حقوق انسان
Human rights - Droits de l'homme
حقوق الإنسان
مسيرة حقوق الإنسان في التاريخ
لا يمكن القول إن هناك لحظة زمنية معينة بدأت عندها الأصول الأولى لفكرة حقوق الإنسان. وأغلب الظن أن هذه الأصول إنما تعود إلى الوقت الذي بدأ فيه الناس يعيشون حياة مشتركة. فالفكرة قديمة قدم الحياة البشرية ذاتها.
وقد عني المفكرون والفلاسفة على مر العصور بالتنظير لحقوق الإنسان والمطالبة بصونها، والواقع أن الفرد كان يخضع للجماعة في كل شيء بلا حدود أو قيود إلى أن سادت الفكرة بضرورة عدم إطلاق يد الدولة بالتدخل في شؤون الأفراد. فاليونانيون في مآثرهم الشهيرة تناولوا حق الإنسان في الحياة وفي حرية التعبير والمساواة أمام السلطة وغير ذلك من الحقوق الطبيعية التي عدها مفكروهم اللبنة الأساسية في بناء المجتمع السياسي.
كذلك اهتم بوذا والفلسفة الهندية بالأخطار المحدقة بالحريات الأساسية للإنسان جراء العنف والفاقة والاستغلال ونقض العهود. وتضمن قانون «مانو» الذي ذاع صيته في العام الألف قبل الميلاد عدداً من المبادئ الهادفة لصيانة الإنسان من هذه الأخطار.
ووقفت الفلسفة الصينية وقفة طويلة أمام واجبات الإنسان تجاه أخيه الإنسان بما يكفل حقوقه الأساسية في الحياة والسعادة وحرية التعبير عن الذات. وينسب إلى كونفوشيوس القول الشهير:«الإنسان لا يتعلم المدنية إلا عندما يطعم ويكسى بشكل لائق». وأكدت المسيحية كرامة الإنسان والمساواة بين الجميع بوصفهم عيال الله. أما الشريعة الإسلامية فقد أولت حقوق الإنسان جلّ اهتمامها بدءاً من القرآن الكريم حتى كتابات الفقهاء المتأخرين. فيقول الله تعالى: ﴿ولقد كرّمنا بني آدم وحملناهم في البر والبحر ورزقناهم من الطيبات وفضلناهم على كثير ممن خلقنا تفضيلا﴾ (الإسـراء 70). وقال الله تعالى: ﴿لقد خلقنا الإنسان في أحـسن تقويم﴾ (التين4).
ولقد انتقلت الدعوة إلى حماية حقوق الإنسان من ألسنة الأنبياء والفلاسفة إلى الحكام، فشهدت أوربا خاصة نصوصاً مكتوبة مَنَّ بها الملوك السادة على شعوبهم استجابة للنقمة التي كانت تشتعل في النفوس نتيجة إهدار حقوق الإنسان في شتى الصور. يذكر من ذلك، على سبيل المثال، العهد العظيم المعروف بالماغناكارتا Magnacarta الذي أصدره جون ملك الإنكليز في مطلع القرن الثالث عشر ثم قانون الحقوق الإنكليزي المعروف باسم Bill of Rights الذي صدر في أواخر القرن السابع عشر، ونص على ضمانات الفرد في التقاضي.
لكن المتفق عليه أن اهتمام التشريع الوضعي بحقوق الإنسان، بدأ فعلاً بصورة منتظمة مع الثورتين الكبيرتين في أمريكا وفرنسا.
وفعلت الأفكار الثورية التي أطلقتها الإعلانات فعلها فتفجرت ثورات الشعوب وتهاوت العروش والأنظمة الاستبدادية في أوربا وأمريكا اللاتينية. وجاءت التشريعات الداخلية وعدد من الأنظمة الدولية بنصوص تجعل من احترام حرية الإنسان وحقوقه جوهر وجود المجتمع السياسي وسبب استمراره. من ذلك مثلاً اتفاقية برلين لعام 1855 واتفاقية بروكسل عام 1890 بتحريم الاتجار بالرقيق واتفاقية باريس لعام 1904 بمكافحة الاتجار بالرقيق الأبيض واتفاقية لاهاي عام 1912 بمكافحة المخدرات، واتفاقية باريس لعام 1903 بالعناية بصحة الفرد ومكافحة الأوبئة الضارة بالصحة العامة واتفاقية لندن عام 1914 بتنظيم الإنقاذ البحري واتفاقية برن لعام 1886 بحماية حقوق المؤلف الأدبية والفنية وغير ذلك.
وعرف القانون الدولي العرفي بعض المبادئ التي يمكن الركون إليها في مجال حماية الإنسان وصيانة حقوقه منها مبدأ التدخل لأغراض إنسانية humanitariam intervention ومسؤولية الدولة state responsibility. ومع أن النظام الأول قد طبق من قبل بعض الدول الأوربية ضد الدول الضعيفة خارج القارة لحماية طائفة معينة من الناس مما حمل ميثاق الأمم المتحدة على منع التدخل في الشؤون الداخلية للدول بشتى أنواعه إلا أن التدخل لأغراض إنسانية عاد للبروز مجدداً. من ذلك تدخل الأمم المتحدة إنسانياً في الصومال ثم في البوسنة بين عدد من الحالات.
أما عهد عصبة الأمم[ر] The Covenant of the League فلم يتضمن نصوصاً خاصة بتقرير الصيغة الدولية لحماية حقوق الإنسان، باستثناء ما جاء من التزام أعضاء العصبة أن يعاملوا بصورة عادلة الشعوب التي تقطن أقاليم خاضعة لإدارتهم سواء في «حماية»[ر] أو «انتداب»[ر]. وكذلك التزام حماية حقوق الأقليات. واهتمت منظمة العمل الدولية[ر] بموضوع توفير الأجر المجزي للعامل ورعاية شؤونه وتحسين أحواله.. لكن الحرب العالمية اندلعت ثانية بصورة وحشية لم يشهد لها الناس مثيلاً من قبل. لقد تسببت الحرب العالمية الثانية للناس في كل مكان بآلام «يعجز عنها الوصف». بل لقد صدق هنري كاسان عندما وصفها بأنها كانت في جوهرها «حرباً صليبية على حقوق الإنسان».
حقوق الإنسان في عصر التنظيم الدولي الراهن (ميثاق الأمم المتحدة والإعلان العالمي لحقوق الإنسان)
ورد ذكر حقوق الإنسان في سبعة مواضع من ميثاق الأمم المتحدة الذي يعد دستور العلاقات الدولية في العصر الحاضر.
