قدّم المحلل النفسي سيغموند فرويد في بدايات القرن العشرين نظريته في التطور النفسي الجنسي، التي افترضت أن الأطفال يمرون بخمس مراحل من التطور النفسي الجنسي ، ما يحدد سلوكهم في مرحلة البلوغ.
وفقًا للنظرية، يُثار الطفل حسيًّا بمحفزات محددة خلال كل مرحلة يُعتَقَد أنّها تُشبِع حاجاته التطورية. لكن في حال لم تُشبَع حاجات الطفل خلال مرحلة معينة، قد يعاني الطفل تعلّقًا -تثبيتًا- أو ولعًا مرضيًّا بهذه المرحلة. وقد تظهر هذه الحاجات غير المُلبّاة بسلوكيات سلبية في سن البلوغ.
لكن لا توجد أي دراسات حديثة حول موضوع التثبيت النفسي، ومعظم الأبحاث المُتاحة قديمة جدًا. ونظرية التطور النفسي الجنسي بحد ذاتها محل جدل في علم النفس الحديث.
كيف يحدث التثبيت الفموي؟
يحدث التثبيت الفموي وفقًا لنظرية التطور النفسي الجنسي، نتيجة صراعات في المرحلة الفموية، أولى مراحل التطور الجنسي. تمتد المرحلة الفموية من الولادة حتى عمر 18 شهر (نهاية مرحلة الرضاعة). يحصل الطفل خلالها على المتعة من الفم، وتترافق مع ممارسات مثل الأكل، ومص الإبهام. اعتقد فرويد أن التثبيت الفموي يحدث إذا لم تُلبّ رغبات الطفل الفموية، إذا فُطِمَ باكرًا، أو متأخرًا أكثر من اللازم. في هذه الحالة يعجز الطفل عن التكيّف الملائم مع عادات الأكل الجديدة. وقد يحدث التثبيت الفموي في حال:
- إهمال الطفل، وسوء التغذية (نقص التحفيز الفموي).
- الحماية المفرطة له، وزيادة التغذية (فرط التحفيز الفموي).
لذلك، يُعتقَد أن هذه الحاجات غير المُلبّاة تحدّد ميزات شخصية، ومسار سلوكه عند البلوغ.
أمثلة على التثبيت الفموي
وفقًا لنظرية التحليل النفسي لفرويد، قد تؤدي المشكلات التطورية خلال المرحلة الفموية إلى السلوكيات التالية:
مُعاقَرة الكحول:
ترى نظرية فرويد أن الكحولية هي أحد أشكال التثبيت الفموي، ويُعتقَد أن هذا يعود إلى الصلة بين إهمال الطفل وإدمان الكحول. خاصةً إذا أُهمِل الطفل خلال المرحلة الفموية، فتنشأ لديه الحاجة إلى تحفيز فموي دائم. وقد يزيد ميله إلى شرب الكحول باستمرار مؤديًا إلى الإدمان.
التدخين:
بالمثل، يُعتقَد أن البالغين الذين لديهم تثبيت فموي أكثر عرضة للتدخين. إذ تمنح عملية وضع السيجارة في الفم التحفيز الفموي الضروري.
الشراهة (الإفراط في الطعام):
يُنظَر إلى الشراهة في نظرية التحليل النفسي بأنها تثبيت فموي. وتترافق مع نقص أو فرط تغذية الطفل خلال مرحلة الرضاعة، ما يؤدي إلى نزاعات عاطفية خلال المرحلة الفموية. إذ يؤدي إلى احتياجات فموية زائدة عند البالغ، يلبيها بالإفراط في تناول الطعام.
الوَحَم (شهوة الطين):
هي تناول أطعمة لا تُؤكَل. قد تبدأ باضطراب طعامي أو سلوكي أو استجابةً للتوتر. وفقًا لفرويد، قد ينجم الوحم عن التثبيت الفموي. في هذه الحالة، تُشبَع الحاجات الفموية الزائدة بتناول أطعمة لا تؤكَل عادةً، مثل الثلج والتراب ونشا الذرة والصابون والورق والطبشور.
