كتاب "فلسفة القيم النقدية عند نيتشه".. الانخراط في روح الفيلسوف

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • كتاب "فلسفة القيم النقدية عند نيتشه".. الانخراط في روح الفيلسوف

    اضغط على الصورة لعرض أكبر. 

الإسم:	IMG_٢٠٢٣٠٣٢٢_١٥٣٦١٣.jpg 
مشاهدات:	10 
الحجم:	47.0 كيلوبايت 
الهوية:	87399 صدر عن المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات كتاب المولدي عزديني فلسفة القيم النقدية عند نيتشه: استشكال الإتيقا وسؤال النقد الجذري. يشتمل الكتاب على 380 صفحة، وقائمة ببليوغرافية، وفهرس عام.

    يسعى هذا الكتاب إلى دراسة طبيعة العلاقة بين "استشكال الإتيقا" (تأسيس حقل قيم نقدي متعلق بشكل الحياة الحرة، يقع في ما وراء الخير والشر، أي في ما وراء المفهوم التقليدي للأخلاق) من ناحية، و"سؤال النقد الجذري" (أي "الجينيالوجي") للمنظومة التقليدية للأخلاق من ناحية أخرى، ويحاول استكشاف ميدان "الإتيقا" بوصفه حقلًا مستقلًا من المسائل مختلفًا عن فلسفة الأخلاق التقليدية. يقوم الكتاب على التحليل الداخلي للنصوص والانخراط في روح الفيلسوف، من أجل فهمه وشرح مفاهيمه وبسط أطروحاته، على نحو جامع، في كتابات فريدريش فيلهيلم نيتشه. وتتمثل قيمته البحثية المضافة، أيضًا، في تقديم عملٍ متكامل في مسألةٍ ظلَّ التطرق إليها باللغة العربية جزئيًّا فحسب.

    يسعى كتاب "فلسفة القيم النقدية عند نيتشه" إلى دراسة طبيعة العلاقة بين "استشكال الإتيقا" من ناحية، و"سؤال النقد الجذري" للمنظومة التقليدية للأخلاق من ناحية أخرى
    تجذير النقد الفلسفي للأخلاق
    يُرَدُّ أمرُ القرار الفلسفي النيتشوي القاضي بتدبير الحيلة الفلسفية لقلب القيم إلى أسباب عدة، قد يكون أهمُّها افتتانه بعظمة عصر النهضة الإيطالية الذي مسخ قيم الأخلاق الكنسية. أمّا ما يستهدفه نيتشه، حقيقةً، من وراء مطلب قلب القيم، فهو استحداث أفق جديد، هو أفق الحياة، أو اشتقاقه من خلال معاينة الراهن. و"تعني هذه المعاينة نقدًا جذريًّا لعالم ثقافيٍّ أباح هذا الانحطاط"؛ فنَقدُ نيتشه لا يرتكز على الأخلاق السائدة التي شرَّعها بعض الفلاسفة من جهة محتواها، بل إنّ جذرية الممارسة النقدية عنده تبلغ حدَّ خلخلة الأسس النظرية التي بُنيت عليها تلك الأخلاق ونُظمها. فنيتشه لا يشخِّص علّة تلك النُّظم وثغراتها من خلال مقولات مجرَّدة، من قَبيل الحرية والمنفعة والنزاهة والتجرُّد والنيّة؛ لأنّ حقيقة النقد الذي يستوفي شروطه النظرية كامنة في وضع الأسس الأولى التي بُنيت عليها تلك المقولات موضع استشكال. وسبب ذلك في الواقع، أنها مجرَّد مقولات ترميمية داخل أبنية الأخلاق البشرية. وبناءً على ذلك، تكون جديرة بأنْ توضع موضع استفهام، سواء أتعلَّق ذلك بالحكمة الفلسفية أم بالحكمة الشعبية؛ لأنّنا ما زلنا "في كلّ مكان وحيثما لا نعرف بَعدُ التفكير بطريقة سببية، نفكِّر بطريقة أخلاقية".