وعلى الرغم مما أخذ على نصوص الميثاق حول حقوق الإنسان، سواء لغموضها وعدم دقة عبارتها أم لكونها تتعارض مع نص المادة الثانية (ف7) التي تمنع تدخل المنظمة الدولية أو أعضائها فيما يعد من الشؤون الداخلية للدول، ومنها في رأي بعضهم حقوق الإنسان، ومع ذلك باشرت المنظمة الدولية نشاطها في التفريع على الأصول التي جاء بها الميثاق، فأصدرت في العاشر من كانون الأول 1948 «الإعلان العالمي لحقوق الإنسان» الذي صاغته لجنة حقوق الإنسان على مدى ثلاث سنوات ويزيد بموجب قرارها رقم 217 (3) وكانت بقرارها الصادر في 9/12/1948 أقرت مشروع اتفاقية منع ومعاقبة جريمة إبادة الجنس. ويقع الإعلان العالمي لحقوق الإنسان في مقدمة وثلاثين مادة.
بعد المقدمة ينتقل البيان (الإعلان) إلى مواد غير مسلسلة يمكن ردها إلى أربع فئات:
1ـ الفئة الأولى وتتناول الحقوق الفردية والشخصية.
2ـ الفئة الثانية وتتناول علاقات الفرد بالمجموع أو بالدولة.
3ـ الفئة الثالثة وتشمل الحريات العامة والحقوق الأساسية.
4ـ الفئة الرابعة وتشمل الحقوق الاقتصادية والاجتماعية.
وأعطى إيفات Evat رئيس الجمعية العامة للأمم المتحدة في دورتها عام 1948 فكرة عن القيمة المعنوية لهذا الإعلان حين قال: «هذه أول مرة تقوم فيها جماعة منظمة من الدول بإعلان حقوق وحريات أساسية للإنسان تؤيدها الأمم المتحدة جميعاً برأي جماعي، كما يؤيدها الملايين من الرجال والنساء في جميع أنحاء العالم إذ إنهم مهما كانوا على مسافات متباعدة من نيويورك أو من باريس خليقون بأن يتجهوا إلى هذه الوثيقة يستلهمون منها العون والنصح».
لقد اقتبس كثير من الدساتير الوطنية الصادرة بعد عام 1948 أحكامها العامة في تعداد حقوق المواطنين وتحديد مفاهيمها من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان من هذه الدساتير دستور الجمهورية العربية السورية الصادر عام 1973 الذي خصص في بابه الأول، المواد من 25 إلى 40 لبيان الحقوق والحريات العامة التي يتمتع بها الأفراد وسبل حمايتها، إضافة إلى الأحكام الواردة في الأبواب الأخرى من الدستور التي تقرر المبادئ المتعلقة بحياة الأفراد وحرياتهم وملكياتهم.
أما القيمة القانونية للإعلان فقد كانت محل جدل وحوار سياسي وفقهي لا أول له ولا آخر، إذ ذهب بعض أرباب الإعلان (مثل شارك مالك من لبنان) إلى أنه ملزم قانوناً وشايعه في هذا فقهاء معروفون مثل «تشيركوفيتش» في حين أصرت السيدة «اليانور روزفلت» (الولايات المتحدة) وهي من اللاتي أسهمن في صوغ الإعلان إلى أنه قرار صادر عن الجمعية العامة وليس معاهدة ولا اتفاقاً دولياً بل ولا يهدف إلى إنشاء قانون أو التزام قانوني إنه مجرد إعلان لمبادئ معينة تتصل بحقوق الإنسان وحرياته.. فهو .. نموذج مشترك لما حققته شعوب كل الدول» وكان الاتجاه ذاته لفقهاء معروفين مثل «أوبنهايم» و«مهاجان». واتخذ فقهاء آخرون موقفاً وسطاً فالإعلان عندهم ليس قانوناً بل له صفة أدبية عظيمة، كما يقول إيزبجيوفور، وصفته ترقى به إلى مكان الالتزامات التي لا مندوحة عنها للدول كما قال آزارا وفيرون.
وأياً كان رأي هؤلاء وأولئك فإن قيمة هذه المحاورات، أصبحت محدودة إلى حد كبير بعد انقضاء خمسة وأربعين عاماً على صدور الإعلان وإصرار الدول باطراد على اعتماد المبادئ التي جاء بها في دساتيرها الوطنية، مما يضفي عليها طابع القانون الدولي العرفي ويجعلها واجبة النفاذ تحت طائلة المساءلة الدولية.
حقوق الإنسان في المواثيق الدولية بعد الإعلان العالمي
لم تكتف توصية الجمعية العامة رقم 217(3) لعام 1948 بإصدار الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، بل تضمنت تصميم الأمم المتحدة على إعداد ميثاق أو مواثيق تضم في جنباتها التزامات قانونية واضحة مع الدول ووسائل تنفيذ، أو نظام دولي من شأنه ضمان الاعتراف الفعلي بحقوق الإنسان واحترامها. وفي عام 1952 قررت الجمعية العامة أن يكون هناك ميثاقان أو عهدان أحدهما يعالج حقوق الإنسان السياسية والمدنية والآخر حقوق الإنسان الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، وسارعت لجنة حقوق الإنسان إلى العمل الجاد فأنهت عملها في العام 1954 ورفعت مشروعين للجمعية العامة.
وبعد اثني عشر عاماً من النقاش والجدل استقر الرأي الإجماعي للدول الأعضاء على الميثاقين في صيغتهما الأخيرة، وقد صدرا جنباً إلى جنب مع بروتوكول اختياري ملحق بالاتفاقية الخاصة بالحقوق المدنية والسياسية وذلك بقرار الجمعية العامة رقم 2106 (الدورة20) في 16/12/1966 وعرضت هذه المستندات الثلاث على الدول الأعضاء لتصديقها أو الانضمام إليها ودخلت حيز التنفيذ الفعلي فيما بين الدول المصدقة أو المنضمة عام 1976. والقطر العربي السوري طرف في الميثاقين مع مئة وثلاثين دولة ونيف (حتى نهاية عام 1994).
تعهدت كل دولة صدقت على العهد الخاص بالحقوق المدنية والسياسية بحماية شعبها عن طريق القانون من المعاملة القاسية أو غير الإنسانية والمهينة. وتعترف بحق كل إنسان في الحياة والحرية والأمن والحرمة والكرامة، كما أنها تحرم الرق وتكفل الحق في المحاكمة العادلة للجميع وتحمي الأشخاص من الاعتقال والإيقاف التعسفيين، كما يقر العهد المذكور بحرية الفكر والضمير والعقيدة الدينية وحرية الرأي والتعبير والحق في التجمع السلمي وبحرية المشاركة في الحياة السياسية والعامة. ونص كذلك على حرية الرضا في الزواج وعلى حماية الأطفال ويكفل المحافظة على التراث الثقافي والديني واللغوي للأقليات. والواقع أن الحقوق المبينة من هذا العهد مستوحاة في مجملها من الإعلان العالمي، لكن جاءت خلواً من النص على حق الملكية وحق اللجوء.
