الأم: الحضن والعزاء.
- الابن: التوق إلى البراءة والانبعاث والخلاص.
- الرجل المسن الحكيم: الإرشاد والمعرفة والحكمة.
- البطل: الحامي والمنقذ.
- العذراء: البراءة والرغبة والنقاء.
- المنافق: المخادع والكاذب ومفتعل المشاكل.
لم تنل أفكار يونغ الشعبية التي نالتها أفكار فرويد، ولم يدرس علم النفس الحديث الأنماط التي قدمها بتمعن، ربما لميل أعماله للتطرق إلى الروحانية الغامضة والعلوم الزائفة، لذلك دُرِسَت بوصفها تأريخًا إنسانيًا في نطاق النقد الأدبي والمنظور الشعبي للأساطير، لا بوصفها مساهمة مهمة في علم النفس والسلوك. تقترح الانتقادات الأخرى أن الأنماط الشخصية ليونغ مقولبة واختزالية ومنحازة ثقافيًا.