حصانه قانونيه
Legal immunity - Légale immunité
الحصانة القانونية
ترجع كلمة حصانة من الناحية اللغوية في أصلها إلى فعل حَصُنَ، أي منع، والحصن كل موضع حصين لا يوصل إلى ما في جوفه، والجمع حصون. ومن هنا جاءت الحصانة immunity، بمعنى جعل المتمتع بها في حالة تمنع التعرض إليه، أو مقاضاته لأسباب ينظمها القانون الدولي في مجال العلاقات الدولية بالنسبة للمبعوث الدبلوماسي ومن في حكمه، وينظمها القانون الوطني فيما يتعلق بمن يتمتع بالحصانة من رعايا الدول المعنية.
إن مفهوم الحصانة عموماً غير محدد، مما يجعل كل محاولة لتنظيمها في نسق واحد أمراً صعباً، ومن ثم من غير الممكن إيجاد تعريف واحد لها، لأنه من المستحيل أن نذهب إلى المبدأ نفسه لشرح حصانة أعضاء المجالس النيابية وحصانة رئيس الدولة والمبعوث الدبلوماسي، أو حصانة أعضاء السلطة القضائية.
عرفت الاتفاقيات الدولية[ر] الحصانة بقولها: «الحصانة تعني امتياز الإعفاء من ممارسة الولاية القضائية، أو هيمنة السلطات المحلية». وعرف معجم المصطلحات الاجتماعية الحصانة عموماً بأنها: «إعفاء الأفراد من التزام أو مسؤولية، كإعفائهم من تطبيق القواعد العامة في المسائل القضائية أو المالية».
وفي ضوء ما تقدم يمكن تعريف الحصانة عموماً بأنها: «قواعد مانعة، تضيق أو تحد من الاختصاص القضائي للدولة». والحصانة بمعناها العام هي حماية أشخاص معينين من الملاحقة القضائية عن الأفعال التي يرتكبونها في معرض قيامهم بأعمالهم الرسمية، وهي مقررة من أجل المصلحة العامة، لا من أجل مصالح الأشخاص الذين يتمتعون بها. والحصانة إما أن تكون مستمدة من أحكام الدستور، أو من أحكام القانون الدولي، أو من القوانين الخاصة.ويمكن تقسيم الحصانات وفقاً للأنواع الآتية:
أولاً: الحصانة النيابية
أضفت الدساتير حصانة على أعضاء المجالس النيابية. وفي الواقع يتمتع النواب بحصانة مزدوجة أحداهما نهائية والأخرى مؤقتة.
الحصانة النهائية: لا يجوز إقامة الدعوى العامة على عضو المجلس النيابي بسبب الآراء والأفكار التي يبديها مدة نيابته ولو بعد ما ترك منصبه وغدا شخصاً عادياً. وهذه الحصانة توفر للنائب حرية الكلام والمناقشة في ممارسة أعماله من دون الخشية من أي ملاحقة جزائية، شرط أن تكون الأفكار والآراء التي يدلي بها النائب في أثناء ممارسة أعماله النيابية المقررة كالاقتراحات والملاحظات التي تصدر عنه في تأديته مهامه.
لكن النائب يُسأل عن الجرائم التي يرتكبها في غير مجال عمله النيابي وإن ظهر فيها بصفته الرسمية، كأن ينشر - بصفته نائباً - استجواباً فيه تشهير بأحد الأشخاص، قبل تلاوة السؤال والرد عليه في جلسة رسمية، أو قبل وضع الاستجواب موضع المناقشة في المجلس.
الحصانة المؤقتة: هذه الحصانة لا تعفي من الملاحقة الجزائية من جرم ارتكبه النائب، إنما توقف الملاحقة بهذا الجرم حتى يأذن المجلس بها. فلا يجوز في أثناء دورة انعقاد المجلس اتخاذ إجراءات جزائية نحو أي عضو من أعضاء المجلس والقبض عليه، إذا اقترف جرماً إلا بإذن المجلس، ما عدا حالة الجرم المشهود[ر]. وليس للمجلس أن يعمد في معرض دراسته لطلب الإذن أن يبحث في موضوع الدعوى وعناصرها ومدى ثبوتها. أي ليس له أن ينصب نفسه قاضياً ينظر بأساس التهمة ومدى صحتها، بل يقتصر حقه على معرفة الباعث على الدعوى، وما إذا كان لها أصلاً غرض سياسي يستهدف الضغط على النائب والكيد له للحد من معارضته أو تحويله عن أفكار أبداها في المجلس. فإن كان الدافع إلى الملاحقة هو الجرم وتحقيق العدالة من غير أن يكون للاعتبارات السياسية الموجهة شأن فيها، فليس ما يمنع من إصدار الإذن بالملاحقة.