في حين تقر كل دولة صدقت على العهد الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية بمسؤوليتها عن العمل نحو ضمان شرط معيشة أفضل لشعبها، كما تقر بحق كل فرد في العمل والأجر العادل والضمان الاجتماعي وفي توفير مستويات معيشية مناسبة وفي التحرر من الفاقة، كما تقر بحق الفرد في الصحة والثقافة وتتعهد أيضاً ضمان حق كل فرد بتأليف النقابات والانضمام إليها. وقد جاءت الحقوق الواردة في هذا العهد أطول وأشمل من مثيلاتها في الإعلان العالمي، لكنها في الوقت نفسه جاءت أعم وأقل تحديداً مما جاء به الإعلان.ويتصدر العهدان مادة واحدة في معناها وميثاقها تقر الدول بموجبها بحق الشعوب في تقرير مصيرها[ر].
وتوجد مجموعتان من الإجراءات وآليات التطبيق في العهدين اللذين يحتويان كثيراً من النصوص المشابهة.
فقد انتخبت الدول المرتبطة بالعهد الخاص بالحقوق المدنية والسياسية «لجنة للحقوق الإنسانية» مؤلفة من ثمانية عشر شخصاً يعملون بصفتهم الفردية ويكونون طبقاً للاتفاقية من ذوي الأخلاق العالية المعترف لهم بالدراية في مجال حقوق الإنسان. وتقوم هذه اللجنة بالنظر في التقارير التي تعرضها عليها الدول الأطراف، وللجنة أن توجه تعليقات عامة لهذه الدول وكذلك إلى المجلس الاقتصادي والاجتماعي في الأمم المتحدة[ر]. وطبقاً لنصوص اختيارية تضمنها العهد المشار إليه (لم تتجاوز الدول المرتبطة به 70 دولة حتى نهاية 1994) يجوز للجنة الحقوق الإنسانية أن تنظر أيضاً بتبليغات دولة طرف بعدم وفاء دولة طرف أخرى بالتزاماتها طبقاً للاتفاقية. وتعمل اللجنة كهيئة تقصي حقائق ويمكن إنشاء لجان توفيق خاصة بالموافقة المسبقة للدول المعنية من أجل عرض مساعيها الحميدة بغية التوصل إلى حلول ودية على أساس احترام الحقوق الإنسانية. ويجوز للجنة حقوق الإنسانية بموجب البروتوكول الاختياري ذاته أن تنظر إضافة لما تقدم من شكاوى الأفراد الذين يدّعون بأنهم ضحايا خرق دولة طرف في بروتوكول لأي من الحقوق المدونة في الاتفاقية وترسل تقارير اللجنة إلى الدول الأطراف المعنية كما تقوم اللجنة بعرض تقارير سنوية عن نشاطاتها السابقة على الجمعية العامة للأمم المتحدة.
أما الدول المبرمة للعهد الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، فتتعهد عرض تقارير دورية على المجلس الاقتصادي والاجتماعي بخصوص الإجراءات التي اتخذتها والتقدم الذي أحرزته من أجل حماية هذه الحقوق وللمجلس حق النظر في هذه التقارير، بالتعاون مع هيئات الأمم المتحدة ووكالاتها المتخصصة[ر. الوكالات المتخصصة والوظيفية]. وأن يسعى على اتخاذ إجراء دولي مناسب لمساعدة الدول والأطراف في هذه المجالات.
إلى جانب هذه الوثائق الدستورية الدولية العامة تبنت الأمم المتحدة عدداً من الاتفاقيات والإعلانات ذات الصلة الوثيقة بالإنسان: أهمها
1ـ الاتفاقية الدولية لإزالة التمييز العنصري وأشكاله كافة. وقد أقرتها الجمعية العامة في 21/12/1965 بقرارها 2106(الدورة 21) ودخلت حيز التنفيذ وبلغ عدد الدول المنضمة إليها حتى نهاية 1993 (94) دولة.
2ـ الإعلان الخاص بإزالة كل أشكال عدم التسامح والتمييز القائم على الدين أو المنفعة. وقد صدرت الجمعية العامة بتوافق الآراء في 25/11/1981.
3ـ الاتفاقية الخاصة بإزالة كل أشكال التمييز ضد النساء، وقد أقرتها الجمعية العامة في 8/12/1979 ودخلت حيز النفاذ في 3/9/1981 وانضمت إليها دول تربو على المئة حتى نهاية 1994.
4ـ الاتفاقية الخاصة بمكافحة التعذيب والمعاملة أو العقاب القاسي واللاإنساني أو المحّط من الكرامة وقد تبنتها الجمعية العامة بالتوافق في 10/12/1984 ودخلت حيز النفاذ منذ 26/6/1987 بين سبعين دولة ونيف.
5ـ الاتفاقية الخاصة بحقوق الطفل وقد تبنتها الجمعية العامة في 20/11/1989 ودخلت حيز النفاذ بين مئة دولة تقريباً بدءاً من 2/9/1990.
6ـ الإعلان الخاص بالحق في التنمية وقد أقرته الجمعية العامة في 4/12/1986 بقرارها رقم 128 للدورة 44.
7ـ الاتفاقية الخاصة بالسكان الأصليين والقبليين في البلدان المستقلة. وقد أقرته الجمعية العامة لمنظمة العمل الدولية في اجتماعها السنوي عام 1989 وانضمت إليه حتى الآن بوليفيا وكولومبيا، والمكسيك والنروج.
8ـ الاتفاقية الخاصة بمركز اللاجئين وقد دخلت حيز النفاذ من 22 نيسان 1954 وكذلك الاتفاقية الخاصة بعديمي الجنسية وقد انضمت إلى الأولى أكثر من مئة وخمسين دولة.
9ـ الإعلان الخاص باللجوء الإقليمي الذي أقرته الجمعية العامة في 14/12/1967 بموجب قرارها رقم 2312 (الدورة 22).
10ـ الاتفاقية الخاصة بحماية حقوق العمال المهاجرين وأفراد أسرهم وقد أقرتها الجمعية العامة للأمم المتحدة بقرارها 158 (الدورة 45) في 25/2/1991 وما زال قيد النظر من الدول الأعضاء.
وقد أنشئ مؤخراً منصب المفوض السامي لحقوق الإنسان (بعد المؤتمر العالمي المنعقد عام 1993).
حقوق الإنسان في النطاق الإقليمي
كانت أوربا أسرع القارات في التجاوب مع الإعلان العالمي لحقوق الإنسان نصاً وعملاً. ففي 4/11/1950 وقعت في روما الاتفاقية الأوربية لحماية حقوق الإنسان وحرياته الأساسية. وقد دخلت هذه الاتفاقية حيز النفاذ في 3/9/1953. وتضم اليوم 25 دولة وبلداً(أي دولة ناقصة السيادة بالحماية ليتشناستاين وسان سيمونمارينو. تتألف الاتفاقية من نص رئيس وعشرة ملاحق تفصيلية أو تفسيرية أو تعديلية.
