تُظهر الأبحاث التأثيرات الإيجابية للنوستالجيا -الحنين للماضي- من سكينة وإبداع وإلهام. لا شيء يضاهي فترة الأعياد في استلهام مشاعر الحنين للماضي. فالتقاليد والذكريات والموسيقى، وغيرها هي السمات الرئيسية لما يُعرَف بموسم عيد الميلاد.
قالت أستاذة علم النفس في جامعة Le Moyne في نيويورك كريستين باتشو: «يميل الناس للشعور بالحنين للماضي أكثر خلال فترة الأعياد، وهذا يتعلق في جزء كبير منه بحس الانتماء لديهم».
تختلف العادات من عائلة إلى أخرى، وأحيانًا يتشاركها مجموعة من الأشخاص.
تقول باتشو: «في أمريكا، يضيء البيت الأبيض شجرة عيد الميلاد كل سنة، والجميع يشعر بالانتماء لهذا البيت».
«تعيدنا تقاليد معينة إلى طفولتنا. لكن عندما نغدو نحن أنفسنا آباءً وأمهات فإنك ترغب في توريث هذه المشاعر والتقاليد لأبنائك. أن تمنح طفلك حنينه في المستقبل، وفي الوقت ذاته تستمتع باستحضار الحنين للماضي».
نوعٌ مختلف من المشاعر
يُعد الحنين للماضي إحساسًا مركّبًا ومختلفًا عن المشاعر الأخرى، لأنه شعور وهاجس فكري في الوقت نفسه. مثلًا عندما تكون سعيدًا فإنك تشعر بالسعادة ببساطة، لكن عندما تشعر بالحنين للماضي فإن ذلك يشمل المعالجة المعرفية للذكرى، وما يرتبط بها من مشاعر.
تقول باتشو: «خُذْ مصطَلح عذب ومرير (Bittersweet) مثلًا. في كثير من الأحيان تسترجع ذكريات عذبة من ماضيك، لكن الجزء المؤلم هو معرفتك أنّها ذهبت دون رجعة!».
إذن، هل يبقينا الحنين أسرى للماضي؟
يخبرنا التاريخ أن هذا صحيح. تقول باتشو: «اطلعت في بداية بحثي حول النوستالجيا عام 1994 على أدب العلوم الإنسانية. وكان ما فاجأني هو النظرة السلبية عامةً تجاهها، وهذا ينبع من المفهوم التاريخي عنها».
صاغ مصطَلح نوستالجيا عام 1688 طبيب كان يدرس مجموعة من المتطوعين في الجيش عانوا الحنين للوطن والاكتئاب. واعتقد حينها بإمكانية أن تقضي نحبك جرّاء الإفراط في الحنين للماضي!
ظنّ الأطباء النفسيون في عصر فرويد أن الحنين للماضي نوع من الاكتئاب، وأن من يخيم عليهم شبح الماضي لا يقدرون على المضي قُدُمًا.
في منتصف القرن العشرين بدأ علم النفس بملاحظة النوستالجيا، وفي ذلك الوقت كانت تُعرّف بحنين العودة إلى الوطن.
تقول باتشو: «أمريكا اليوم هي حتمًا ثقافة تتطلع نحو المستقبل. فنحن نعشق التطور، ونعتقد أن العلوم والتكنولوجيا ستعطينا الإجابات عن معضلاتنا العاجلة. لذلك حتى في عصرنا الراهن ستجد من ينظر إلى الحنين بوصفه مرضًا!».
جدوى النوستالجيا
وفقًا لبحث أجراه كونستانتين سيديكيديس وتيم وايلدشت في مركز الأبحاث حول الذات والهوية في جامعة ساوثهامبتون بإنكلترا، فإن الحنين للماضي أكثر من مجرد وسيلة نجاة واهنة من الحاضر. بل هو منبع للأمان والاستقرار، ويتيح للفرد مواجهة مستقبله.
توافق باتشو على ما سبق، وتقول إن بحثها توصل إلى العديد من الآثار الإيجابية للحنين، ومنها ما يلي:
استحضار مشاعر الطمأنينة
قد تساعد النوستالجيا الأشخاص في مواجهة التوتر والقلق. تقول باتشو: «أي تغيير، للأفضل كان أو للأسوأ هو مَدعاة للتوتر. ما تمنحك إياه النوستالجيا على الصعيدين العاطفي والمعرفي هو الاحتفاظ بالأصالة، ما يمنحك شعورًا بالاستمرارية والاستقرار».
مواجهة المشاعر السلبية
قد تترافق العزلة مع الحزن. تقول باتشو: «تتضمن ثقافتنا الحالية الكثير من الترحال، وابتعاد الأفراد عن أحبّائهم، مثل الطالب الجامعي الذي يغادر بيته، أو المجند الذي يؤدي خدمته العسكرية وراء البحار. ثبت أن النوستالجيا تساعدك على مواجهة الوِحشة واستعادة علاقتك بمن تشتاق إليهم. أي إنك تستطيع أن تستعيد بذكرياتك شعور الارتباط بالآخرين».