    إنّ نقد نيتشه للأخلاق من جهة عمقه والتزامه الإتيقي هو نقد يمسكُ حقيقةً بعَصَب الأخلاق. إنّه يُفضي حتمًا إلى تفنيدها من جهة منبتها النظري. وفضيلة الإتيقا أن تعزِّز في الفعل النقدي عينِه الانشدادَ إلى المبادئ النظرية المؤسِّسة للنُّظم الأخلاقية. ولمَّا كان "نقد الأخلاق يمسُّنا أكثر"، فإنّ السؤال الإتيقي الأنسب هو: مَنْ أنتج هذه الأخلاق؟ مَنْ ذا الذي شرّعها؟ ومَنْ ذا الذي التزم بها؟ وهل أنّ مَن شرّع هو عينه مَن التزم؟ أم إنّ الأمر مغاير لذلك تمامًا؟ لا يتردّد التفكير الفلسفي النيتشوي، بحسب إتيقاه الخاصّة، في "توجيه أعنف نقد له إلى الأخلاق". فما الذي يجعل هذا التفكير أكثر اهتمامًا بالأخلاق؟ أيعود ذلك إلى أنّ الأخلاق هي الملاذ الذي تتحصّن به ثقافة الكذب القيمي لعصر الحداثة وعالَمنا الراهن، أم إلى تلك الشبهة التي حصلت لنيتشه في طفولته؟
    بين حدّي الإتيقا والأخلاق
    هل يكون العمل الفلسفي لضبط حدود الإتيقا والأخلاق في علاقة بشخصَي الإتيقي والأخلاقي أمرًا آخر غير النقد الإتيقي للأخلاق؟ وهل ثمّة ما يضطلع برسمِ حدود الفرق بينهما إلّا الإتيقا الناقدة؟ يمكن القول، على سبيل الاستنتاج، إنّ مثل هذا العمل هو نقد إتيقي للأخلاق. ثمَّ إنّ ما قام به نيتشه من نقدٍ فلسفيٍّ للأخلاق إنّما هو في النهاية عمل النقد الإتيقي للأخلاق.

    إنّ الإتيقا عماد الحياة، وهي سندها ضدّ كلّ ما يتهدّدها. وإذا كان جوهر نقد نيتشه للقيم الأخلاقية مراهنة على الحياة، فإنّ نقده للأخلاق نقد إتيقي؛ ذلك أنّ تثمين الحياة نفسه مظهر، أو هو بالأحرى سلوك إتيقي. أمّا الحياة التي تستشعر الضعف في ذاتها، فهي حياة تتوهَّم اختلاق معيار أو سندٍ ترتكز عليه، وما الحياة المتعافية إلا حياة إتيقية لتقوُّمها بالحياتيِّ نفسه. ولربَّما أهم ما كشفت عنه الإتيقا الناقدة بيان الفرق بين القيم الإتيقية وشخوصها، والقيم الأخلاقية وشخوصها، وهو ما يسمِّيه نيتشه "الانتصار على ’الحقيقة‘". فما الحقيقة التي جرت مغالبتها بمفاعيل الإتيقا والنقد الجذري للقيم؟ يجيب نيتشه على النحو الذي يجعل من تأزيم الأخلاق عملًا تتكشَّف من خلاله لاأخلاقية الأخلاق البشرية؛ حيث تبيَّن مآل "الانتصار على ’الحقيقة‘، فإنّ ما تبقَّى هو تفوُّق القيم اللاأخلاقية على الأخلاقيَّات. وللبرهنة: القيم الأخلاقية نفسها ليست ’أخلاقيَّة‘، أ) لا من جهة أصلها. ب) ولا بوسائل القوَّة التي بها تُفْرَض". وهذه هي النتيجة الفلسفية الأوّلية لما اصطلحنا عليه بعمل الإتيقا الناقدة.

