يمتنع نحو نصف مواطني الولايات المتحدة المؤهلين عن الإدلاء باختياراتهم الانتخابية في مراكز الاقتراع حسب الاستطلاعات الأخيرة، وسنلقي في هذا المقال نظرةً في بعض التفسيرات النفسية وراء عدم مبالاة الناخبين.
نشرت مؤسسة نايت -وهي منظمة غير ربحية مقرها الولايات المتحدة- في وقت سابق من هذا العام البيانات التي جمعتها عبر مشروع مئة المليون، وهو استطلاع كبير يهدف إلى الوصول إلى السبب الجذري وراء اختيار الكثير من الأمريكيين ألا يصوتوا.
لاحظت المؤسسة أنه في انتخابات الرئاسة عام 2016، لم يُقدم نحو 43٪ من الناخبين المؤهلين على الإدلاء بأصواتهم، ولمعرفة سبب ذلك، استطلع المشروع 12 ألفًا ممن لا يشاركون إطلاقًا على المستوى الوطني في 10 ولايات، إضافةً إلى ألف ناخب نشط يشاركون باستمرار في الانتخابات الوطنية، ومجموعة من الشبان المؤهلين للتصويت بعمر 18 – 24 سنة.
بناءً على النتائج، لاحظت مؤسسة نايت بعض الأسباب المشتركة بين الكثير من غير المصوتين، مثل عدم الاقتناع بأن أصواتهم مؤثرة، والشعور بنقص المعلومات حول القضايا الاجتماعية الحالية.
نحاول هنا أن نتعمق في هذا التقرير حول التصويت، من وجهة نظر علم النفس، لمعرفة المزيد عن العوامل وراء المشاركة المدنية في الانتخابات.
لماذا يصوت الناس؟
من الذي سيصوت على الأرجح؟ وفق التركيبة السكانية، كان لدى النساء وكبار السن إقبال أعلى مقارنةً بالرجال واليافعين.
ومع أن الكثير من الموضوعات -مثل قضية الصحة- يمكنها التأثير في قرار الشخص بالإدلاء بصوته، فالأمر يبدو أعقد حين يتعلق بالعوامل النفسية. يُطلق على المجال الذي يدرس سيكولوجية التصويت اسم «علم النفس الانتخابي»، وهو يبحث العوامل التي قد تؤثر في الفرد فيما يتعلق بخياراته الانتخابية، وقد تشمل هذه العوامل أسئلة حول الهوية الشخصية والأخلاق والاستجابات العاطفية.
إحدى الخصائص النفسية التي ربطها الباحثون تقليديًا باحتمالية التصويت هي الإيثار، فوفقًا لدراسة أجراها بروفيسور العلوم السياسية ريتشارد يانكوفسكي في جامعة ولاية نيويورك، إن ضَعف الإيثار هو العامل الأهم في قرار التصويت.
استخدم يانكوفسكي في هذه الدراسة بيانات من الدراسة التجريبية للمسح الوطني للانتخابات سنة 1995، لمعرفة هل يمكن العثور على رابط بين المقاييس الإنسانية ونسبة إقبال الناخبين؟ ووجد أن الأشخاص الذين أظهروا إيثارًا ضعيفًا -أي من يميلون إلى الانخراط في فعل معين إذا كان من الممكن أن يفيد شخصًا آخر أو على الأقل ألا يسبب ضررًا- كانوا الأكثر احتمالًا للمشاركة الانتخابات.
تفترض أبحاث أخرى أنه إلى جانب الشعور بالواجب الوطني، فقد يختار الأشخاص أيضًا التصويت للحفاظ على مكانتهم الاجتماعية وعلاقاتهم.
تؤكد دراسة نُشرت سنة 2016 في المجلة البريطانية للعلوم السياسية هذه الفكرة، إذ وجد الباحثون أن المشاركة المدنية -متضمنةً الأنشطة العامة كالتصويت- يُنظر إليها نظرةً إيجابية اجتماعيًا، لذا قد يُحفَّز الناس للتصويت لجني المكافأة الاجتماعية المتمثلة في احترام مجتمعهم.
لماذا قد يمتنع الناس عن التصويت؟
ما هي الخصائص التي قد ترتبط بالشعور بعدم المبالاة حول المشاركة المدنية متضمنةً التصويت؟
تعمق في هذا السؤال البروفيسور لين راجسدال والبروفيسور جيرولد راسك، أستاذا العلوم السياسية في جامعة رايس في هيوستن في تكساس، في كتابهما «الأمريكي المحايد». فبالنظر إلى تاريخ الولايات المتحدة فيما يتعلق بعدم الارتباط السياسي للجمهور، يشير المؤلفان إلى أن تزايد انعدام الثقة في السياسيين وقراراتهم أدى إلى «خيبة الأمل بشأن شرعية الحكومة» في سياق حرب فيتنام. وكتبا: «أدى انعدام الثقة إلى نقص المشاركة في التصويت».
