إنّ العبرة بالخواتيم، هذا ما صدر عن شكسبير منذ أكثر من 400 عام. قد تبدو هذه العبارة حقيقية لكن الواقع ليس كذلك، فلقد دحضنا هذه الأسطورة القديمة عبر تجربة تصوير دماغي حديثة نُشرت في مجلة علم الأعصاب. فالتجارب التي تنتهي على نحو جيد ليست بالضرورة جيدة عمومًا، والتجارب التي تنتهي على نحو أقلّ جودة ليست بالضرورة كلها سيئة.
على سبيل المثال، إذا خضت خمس جولات في لعبة البوكر، ستستمتع بالفوز مرتين في منتصف اللعبة أكثر من استمتاعك بالفوز مرة واحدة في النهاية، لكنّنا لسنا ندرك ذلك دائمًا.
في الواقع يشكّل التفضيل غير المبرّر للنهايات السعيدة أحدَ نقاط الضعف التي تدفعنا إلى اتخاذ قرارات غير صائبة. فالتركيز على النهاية السعيدة يجعلنا نهمل الحدث، وقد تكون النهاية السعيدة قصيرة وتأتي بعد فترة طويلة من الأحداث الرتيبة. ويسعد معظمنا عندما تدوم التجارب الممتعة أطول وقت ممكن، ولكنّنا نريد في الوقت نفسه أن تنتهي الأمورُ على نحوٍ جيد. فعندما توفي دَمبِلْدور في نهاية فيلم هاري بوتر، شعر بعض الناس أن تجربتهم دُمّرت برمّتها، لكن المتعة التي استحصلوا عليها لا ينبغي لهم تجاهلها بسبب نهاية مخيّبة للآمال، فقضاء عطلة مستمرّة أيامًا طويلة بطقس رائع باستثناء اليوم الأخير خيرٌ إجمالًا من قضاء عطلة أقصر مدّة وبطقس رائع.
وعلى أي حال، هذا بالتمام ما يشعره بعض الناس تجاه خبراتهم السابقة. وهذا الهوس بتحسّن مستمر للأمور هو مغالطة ممتهن الصيرفة، إذ يصبّ تركيزه على التطوير قصير الأمد على حساب النتائج طويلة الأمد. ويكمن جوهر المشكلة بين ما نستمتع به مستمرًا وبين ما نريده مجددًا بعد الانطباع الأخير، فالتركيز على النهاية السعيدة للأمور يزيد فقط من تأثيرها النهائي علينا ولا تؤثر في استمتاعنا العام بها.
النهايات السعيدة في علم الأعصاب
دعونا 27 متطوعًا إلى المشاركة في تجربة مقامرة افتراضية بغية اختبار هذه الظاهرة. فشاهد المشاركون قدورًا من النقود على شاشة الكومبيوتر حيث تساقطت من الأواني العملاتُ الذهبية ذات الأحجام المختلفة واحدة تلو الأخرى، وتوقّعنا أن تكون النهاية سعيدة لحظة تساقط العملات الذهبية الأكبر حجمًا في نهاية السلسلة. واستخدمنا للتجربة التصوير بالرنين المغناطيسي MRI لمراقبة نشاط الدماغ، في حين قام المشاركون بترقّب سلاسل عملات ذهبية مزدوجة، فيختارون قدرًا واحدًا من كل مزدوَجة. واتّضح لنا سببٌ واحدٌ لانجذاب الناس إلى النهايات السعيدة.
لقد أظهرت تسجيلات الدماغ قيمة تجريبية في منطقتين مختلفتين من الدماغ، ويتم ترميز القيمة التجريبية الإجمالية في مكان يدعى اللوزة. لقد قيل إنّ اللوزة تتوسط الاستجابات العاطفية التي يمكن أن تؤدي إلى سلوك غير عقلاني، ولكن ما ثبت أيضًا هو إمكانية ترميز نتائج استراتيجيات الادخار الاقتصادي بشكل عقلاني، لكن تأثير اللوزة على اتخاذ القرار يتضاءل من خلال تثبيطها في ما يدعى الجزيرة الأمامية في حال لم تنتهِ التجربة بشكل جيد، وأحيانًا تقوم الجزيرة الأمامية بمعالجة التجارب السلبية كالاشمئزاز، ما يفسّر شعور بعض الناس بالخيبة خلال النهايات غير السعيدة.
وفي تجربة المقامرة، اختار صانعو القرار الناجح الأواني التي حوت أكبر قدر من المال، بغض النظر عما إذا كانوا حصلوا على عملات ذهبية أكبر في النهاية.