لقد كانت الغاية من هذه الاتفاقية التي تعد بحق أكثر تقدماً من الاتفاقيات ذات الطابع العالمي وإيجاد السبل الفعلية لحماية ما جاء فيها من حقوق وحريات أساسية أكثر تواضعاً مما جاء في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان كونها تركز على الحريات التقليدية وليس الحقوق الاجتماعية والاقتصادية.
فقد تضمنت الاتفاقية الأوربية (وتعرف أحياناً باتفاقية روما) لحقوق الإنسان إنشاء هيئتين دوليتين لضمان حقوق الإنسان الأوربي وهي:
ـ لجنة حقوق الإنسان.
ـ المحكمة الأوربية لحقوق الإنسان. وقد جرى تعديل الاتفاقية الأوربية مؤخراً، لتفسح لجنة حقوق الإنسان مكانها للمحكمة الأوربية لحقوق الإنسان مما يدعم من حماية هذه الحقوق.
ومن صلاحيات المحكمة الأوربية البت بحكم قضائي ملزم فيما يحال عليها من موضوعات من دولة المضرور أو الدولة المشكو منها أو إحدى الدول المتعاقدة الأخرى.
وقد تضمن إعلان هلسنكي الصادر في 1/8/1975 فقرات خاصة بحقوق الإنسان الأوربي.
أما في القارة الأمريكية فقد صدر بمدينة بوغوتا الإعلان الأمريكي لحقوق الإنسان وواجباته في 2 أيار 1948.
وفي سان خوزيه بكوستاريكا صدرت في 22/11/1969 الاتفاقية الأمريكية لحقوق الإنسان ودخلت حيز النفاذ بدءاً من 18/7/1978 بين ست وعشرين دولة هي غالبية الدول الأمريكية. وحاولت هذه الاتفاقية الأوربية، وبقي انتهاك حقوق الإنسان في أمريكا اللاتينية هو الأصل على خلاف الحال في الدول الأوربية.
أما في القارة الإفريقية فقد أصدر مؤتمر رؤساء دول وحكومات منظمة الوحدة الإفريقية في 30/7/1979 قرار رقم 115 (16) بشأن إعداد مشروع أولي لميثاق إفريقي لحقوق الإنسان والشعوب. وعلى الأثر تقدمت لجنة من الخبراء لرؤساء الدول والحكومات الإفريقية المنعقد في نيروبي في 26/6/1981 وقد دخل الميثاق حيز النفاذ في 26/10/1986 بعد تصديق ست وعشرين دولة إفريقية عليه (الأغلبية المطلقة).
كرر الميثاق الإفريقي لحقوق الإنسان الحقوق التقليدية كما وردت في ما سبقه من مواثيق وإعلانات لكنه خلافاً لما سبق خصّ بعض الحقوق ذات الصفة الجماعية بنصوص معينة (المواد 18-26) مثل حق المساواة بين الشعوب وحق تقرير المصير وحق الشعوب المستعمرة في الكفاح المسلح لتحرير نفسها كما تفرد الميثاق الإفريقي بإدراج التزامات على الأفراد احتراماً لحقوق غيرهم كواجب المحافظة على تطور الأسرة وانسجامها وخدمة المجتمع الوطني والعمل بأقصى القدرات ودفع الضرائب(م 27-29).
هنا أيضاً بقي الميثاق الإفريقي لحقوق الإنسان أدنى كثيراً من طموحات شعوب القارة التي شهدت وتشهد خروقات فاضحة لأبسط حقوق الإنسان. بل وشهدت مؤخراً (94-95) حروب الإبادة الجماعية Genocide في رواندة وبوروندي والصومال وسواها.
أما في الوطن العربي فقد جاء ميثاق جامعة الدول العربية الموقع في 22 آذار 1945 خلواً من أي نص عن حقوق الإنسان، غير أن مجلس الجـامعة وافق في 3/9/1968 (القرار2443/48) إلى إنشاء اللجنة العربية الدائمة لحقوق الإنسان التي عهد إليها إعداد مقترحات وأبحاث وتوصيات ومشروعات اتفاقات يتعين أن تحظى بموافقة مجلس الجامعة. وتتألف هذه اللجنة مندوبي الحكومات العربية وليس من أشخاص أكفاء يؤدون واجبهم بصفتهم الشخصية، لذا ظل دور الجنة هامشياً.
وبناء على توصية المؤتمر الإقليمي العربي لحقوق الإنسان الذي انعقد في بيروت بين 2و10/10/1968 أنشأ مجلس الجامعة لجنة خبراء عهد إليها إعداد مشروع إعلان عربي لحقوق الإنسان (القرار 3668/30 في 10/9/1971 وقد أعدت اللجنة بالفعل هذا المشروع المستمد في جلّه من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان مع مراعاة خصوصية الوطن وحضارته، لكن المشروع لقي طريقه إلى الإهمال.
وعندما انتقلت الجامعة إلى تونس توصلت في 11/11/1982 إلى اعتماد مشروع جديد أسمته الميثاق العربي لحقوق الإنسان، غير أن مجلس الجامعة قرر في دورته التاسعة والسبعين (1983) إحالة المشروع على الدول الأعضاء في الجامعة لوضع ملاحظاتها عليه وما زالت الدول الأعضاء بصدد ذلك حتى نهاية 1995، مع أن المشروع العتيد لا يصل في أهدافه إلى أي من الإعلانات والمواثيق المقرّة عالمياً أو إقليمياً.
لكن الوطن العربي شهد ويشهد ولادة معاهد ومؤسسات تعنى بحقوق الإنسان العربي فعلاً لا قولاً من دون أن يقترن عملها بتصرف حكومي جماعي عربي.
إن موضوع حقوق الإنسان غدا الشغل الشاغل للمحافل الدولية العالمية والإقليمية، وقد أوصت منظمة الأمم المتحدة للتربية والثقافة والعلوم[ر] UNESCO. أن تدرس حقوق الإنسان مادة مستقلة في شتى مراحل التدريس وعلى أثر ذلك تقرر إدخال مقرر خاص من متطلبات التخرج الجامعي في كل الكليات في عدد من الجامعات العربية كما أنه يدرس في نطاق الثقافة القومية أو القانون الدستوري والدولي في جامعات أخرى. والقصد من ذلك كله تثبيت مقولة أن الأصل ترسيخ الفكرة في ذهن الناس حتى يسهموا هم في تطويرها من حُلُم أو هدف نظري إلى حقيقة واقعة مؤيدة بالثواب والعقاب.