الحث على السلوكيات الطيبة
قد يشجع الحنين للماضي على التصرفات الطيبة. تقول باتشو: الطفولة هي فترة كنا فيها أنقى وأطيب، ويمكننا باستحضار الأفعال التي قمنا بها أطفالًا، أن نستعيد مشاعر إيجابية مثل أن تكون محبوبًا وعزيزًا، وأن تشعر بالأمان.
إضافةً إلى ممارسة النشاطات التي كنا نمارسها في طفولتنا. مثلًا عندما بدأ مواليد ما بعد الحرب العالمية الثانية بالشعور بالحنين للماضي وتذكر مقدار المتعة التي حققها لهم ركوب الدراجات، ازدهرت تجارة الدراجات الهوائية. وبدأ الأشخاص فوق عمر 50 سنة بركوب الدراجات الهوائية، وارتياد الأندية الرياضية. وأفاد الباحثان أن النوستالجيا تدفع أيضًا إلى:
تقول باتشو: «يساعد الحنين للماضي الأشخاص على التعايش مع المصائب والذكريات التعسة. وجدتُ في بحثي أن النوستالجيين يتمتعون بآليات مواجهة أكثر سلامة. فمثلًا يتمتعون بعلاقات اجتماعية أفضل، فإذا واجهوا ذكريات سيئة أو واقعًا عسيرًا، فبإمكانهم التكيف بطلب النصح أو المساعدة من الآخرين».
«أما للمصابين بالاكتئاب فالنوستالجيا سيف ذو حدين. مثلًا سيعاني اللاجئون الذين أُجبِروا على مغادرة أوطانهم الاكتئاب وذلك لخسارتهم كل شيء. هذا النوع من الحنين للماضي هو حنين مرضي، قد يجعل الشخص أسيرًا لماضيه. لكن عند اللجوء للحنين بطريقة سليمة، فبإمكان النوستالجيا أن تكون دعامةً تثبت جذورك في الماضي ريثما تعثر على السبيل في ظرفك الطارئ. وسواءً كان هذا الظرف متطرفًا مثل ثقافة جديدة، أو أقل تطرفًا مثل مباشرة عمل جديد، أو أن تصبح أبًا، تمنحك النوستالجيا الوقت لتشعر بالأمان، وتقول: أعلم أن بإمكاني القيام بهذا. وعندها بإمكانك التخطيط لمستقبلك».
«في فترة الأعياد، يجد الأشخاص الذين عاشوا حياةً ممزقة أن بإمكانهم ابتكار عادات جديدة لتصبح هي تقاليدهم العائلية، وتمنحهم قليلًا من الانتماء».
التداوي بالحنين للماضي:
استُخدِمَت النوستالجيا في علاج أشخاص يعانون أمراضًا تسبب تشوشًا في الذاكرة، أو تحورًا في الذكريات. مثل فكرة إثارة الحنين بالموسيقى.
تقول باتشو: «تُجرى دراسات في علم الأعصاب حول التنمية الدماغية، وتبين أن أنماط النوستالجيا التي تستحثها الموسيقى تحفّز مناطق إضافية من الدماغ. وتقترح دراسة أن الموسيقى تثير الحنين للماضي، إذ تنشط المستقبلات العاطفية ومراكز المكافأة، وترتبط بمناطق الدماغ التي تحتفظ بذكرياتنا».
«عند استماعنا للموسيقى، يستثير ذلك بعض ذكرياتنا من الماضي، مع ما تحمله من مشاعر طيبة تأتي من مراكز المكافأة في الدماغ، عندها يتحسن مزاجك!».
من هم الأكثر عُرضة للحنين؟
يظهر بحث باتشو وجود صفات شخصية معينة تجعل البعض أكثر عرضة للحنين من غيرهم. تقول: «قد لا يكون النوستالجيون أكثر سعادة أو تعاسة من الآخرين. ولا تترافق النوستالجيا والاكتئاب أو الاضطرابات النفسية التقليدية».
تترافق النوستالجيا والآتي:
الانفعالية (العاطفية)
وفقًا لباتشو: «ترتبط العاطفية بكثافة شعور الشخص بإحساس ما». لدى النوستالجيين طاقة شعورية عظيمة، فعند الحزن يحزنون بشدة، وعند الفرح يفرحون بشدة!
الرأفة والرحمة
النوستالجيون أكثر ميلًا إلى الرأفة والتعاطف. وتفسّر باتشو هذا بقولها: «يعود هذا في جزء كبير منه إلى تقدير النوستالجيين لعلاقاتهم. فهم أشخاصٌ يهتمون بالآخرين ويسعون إليهم».
