تتحدث كاتبة المقال في بدايته عن قطع علاقتها تقريبًا بأخيها بعد احتدام جدال بينهما يتعلق بآرائهم السياسية. ما الذي يجعل النقاشات أو الجدالات السياسية أمرًا عاطفيًا؟
تمثل السياسة اعتقاداتنا الشخصية وأخلاقياتنا ومُثُلنا، ما يعني أننا نرى الإيديولوجيا التي نتبعها جزءًا من هويتنا. تشرح الأمر كريستي فيليبس الاختصاصية في علم النفس من مينيسوتا بقولها: «عندما يُشكَّك في آرائنا السياسية تنشط مناطق في الدماغ مرتبطة بالهوية الشخصية والعواطف والاستجابة للخطر، وهذا ما يجعل الأشخاص يشعرون بأن جوهر كينونتهم يتعرض للهجوم». وترتبط السياسات والقضايا غالبًا بالأشخاص الذين يمثلونها كالقادة السياسيين، ما يعني أن الجدال ليس «نزيهًا» دائمًا.
تقول فايل رايت مديرة قسم ابتكارات الرعاية الصحية في الجمعية الأمريكية للطب النفسي: «غالبًا ما يُخلط بين السياسات والرموز الممثلين لها، لذا تجد نفسك في جدال عقيم لا يمكن أحد الفوز فيه لأن النقاش لم يعد حول السياسة نفسها، وهنا يتحول النقاش إلى كر وفر وهجوم على المخاطب نفسه وينتهي الأمر بجرح مشاعر الآخر وشعوره بالتعرض للهجوم وسوء الفهم».
بعبارة أخرى، نحن نميل إلى عدم مناقشة الأفكار لأننا لا نرى أبعد من الرموز الذين يمثلون الأفكار أو يطبقونها، ما يعني أننا إذا لم نُعجَب بالشخص المسؤول عن سياسة ما تتكون لدينا فكرة سلبية عن السياسة أو الفكرة.
التحزّب يدفعنا إلى الشعور بأننا يجب أن ندافع عن فريقنا
ازداد التحزّب في الفترات الماضية، إذ وجد بحث أجراه مركز بيو للأبحاث أن الصراعات قد زادت بين الأحزاب السياسية الأمريكية وخاصة في الفترتين الانتخابيتين الأخيرتين. ووجدت دراسة أخرى أن نحو 35% الجمهوريين و45% من الديمقراطيين سيشعرون بخيبة أمل لو تزوج أحد أبنائهم من شخص مؤيد للحزب الآخر، في حين بلغت هذه النسبة 4% فقط سنة 1960 لكلا الحزبين.
إضافةً إلى تفاقم الأمور في الوقت الحالي، فقضايا مثل حركة «حياة السود مهمة» ومحاولة تسييس جائحة كورونا والانتخابات القادمة، كلها أمور تزيد من تشبثنا بفريقنا.
تكمل رايت حديثها بقولها: «تميل السياسات إلى خلق فِرَق، إما أن ينتمي الشخص إليها وإما هو خارجها، لا مجال للوسط. وعندما يحدث ذلك ونعد أحدهم خارج الفريق يسهل علينا تجريد الأشخاص من إنسانيتهم. فعندما تعتقد أنك تعرف الحقيقة المطلقة، يصعب عليك أن تشعر بالتعاطف المطلوب لكي تكون مستمعًا جيدًا وأن تراعي وجهات نظر الآخرين».
يصبح الحديث في السياسة عاطفيًا أكثر عندما يختلف معنا فرد من العائلة
تقول رايت: «نحن نعتقد أن العائلة منزهة عن الأخطاء، وأننا يجب ألا نتجادل ويُفترض أن نتوافق دومًا، وهذا أمر غير واقعي. فأفراد العائلة مثل الآخرين تمامًا، مع فارق أنك تتشارك معهم بحمضك النووي، كل شخص منهم فريد كأي غريب قد تقابله في الشارع».
هذا يعني أن أفراد العائلة قد يختلفون خاصةً مع الوالدين، وهذا أمر طبيعي في الواقع. هذا الاختلاف جزء من ديناميكية الآباء-الأبناء المتغيرة بمرور الوقت.
تكمل رايت: «إن مسار التعلم في حياتنا يبقى فترة طويلة قادمًا من الآباء، فهم المصدر المؤثر الأساسي في نظرتك إلى العالم وطريقة تكوينك لآرائك، لكن مع النضوج تبدأ بالتشكيك في بعض ما قد تعلمته وتكون رأيك وأفكارك الخاصة، خاصةً إن وُضعت في بيئة تتطلب تفكيرًا نقديًا».
