حبان
Ibn Hibban - Ibn Hibban
ابن حِبَّان
(قبل سنة 274-354هـ/878-965م)
أبو حاتم محمد بن حبان بن أحمد التميمي الدارمي البُسْتي الشافعي. العلامة القاضي شيخ خراسان، من فقهاء الدين وحفاظ الحديث المشهورين ، كان معروفاً بعلم اللغة والوعظ وعارفاً بالطب والنجوم والكلام.ولد في مدينة بُسْت من أعمال سجستان.
طلب ابن حبان العلم على رأس الثلاثمئة للهجرة، فأدرك الأئمة والعلماء والأسانيد العالية. وكان مكثراً من الشيوخ، فسمع أمماً لا يُحْصَون من مصر إلى خراسان، ويذكر أنه سمع من أكثر من ألفي شيخ، منهم: أبو بكر محمد بن إسحاق بن خزيمة[ر]، وأبو عبد الرحمن أحمد بن شعيب بن علي النسائي[ر]، وأبو يعلى أحمد بن علي ابن المثنى الموصلي[ر]، وأبو خليفة الفضل بن الحباب الجمحي، وهو أكبر شيخ لقيه.
ومن تلامذته: أبو عبد الله الحاكم النيسابوري، أبو عبد الله بن منده الأصبهاني، وأبو معاذ عبد الرحمن بن محمد بن رزق الله السجستاني، وجماعة كثيرة لا تحصى من طبقتهم.
وأما رحلاته فكانت كثيرة، امتدت ما بين الشاش والاسكندرية. فرحل إلى خراسان والشام ومصر والعراق والجزيرة، وما وراء النهر (وهي بلاد أوزبكستان اليوم)، ثم عاد إلى نيسابور، ومنها إلى بلده بُست. وحل في أكثر مدن هذه البلدان، وتلقى فيها الحديث وسائر العلوم. وقد ورد في تسمية المدن التي دخلها وأخذ عن علمائها نحو خمسين مدينة، في كل واحدة منها له جمع من الشيوخ.
وتولى في بعضها منصب القضاء كسمرقند ونيسابور ونسا وغيرها من بلاد خراسان. واشتغل في أثناء رحلته بنشر العلم بين الطلبة، وتفقيه العامة كذلك. ثم كانت الرحلة بخراسان لإنجاز مصنفاته.
وخرج له من التصنيف ما لم يُسبق إليه، فكتبه كثيرة نافعة مشهورة، دالة على تبحره في العلوم، إذ ألف في علوم الحديث ما عجز عنه غيره. وكانت الرحلة في خراسان إليها، إذ صارت عدةً لأصحاب الحديث؛ غير أنها عزيزة الوجود. فلقد جمعها في دار رسمها لها في بلدته بُسْت ووقفها ليطالعها الناس، وقرئ عليه أكثرها. فكان السببُ في ذهابها مع تطاول الزمان ضعفُ أمر السلطان، واستيلاء ذوي العبث والفساد على أهل تلك البلاد؛ ومثل هذه الكتب الجليلة كانت جديرة بأن يكثر لها النسخ، والتنافس في إحرازها ودراستها. وأشهر كتبه:
«الأنواع والتقاسيم»، المُشْتهر «بصحيح ابن حبان»، وربما قيل: سنن ابن حبان، أو قيل: «المسند الصحيح»، وهو كتاب جمع فيه ما صح عنده من الحديث، واختصره سراج الدين عمرو ابن علي المعروف بابن الملقِّن الشافعي (ت804هـ)، ولقد رتبه ترتيباً حسناً على أبواب الفقه الأمير علاء الدين علي بن بلبان الجندي الفارسي الفقيه الحنفي (ت 731هـ).
ويقال في كتابه هذا: «إنه أصح من سنن ابن ماجه». وقد اعترف ابن حبان بأنه لا يقدر على الكشف منه إلا من حفظه، كمن عنده مصحف لايقدر على موضع آية يريدها منه إلا من يحفظه. فإنه اجتهد في أن يرتبه على نحو يسهل به حفظه على المتعلمين، ولا يتعذر به التحصيل على المقتبسين. فجعل أحاديثه خمسة أقسام متساوية غير متشابهة، فأولها الأوامر التي أمر الله عباده بها، والثاني النواهي التي نهى الله عباده عنها، والثالث إخباره عما احتيج إلى معرفته، والرابع الإباحات التي أبيح ارتكابها، والخامس أفعال النبي [التي انفرد بفعلها. ثم جعل كل قسم منها يتنوع أنواعاً كثيرة. ويبدأ الأحاديث بأشهرها وأوثقها إسناداً. ولقد اشترط في نقل ما أودعه فيه، ألا يحتج بحديث إلا أن يكون في كل شيخ فيه خمسة أشياء: العدالة في الدين بالستر الجميل، الثاني الصدق في الحديث بالشهرة فيه، الثالث العقل بما يحدث من الحديث، الرابع العلم بما يحيل المعنى من معاني ما روى، الخامس تعري خبره من التدليس.