    أمّا انتصار فلسفة القيم النيتشوية عمومًا، فهو للحياة والعمل من أجلِ تدبير السبيل إليها. غير أنّ جنسًا مخصوصًا من الحياة المعيشة، وفقًا لإملاءات النقد الفلسفي الجذري، هو الذي خصَّته إتيقا نيتشه بالتبجيل. وهذا ما يفيد تجنُّبه العمل بمعايير المقولات الأخلاقية المجرِّدة للحياة والزاجرة لها؛ إذْ هي مقولات للتنكيلِ بالحياة، وهو ما يتنافى وغرض الإتيقا الناقدة من تطلُّعٍ إلى حياة أعظم وأرحب، حياة سلاحها الفلسفي تثبيت مفعول النقد من أجلِ إسعاد الحياة نفسها، والعمل على تحريرها من لغة - قناع باتت تستغرق مقولات حقوقية مدجِّنة للحياة ونافية لها. لكن "لِمَ علينا دائمًا أن نستعمل تلك الألفاظ عينها الموصومة افتراءً من قديم الزمان؟".
    هل يعود ذلك، أساسًا، إلى خصوصية النظر إلى الاستغلال في ما وراء أخلاق الخير والشّر؟ يجيب نيتشه: "لا ينتمي الاستغلال إلى مجتمعٍ فاسدٍ أو غير كاملٍ أو بدائيٍّ، بل ينتمي إلى جوهر الحيِّ، بوصفه وظيفة عضويّة أساسيّة، وهو نتيجة لإرادة القدرة إيّاها التي هي بالذات إرادة الحياة". فإبراز هذا الأمر أو ذاك على أنّه أمر لاأخلاقي هو مِن عمل جينيالوجيا الأخلاق. فما الذي مثَّل دافعًا نيتشويًّا للدفاع عن الحياة من انتهاكات الأخلاق بخيرها وشرّها؟ إنّ القناعة الفلسفية النيتشوية بلزوم التأسيس القيمي للإتيقا هي التي ترى في الأخلاق نوعًا من الزيف بمقاييس الخير والشّر، ولكنّها مشكلة جدِّية وحقيقية بالنسبة إلى الحياة.

    إنّ مردُّ حميّة الأخلاقي للأخلاق، إذًا، هو خدمة الشأن الذاتي المحض بصرف النظر عن صدقيته من منظور الإتيقا الناقدة، فلا يهمُّه، حتى إنْ تعارض مع شأن العموم وحقوقهم. أمَّا حميّة الإتيقا الناقدة للحياة، فمردُّها الحرص على إحلال القيمة الإتيقية محلَّ قيمتَي الخير والشّر وقد أفسدتهما زمرة العبيد. ومن ثَمَّ، قد يجد التعارض بين الأخلاق والحياة أصله في الفرق المهمّ بين وجهة نظر الأخلاق المُهِينة للحياة ببخسها، ووجهة نظر الإتيقا المعظِّمة للحياة بإكرامها.

    الحدود الفلسفية للنقد الجذري
    يفيد النقد الجذري موضعة القيم والموضوعات المستهدفة عمومًا موضع أزمة، فيطاول النقد الجذور، على أنّ النقد الجذري هو نقدٌ مؤسِّسٌ، ويستهدف فلسفةً للمُقْبِل. ويطاول النقد الأوهام والمُثل والأصنام، وكلُّها حالَّة في أوسع مفهوم لها: القيم.

    في الحقيقة، يتمكَّن النقد من الفكر والحياة والحضارة والأنفس البشرية. وهو جذريٌّ لجرأته على ملامسة الكلِّ؛ ومن ثمَّ إعادة حمل الأسماء الحق على المسمَّيات الحق التي تناظرها. وقد استعمل نيتشه في عام 1888 النقد بوصفه نسفًا للمُثل التي أصَّلها جنس من الفلاسفة يبحث عن الحقيقة. ففي "نقد الأمثلة"، شدَّد على أنّه "ينبغي أن يبدأ بشكلٍ يحذف لفظ ’مثالي‘: نقد الأشياء المرغوبة".
يعمل...
X