قالت أستاذة علم النفس في جامعة Le Moyne في نيويورك كريستين باتشو: «يميل الناس للشعور بالحنين للماضي أكثر خلال فترة الأعياد، وهذا يتعلق في جزء كبير منه بحس الانتماء لديهم».
تختلف العادات من عائلة إلى أخرى، وأحيانًا يتشاركها مجموعة من الأشخاص.
تقول باتشو: «في أمريكا، يضيء البيت الأبيض شجرة عيد الميلاد كل سنة، والجميع يشعر بالانتماء لهذا البيت».
«تعيدنا تقاليد معينة إلى طفولتنا. لكن عندما نغدو نحن أنفسنا آباءً وأمهات فإنك ترغب في توريث هذه المشاعر والتقاليد لأبنائك. أن تمنح طفلك حنينه في المستقبل، وفي الوقت ذاته تستمتع باستحضار الحنين للماضي».
نوعٌ مختلف من المشاعر
يُعد الحنين للماضي إحساسًا مركّبًا ومختلفًا عن المشاعر الأخرى، لأنه شعور وهاجس فكري في الوقت نفسه. مثلًا عندما تكون سعيدًا فإنك تشعر بالسعادة ببساطة، لكن عندما تشعر بالحنين للماضي فإن ذلك يشمل المعالجة المعرفية للذكرى، وما يرتبط بها من مشاعر.
تقول باتشو: «خُذْ مصطَلح عذب ومرير (Bittersweet) مثلًا. في كثير من الأحيان تسترجع ذكريات عذبة من ماضيك، لكن الجزء المؤلم هو معرفتك أنّها ذهبت دون رجعة!».
إذن، هل يبقينا الحنين أسرى للماضي؟
يخبرنا التاريخ أن هذا صحيح. تقول باتشو: «اطلعت في بداية بحثي حول النوستالجيا عام 1994 على أدب العلوم الإنسانية. وكان ما فاجأني هو النظرة السلبية عامةً تجاهها، وهذا ينبع من المفهوم التاريخي عنها».
صاغ مصطَلح نوستالجيا عام 1688 طبيب كان يدرس مجموعة من المتطوعين في الجيش عانوا الحنين للوطن والاكتئاب. واعتقد حينها بإمكانية أن تقضي نحبك جرّاء الإفراط في الحنين للماضي!
ظنّ الأطباء النفسيون في عصر فرويد أن الحنين للماضي نوع من الاكتئاب، وأن من يخيم عليهم شبح الماضي لا يقدرون على المضي قُدُمًا.
في منتصف القرن العشرين بدأ علم النفس بملاحظة النوستالجيا، وفي ذلك الوقت كانت تُعرّف بحنين العودة إلى الوطن.
تقول باتشو: «أمريكا اليوم هي حتمًا ثقافة تتطلع نحو المستقبل. فنحن نعشق التطور، ونعتقد أن العلوم والتكنولوجيا ستعطينا الإجابات عن معضلاتنا العاجلة. لذلك حتى في عصرنا الراهن ستجد من ينظر إلى الحنين بوصفه مرضًا!».
جدوى النوستالجيا
وفقًا لبحث أجراه كونستانتين سيديكيديس وتيم وايلدشت في مركز الأبحاث حول الذات والهوية في جامعة ساوثهامبتون بإنكلترا، فإن الحنين للماضي أكثر من مجرد وسيلة نجاة واهنة من الحاضر. بل هو منبع للأمان والاستقرار، ويتيح للفرد مواجهة مستقبله.
توافق باتشو على ما سبق، وتقول إن بحثها توصل إلى العديد من الآثار الإيجابية للحنين، ومنها ما يلي:
استحضار مشاعر الطمأنينة
قد تساعد النوستالجيا الأشخاص في مواجهة التوتر والقلق. تقول باتشو: «أي تغيير، للأفضل كان أو للأسوأ هو مَدعاة للتوتر. ما تمنحك إياه النوستالجيا على الصعيدين العاطفي والمعرفي هو الاحتفاظ بالأصالة، ما يمنحك شعورًا بالاستمرارية والاستقرار».
مواجهة المشاعر السلبية
قد تترافق العزلة مع الحزن. تقول باتشو: «تتضمن ثقافتنا الحالية الكثير من الترحال، وابتعاد الأفراد عن أحبّائهم، مثل الطالب الجامعي الذي يغادر بيته، أو المجند الذي يؤدي خدمته العسكرية وراء البحار. ثبت أن النوستالجيا تساعدك على مواجهة الوِحشة واستعادة علاقتك بمن تشتاق إليهم. أي إنك تستطيع أن تستعيد بذكرياتك شعور الارتباط بالآخرين».