يناقش المؤلفان أن شعور الناخبين بالشك في أثناء الحملة السياسية قد يؤثر في إقبالهم، وأوضحا أن «الفكرة الأساسية للكتاب هي أن الشك في مضمون الحملة يؤثر في عدد المصوتين»، ومع ذلك، فإن دراسة أُجريت سنة 2017 في مجلة (California Journal of Politics and Policy) تقول إن انعدام الثقة في السياسيين أو الحكومة ليس السبب الأهم للسلوك المحايد تجاه الانتخابات، فبالنظر إلى بيانات الاستطلاع الذي أجراه معهد السياسة العامة في كاليفورنيا على مستوى الولاية في 2012-2014، وجد باحثو الدراسة ارتباطًا أقوى بين السلوك غير الانتخابي وقلة الاهتمام بالسياسة، بعبارة أخرى، كان الأشخاص الأقل اهتمامًا بالسياسة أقل احتمالًا للتصويت، ومع ذلك لم يتمكن باحثو الدراسة من تحديد كون هذه العلاقة سببية أم لا، وإن كانت كذلك، فأي العاملين هو سبب للآخر؟
أيضًا ترتبط بعض العوامل الأخرى بعدم مبالاة الناخبين، وفقًا للمجموعة الاستشارية لتغير السلوك التابعة لجمعية علم النفس البريطانية، ومن هذه العوامل «انتشار المسؤولية»، أي ميل الشخص إلى الاعتقاد بأن الآخرين أقدر على اتخاذ قرارات معينة، و«التخوف من الإدانة» أي أن الشخص يخشى الحكم السلبي على أفعاله. ولاحظت المؤسسة نفسها وجود الكثير من العوامل النفسية التي قد تؤثر في السلوك الانتخابي.
ما الذي قد يحفز الناس على التصويت؟
فيما يتعلق بما قد يغير مواقف الأفراد من التصويت ويحفزهم على المشاركة في الانتخابات، ركزت الدراسات على بعض العوامل الرئيسية، وكلها تتعلق بخلق تجربة إيجابية عاطفيًا تعزز الروابط الاجتماعية. إذ تشير دراسة سنة 2011 إلى أنه من المرجح أن يصوت الناس مرةً أخرى إذا شعروا بالإنجاز، كأن يعبر مجتمعهم عن الشكر.
أجرى البروفيسور كوستاس باناجوبولوس العالم في السياسة في جامعة نورث إيسترن في ماساتشوستس سلسلة من «تجارب التقدير»، إذ تلقت مجموعة عشوائية من الناخبين المؤهلين بطاقات بريدية، إما لتشجيعهم على الإدلاء بأصواتهم في المستقبل وإما لشكرهم على التصويت في انتخابات سابقة، وُجد أن من تلقوا رسالة شكر كان معدل إقبالهم على التصويت أعلى مقارنةً بمن تلقوا بطاقات التذكير، والذين لم تصلهم بطاقات بريدية على الإطلاق.
«إشعار الناس بالرضا بتعزيز تقدير المجتمع لمشاركتهم في العملية السياسية يذكّرهم بأن لهم دور، ويعزز رغبتهم في الاستجابة».
ومع ذلك، فإن احتمالية العار الاجتماعي قد تحفز الناس أيضًا على إظهار المزيد من المشاركة في النشاطات المدنية.
ففي دراسة سابقة سنة 2010، أجرى البروفيسور باناجوبولوس تجربة أرسل فيها رسائل بريدية إلى ناخبين مؤهلين عشوائيًا من ولايات مختلفة مفادها إما أن قوائم الأشخاص الذين لم يصوتوا ستُعلن بعد الانتخابات وإما أن قوائم الأشخاص الذين صوتوا ستُنشر ويُشاد بمشاركتهم، وقال إن «النتائج التجريبية تشير إلى أنه قد يكون الخجل أكثر فاعليةً من الكبرياء غالبًا».
وأشارت دراسة أخرى نُشرت سنة 2012 في مجلة Nature إلى أن الروابط الاجتماعية الوثيقة مؤثرة في اختيار الناس للتصويت أو عدمه، إذ لاحظ الباحثون زيادة احتمالية حضور الأشخاص إلى مركز الاقتراع إذا أبدى المقربون منهم رغبتهم في التصويت.
ومع أن نفسية الشخص قد يكون لها تأثير في قرار التصويت، فإن العوامل المتعلقة بالتفاوت الاجتماعي وانعدام القدرة على التأثير لها فاعلية أكبر، إذ تمثل عقبات على طريق المشاركة في العملية الديمقراطية. ومن المفارقات أن الخطوة الأولى نحو معالجة التفاوت قد تكون ببساطة المشاركة في التصويت.