أظهروا تمثيلًا قويًا للقيمة الإجمالية في اللوزة، بالمقابل كان لدى صانعي القرار بالمستوى الأدنى نشاط أقوى في الجزيرة الأمامية.
بعبارة أخرى، يحتاج صانعو القرار الجيدون إلى أن يكونوا قادرين على إبطال الانطباع المزعج عن تجربة ما بنهاية غير سعيدة.
ولنفترض أنك ستخرج لتناول العشاء، واستحضرتَ مطعمًا يونانيًا وآخر إيطاليًا، قمتَ بزيارتهما من قبل، فستطلب من عقلك أن يقرر أيّهما قدّم الوجبة الفضلى في المرة الأخيرة، فإذا كانت الأطباق جميعها في المطعم اليوناني جيدة جدًا فمن الواضح أن العشاء بأكمله كان جيدًا جدًا، وإذا كان الطبق الرئيسي في المطعم الإيطالي لا بأس به، ولكن التيراميسو في النهاية كان مذهلًا، فربما ستشكّل انطباعًا إيجابيًا للغاية عن هذا المطعم الإيطالي لأن الوجبة كانت نهايتها سعيدة.
نظرًا إلى أن آليات الدماغ هذه تعمل سواء أردنا ذلك أم لا، فقد تُعزّز بالثقافة الإنسانية في اهتمامها بالتلاعب بأفكارنا بالإعلانات والدعاية والأخبار المزيفة وما إلى ذلك. فهي تستغل قابليتنا للخداع بسهولة، إذ لا أحد محصن ضد الإعلانات، فكلما تلاعبت المؤسسات بتفكيرنا، أصبحت قدرتنا على اتخاذ قرارات جيدة مهددة.
يحتاج دماغنا إلى التدخل في عمليات التفكير لمساعدتنا على مقاومة الأخبار المزيفة وتلاعبها بنا. يعرف معظمنا بالفعل كيفية القيام بذلك، بكتابة قائمة بالإيجابيات والسلبيات لدعم أنفسنا في اتخاذ قرارات أكثر حكمة، بدلاً من الاعتماد على شعورنا الغريزي.
لذا لم يكن شكسبير وحده مخطئًا. فإذا أصبح سلوكنا اليومي شديد التركيز على الماضي القريب، سنفقد الأمور. نحن بحاجة إلى الكفّ عن ذلك والتفكير فيما نفعله باستخدام قشرة الفص الجبهي، فنتغلب على هذه الدوافع ونركّز على الجوانب المرتبطة أكثر بالقرار.
على سبيل المثال، إذا خضت خمس جولات في لعبة البوكر، ستستمتع بالفوز مرتين في منتصف اللعبة أكثر من استمتاعك بالفوز مرة واحدة في النهاية، لكنّنا لسنا ندرك ذلك دائمًا.
في الواقع يشكّل التفضيل غير المبرّر للنهايات السعيدة أحدَ نقاط الضعف التي تدفعنا إلى اتخاذ قرارات غير صائبة. فالتركيز على النهاية السعيدة يجعلنا نهمل الحدث، وقد تكون النهاية السعيدة قصيرة وتأتي بعد فترة طويلة من الأحداث الرتيبة. ويسعد معظمنا عندما تدوم التجارب الممتعة أطول وقت ممكن، ولكنّنا نريد في الوقت نفسه أن تنتهي الأمورُ على نحوٍ جيد. فعندما توفي دَمبِلْدور في نهاية فيلم هاري بوتر، شعر بعض الناس أن تجربتهم دُمّرت برمّتها، لكن المتعة التي استحصلوا عليها لا ينبغي لهم تجاهلها بسبب نهاية مخيّبة للآمال، فقضاء عطلة مستمرّة أيامًا طويلة بطقس رائع باستثناء اليوم الأخير خيرٌ إجمالًا من قضاء عطلة أقصر مدّة وبطقس رائع.
وعلى أي حال، هذا بالتمام ما يشعره بعض الناس تجاه خبراتهم السابقة. وهذا الهوس بتحسّن مستمر للأمور هو مغالطة ممتهن الصيرفة، إذ يصبّ تركيزه على التطوير قصير الأمد على حساب النتائج طويلة الأمد. ويكمن جوهر المشكلة بين ما نستمتع به مستمرًا وبين ما نريده مجددًا بعد الانطباع الأخير، فالتركيز على النهاية السعيدة للأمور يزيد فقط من تأثيرها النهائي علينا ولا تؤثر في استمتاعنا العام بها.
