نُشرت مؤخرًا دراستان توضحان ارتباط هرمون معوي يسمى الجريلين بالتغيرات الحاصلة في الحصين hippocampus وتأثيرها على الذاكرة. ذكرت الدراسة الأولى أن إشارة الجريلين المعوية-الدماغية عبر العصب المبهم تعزز الذاكرة المعتمدة على الحصين لدى الفئران، وأوضحت الدراسة الثانية مدى أهمية عملية أسيلة الجريلين ما بعد الترجمة على تكوين الأنسجة العصبية neurogenesis في الحصين والذاكرة لدى الفئران.
تصنع الخلايا الصماوية المعوية في السبيل الهضمي الجريلين الذي عادةً ما يسمى «هرمون الجوع» لأنه هرمون رافع للشهية.
ترتفع مستويات الجريلين في دوران الدم عندما يكون الإنسان أو الثدييات الأخرى جائعين. وبعكس ذلك، تنخفض مستويات الجريلين في الدم عندما يشعر دماغ الثدييات بالشبع بعد تناول الطعام. تُنقَل إشارات «هرمون الجوع» على طول الضفيرة المعوية-الدماغية ثنائية الجهة عبر العصب المبهم.
اكتشف بعض الباحثين منذ عدة سنوات مضت أن الجريلين لا ينظم بعد اجتيازه الحاجز الدماغي الدموي مقدار استهلاكنا للطعام وسلوك البحث عن الطعام لدينا فحسب، بل ينظم أيضًا تكوين الأنسجة العصبية (وهو تشكل خلايا عصبية جديدة لدى البالغين) في الحصين أيضًا.
إرسال إشارات الجريلين المتواسطة بالعصب المبهم يحسن تكوين الأنسجة العصبية في الحصين ويعزز الذاكرة العرضية
درس الباحثون من جامعة جنوب كاليفورنيا في الدراسة الأولى كيفية تواصل الجريلين مع الدماغ عبر الأعصاب المبهمة الواردة (VAN) والتي تمثل سبيلًا معويًا-دماغيًا محددًا يتواسطه العصب المبهم.
لاحظ الباحثون على نحو لافت زيادة استهلاك فئران المختبر للطعام عند حجب إشارات العصب المبهم ومنع وصول إشارات الجريلين من الأمعاء إلى الدماغ، وذلك بسبب تدهور وظائف الذاكرة لدى هذه الفئران وعدم قدرتها على تحديد موعد آخر وجبة حصلت عليها.
تقول الكاتبة الأولى لهذا البحث إليزابيث ديفيس: «عانت الحيوانات ضعفًا لنوع معين من الذاكرة، وهو الذاكرة العرَضيّة». وتابعت قولها: «هذا هو النوع من الذاكرة الذي يحتفظ بذكريات أول يوم من المدرسة أو فطورك في صباح البارحة».
تقترح الأبحاث الأخيرة أن دور إشارات الجريلين المتواسطة عبر الأعصاب المبهمة الواردة يمتد ليشمل السلوكيات المُحفَّزة وتعزيز تكوين الأنسجة العصبية في الحصين ودعم الذكريات المعتمدة على الحصين.
يقول المؤلفون: «لم تقتصر هذه الاكتشافات على تقديم معلومات حول الآلية البيولوجية العصبية لتأثيرات الجريلين على الوظائف الفيزيولوجية السلوكية فحسب، بل هي متزامنة مع أدلة صاعدة حول مشاركة الببتيدات المعوية في إشارات صماوية ذات صلة وظيفيًا تُنقَل عبر العصب المبهم».
ومع توسيع هذه الدراسة على الحيوانات لمداركنا حول آلية عمل الجريلين، تنوه ديفيس: «نحتاج إلى إجراء المزيد من الدراسات لاحقًا للكشف عن أي فائدة محتملة تعود على الجسم البشري من وراء التلاعب بإشارات الجريلين عبر العصب المبهم».
هناك نمطان للجريلين: النمط الأول (AG) يعزز تكوين الأنسجة العصبية، والنمط الثاني (UAG) ذو تأثيرات سلبية على أعصاب الحصين لدى حديثي الولادة وهو مرتبط بفقدان الذاكرة
ترأس جيفري ديفيز الدراسة الثانية، وبحث مع فريقه كيفية تأثير نمطين من الجريلين، وهما الجريلين المُؤسيل (AG) والجريلين غير المؤسيل (UAG) على تكوين الأنسجة العصبية وعلى الذاكرة المكانية في حصين الفئران. وأكمل الباحثون إجراء الأبحاث لاختبار نتائج الدراسات المجراة على الفئران المتعلقة بنسبة الجريلين المُؤسيل إلى الجريلين غير المؤسيل وضعف الذاكرة والتحقق من صحتها على البشر.
وجد الباحثون أن ارتفاع مستويات الجريلين غير المؤسيل في الدوران الدموي لدى الفئران يخفض تكوين الأنسجة العصبية في الحصين وأن «الجريلين غير المؤسيل يلغي تأثير الجريلين المُؤسيل المعزز لحياة خلايا الحصين حديثة التشكل».
أما الأخبار الجيدة فهي أن زيادة مستويات دوران الجريلين المؤسيل كفيلة بمعالجة ضعف الذاكرة المعتمدة على الحصين لدى الفئران. إذ تستطيع المستويات المرتفعة من الجريلين المُؤسيل على وجه الخصوص معالجة اعتلال الذاكرة المكانية. ذكر الباحثون: «اعتمد تكوين الأنسجة العصبية المتواسط بالجريلين المؤسيل في المختبر على إشارات عامل التغذية العصبية المستمد من الدماغ غير الخلوية المستقلة non-cell-autonomous BDNF التي أدى الجريلين غير المؤسيل دورًا مثبطًا لها».
ومن أجل التحقق من تطابق نتائج دراسات الجريلين المُؤسيل وغير المؤسيل المجراة على الفئران مع البشر، أجرى الباحثون تجربةً على مجموعة من المسنين المصابين بداء باركنسون وحسبوا نسبة الجريلين المؤسيل إلى الجريلين غير المؤسيل في بلازما الدم لديهم.
وُجِد انخفاض نسبة الجريلين المُؤسيل إلى الجريلين غير المؤسيل في الدم لدى الأفراد المصابين بخرف داء باركنسون مقارنةً بأولئك الأصحاء. لم يلاحظ انخفاض نسبة الجريلين المؤسيل إلى الجريلين غير المؤسيل إلا لدى مجموعة المرضى المصابين بخرف داء باركنسون من بين مجموعات المرضى الثلاثة.
يتوصل ديفيز إلى خلاصة دراسته فيقول: «يسلط عملنا الضوء على دور الجريلين الأساسي المنظم للخلايا العصبية الجديدة في دماغ البالغ، وعلى التأثير المدمر للجريلين غير المؤسيل تحديدًا». ويتابع قوله: «تظهر اكتشافاتنا إمكانية استخدام نسبة الجريلين المؤسيل إلى الجريلين غير المؤسيل بوصفها مؤشرًا حيويًا يكشف عن الخرف مبكرًا لدى المصابين بداء باركنسون. يمثل الجريلين الآن هدفًا لبحوث الأدوية الراهنة، وهو ما يعكس أملًا لعلاج أفضل للمصابين بداء باركنسون».