محمد عزيز شكري
Human rights - Droits de l'homme
حقوق الإنسان
مسيرة حقوق الإنسان في التاريخ
لا يمكن القول إن هناك لحظة زمنية معينة بدأت عندها الأصول الأولى لفكرة حقوق الإنسان. وأغلب الظن أن هذه الأصول إنما تعود إلى الوقت الذي بدأ فيه الناس يعيشون حياة مشتركة. فالفكرة قديمة قدم الحياة البشرية ذاتها.
وقد عني المفكرون والفلاسفة على مر العصور بالتنظير لحقوق الإنسان والمطالبة بصونها، والواقع أن الفرد كان يخضع للجماعة في كل شيء بلا حدود أو قيود إلى أن سادت الفكرة بضرورة عدم إطلاق يد الدولة بالتدخل في شؤون الأفراد. فاليونانيون في مآثرهم الشهيرة تناولوا حق الإنسان في الحياة وفي حرية التعبير والمساواة أمام السلطة وغير ذلك من الحقوق الطبيعية التي عدها مفكروهم اللبنة الأساسية في بناء المجتمع السياسي.
كذلك اهتم بوذا والفلسفة الهندية بالأخطار المحدقة بالحريات الأساسية للإنسان جراء العنف والفاقة والاستغلال ونقض العهود. وتضمن قانون «مانو» الذي ذاع صيته في العام الألف قبل الميلاد عدداً من المبادئ الهادفة لصيانة الإنسان من هذه الأخطار.
ووقفت الفلسفة الصينية وقفة طويلة أمام واجبات الإنسان تجاه أخيه الإنسان بما يكفل حقوقه الأساسية في الحياة والسعادة وحرية التعبير عن الذات. وينسب إلى كونفوشيوس القول الشهير:«الإنسان لا يتعلم المدنية إلا عندما يطعم ويكسى بشكل لائق». وأكدت المسيحية كرامة الإنسان والمساواة بين الجميع بوصفهم عيال الله. أما الشريعة الإسلامية فقد أولت حقوق الإنسان جلّ اهتمامها بدءاً من القرآن الكريم حتى كتابات الفقهاء المتأخرين. فيقول الله تعالى: ﴿ولقد كرّمنا بني آدم وحملناهم في البر والبحر ورزقناهم من الطيبات وفضلناهم على كثير ممن خلقنا تفضيلا﴾ (الإسـراء 70). وقال الله تعالى: ﴿لقد خلقنا الإنسان في أحـسن تقويم﴾ (التين4).
ولقد انتقلت الدعوة إلى حماية حقوق الإنسان من ألسنة الأنبياء والفلاسفة إلى الحكام، فشهدت أوربا خاصة نصوصاً مكتوبة مَنَّ بها الملوك السادة على شعوبهم استجابة للنقمة التي كانت تشتعل في النفوس نتيجة إهدار حقوق الإنسان في شتى الصور. يذكر من ذلك، على سبيل المثال، العهد العظيم المعروف بالماغناكارتا Magnacarta الذي أصدره جون ملك الإنكليز في مطلع القرن الثالث عشر ثم قانون الحقوق الإنكليزي المعروف باسم Bill of Rights الذي صدر في أواخر القرن السابع عشر، ونص على ضمانات الفرد في التقاضي.
لكن المتفق عليه أن اهتمام التشريع الوضعي بحقوق الإنسان، بدأ فعلاً بصورة منتظمة مع الثورتين الكبيرتين في أمريكا وفرنسا.
وفعلت الأفكار الثورية التي أطلقتها الإعلانات فعلها فتفجرت ثورات الشعوب وتهاوت العروش والأنظمة الاستبدادية في أوربا وأمريكا اللاتينية. وجاءت التشريعات الداخلية وعدد من الأنظمة الدولية بنصوص تجعل من احترام حرية الإنسان وحقوقه جوهر وجود المجتمع السياسي وسبب استمراره. من ذلك مثلاً اتفاقية برلين لعام 1855 واتفاقية بروكسل عام 1890 بتحريم الاتجار بالرقيق واتفاقية باريس لعام 1904 بمكافحة الاتجار بالرقيق الأبيض واتفاقية لاهاي عام 1912 بمكافحة المخدرات، واتفاقية باريس لعام 1903 بالعناية بصحة الفرد ومكافحة الأوبئة الضارة بالصحة العامة واتفاقية لندن عام 1914 بتنظيم الإنقاذ البحري واتفاقية برن لعام 1886 بحماية حقوق المؤلف الأدبية والفنية وغير ذلك.
وعرف القانون الدولي العرفي بعض المبادئ التي يمكن الركون إليها في مجال حماية الإنسان وصيانة حقوقه منها مبدأ التدخل لأغراض إنسانية humanitariam intervention ومسؤولية الدولة state responsibility. ومع أن النظام الأول قد طبق من قبل بعض الدول الأوربية ضد الدول الضعيفة خارج القارة لحماية طائفة معينة من الناس مما حمل ميثاق الأمم المتحدة على منع التدخل في الشؤون الداخلية للدول بشتى أنواعه إلا أن التدخل لأغراض إنسانية عاد للبروز مجدداً. من ذلك تدخل الأمم المتحدة إنسانياً في الصومال ثم في البوسنة بين عدد من الحالات.
أما عهد عصبة الأمم[ر] The Covenant of the League فلم يتضمن نصوصاً خاصة بتقرير الصيغة الدولية لحماية حقوق الإنسان، باستثناء ما جاء من التزام أعضاء العصبة أن يعاملوا بصورة عادلة الشعوب التي تقطن أقاليم خاضعة لإدارتهم سواء في «حماية»[ر] أو «انتداب»[ر]. وكذلك التزام حماية حقوق الأقليات. واهتمت منظمة العمل الدولية[ر] بموضوع توفير الأجر المجزي للعامل ورعاية شؤونه وتحسين أحواله.. لكن الحرب العالمية اندلعت ثانية بصورة وحشية لم يشهد لها الناس مثيلاً من قبل. لقد تسببت الحرب العالمية الثانية للناس في كل مكان بآلام «يعجز عنها الوصف». بل لقد صدق هنري كاسان عندما وصفها بأنها كانت في جوهرها «حرباً صليبية على حقوق الإنسان».
حقوق الإنسان في عصر التنظيم الدولي الراهن (ميثاق الأمم المتحدة والإعلان العالمي لحقوق الإنسان)
ورد ذكر حقوق الإنسان في سبعة مواضع من ميثاق الأمم المتحدة الذي يعد دستور العلاقات الدولية في العصر الحاضر.