النهايات السعيدة في علم الأعصاب
دعونا 27 متطوعًا إلى المشاركة في تجربة مقامرة افتراضية بغية اختبار هذه الظاهرة. فشاهد المشاركون قدورًا من النقود على شاشة الكومبيوتر حيث تساقطت من الأواني العملاتُ الذهبية ذات الأحجام المختلفة واحدة تلو الأخرى، وتوقّعنا أن تكون النهاية سعيدة لحظة تساقط العملات الذهبية الأكبر حجمًا في نهاية السلسلة. واستخدمنا للتجربة التصوير بالرنين المغناطيسي MRI لمراقبة نشاط الدماغ، في حين قام المشاركون بترقّب سلاسل عملات ذهبية مزدوجة، فيختارون قدرًا واحدًا من كل مزدوَجة. واتّضح لنا سببٌ واحدٌ لانجذاب الناس إلى النهايات السعيدة.
لقد أظهرت تسجيلات الدماغ قيمة تجريبية في منطقتين مختلفتين من الدماغ، ويتم ترميز القيمة التجريبية الإجمالية في مكان يدعى اللوزة. لقد قيل إنّ اللوزة تتوسط الاستجابات العاطفية التي يمكن أن تؤدي إلى سلوك غير عقلاني، ولكن ما ثبت أيضًا هو إمكانية ترميز نتائج استراتيجيات الادخار الاقتصادي بشكل عقلاني، لكن تأثير اللوزة على اتخاذ القرار يتضاءل من خلال تثبيطها في ما يدعى الجزيرة الأمامية في حال لم تنتهِ التجربة بشكل جيد، وأحيانًا تقوم الجزيرة الأمامية بمعالجة التجارب السلبية كالاشمئزاز، ما يفسّر شعور بعض الناس بالخيبة خلال النهايات غير السعيدة.
وفي تجربة المقامرة، اختار صانعو القرار الناجح الأواني التي حوت أكبر قدر من المال، بغض النظر عما إذا كانوا حصلوا على عملات ذهبية أكبر في النهاية.
أظهروا تمثيلًا قويًا للقيمة الإجمالية في اللوزة، بالمقابل كان لدى صانعي القرار بالمستوى الأدنى نشاط أقوى في الجزيرة الأمامية.
بعبارة أخرى، يحتاج صانعو القرار الجيدون إلى أن يكونوا قادرين على إبطال الانطباع المزعج عن تجربة ما بنهاية غير سعيدة.
ولنفترض أنك ستخرج لتناول العشاء، واستحضرتَ مطعمًا يونانيًا وآخر إيطاليًا، قمتَ بزيارتهما من قبل، فستطلب من عقلك أن يقرر أيّهما قدّم الوجبة الفضلى في المرة الأخيرة، فإذا كانت الأطباق جميعها في المطعم اليوناني جيدة جدًا فمن الواضح أن العشاء بأكمله كان جيدًا جدًا، وإذا كان الطبق الرئيسي في المطعم الإيطالي لا بأس به، ولكن التيراميسو في النهاية كان مذهلًا، فربما ستشكّل انطباعًا إيجابيًا للغاية عن هذا المطعم الإيطالي لأن الوجبة كانت نهايتها سعيدة.
نظرًا إلى أن آليات الدماغ هذه تعمل سواء أردنا ذلك أم لا، فقد تُعزّز بالثقافة الإنسانية في اهتمامها بالتلاعب بأفكارنا بالإعلانات والدعاية والأخبار المزيفة وما إلى ذلك. فهي تستغل قابليتنا للخداع بسهولة، إذ لا أحد محصن ضد الإعلانات، فكلما تلاعبت المؤسسات بتفكيرنا، أصبحت قدرتنا على اتخاذ قرارات جيدة مهددة.
يحتاج دماغنا إلى التدخل في عمليات التفكير لمساعدتنا على مقاومة الأخبار المزيفة وتلاعبها بنا. يعرف معظمنا بالفعل كيفية القيام بذلك، بكتابة قائمة بالإيجابيات والسلبيات لدعم أنفسنا في اتخاذ قرارات أكثر حكمة، بدلاً من الاعتماد على شعورنا الغريزي.
لذا لم يكن شكسبير وحده مخطئًا. فإذا أصبح سلوكنا اليومي شديد التركيز على الماضي القريب، سنفقد الأمور. نحن بحاجة إلى الكفّ عن ذلك والتفكير فيما نفعله باستخدام قشرة الفص الجبهي، فنتغلب على هذه الدوافع ونركّز على الجوانب المرتبطة أكثر بالقرار.