تورطنا ذاكرتنا في العديد من المشكلات، فأحيانًا ننسى الماضي وأحيانًا نشوهه، وقد تطاردنا بعض الذكريات المزعجة سنوات، ومع ذلك فإننا نعتمد أيضًا على الذاكرة لأداء مجموعة متنوعة ومذهلة من المهام في حياتنا اليومية، مثل تذكر محادثة الأصدقاء والإجازات العائلية، والمواعيد والمهمات التي نحتاج إليها، واستدعاء الكلمات التي تتيح لنا التحدث وفهم الآخرين، وتذكر الأطعمة التي نحبها ونكرهها، واكتساب المعرفة اللازمة لوظيفة جديدة، كل ذلك يعتمد بطريقة أو بأخرى على الذاكرة، إذ تؤدي الذاكرة دورًا واسعًا في حياتنا اليومية فنتعامل معها بوصفها أمرًا تلقائيًا إلى أن يستدعي النسيان أو التشتيت انتباهنا.
لطالما أذهلت خطايا الذاكرة العلماء حتى احتلت هذه الخطايا مكانةً بارزةً في مجتمعنا خلال العقد الماضي، فقد غدت كل من اللقاءات المنسية، والنظارات الضائعة، والفشل في تذكر أسماء الوجوه المألوفة من الأمور الشائعة للعديد من البالغين الذين يحاولون التوفيق بين متطلبات العمل والأسرة والتعامل مع مجموعة محيرة من تقنيات الاتصالات الجديدة، فما عدد كلمات المرور وأرقام التعريف الشخصية التي يجب أن تتذكرها فقط لإدارة شؤونك على الإنترنت -ناهيك بالبريد الصوتي في المكتب أو هاتفك الخلوي-؟
زد على ذلك التعامل مع إحباطات فشل الذاكرة في الحياة اليومية، إذ يلوح مرض ألزهايمر شبحًا مرعبًا في الأفق، ونظرًا إلى ازدياد الوعي بأهوال الحياة، فإن النسيان المأساوي يسيطر على احتمالات الحياة التي تزيد تزاحم الأفكار في ذاكرتنا.
ميّز دانيال شاكتر، عالم الأعصاب في جامعة هارفارد سبع فئات أساسية لعيوب الذاكرة في كتابه «الخطايا السبع للذاكرة»، ترتبط ثلاث من هذه الخطايا بالنسيان، ويسمى الأول منها الزوال، يشير هذا المصطلح إلى أن قدرتنا على تذكر الأشياء والوصول إلى مكانها في ذاكرتنا تقل مع مرور الزمن، وقد اختبرنا جميعًا هذا النوع من النسيان.
النوع الثاني هو الشرود، يظهر نتيجة انقطاع حلقة الوصل بين الانتباه والذاكرة بسبب غياب الانتباه، فلا تُرمَّز المعلومات ترميزًا كافيًا، وقد توجد المعلومة في الذاكرة لكنك لا تتمكن من استعادتها في الوقت الذي تريده بسبب انشغالك بأشياء أخرى، فمثلًا تعلم أنه عليك جلب الحليب والبيض في طريق عودتك لكنك تنسى، وفور عودتك إلى المنزل تذكرك زوجتك بذلك فتتذكره.
النوع الثالث من النسيان هو الحجب، عندما تكون الذاكرة حاضرةً لكنك لا تستطيع الوصول إليها، يتمثل ذلك بظاهرة طرف اللسان.
تشمل خطايا الذاكرة أيضًا ثلاثة عيوب تتعلق بتحريف الذاكرة، الأول هو الإسناد الخاطئ، إذ توجد ذاكرة لكنها خاطئة، يحدث هذا عندما تتذكر بعض تفاصيل الحدث ولكنك تنسبه إلى مصدر خاطئ. يروي الكتاب قصة عالم النفس دونالد طومسون الذي اتُّهِم باغتصاب امرأة بوحشية، وقد اتضح لاحقًا أنه كان يُجري مقابلةً تليفزيونيةً حول تشويه الذاكرة لحظة اغتصاب تلك المرأة، وتبيّن أنها كانت تتابع المقابلة عندما اقتحم دخيل منزلها واغتصبها، وقد أخطأت في نسب ذكرى طومسون من شاشة التلفاز لوجه المغتصب، فهي تتذكر الوجه بدقة ولكنها أخطأت في فهم مصدر الذاكرة.
تسمى الخطية الثانية قابلية الإيحاء، ويشير إلى قدرة الاقتراحات والأسئلة في خلق ذكريات غير موجودة. أما الخطية الثالثة فهي التحيز الذي يوضح قدرة معتقداتنا ومشاعرنا على تحريف الذاكرة لتتوافق مع رغباتنا.
آخر الخطايا هي الاستدامة (الذكريات المُلحّة)، يتضمن ذكريات مؤلمةً وأشياء ترغب في نسيانها لكنك عاجز عن استبعادها من الوعي.
يبذل المختصون الكثير من الجهود حاليًا للمساهمة في العثور على أدوية تقاوم الزوال والحالات الأخرى. يوجد بصيص من الأمل، فقد يمثل العقار بروبرانولول Propranolol مقاومًا لاستدامة الذاكرة، فضلًا عن الأساليب السلوكية الأخرى المذكورة في الكتاب.
تكمن النقطة الأكثر أهميةً في معرفة الخطايا التي تتعامل معها لتعرف ما العلاج الذي تحتاج إليه، إذ يختلف العلاج وفقًا للحالة، ففي حالة الزوال توجد تقنيات ترميز تساعدك على تعلم تقنيات جديدة وربطها بمعلوماتك الأخرى بفعالية أكبر، فيتوقف الزوال مع مرور الوقت. أما شرود الذهن، فيمكنك التغلب عليه باستخدام مساعِدات الذاكرة مثل دفتر الملاحظات أو أجهزة التنبيه الإلكترونية أو التلميحات والرموز التي تذكرك بفعل الأشياء في وقت معين.