وتبقى الملاحقة الجزائية جائزة دون قيد، إن حصل ما يستوجبها في الفترة الفاصلة بين دورتين. وإذا ما أقيمت الدعوى العامة بحق النائب قبل بدء الدورة أو قبل انتخابه نائباً، استمرت ملاحقته بعد بدء الدورة ومن دون إذن المجلس باستمرارها، وليس للنائب أن يحتج بالحصانة.
وهذه الحصانة لا تمنع النيابة العامة في أثناء دورة الانعقاد من مباشرة التحقيقات الأولية كشفاً لجريمة أو توفيراً للدليل عليها، مادامت هذه الإجراءات السابقة لتحريك الدعوى العامة لا تمس النائب في شخصه أو حريته أو حرمة منزله، فيكون للنيابة العامة في هذا الصدد استجواب الشهود والاستعانة بالخبرة، ومعاينة موقع الجريمة من غير أن تستدعي النائب لاستجوابه أو تفتيش منزله. فإن أرادت بعد هذا التحقيق الأولي الادعاء على النائب، وكانت الدورة منعقدة فإن الملاحقة تبقى معلقة على إذن من المجلس، وتستعيد النيابة العامة حقها بعد اختتام الدورة لإقامة الدعوى العامة بحق النائب.
أما من ناحية مدى هذه الحصانة فلا محل لها إن قُبض على النائب بالجرم المشهود، لأن من المستبعد والنائب متلبس بالجريمة أن تكون هناك شبهة الإيقاع به أو الكيد له من خصومه السياسيين.
ولكن الحصانة لا تمنع من مطالبة النائب أمام القضاء المدني بالتعويض عن ضرر تأتى عن جرمه، ولا من مداعاته أمام القضاء الجزائي بصفته مسؤولاً بالمال، وإن كانت الدورة منعقدة، إذ إن الحصانة تنصب على الملاحقة الجزائية والإجراءات المتصلة بها فلا تمتد إلى الدعوى المدنية.
أما إذا كان هناك حكم مبرم فلا حاجة للحصول على إذن المجلس بتنفيذه بحق النائب، لأن الغاية من الإذن هي الخشية من أن تتخذ إجراءات كيدية ضد العضو، وهذه المحاذير منتفية في حال صدور حكم قضائي مبرم.
ثانياً: الحصانة القضائية
خص المشرع القضاة بامتياز عند اقترافهم جرماً خارجاً عن الوظيفة أو منبثقاً عنها، وأضفى عليه حصانة خاصة تميزهم من غيرهم، فنصت المادة 133 من الدستور السوري على أن القضاة مستقلون لا سلطان عليهم في قضائهم لغير القانون، ونصت المادة 114 من قانون السلطة القضائية السوري على أنه: في الجرائم التي يرتكبها القضاة، في أثناء قيامهم بالوظيفة أو خارجها. لا تقام عليهم الدعوى العامة إلا من قِبل النائب العام للجمهورية، ويتم ذلك بإذن من لجنة تؤلف من رئيس محكمة النقض واثنين من أقدم مستشاريها، أو بناء على طلب مجلس القضاء الأعلى. فإن كان ما أسند للقاضي لا يعدو كونه زلة مسلكية فرض المجلس العقوبة المسلكية المناسبة، أما إن تبين لمجلس القضاء الأعلى أن ما نُسب للقاضي يعد جريمة، فيترتب على النائب العام أن يعمد لاستكمال التحقيق من قِبَل إدارة التفتيش القضائي إن كان هناك نقصاً في الأدلة التي شفعت فيها الشكوى، أما إن كانت هذه الأدلة مما يركن إليه فعلى النائب العام أن يحيل هذه الشكوى إلى لجنة الإذن، وإذا حُجب هذا الإذن، فإن أثر ذلك ينسحب إلى ما بعد ترك القاضي عمله القضائي. وصلاحيات هذه اللجنة مطلقة لأنها تملك حق إعطاء الإذن ورفضه. ومتى صدر الإذن وقامت الملاحقة، فلا يجوز أن تتوقف بسقوطه أو بالصفح إلا في الأحوال التي يكون فيها الادعاء شرطاً قانونياً لجواز الملاحقة.