وعلى الرغم مما أخذ على نصوص الميثاق حول حقوق الإنسان، سواء لغموضها وعدم دقة عبارتها أم لكونها تتعارض مع نص المادة الثانية (ف7) التي تمنع تدخل المنظمة الدولية أو أعضائها فيما يعد من الشؤون الداخلية للدول، ومنها في رأي بعضهم حقوق الإنسان، ومع ذلك باشرت المنظمة الدولية نشاطها في التفريع على الأصول التي جاء بها الميثاق، فأصدرت في العاشر من كانون الأول 1948 «الإعلان العالمي لحقوق الإنسان» الذي صاغته لجنة حقوق الإنسان على مدى ثلاث سنوات ويزيد بموجب قرارها رقم 217 (3) وكانت بقرارها الصادر في 9/12/1948 أقرت مشروع اتفاقية منع ومعاقبة جريمة إبادة الجنس. ويقع الإعلان العالمي لحقوق الإنسان في مقدمة وثلاثين مادة.
بعد المقدمة ينتقل البيان (الإعلان) إلى مواد غير مسلسلة يمكن ردها إلى أربع فئات:
1ـ الفئة الأولى وتتناول الحقوق الفردية والشخصية.
2ـ الفئة الثانية وتتناول علاقات الفرد بالمجموع أو بالدولة.
3ـ الفئة الثالثة وتشمل الحريات العامة والحقوق الأساسية.
4ـ الفئة الرابعة وتشمل الحقوق الاقتصادية والاجتماعية.
وأعطى إيفات Evat رئيس الجمعية العامة للأمم المتحدة في دورتها عام 1948 فكرة عن القيمة المعنوية لهذا الإعلان حين قال: «هذه أول مرة تقوم فيها جماعة منظمة من الدول بإعلان حقوق وحريات أساسية للإنسان تؤيدها الأمم المتحدة جميعاً برأي جماعي، كما يؤيدها الملايين من الرجال والنساء في جميع أنحاء العالم إذ إنهم مهما كانوا على مسافات متباعدة من نيويورك أو من باريس خليقون بأن يتجهوا إلى هذه الوثيقة يستلهمون منها العون والنصح».
لقد اقتبس كثير من الدساتير الوطنية الصادرة بعد عام 1948 أحكامها العامة في تعداد حقوق المواطنين وتحديد مفاهيمها من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان من هذه الدساتير دستور الجمهورية العربية السورية الصادر عام 1973 الذي خصص في بابه الأول، المواد من 25 إلى 40 لبيان الحقوق والحريات العامة التي يتمتع بها الأفراد وسبل حمايتها، إضافة إلى الأحكام الواردة في الأبواب الأخرى من الدستور التي تقرر المبادئ المتعلقة بحياة الأفراد وحرياتهم وملكياتهم.
أما القيمة القانونية للإعلان فقد كانت محل جدل وحوار سياسي وفقهي لا أول له ولا آخر، إذ ذهب بعض أرباب الإعلان (مثل شارك مالك من لبنان) إلى أنه ملزم قانوناً وشايعه في هذا فقهاء معروفون مثل «تشيركوفيتش» في حين أصرت السيدة «اليانور روزفلت» (الولايات المتحدة) وهي من اللاتي أسهمن في صوغ الإعلان إلى أنه قرار صادر عن الجمعية العامة وليس معاهدة ولا اتفاقاً دولياً بل ولا يهدف إلى إنشاء قانون أو التزام قانوني إنه مجرد إعلان لمبادئ معينة تتصل بحقوق الإنسان وحرياته.. فهو .. نموذج مشترك لما حققته شعوب كل الدول» وكان الاتجاه ذاته لفقهاء معروفين مثل «أوبنهايم» و«مهاجان». واتخذ فقهاء آخرون موقفاً وسطاً فالإعلان عندهم ليس قانوناً بل له صفة أدبية عظيمة، كما يقول إيزبجيوفور، وصفته ترقى به إلى مكان الالتزامات التي لا مندوحة عنها للدول كما قال آزارا وفيرون.
وأياً كان رأي هؤلاء وأولئك فإن قيمة هذه المحاورات، أصبحت محدودة إلى حد كبير بعد انقضاء خمسة وأربعين عاماً على صدور الإعلان وإصرار الدول باطراد على اعتماد المبادئ التي جاء بها في دساتيرها الوطنية، مما يضفي عليها طابع القانون الدولي العرفي ويجعلها واجبة النفاذ تحت طائلة المساءلة الدولية.
حقوق الإنسان في المواثيق الدولية بعد الإعلان العالمي
لم تكتف توصية الجمعية العامة رقم 217(3) لعام 1948 بإصدار الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، بل تضمنت تصميم الأمم المتحدة على إعداد ميثاق أو مواثيق تضم في جنباتها التزامات قانونية واضحة مع الدول ووسائل تنفيذ، أو نظام دولي من شأنه ضمان الاعتراف الفعلي بحقوق الإنسان واحترامها. وفي عام 1952 قررت الجمعية العامة أن يكون هناك ميثاقان أو عهدان أحدهما يعالج حقوق الإنسان السياسية والمدنية والآخر حقوق الإنسان الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، وسارعت لجنة حقوق الإنسان إلى العمل الجاد فأنهت عملها في العام 1954 ورفعت مشروعين للجمعية العامة.
وبعد اثني عشر عاماً من النقاش والجدل استقر الرأي الإجماعي للدول الأعضاء على الميثاقين في صيغتهما الأخيرة، وقد صدرا جنباً إلى جنب مع بروتوكول اختياري ملحق بالاتفاقية الخاصة بالحقوق المدنية والسياسية وذلك بقرار الجمعية العامة رقم 2106 (الدورة20) في 16/12/1966 وعرضت هذه المستندات الثلاث على الدول الأعضاء لتصديقها أو الانضمام إليها ودخلت حيز التنفيذ الفعلي فيما بين الدول المصدقة أو المنضمة عام 1976. والقطر العربي السوري طرف في الميثاقين مع مئة وثلاثين دولة ونيف (حتى نهاية عام 1994).
تعهدت كل دولة صدقت على العهد الخاص بالحقوق المدنية والسياسية بحماية شعبها عن طريق القانون من المعاملة القاسية أو غير الإنسانية والمهينة. وتعترف بحق كل إنسان في الحياة والحرية والأمن والحرمة والكرامة، كما أنها تحرم الرق وتكفل الحق في المحاكمة العادلة للجميع وتحمي الأشخاص من الاعتقال والإيقاف التعسفيين، كما يقر العهد المذكور بحرية الفكر والضمير والعقيدة الدينية وحرية الرأي والتعبير والحق في التجمع السلمي وبحرية المشاركة في الحياة السياسية والعامة. ونص كذلك على حرية الرضا في الزواج وعلى حماية الأطفال ويكفل المحافظة على التراث الثقافي والديني واللغوي للأقليات. والواقع أن الحقوق المبينة من هذا العهد مستوحاة في مجملها من الإعلان العالمي، لكن جاءت خلواً من النص على حق الملكية وحق اللجوء.