الحث على السلوكيات الطيبة
قد يشجع الحنين للماضي على التصرفات الطيبة. تقول باتشو: الطفولة هي فترة كنا فيها أنقى وأطيب، ويمكننا باستحضار الأفعال التي قمنا بها أطفالًا، أن نستعيد مشاعر إيجابية مثل أن تكون محبوبًا وعزيزًا، وأن تشعر بالأمان.
إضافةً إلى ممارسة النشاطات التي كنا نمارسها في طفولتنا. مثلًا عندما بدأ مواليد ما بعد الحرب العالمية الثانية بالشعور بالحنين للماضي وتذكر مقدار المتعة التي حققها لهم ركوب الدراجات، ازدهرت تجارة الدراجات الهوائية. وبدأ الأشخاص فوق عمر 50 سنة بركوب الدراجات الهوائية، وارتياد الأندية الرياضية. وأفاد الباحثان أن النوستالجيا تدفع أيضًا إلى:
- تأصُّل النزعة التوجهية.
- رفع الروح المعنوية.
- نهوض الإلهام.
- تعزيز الإبداع.
- إثارة الروح الاجتماعية.
تقول باتشو: «يساعد الحنين للماضي الأشخاص على التعايش مع المصائب والذكريات التعسة. وجدتُ في بحثي أن النوستالجيين يتمتعون بآليات مواجهة أكثر سلامة. فمثلًا يتمتعون بعلاقات اجتماعية أفضل، فإذا واجهوا ذكريات سيئة أو واقعًا عسيرًا، فبإمكانهم التكيف بطلب النصح أو المساعدة من الآخرين».
«أما للمصابين بالاكتئاب فالنوستالجيا سيف ذو حدين. مثلًا سيعاني اللاجئون الذين أُجبِروا على مغادرة أوطانهم الاكتئاب وذلك لخسارتهم كل شيء. هذا النوع من الحنين للماضي هو حنين مرضي، قد يجعل الشخص أسيرًا لماضيه. لكن عند اللجوء للحنين بطريقة سليمة، فبإمكان النوستالجيا أن تكون دعامةً تثبت جذورك في الماضي ريثما تعثر على السبيل في ظرفك الطارئ. وسواءً كان هذا الظرف متطرفًا مثل ثقافة جديدة، أو أقل تطرفًا مثل مباشرة عمل جديد، أو أن تصبح أبًا، تمنحك النوستالجيا الوقت لتشعر بالأمان، وتقول: أعلم أن بإمكاني القيام بهذا. وعندها بإمكانك التخطيط لمستقبلك».
«في فترة الأعياد، يجد الأشخاص الذين عاشوا حياةً ممزقة أن بإمكانهم ابتكار عادات جديدة لتصبح هي تقاليدهم العائلية، وتمنحهم قليلًا من الانتماء».
التداوي بالحنين للماضي:
استُخدِمَت النوستالجيا في علاج أشخاص يعانون أمراضًا تسبب تشوشًا في الذاكرة، أو تحورًا في الذكريات. مثل فكرة إثارة الحنين بالموسيقى.
تقول باتشو: «تُجرى دراسات في علم الأعصاب حول التنمية الدماغية، وتبين أن أنماط النوستالجيا التي تستحثها الموسيقى تحفّز مناطق إضافية من الدماغ. وتقترح دراسة أن الموسيقى تثير الحنين للماضي، إذ تنشط المستقبلات العاطفية ومراكز المكافأة، وترتبط بمناطق الدماغ التي تحتفظ بذكرياتنا».
«عند استماعنا للموسيقى، يستثير ذلك بعض ذكرياتنا من الماضي، مع ما تحمله من مشاعر طيبة تأتي من مراكز المكافأة في الدماغ، عندها يتحسن مزاجك!».
من هم الأكثر عُرضة للحنين؟
يظهر بحث باتشو وجود صفات شخصية معينة تجعل البعض أكثر عرضة للحنين من غيرهم. تقول: «قد لا يكون النوستالجيون أكثر سعادة أو تعاسة من الآخرين. ولا تترافق النوستالجيا والاكتئاب أو الاضطرابات النفسية التقليدية».
تترافق النوستالجيا والآتي:
الانفعالية (العاطفية)
وفقًا لباتشو: «ترتبط العاطفية بكثافة شعور الشخص بإحساس ما». لدى النوستالجيين طاقة شعورية عظيمة، فعند الحزن يحزنون بشدة، وعند الفرح يفرحون بشدة!
الرأفة والرحمة
النوستالجيون أكثر ميلًا إلى الرأفة والتعاطف. وتفسّر باتشو هذا بقولها: «يعود هذا في جزء كبير منه إلى تقدير النوستالجيين لعلاقاتهم. فهم أشخاصٌ يهتمون بالآخرين ويسعون إليهم».