أما إن ارتكب القاضي جرماً مشهوداً، فيحق لرجال الضابطة أن يباشروا التحقيق مع هذا القاضي، على أن يعلموا أقرب قاضٍ في الأمر، ليقوم برفعه إلى النائب العام. ويُحال القاضي أمام الهيئة العامة لمحكمة النقض، فيعين رئيس المحكمة أحد قضاتها للقيام بالتحقيق إن كان الجرم جنائياً. واستناداً إلى هذا القرار الذي لا يقبل الطعن إلا في حالة منع المحاكمة، يحال القاضي المدعى عليه إلى المحكمة. وللمتضرر من الجريمة أن يدخل الدعوى مدعياً شخصياً في أثناء التحقيق والمحاكمة.
وإذا كان للقاضي المدعى عليه بجريمة شريك أو متدخل في الجرم، فِتُرى الدعوى بحقهما معاً أمام المحكمة العائدة إليها محاكمة القاضي.
ويحق للهيئة العامة أن تقرر كف يد القاضي الملاحق أمامها، ويعد القاضي مكفوف اليد حكماً، بعد صدور مذكرة التوقيف بحقه. ويحق للهيئة العامة أن تقرر إنهاء مفعول كف اليد وأن تقرر في أثناء المحاكمة إخلاء سبيل القاضي الموقوف. ويتم توقيف القاضي في مكان خاص في قصر العدل.
وتعد الأحكام والقرارات التي تصدرها محكمة النقض في هذا الصدد غير قابلة لأي طريق من طرق المراجعة، سوى الاعتراض على الأحكام الغيابية.
ثالثاً: الحصانة الدبلوماسية[ر. الدبلوماسية]
فالحصانة عموماً ليست رخصة لمن يتمتع بها ليكون في وضع مميز في مواجهة المواطن العادي، ولا تعني عدم احترام المستفيد منها لأنظمة الدول المستقبلة وقوانينها الداخلية، بل عليه احترام هذه القوانين والالتزام بأحكامها، طبقاً لما أقره العرف الدولي المقنن وغير المقنن، لأن الحصانة ليست حصانة ضد القانون، بل هي حصانة تحول من دون تطبيق الجوانب الإجرائية من هذا القانون على المستفيد منها. وعلى من يتمتع بها، سواء أكان دبلوماسياً أم نائباً أم قاضياً أن يكون عند حُسن ظن الدولة التي أوفدته لتمثيلها، والشعب الذي اصطفاه للسهر على مصالحه، وأن يجسد معنى العدل بسلوكه وعمله.
إبراهيم كراف
Legal immunity - Légale immunité
الحصانة القانونية
ترجع كلمة حصانة من الناحية اللغوية في أصلها إلى فعل حَصُنَ، أي منع، والحصن كل موضع حصين لا يوصل إلى ما في جوفه، والجمع حصون. ومن هنا جاءت الحصانة immunity، بمعنى جعل المتمتع بها في حالة تمنع التعرض إليه، أو مقاضاته لأسباب ينظمها القانون الدولي في مجال العلاقات الدولية بالنسبة للمبعوث الدبلوماسي ومن في حكمه، وينظمها القانون الوطني فيما يتعلق بمن يتمتع بالحصانة من رعايا الدول المعنية.
إن مفهوم الحصانة عموماً غير محدد، مما يجعل كل محاولة لتنظيمها في نسق واحد أمراً صعباً، ومن ثم من غير الممكن إيجاد تعريف واحد لها، لأنه من المستحيل أن نذهب إلى المبدأ نفسه لشرح حصانة أعضاء المجالس النيابية وحصانة رئيس الدولة والمبعوث الدبلوماسي، أو حصانة أعضاء السلطة القضائية.
عرفت الاتفاقيات الدولية[ر] الحصانة بقولها: «الحصانة تعني امتياز الإعفاء من ممارسة الولاية القضائية، أو هيمنة السلطات المحلية». وعرف معجم المصطلحات الاجتماعية الحصانة عموماً بأنها: «إعفاء الأفراد من التزام أو مسؤولية، كإعفائهم من تطبيق القواعد العامة في المسائل القضائية أو المالية».
وفي ضوء ما تقدم يمكن تعريف الحصانة عموماً بأنها: «قواعد مانعة، تضيق أو تحد من الاختصاص القضائي للدولة». والحصانة بمعناها العام هي حماية أشخاص معينين من الملاحقة القضائية عن الأفعال التي يرتكبونها في معرض قيامهم بأعمالهم الرسمية، وهي مقررة من أجل المصلحة العامة، لا من أجل مصالح الأشخاص الذين يتمتعون بها. والحصانة إما أن تكون مستمدة من أحكام الدستور، أو من أحكام القانون الدولي، أو من القوانين الخاصة.ويمكن تقسيم الحصانات وفقاً للأنواع الآتية:
أولاً: الحصانة النيابية
أضفت الدساتير حصانة على أعضاء المجالس النيابية. وفي الواقع يتمتع النواب بحصانة مزدوجة أحداهما نهائية والأخرى مؤقتة.