في حين تقر كل دولة صدقت على العهد الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية بمسؤوليتها عن العمل نحو ضمان شرط معيشة أفضل لشعبها، كما تقر بحق كل فرد في العمل والأجر العادل والضمان الاجتماعي وفي توفير مستويات معيشية مناسبة وفي التحرر من الفاقة، كما تقر بحق الفرد في الصحة والثقافة وتتعهد أيضاً ضمان حق كل فرد بتأليف النقابات والانضمام إليها. وقد جاءت الحقوق الواردة في هذا العهد أطول وأشمل من مثيلاتها في الإعلان العالمي، لكنها في الوقت نفسه جاءت أعم وأقل تحديداً مما جاء به الإعلان.ويتصدر العهدان مادة واحدة في معناها وميثاقها تقر الدول بموجبها بحق الشعوب في تقرير مصيرها[ر].
وتوجد مجموعتان من الإجراءات وآليات التطبيق في العهدين اللذين يحتويان كثيراً من النصوص المشابهة.
فقد انتخبت الدول المرتبطة بالعهد الخاص بالحقوق المدنية والسياسية «لجنة للحقوق الإنسانية» مؤلفة من ثمانية عشر شخصاً يعملون بصفتهم الفردية ويكونون طبقاً للاتفاقية من ذوي الأخلاق العالية المعترف لهم بالدراية في مجال حقوق الإنسان. وتقوم هذه اللجنة بالنظر في التقارير التي تعرضها عليها الدول الأطراف، وللجنة أن توجه تعليقات عامة لهذه الدول وكذلك إلى المجلس الاقتصادي والاجتماعي في الأمم المتحدة[ر]. وطبقاً لنصوص اختيارية تضمنها العهد المشار إليه (لم تتجاوز الدول المرتبطة به 70 دولة حتى نهاية 1994) يجوز للجنة الحقوق الإنسانية أن تنظر أيضاً بتبليغات دولة طرف بعدم وفاء دولة طرف أخرى بالتزاماتها طبقاً للاتفاقية. وتعمل اللجنة كهيئة تقصي حقائق ويمكن إنشاء لجان توفيق خاصة بالموافقة المسبقة للدول المعنية من أجل عرض مساعيها الحميدة بغية التوصل إلى حلول ودية على أساس احترام الحقوق الإنسانية. ويجوز للجنة حقوق الإنسانية بموجب البروتوكول الاختياري ذاته أن تنظر إضافة لما تقدم من شكاوى الأفراد الذين يدّعون بأنهم ضحايا خرق دولة طرف في بروتوكول لأي من الحقوق المدونة في الاتفاقية وترسل تقارير اللجنة إلى الدول الأطراف المعنية كما تقوم اللجنة بعرض تقارير سنوية عن نشاطاتها السابقة على الجمعية العامة للأمم المتحدة.
أما الدول المبرمة للعهد الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، فتتعهد عرض تقارير دورية على المجلس الاقتصادي والاجتماعي بخصوص الإجراءات التي اتخذتها والتقدم الذي أحرزته من أجل حماية هذه الحقوق وللمجلس حق النظر في هذه التقارير، بالتعاون مع هيئات الأمم المتحدة ووكالاتها المتخصصة[ر. الوكالات المتخصصة والوظيفية]. وأن يسعى على اتخاذ إجراء دولي مناسب لمساعدة الدول والأطراف في هذه المجالات.
إلى جانب هذه الوثائق الدستورية الدولية العامة تبنت الأمم المتحدة عدداً من الاتفاقيات والإعلانات ذات الصلة الوثيقة بالإنسان: أهمها
1ـ الاتفاقية الدولية لإزالة التمييز العنصري وأشكاله كافة. وقد أقرتها الجمعية العامة في 21/12/1965 بقرارها 2106(الدورة 21) ودخلت حيز التنفيذ وبلغ عدد الدول المنضمة إليها حتى نهاية 1993 (94) دولة.
2ـ الإعلان الخاص بإزالة كل أشكال عدم التسامح والتمييز القائم على الدين أو المنفعة. وقد صدرت الجمعية العامة بتوافق الآراء في 25/11/1981.
3ـ الاتفاقية الخاصة بإزالة كل أشكال التمييز ضد النساء، وقد أقرتها الجمعية العامة في 8/12/1979 ودخلت حيز النفاذ في 3/9/1981 وانضمت إليها دول تربو على المئة حتى نهاية 1994.
4ـ الاتفاقية الخاصة بمكافحة التعذيب والمعاملة أو العقاب القاسي واللاإنساني أو المحّط من الكرامة وقد تبنتها الجمعية العامة بالتوافق في 10/12/1984 ودخلت حيز النفاذ منذ 26/6/1987 بين سبعين دولة ونيف.
5ـ الاتفاقية الخاصة بحقوق الطفل وقد تبنتها الجمعية العامة في 20/11/1989 ودخلت حيز النفاذ بين مئة دولة تقريباً بدءاً من 2/9/1990.
6ـ الإعلان الخاص بالحق في التنمية وقد أقرته الجمعية العامة في 4/12/1986 بقرارها رقم 128 للدورة 44.
7ـ الاتفاقية الخاصة بالسكان الأصليين والقبليين في البلدان المستقلة. وقد أقرته الجمعية العامة لمنظمة العمل الدولية في اجتماعها السنوي عام 1989 وانضمت إليه حتى الآن بوليفيا وكولومبيا، والمكسيك والنروج.
8ـ الاتفاقية الخاصة بمركز اللاجئين وقد دخلت حيز النفاذ من 22 نيسان 1954 وكذلك الاتفاقية الخاصة بعديمي الجنسية وقد انضمت إلى الأولى أكثر من مئة وخمسين دولة.
9ـ الإعلان الخاص باللجوء الإقليمي الذي أقرته الجمعية العامة في 14/12/1967 بموجب قرارها رقم 2312 (الدورة 22).
10ـ الاتفاقية الخاصة بحماية حقوق العمال المهاجرين وأفراد أسرهم وقد أقرتها الجمعية العامة للأمم المتحدة بقرارها 158 (الدورة 45) في 25/2/1991 وما زال قيد النظر من الدول الأعضاء.
وقد أنشئ مؤخراً منصب المفوض السامي لحقوق الإنسان (بعد المؤتمر العالمي المنعقد عام 1993).
حقوق الإنسان في النطاق الإقليمي
كانت أوربا أسرع القارات في التجاوب مع الإعلان العالمي لحقوق الإنسان نصاً وعملاً. ففي 4/11/1950 وقعت في روما الاتفاقية الأوربية لحماية حقوق الإنسان وحرياته الأساسية. وقد دخلت هذه الاتفاقية حيز النفاذ في 3/9/1953. وتضم اليوم 25 دولة وبلداً(أي دولة ناقصة السيادة بالحماية ليتشناستاين وسان سيمونمارينو. تتألف الاتفاقية من نص رئيس وعشرة ملاحق تفصيلية أو تفسيرية أو تعديلية.