قضم الأظفار:
وفقًا لعلم النفس عند فرويد، عادة قضم الأظفار هي أيضًا أحد أشكال التثبيت الفموي. إذ تشبع عادة قضم الشخص أظفاره حاجته إلى التحفيز الفموي.
هل يمكن علاج التثبيت الفموي؟
يمكن علاج التثبيت الفموي، وتضم المعالجة عامةً التقليل من الممارسات الفموية السلبية، واستبدال ممارسات إيجابية بها. العنصر الأساسي في التدبير هو العلاج النفسي، فسيساعدك الاختصاصي النفسي على اكتشاف الصراعات العاطفية الباطنية، ويعطيك طرقًا آمنة لمواجهتها. مثلًا في حالة قضم الأظفار، قد يركّز الاختصاصي النفسي على علاج الانفعالات التي تحرّض الحاجة إلى قضم الأظفار. وقد يقترح تناول علكة، لإبقاء فمك مشغولًا.
تعتمد مقوّمات العلاج الأخرى على السلوك وآثاره الجانبية. فمثلًا قد يحتاج مريض شهوة الطين إلى تناول مكمل غذائي، لتعويض النقص الحاصل في المعادن والفيتامينات إن وُجد.
مراحل التطور النفسي الجنسي في نظرية فرويد:
توجد خمس مراحل للتطور الجنسي:
1- المرحلة الفموية (منذ الولادة حتى عمر 18 شهرًا):
يحصل الطفل على المتعة خلال هذه المرحلة من التحفيز الفموي، وإذا لم تُشبَع هذه الحاجات قد يطوّر الطفل سلوكيات فموية خاطئة عند البلوغ.
2- المرحلة الشرجية (18 شهر – 3 سنوات):
تأتي متعة الطفل في هذه المرحلة من التحكم في خروج البراز. فإذا كان تعويد الطفل استخدام النونية (الحمام) قاسيًا أو متهاونًا أكثر من اللازم، فسيعاني الطفل مشكلات في التملّك والانضباط عند البلوغ.
3- المرحلة القضيبية (3 – 5 سنوات):
تتركز المتعة خلال المرحلة القضيبية في الأعضاء التناسلية. ووفقًا لفرويد، ينجذب الطفل جنسيًّا في لا وعيه إلى أحد والديه من الجنس المقابل. وهو ما يُسمى عقدة أوديب عند الذكور، وعقدة إلِكترا عند الإناث.
4- مرحلة الكمون الجنسي (5 – 12 سنة):
وفيها يهدأ الانجذاب الجنسي إلى الجنس الآخر، ويهتم الطفل أكثر بالتفاعل مع أقرانه من الجنس نفسه.
5- المرحلة التناسلية (12 سنة فأكثر):
تشير هذه المرحلة إلى بدء البلوغ، وفيها -وفقًا لفرويد- يحصل المراهق على المتعة من أعضائه الجنسية، ومن الجنس الآخر.
الخُلاصة:
يحدث التثبيت النفسي -وفقًا لعلم النفس عند فرويد- بسبب عدم إشباع الرغبات الفموية في الطفولة الباكرة، ما يخلق حاجة دائمة إلى التحفيز الفموي، مسببًا بذلك سلوكيات سلبية -مثل التدخين، وقضم الأظفار- عند البلوغ.
رغم شهرة نظرية فرويد، تلقت نقدًا من علماء النفس المعاصرين، ولا يوجد أي بحث حديث يدعم نظرية التثبيت الفموي. مع ذلك إن ظننت أنك تعاني تلك المشكلة، فعليك مراجعة اختصاصي نفسي، لمساعدتك على التحكم في عاداتك الفموية.