الحصانة النهائية: لا يجوز إقامة الدعوى العامة على عضو المجلس النيابي بسبب الآراء والأفكار التي يبديها مدة نيابته ولو بعد ما ترك منصبه وغدا شخصاً عادياً. وهذه الحصانة توفر للنائب حرية الكلام والمناقشة في ممارسة أعماله من دون الخشية من أي ملاحقة جزائية، شرط أن تكون الأفكار والآراء التي يدلي بها النائب في أثناء ممارسة أعماله النيابية المقررة كالاقتراحات والملاحظات التي تصدر عنه في تأديته مهامه.
لكن النائب يُسأل عن الجرائم التي يرتكبها في غير مجال عمله النيابي وإن ظهر فيها بصفته الرسمية، كأن ينشر - بصفته نائباً - استجواباً فيه تشهير بأحد الأشخاص، قبل تلاوة السؤال والرد عليه في جلسة رسمية، أو قبل وضع الاستجواب موضع المناقشة في المجلس.
الحصانة المؤقتة: هذه الحصانة لا تعفي من الملاحقة الجزائية من جرم ارتكبه النائب، إنما توقف الملاحقة بهذا الجرم حتى يأذن المجلس بها. فلا يجوز في أثناء دورة انعقاد المجلس اتخاذ إجراءات جزائية نحو أي عضو من أعضاء المجلس والقبض عليه، إذا اقترف جرماً إلا بإذن المجلس، ما عدا حالة الجرم المشهود[ر]. وليس للمجلس أن يعمد في معرض دراسته لطلب الإذن أن يبحث في موضوع الدعوى وعناصرها ومدى ثبوتها. أي ليس له أن ينصب نفسه قاضياً ينظر بأساس التهمة ومدى صحتها، بل يقتصر حقه على معرفة الباعث على الدعوى، وما إذا كان لها أصلاً غرض سياسي يستهدف الضغط على النائب والكيد له للحد من معارضته أو تحويله عن أفكار أبداها في المجلس. فإن كان الدافع إلى الملاحقة هو الجرم وتحقيق العدالة من غير أن يكون للاعتبارات السياسية الموجهة شأن فيها، فليس ما يمنع من إصدار الإذن بالملاحقة.
وتبقى الملاحقة الجزائية جائزة دون قيد، إن حصل ما يستوجبها في الفترة الفاصلة بين دورتين. وإذا ما أقيمت الدعوى العامة بحق النائب قبل بدء الدورة أو قبل انتخابه نائباً، استمرت ملاحقته بعد بدء الدورة ومن دون إذن المجلس باستمرارها، وليس للنائب أن يحتج بالحصانة.
وهذه الحصانة لا تمنع النيابة العامة في أثناء دورة الانعقاد من مباشرة التحقيقات الأولية كشفاً لجريمة أو توفيراً للدليل عليها، مادامت هذه الإجراءات السابقة لتحريك الدعوى العامة لا تمس النائب في شخصه أو حريته أو حرمة منزله، فيكون للنيابة العامة في هذا الصدد استجواب الشهود والاستعانة بالخبرة، ومعاينة موقع الجريمة من غير أن تستدعي النائب لاستجوابه أو تفتيش منزله. فإن أرادت بعد هذا التحقيق الأولي الادعاء على النائب، وكانت الدورة منعقدة فإن الملاحقة تبقى معلقة على إذن من المجلس، وتستعيد النيابة العامة حقها بعد اختتام الدورة لإقامة الدعوى العامة بحق النائب.
أما من ناحية مدى هذه الحصانة فلا محل لها إن قُبض على النائب بالجرم المشهود، لأن من المستبعد والنائب متلبس بالجريمة أن تكون هناك شبهة الإيقاع به أو الكيد له من خصومه السياسيين.
ولكن الحصانة لا تمنع من مطالبة النائب أمام القضاء المدني بالتعويض عن ضرر تأتى عن جرمه، ولا من مداعاته أمام القضاء الجزائي بصفته مسؤولاً بالمال، وإن كانت الدورة منعقدة، إذ إن الحصانة تنصب على الملاحقة الجزائية والإجراءات المتصلة بها فلا تمتد إلى الدعوى المدنية.
أما إذا كان هناك حكم مبرم فلا حاجة للحصول على إذن المجلس بتنفيذه بحق النائب، لأن الغاية من الإذن هي الخشية من أن تتخذ إجراءات كيدية ضد العضو، وهذه المحاذير منتفية في حال صدور حكم قضائي مبرم.