قد يتطور التفكير النقدي بالدراسات المتقدمة، أو بأحداث الحياة وتجاربها أو وسائل التواصل الاجتماعي وحتى الأخبار. هذه الأمور تقودك إلى التشكيك في معتقداتك وأساسها، وأحيانًا تصل إلى آراء جديدة تختلف عن آراء باقي أفراد العائلة.
تقول رايت: «هذا جزء من عملية النمو الطبيعية خلال العشرينيات والثلاثينيات من العمر».
تقول لينايا سميث كروفورد المعالجة المرخصة لمشكلات العائلة والزواج وصاحبة مركز كاليدوسكوب للعلاج العائلي: «إن عدم توافق الأولاد مع المثل التي يضعها لهم الأهل قد يجعل الأهل يشعرون بأنهم لم يؤدوا عملهم على أكمل وجه أو بأنهم قد فشلوا في مهمتهم الأبوية».
هل هذا يعني أننا لا يمكننا مناقشة الموضوعات السياسية مع أفراد العائلة الذين يختلفون معنا في الرأي؟
بلى، يمكننا ذلك، ويجب علينا أن تتناقش خصوصًا بعد الانقسامات في بلداننا وثقافاتنا، لكن يجب أن ندخل في هذه النقاشات بانفتاح وتعاطف وتواصل فعال.
تقول فيليبس: «إذا جرى الحديث باحترام وتقبل الطرفان اختلافاتهما قد يكون للأمر تأثير إيجابي في الصحة العامة والصحة النفسية». ولكن إذا كان الجدال عقيمًا ولم يعد فيه أخذ ورد يتحول الأمر إلى أذًى للعلاقة بين الشخصين وحتى للصحة النفسية، تقول كروفورد: «التعارض المتكرر يجعل الطرفين يشعران بأن أفكارهما ومُثُلهما وآراءهما ليست مشروعة، وقد يسبب الأمر انخفاضًا في تقدير الذات ويؤثر في نهاية الأمر في ترابط العائلة. ومن آثار التعارض في الإيديولوجيات في العائلة الاكتئاب والقلق والتشكيك في الذات».
كيف نناقش الموضوعات السياسية بطريقة صحية؟
- فكر في غايتك من النقاش وتذكر أنك لن تغير أحدًا. تقول رايت: «إن كان هدفك تغيير رأي الآخر ستصاب بخيبة أمل». يجعلنا التحزب أو التحيز لطرف ما أكثر ميلًا إلى رفض المعلومات التي تتعارض مع معتقداتنا وانتقادها، لذا من الصعب أن تغير رأي أحدهم، خاصةً إذا كان يعد نفسه منخرطًا في السياسة. تكمل رايت: «لكن إن كنت تهدف إلى فهم أفضل لنظرة الآخر إلى الأمور وتقدر حقًا مشاركته لآرائه معك حتى لو لم تكن متفقًا معها فهذا يفتح مجالًا كبيرًا للحديث بأريحية ويمكنك أن تسأل أسئلةً مفتوحة».
- ابدأ الحديث بما تتفقون عليه. تقول فيليبس: «إن مشاركة وجهات النظر المتوافقة قد تخفف من حدة التوتر والاختلاف».
- لا تهاجم. تقترح رايت أن تتجنب استخدام الجمل التي تبدأ بكلمة أنت -مثل: «أنت لا تفهم الأمر»- لتجنب الظهور بمظهر جومي، بدلًا من ذلك يمكنك أن تقول شيئًا مثل «أنا أشعر بأننا لا نستمع لبعضنا جيدًا الآن»، فالجمل التي تبدأ بكلمة أنا تجعل التواصل صحيًا أكثر، وإن استخدم الطرف الآخر تعبيرات غير لائقة أو مهينة.
- لا تشتم. تقول رايت: «إن تبادل الشتائم ليس طريقة فعالة لإظهار أن أسلوب الآخر غير لائق أو مهين لك».
- حاول أن تبقى هادئًا عند انحراف الحديث عن مساره. تقول فيليبس: «إن كنت تنفعل بسهولة في نقاش محتدم من الأفضل أن تتراجع قليلًا وتذكر نفسك بالهدوء، تنفس بعمق حين تلاحظ انفعالك أو حاول تغيير الحديث بلباقة، فكل شخص مسؤول عن التحكم في مشاعره، والانتباه إلى هذه المشاعر يساعد على تخفيف التوتر مع الآخرين. إضافةً إلى أن التحضير المسبق لما قد يؤول إليه الحديث في تجمع عائلي قد يزيد الوعي الذاتي ويزودك بخيارات أكثر عندما تريد تخفيف التوتر».
