«نستطيع تقبل خوف الطفل من الظلام بسهولة، لكن الكارثة هي خوف الإنسان من النور» -أفلاطون. يُعد الوقوع في الحب تجربة مثيرة وسعيدة لمعظم البشر، فلمَ يخاف العديد من الناس الوقوع في الحب إذن؟
يشمل الحب الرومانسي انجذابًا جنسيًا قويًا وصداقة معنوية، ما يساعد الفرد على النمو الشخصي وتحقيق الذات. يتعلق الخوف من الحب -الفيلوفوبيا- بتناقض بين الانجذاب القوي لشخص ما والقلق من الفشل في تحقيق رابط عميق.
الأسباب الكامنة وراء الخوف من الوقوع في الحب
«عند الوقوع في الحب، أتجرد من جميع أساليب الدفاع عن نفسي، وأصبح مكشوفة نفسيًا وجسديًا. أثق برجل وأعتمد عليه عاطفيًا، لكنني لا أملك شبكة أمان، فإذا خذلني سأتألم كثيرًا». هيلين.
«لا يوجد سبب لوقوع النساء في الحب بعد سن الأربعين، ومن الأفضل أن يحبك رجل أكثر مما تحبينه، لا يكمن الخوف في الوقوع في الحب، بل في عدم تساوي الحب بين شخصين». آنات.
يُقصد بالخوف من الوقوع في الحب الخشية من تأسيس علاقة رومانسية، وهو أحد أنواع الخوف من الحميمية، الذي يشمل ترددًا حيال أنواع أخرى من الحميمية، حين يكون الفرد في علاقة رومانسية أو غير رومانسية. يعاني قرابة 17% من أفراد الحضارة الغربية خوفًا من الحميمية، ويشمل ذلك الخوف من الشعور بالفقدان، سواءً بالهجران -فقدان الشريك- أو الخضوع للطرف الآخر.
يشير علماء النفس إلى أن الخوف من الحب يتولد من عوامل خطورة شخصية، مثل صدمات الطفولة أو الإهمال أو التعرض لسوء المعاملة أو مرض أحد الوالدين أو موته، ولن يناقش هذا المقال هذه العوامل، بل سيركز على عوامل الخطر الأقرب إلى التجربة ذاتها.
فإضافةً إلى العوامل الشخصية، يتعلق خوف الوقوع في الحب بثلاثة جوانب رئيسية، لا يُنقص أول اثنين منهما من قيمة الحب بذاته بل يشيران إلى الصعوبات قبل الوقوع في الحب وبعده، أما الثالث فيتعلق بصعوبات التجربة بذاتها، وهي:
إيجاد شخص مناسب للوقوع في حبه
غالبًا ما يتطلب إيجاد شريك حياة مناسب بحثًا طويلًا، ويشمل ذلك خوض تجارب مؤلمة وسطحية ومخيبة للآمال. قد يقرر الفرد عند انتهاء العلاقة القصيرة واحتساب سلبياتها وإيجابياتها أن هذه التجربة لا تستحق الأسى الشخصي. من الشائع مواجهة هذه العقبة بتجنب الاستثمار الكبير بهذا البحث والأمل بأن يظهر شريك الأحلام في نهاية المطاف، وكما قالت إحدى النساء: «أنا لا أبحث عن الرجل المثالي، ولكن إن ظهر يومًا على عتبة بابي فلن أطرده».
لكن احتمال حدوث ذلك ضئيل جدًا في الواقع، وبذل الجهد بإيجاد الشريك يزيد من احتمال إيجاده، ولأن طرق البحث عن الشريك عديدة، لا تتطلب الطريقة المثلى بحثًا متعبًا يستنزف وقت الفرد وموارده، بل تمكن متابعة أنشطة الحياة الأخرى مع بحث أبسط.
النتائج الإيجابية تدوم فترة قصيرة ثم يسود الحزن والإحباط
قد تكون نتائج تكرار الوقوع في الحب مؤلمة، فأحيانًا لا يكون الحب متكافئًا، أو قد تنتهي علاقة ممتازة فجأة بالرفض، ما يسبب الألم والإحباط الشديد سنوات عديدة، وكما قالت إحدى النساء: «أخاف الوقوع في الحب، لأنني أتخيل مستقبلًا غير واقعي مع من أحبه».
لا تُنقص العوامل الكامنة التي ذكرناها من قيمة الحب بذاته، لكنها تشير إلى الصعوبات قبل الوقوع في الحب وبعده. سأناقش الآن العامل الثالث والأساسي المتعلق بالصعوبات في تجربة الوقوع في الحب.
مفارقة الوقوع في الحب
«أنا أقع في الحب مجددًا، لا أريد ذلك ولكن ماذا عساي أن أفعل؟ ما باليد حيلة». ماريلين ديتريك.