ثانياً: الحصانة القضائية
خص المشرع القضاة بامتياز عند اقترافهم جرماً خارجاً عن الوظيفة أو منبثقاً عنها، وأضفى عليه حصانة خاصة تميزهم من غيرهم، فنصت المادة 133 من الدستور السوري على أن القضاة مستقلون لا سلطان عليهم في قضائهم لغير القانون، ونصت المادة 114 من قانون السلطة القضائية السوري على أنه: في الجرائم التي يرتكبها القضاة، في أثناء قيامهم بالوظيفة أو خارجها. لا تقام عليهم الدعوى العامة إلا من قِبل النائب العام للجمهورية، ويتم ذلك بإذن من لجنة تؤلف من رئيس محكمة النقض واثنين من أقدم مستشاريها، أو بناء على طلب مجلس القضاء الأعلى. فإن كان ما أسند للقاضي لا يعدو كونه زلة مسلكية فرض المجلس العقوبة المسلكية المناسبة، أما إن تبين لمجلس القضاء الأعلى أن ما نُسب للقاضي يعد جريمة، فيترتب على النائب العام أن يعمد لاستكمال التحقيق من قِبَل إدارة التفتيش القضائي إن كان هناك نقصاً في الأدلة التي شفعت فيها الشكوى، أما إن كانت هذه الأدلة مما يركن إليه فعلى النائب العام أن يحيل هذه الشكوى إلى لجنة الإذن، وإذا حُجب هذا الإذن، فإن أثر ذلك ينسحب إلى ما بعد ترك القاضي عمله القضائي. وصلاحيات هذه اللجنة مطلقة لأنها تملك حق إعطاء الإذن ورفضه. ومتى صدر الإذن وقامت الملاحقة، فلا يجوز أن تتوقف بسقوطه أو بالصفح إلا في الأحوال التي يكون فيها الادعاء شرطاً قانونياً لجواز الملاحقة.
أما إن ارتكب القاضي جرماً مشهوداً، فيحق لرجال الضابطة أن يباشروا التحقيق مع هذا القاضي، على أن يعلموا أقرب قاضٍ في الأمر، ليقوم برفعه إلى النائب العام. ويُحال القاضي أمام الهيئة العامة لمحكمة النقض، فيعين رئيس المحكمة أحد قضاتها للقيام بالتحقيق إن كان الجرم جنائياً. واستناداً إلى هذا القرار الذي لا يقبل الطعن إلا في حالة منع المحاكمة، يحال القاضي المدعى عليه إلى المحكمة. وللمتضرر من الجريمة أن يدخل الدعوى مدعياً شخصياً في أثناء التحقيق والمحاكمة.
وإذا كان للقاضي المدعى عليه بجريمة شريك أو متدخل في الجرم، فِتُرى الدعوى بحقهما معاً أمام المحكمة العائدة إليها محاكمة القاضي.
ويحق للهيئة العامة أن تقرر كف يد القاضي الملاحق أمامها، ويعد القاضي مكفوف اليد حكماً، بعد صدور مذكرة التوقيف بحقه. ويحق للهيئة العامة أن تقرر إنهاء مفعول كف اليد وأن تقرر في أثناء المحاكمة إخلاء سبيل القاضي الموقوف. ويتم توقيف القاضي في مكان خاص في قصر العدل.
وتعد الأحكام والقرارات التي تصدرها محكمة النقض في هذا الصدد غير قابلة لأي طريق من طرق المراجعة، سوى الاعتراض على الأحكام الغيابية.
ثالثاً: الحصانة الدبلوماسية[ر. الدبلوماسية]
فالحصانة عموماً ليست رخصة لمن يتمتع بها ليكون في وضع مميز في مواجهة المواطن العادي، ولا تعني عدم احترام المستفيد منها لأنظمة الدول المستقبلة وقوانينها الداخلية، بل عليه احترام هذه القوانين والالتزام بأحكامها، طبقاً لما أقره العرف الدولي المقنن وغير المقنن، لأن الحصانة ليست حصانة ضد القانون، بل هي حصانة تحول من دون تطبيق الجوانب الإجرائية من هذا القانون على المستفيد منها. وعلى من يتمتع بها، سواء أكان دبلوماسياً أم نائباً أم قاضياً أن يكون عند حُسن ظن الدولة التي أوفدته لتمثيلها، والشعب الذي اصطفاه للسهر على مصالحه، وأن يجسد معنى العدل بسلوكه وعمله.
إبراهيم كراف