وقد جرد زوائده على الصحيحين ورتبه على كتب الفقه الشيخ الحافظ نور الدين علي بن أبى بكر الهيثمي المصري الشافعي (ت 807هـ)، وسماه «موارد الظمآن في زوائد صحيح بن حبان». إذ رأى أن لافائدة في عزو الحديث إلى صحيح ابن حبان مع كونه في شيء من الصحيحين.
ومن أشهر كتب ابن حبان كذلك كتاب «الثقات»، جمع فيه وأحاط. وهو عمدة المحدثين في معرفة الثقات والضعفاء من رواة الحديث، وهي من أجل أنواع علم الرجال.
وله كتاب «الهداية إلى علم السنن»، وقد قصد فيه إظهار صناعتي الحديث والفقه، إذ يذكر الحديث ويترجم له ثم يذكر من يتفرد به، ومن مفاريد أي بلد هو، ثم يذكر كل اسم في إسناده من الصحابة إلى شيخه بما يعرف من نسبته، ومولده وموته، وكنيته وقبيلته، وفضله وتيقظه. ثم يذكر ما في ذلك الحديث من الفقه والحكمة. فإن عارضه خبر ذكره وجمع بينهما، وإن تضاد لفظه في خبر آخر تلطف للجمع بينهما. حتى يعلم ما في كل خبر من صناعة الفقه والحديث معا. وهذا من أنبل كتبه وأعزها.
وله سوى ذلك من الكتب كتاب «المجروحين من المُحَدثين»، وكتاب «شعب الإيمان»، وكتاب «صفة الصلاة»، و«علل أوهام المؤرخين»، و«غرائب الأخبار»، و«وصف العلوم وأنواعها». وغيرها كثير.
أنهى ابن حبان أخيراً رحلته بنيسابور التي حط فيها قبل أن يرجع إلى بلدته بست بعدما غاب عنها دهراً، فتوفي فيها وهو في عشر الثمانين.
حسان القادري
Ibn Hibban - Ibn Hibban
ابن حِبَّان
(قبل سنة 274-354هـ/878-965م)
أبو حاتم محمد بن حبان بن أحمد التميمي الدارمي البُسْتي الشافعي. العلامة القاضي شيخ خراسان، من فقهاء الدين وحفاظ الحديث المشهورين ، كان معروفاً بعلم اللغة والوعظ وعارفاً بالطب والنجوم والكلام.ولد في مدينة بُسْت من أعمال سجستان.
طلب ابن حبان العلم على رأس الثلاثمئة للهجرة، فأدرك الأئمة والعلماء والأسانيد العالية. وكان مكثراً من الشيوخ، فسمع أمماً لا يُحْصَون من مصر إلى خراسان، ويذكر أنه سمع من أكثر من ألفي شيخ، منهم: أبو بكر محمد بن إسحاق بن خزيمة[ر]، وأبو عبد الرحمن أحمد بن شعيب بن علي النسائي[ر]، وأبو يعلى أحمد بن علي ابن المثنى الموصلي[ر]، وأبو خليفة الفضل بن الحباب الجمحي، وهو أكبر شيخ لقيه.
ومن تلامذته: أبو عبد الله الحاكم النيسابوري، أبو عبد الله بن منده الأصبهاني، وأبو معاذ عبد الرحمن بن محمد بن رزق الله السجستاني، وجماعة كثيرة لا تحصى من طبقتهم.
وأما رحلاته فكانت كثيرة، امتدت ما بين الشاش والاسكندرية. فرحل إلى خراسان والشام ومصر والعراق والجزيرة، وما وراء النهر (وهي بلاد أوزبكستان اليوم)، ثم عاد إلى نيسابور، ومنها إلى بلده بُست. وحل في أكثر مدن هذه البلدان، وتلقى فيها الحديث وسائر العلوم. وقد ورد في تسمية المدن التي دخلها وأخذ عن علمائها نحو خمسين مدينة، في كل واحدة منها له جمع من الشيوخ.
وتولى في بعضها منصب القضاء كسمرقند ونيسابور ونسا وغيرها من بلاد خراسان. واشتغل في أثناء رحلته بنشر العلم بين الطلبة، وتفقيه العامة كذلك. ثم كانت الرحلة بخراسان لإنجاز مصنفاته.