لقد كانت الغاية من هذه الاتفاقية التي تعد بحق أكثر تقدماً من الاتفاقيات ذات الطابع العالمي وإيجاد السبل الفعلية لحماية ما جاء فيها من حقوق وحريات أساسية أكثر تواضعاً مما جاء في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان كونها تركز على الحريات التقليدية وليس الحقوق الاجتماعية والاقتصادية.
فقد تضمنت الاتفاقية الأوربية (وتعرف أحياناً باتفاقية روما) لحقوق الإنسان إنشاء هيئتين دوليتين لضمان حقوق الإنسان الأوربي وهي:
ـ لجنة حقوق الإنسان.
ـ المحكمة الأوربية لحقوق الإنسان. وقد جرى تعديل الاتفاقية الأوربية مؤخراً، لتفسح لجنة حقوق الإنسان مكانها للمحكمة الأوربية لحقوق الإنسان مما يدعم من حماية هذه الحقوق.
ومن صلاحيات المحكمة الأوربية البت بحكم قضائي ملزم فيما يحال عليها من موضوعات من دولة المضرور أو الدولة المشكو منها أو إحدى الدول المتعاقدة الأخرى.
وقد تضمن إعلان هلسنكي الصادر في 1/8/1975 فقرات خاصة بحقوق الإنسان الأوربي.
أما في القارة الأمريكية فقد صدر بمدينة بوغوتا الإعلان الأمريكي لحقوق الإنسان وواجباته في 2 أيار 1948.
وفي سان خوزيه بكوستاريكا صدرت في 22/11/1969 الاتفاقية الأمريكية لحقوق الإنسان ودخلت حيز النفاذ بدءاً من 18/7/1978 بين ست وعشرين دولة هي غالبية الدول الأمريكية. وحاولت هذه الاتفاقية الأوربية، وبقي انتهاك حقوق الإنسان في أمريكا اللاتينية هو الأصل على خلاف الحال في الدول الأوربية.
أما في القارة الإفريقية فقد أصدر مؤتمر رؤساء دول وحكومات منظمة الوحدة الإفريقية في 30/7/1979 قرار رقم 115 (16) بشأن إعداد مشروع أولي لميثاق إفريقي لحقوق الإنسان والشعوب. وعلى الأثر تقدمت لجنة من الخبراء لرؤساء الدول والحكومات الإفريقية المنعقد في نيروبي في 26/6/1981 وقد دخل الميثاق حيز النفاذ في 26/10/1986 بعد تصديق ست وعشرين دولة إفريقية عليه (الأغلبية المطلقة).
كرر الميثاق الإفريقي لحقوق الإنسان الحقوق التقليدية كما وردت في ما سبقه من مواثيق وإعلانات لكنه خلافاً لما سبق خصّ بعض الحقوق ذات الصفة الجماعية بنصوص معينة (المواد 18-26) مثل حق المساواة بين الشعوب وحق تقرير المصير وحق الشعوب المستعمرة في الكفاح المسلح لتحرير نفسها كما تفرد الميثاق الإفريقي بإدراج التزامات على الأفراد احتراماً لحقوق غيرهم كواجب المحافظة على تطور الأسرة وانسجامها وخدمة المجتمع الوطني والعمل بأقصى القدرات ودفع الضرائب(م 27-29).
هنا أيضاً بقي الميثاق الإفريقي لحقوق الإنسان أدنى كثيراً من طموحات شعوب القارة التي شهدت وتشهد خروقات فاضحة لأبسط حقوق الإنسان. بل وشهدت مؤخراً (94-95) حروب الإبادة الجماعية Genocide في رواندة وبوروندي والصومال وسواها.
أما في الوطن العربي فقد جاء ميثاق جامعة الدول العربية الموقع في 22 آذار 1945 خلواً من أي نص عن حقوق الإنسان، غير أن مجلس الجـامعة وافق في 3/9/1968 (القرار2443/48) إلى إنشاء اللجنة العربية الدائمة لحقوق الإنسان التي عهد إليها إعداد مقترحات وأبحاث وتوصيات ومشروعات اتفاقات يتعين أن تحظى بموافقة مجلس الجامعة. وتتألف هذه اللجنة مندوبي الحكومات العربية وليس من أشخاص أكفاء يؤدون واجبهم بصفتهم الشخصية، لذا ظل دور الجنة هامشياً.
وبناء على توصية المؤتمر الإقليمي العربي لحقوق الإنسان الذي انعقد في بيروت بين 2و10/10/1968 أنشأ مجلس الجامعة لجنة خبراء عهد إليها إعداد مشروع إعلان عربي لحقوق الإنسان (القرار 3668/30 في 10/9/1971 وقد أعدت اللجنة بالفعل هذا المشروع المستمد في جلّه من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان مع مراعاة خصوصية الوطن وحضارته، لكن المشروع لقي طريقه إلى الإهمال.
وعندما انتقلت الجامعة إلى تونس توصلت في 11/11/1982 إلى اعتماد مشروع جديد أسمته الميثاق العربي لحقوق الإنسان، غير أن مجلس الجامعة قرر في دورته التاسعة والسبعين (1983) إحالة المشروع على الدول الأعضاء في الجامعة لوضع ملاحظاتها عليه وما زالت الدول الأعضاء بصدد ذلك حتى نهاية 1995، مع أن المشروع العتيد لا يصل في أهدافه إلى أي من الإعلانات والمواثيق المقرّة عالمياً أو إقليمياً.
لكن الوطن العربي شهد ويشهد ولادة معاهد ومؤسسات تعنى بحقوق الإنسان العربي فعلاً لا قولاً من دون أن يقترن عملها بتصرف حكومي جماعي عربي.
إن موضوع حقوق الإنسان غدا الشغل الشاغل للمحافل الدولية العالمية والإقليمية، وقد أوصت منظمة الأمم المتحدة للتربية والثقافة والعلوم[ر] UNESCO. أن تدرس حقوق الإنسان مادة مستقلة في شتى مراحل التدريس وعلى أثر ذلك تقرر إدخال مقرر خاص من متطلبات التخرج الجامعي في كل الكليات في عدد من الجامعات العربية كما أنه يدرس في نطاق الثقافة القومية أو القانون الدستوري والدولي في جامعات أخرى. والقصد من ذلك كله تثبيت مقولة أن الأصل ترسيخ الفكرة في ذهن الناس حتى يسهموا هم في تطويرها من حُلُم أو هدف نظري إلى حقيقة واقعة مؤيدة بالثواب والعقاب.
محمد عزيز شكري