- استمع إلى الآخر. الإنصات إلى الآخر قد يفسر سبب وجهة نظره وإن لم تتفق معها، تقول فيليبس: «قد نختلف مع أحدهم، لكن يمكننا أن ننصت إليه عند حديثه عما يهمه بدلًا من الانفعال المبالغ فيه. فالأمر يتعلق بالتواصل مع المشاعر الأساسية المسببة لاتباعهم إيديولوجيا ما» ففهم سبب موقفهم سواء أكان خوفًا أم حزنًا والتعاطف مع هذه المشاعر يساعد على المحافظة على العلاقة.
- ضع حدودًا. تقول كروفورد: «وضع حدود واضحة هو أهم شيء يمكن إجراؤه للحفاظ على السلام في العائلة التي يختلف أفرادها في آرائهم، فتحديد وقت محدد للنقاش أو تحديد تعبيرات أو كلمات يمنع استخدامها أو إنهاء الحديث بقول شيء إيجابي حول المتناقشين كلها طرائق لوضع حدود للنقاش».
- خصص وقتًا لتأمل ذاتك بعد الجدال. تقول رايت: «إذا لاحظت تكرار الجدالات التي تخوضها دون إيجاد طريقة للتكيف مع ذلك فأنت تعرض نفسك للرفض والبقاء وحيدًا». لذا التفكّر أمر ضروري في هذه الحالة. كتابة المذكرات أو العلاج النفسي أمور يمكنها مساعدتك على ملاحظة نمط التكرار، ومن ثم يساعدك على إيجاد حلول للمشكلة.
- خذ وقتًا مقتطعًا، خصوصًا في الوضع الحالي. تقول رايت: «إنه وقت عصيب، إذ لم يتوقع أحد أن تصل الأمور إلى مرحلة مبهمة كهذه فالأمر صعب على الجميع. من المهم أن يبقى المرء مطلعًا على الأحداث الآن، لكن يفضل أن يأخذ وقتًا مقتطعًا ليرتاح من الأخبار ووسائل التواصل الاجتماعي». انعدام اليقين في وقتنا هذا قد يلقي بثقله على الجميع بجعلهم متوترين، فالابتعاد عن هذه الجدالات السياسية والتوتر أمر مفيد. من الشائع الآن اللجوء إلى البحث عن الأخبار على افتراض أنه طريقة للتعامل مع القلق والغموض الذي يلف العالم الآن، واستمرار سماع هذه القصص مرارًا يضع المرء في حالة من التيقظ المفرط.
قد تلتزم كل الأمور المطلوبة لتكون محاورًا جيدًا، لكن هذا لا يعني أنك ستحافظ على سلامة علاقتك مع الآخر، إذ يجب أن يرغب الطرفان في السلام. تقول رايت: «لا أحد ملزمٌ البقاءَ في علاقة يعاملك الآخر فيها بعنصرية أو تحيز، فإذا بدأت تشعر بأن العلاقة قد بدأت تؤثر فيك بطريقة سلبية كأن تؤدي إلى عدم قدرتك على النوم أو الأكل أو الشعور بالمرض أو إحساسك بعدم القدرة على الذهاب إلى العمل أو الدراسة أو الابتعاد عن الآخرين، يجب عليك الانتباه إلى أن هذه العلاقة لا تساعدك. يجب أن تتذكر أن انتهاء العلاقات جزء من الحياة، فعندما نتأمل حياتنا الماضية نتذكر الكثير من الأشخاص الذين عرفناهم فيما مضى ولا نعرفهم الآن، وتأتي أوقات يعود فيها بعض الأشخاص إلى حياتنا عندما يصبحون أفضل حالًا».
تذكر أن الحزن على العلاقات المنتهية أمر طبيعي
لا تحكم على نفسك بسبب هذه المشاعر ودعها تظهر بسلاسة، فعندما تبتعد عن شخص كانت علاقتك معه سامة يجب ألا تقسو على نفسك ولا تحكم على نفسك بسبب مشاعرك.
الخلاصة
يجب أن نتذكر أن الآراء السياسية أمور شخصية، إذ من السهل أن تشعر بأن أحدهم ينتقدك شخصيًا عندما ينتقد معتقداتك، لذلك تكون هذه الجدالات عاطفية أساسًا.
من المفيد سماع وجهات نظر مختلفة، فالأمر يجعلنا أكثر اطلاعًا، لكن يجب أن نخوض هذه الأحاديث بالكثير من التفهم والتعاطف، فإذا لم يكن الأمر ممكنًا فالأفضل ألا نخوض جدالات سياسية.