وخرج له من التصنيف ما لم يُسبق إليه، فكتبه كثيرة نافعة مشهورة، دالة على تبحره في العلوم، إذ ألف في علوم الحديث ما عجز عنه غيره. وكانت الرحلة في خراسان إليها، إذ صارت عدةً لأصحاب الحديث؛ غير أنها عزيزة الوجود. فلقد جمعها في دار رسمها لها في بلدته بُسْت ووقفها ليطالعها الناس، وقرئ عليه أكثرها. فكان السببُ في ذهابها مع تطاول الزمان ضعفُ أمر السلطان، واستيلاء ذوي العبث والفساد على أهل تلك البلاد؛ ومثل هذه الكتب الجليلة كانت جديرة بأن يكثر لها النسخ، والتنافس في إحرازها ودراستها. وأشهر كتبه:
«الأنواع والتقاسيم»، المُشْتهر «بصحيح ابن حبان»، وربما قيل: سنن ابن حبان، أو قيل: «المسند الصحيح»، وهو كتاب جمع فيه ما صح عنده من الحديث، واختصره سراج الدين عمرو ابن علي المعروف بابن الملقِّن الشافعي (ت804هـ)، ولقد رتبه ترتيباً حسناً على أبواب الفقه الأمير علاء الدين علي بن بلبان الجندي الفارسي الفقيه الحنفي (ت 731هـ).
ويقال في كتابه هذا: «إنه أصح من سنن ابن ماجه». وقد اعترف ابن حبان بأنه لا يقدر على الكشف منه إلا من حفظه، كمن عنده مصحف لايقدر على موضع آية يريدها منه إلا من يحفظه. فإنه اجتهد في أن يرتبه على نحو يسهل به حفظه على المتعلمين، ولا يتعذر به التحصيل على المقتبسين. فجعل أحاديثه خمسة أقسام متساوية غير متشابهة، فأولها الأوامر التي أمر الله عباده بها، والثاني النواهي التي نهى الله عباده عنها، والثالث إخباره عما احتيج إلى معرفته، والرابع الإباحات التي أبيح ارتكابها، والخامس أفعال النبي [التي انفرد بفعلها. ثم جعل كل قسم منها يتنوع أنواعاً كثيرة. ويبدأ الأحاديث بأشهرها وأوثقها إسناداً. ولقد اشترط في نقل ما أودعه فيه، ألا يحتج بحديث إلا أن يكون في كل شيخ فيه خمسة أشياء: العدالة في الدين بالستر الجميل، الثاني الصدق في الحديث بالشهرة فيه، الثالث العقل بما يحدث من الحديث، الرابع العلم بما يحيل المعنى من معاني ما روى، الخامس تعري خبره من التدليس.
وقد جرد زوائده على الصحيحين ورتبه على كتب الفقه الشيخ الحافظ نور الدين علي بن أبى بكر الهيثمي المصري الشافعي (ت 807هـ)، وسماه «موارد الظمآن في زوائد صحيح بن حبان». إذ رأى أن لافائدة في عزو الحديث إلى صحيح ابن حبان مع كونه في شيء من الصحيحين.
ومن أشهر كتب ابن حبان كذلك كتاب «الثقات»، جمع فيه وأحاط. وهو عمدة المحدثين في معرفة الثقات والضعفاء من رواة الحديث، وهي من أجل أنواع علم الرجال.
وله كتاب «الهداية إلى علم السنن»، وقد قصد فيه إظهار صناعتي الحديث والفقه، إذ يذكر الحديث ويترجم له ثم يذكر من يتفرد به، ومن مفاريد أي بلد هو، ثم يذكر كل اسم في إسناده من الصحابة إلى شيخه بما يعرف من نسبته، ومولده وموته، وكنيته وقبيلته، وفضله وتيقظه. ثم يذكر ما في ذلك الحديث من الفقه والحكمة. فإن عارضه خبر ذكره وجمع بينهما، وإن تضاد لفظه في خبر آخر تلطف للجمع بينهما. حتى يعلم ما في كل خبر من صناعة الفقه والحديث معا. وهذا من أنبل كتبه وأعزها.
وله سوى ذلك من الكتب كتاب «المجروحين من المُحَدثين»، وكتاب «شعب الإيمان»، وكتاب «صفة الصلاة»، و«علل أوهام المؤرخين»، و«غرائب الأخبار»، و«وصف العلوم وأنواعها». وغيرها كثير.
أنهى ابن حبان أخيراً رحلته بنيسابور التي حط فيها قبل أن يرجع إلى بلدته بست بعدما غاب عنها دهراً، فتوفي فيها وهو في عشر الثمانين.
حسان القادري