«ما الذي ينتج عن الوقوع في الحب؟ لا ينتج عنه إلا الأكاذيب والألم والأسى. لن أقع في الحب، حتى الغد على الأقل!». دايان.
«أفضل الإصابة بالإنفلونزا على الوقوع في الحب. أخاف خوض علاقة معنوية عميقة تحت تأثير الحماس الشديد الذي يجلبه الوقوع في الحب، وكلما خضعت لهذه الإثارة انتهى الأمر بعلاقة سطحية أرغمتني على تغيير نفسي وكأنني ممسوسة بامرأة غريبة تتحكم بي». سكارلت.
يُعد الوقوع في الحب تجربة مبهجة وممتعة وتشمل جوانب إيجابية، لكنها تشمل أيضًا جانبًا سلبيًا في ذات الوقت، مثل فقدان السيطرة على المشاعر والنفس، فمع قول ماي ويست بأن «كثرة الشيء تزيد من روعته»، غالبًا ما تواجه هذه التجربة الرائعة عقبات.
لذا، قد يطغى هذا الشعور السعيد المسبب للإدمان للوقوع في الحب على أشياء مهمة أخرى في الحياة، وقد يجعلك تغير تصرفاتك المعتادة، وكأن شخصًا ما يتحكم في تصرفاتك ويمنعك من التصرف على سجيتك. عند الوقوع في الحب، يكون الشعور بفقدان السيطرة إحدى الصعوبات التي تواجه الفرد، فتوجد ثقة كبيرة بالشريك عند الوقوع في الحب، لكن هذه التجربة ذاتها تقتضي ثقة دون أي أساس، وهذا ما يعرض الفرد لخطر الألم.
يتجلى الخوف من الوقوع في الحب عادةً في بناء الفرد لآمال كبيرة حول الشريك المناسب، دون الاستعداد للوقوع في الحب مع شخص لا يشبه هذا التوقعات، وتطلق تسمية «سيئ الحظ في الحب» على من يصادفون الحب في حياتهم أكثر من مرة، لكنهم -بسبب الخوف- يرفضون أخذه في الحسبان.
وقد يتجلى الخوف من الوقوع في الحب عندما يكون خوض العلاقة أمرًا معقدًا وغير محتمل، كالوقوع في حب شخص متزوج مثلًا، أو شخص غير قادر على المحافظة على علاقة مستقرة بسبب خصاله أو تضارب خططه المستقبلية.
ما الحل؟
«أخاف الوقوع في الحب كثيرًا كما أخاف الهجران، وبسبب ذلك انتهى بي المطاف مرتين بزواج يفتقر إلى العاطفة أو إمكانية التطور الشخصي». لوسي.
«مع أنني تألمت لتعرضي للرفض من حب حياتي، لم أمنع نفسي من الحب، لأنني أعرف الفرق بين الحياة مع إيجابيات الحب، وبين سلبيات الحياة دون الحب». ريبيكا.
يُعد الخوف شعورًا مهمًا في الحياة -شأنه شأن الغضب والحزن والمشاعر السلبية الأخرى- عندما يكون قصير الأمد ومقتصرًا على مواقف معينة، ويكون مؤذيًا حين يكون مزمنًا وغير متعلق بالواقع، ويكون مبررًا حال وجود إشارات مقلقة حيال صفات أو تصرفات معينة لشخص ما، لكن الخوف من جميع حالات الوقوع في الحب هو قلق مزمن ومضر.
قد يترك الحب العظيم أثرًا قويًا ويُخلف ألمًا شديدًا حين انتهاء العلاقات، ومن الأفضل أن يكون الفرد سعيدًا أو حزينًا على ألا يشعر بشيء على الإطلاق. وكما قال آلفريد تينيسون: «أن تحب وتفقد أحدهم أفضل من ألا تحب بالمرة».
تستلزم الحياة رغبة لتطوير النفس، وترتبط بخوض التجارب وإدراك أن جميع التجارب الحسنة في الحياة ستنتهي يومًا، و أن الحياة دون أي مشاعر كالموت النفسي، وعلينا خوض التجارب بحكمة والتعرض للأخطار، ومنها الوقوع في الحب.
للوقوع في الحب جانب مظلم، وهو أن هذه المخاطر حقيقية وقد تحدث أحيانًا، لكن الجانب المشرق من هذه التجربة هو قدرتنا على التعامل مع هذه المخاطر واستعادة الشعور المذهل للوقوع في الحب في أي عمر. نستطيع اعتياد السلبيات دون الامتناع عن الاستمتاع بالحياة، عندما ندرك حقيقة أن الحياة ليست مثالية دائمًا.