طنجة: مغارة الحكايات ومآثر الطبيعة والعمران
محمد جميل خضر 25 فبراير 2023
أمكنة
طنجة عروس البحر
شارك هذا المقال
حجم الخط
قصر داخل غابة... حافة تبوح بأسرارها عند ملتقى حضارتيْن وحاضرتيْن... وردةُ رياح تحنّ للجهاتِ جميعها... ميناء يتناسل قصصًا شفويّة يرويها محمد شكري... بحرٌ له باب... محيطٌ يطل على تاريخ... خزانة تؤرشف السينما وتقيم مأدبة صاخبة للفنون... مضيق واسع الفكرة متلاطم الأمواج... درب حوريات بين برّيْن متْرعين بالظمأ... حمَامٌ زاجلٌ يحمل هرقل في قارورةٍ من ثراء فتغلق المغارة بابها... درجٌ يفضي إلى سوقٍ داخلهُ يشرِقُ بخارجِه، وعذبه يفور بلجائجِه... قَصَبَةٌ طالعةٌ من بَوْح ناي... مسرحٌ يعيد تدوير طواحين ثيربانتس... ملاذٌ مدهشٌ للهاربين من الديكتاتور... لحن أغنية مهاجرة من غرب الضفة إلى شرقها... ساحة تصطاد الثيران وتلقي القبض على الاستعمار... منارةٌ تملأ حديقة رأس سبارطيل ضوءًا بلّوراته الأطلسيّ والأبيض المتوسط... غابةٌ يصعد من رملها البلّوط، وترفرف مع تحليق طيورها أشواق الصّنوْبر... لمسةٌ كنعانية صنعت كل شيء هنا في مدينة طنجة المغربية (عروس الشمال) التي أسسها في القرن الخامس قبل الميلاد القرطاجيون المنحدرون من أصول كنعانية، قبل أن يواصل الفينيقيون الكنعانيون ما بدأ به أسلافهم القرطاجيون.
تعد قرطاجة واحدة من أهم مراكز التجارة والصناعة في شمال أفريقيا، وقطبًا اقتصاديًا مهمًّا لكثرة مقار المؤسسات فيها. تاريخها غني جدًا نظرًا لكونها مركز التقاء عديد من الحضارات المتوسطية.
طنجة العالية
مع تعدد الروايات حول حيثيات اسم "طنجة"، فإن سكانها يتداولون أسطورة شفوية عن سفينة نوح التي ضلّت، بعد الطوفان، طريقها، محاولة البحث عن يابسة تستقر عليها وتأوي إليها، إلى أن حطّت، ذات يوم، حمامةٌ موحلة القدميْن فوق السفينة، فصاح ركّاب السفينة "الطين جا، الطين جا"، أي اقتربت اليابسة، وهكذا صار اسم المكان: طنجة.
أسطورة أخرى، إغريقية هذه المرّة، ودائمًا حول مرجعيات اسم عروس الشمال المغربي، تقول إن أنتي ابن بوسيدون وغايا، كان يهاجم المسافرين ويقتلهم، وقد صنع من جماجمهم معبدًا أهداه إلى أبيه، وأطلق على مملكته اسم زوجته طِنجة، وكانت تمتد من سبتة إلى ليكسوس. وفي معركة قوية بين هرقل وأنتي، استطاع هرقل أن يهزمه، وخلال نِزالهما شقّت إحدى ضربات سيفه مضيق البوغاز بين أوروبا والمغرب والمغارات المشهورة باسمه، ثم تزوّج بعد ذلك زوجة أنتي، فأنجبت له سوفوكس الذي أنشأ مستعمرة طنجيس. ويقال كذلك، وفق أسطورة أخرى، إنها تحمل اسم الآلهة "تِنجِيس" ابنة الإله أطلس.
وقديمًا حملت طنجة اسم تِنْكا Tinga وتِتْكا Titga وتِنْكِيس Tingis وتَنْتْدِيا Tantdia وطنكِير Tanger. ولو بحثنا في اللغة الأمازيغية المحلية سنجد أن الاسم يتكون من كلمتين، الأولى "تِنْ" وتفيد في الأمازيغية الوصف والنسبة، وتعني هنا بصيغة التأنيث "ذات" أو "التي في"، أما الكلمة الثانية وهي "إِكِـّ" أو "إِكِـّر" فمعناه "المرتفع" أو "العالي". وبالتالي فيمكن القول إن معنى الاسم هو ذات المكان المرتفع، أو العالية، وهذا الوصف لا يزال يطلق على المدينة إلى الآن.
خلال العصور الإسلامية حافظت المدينة على تسميتها طنجة، مع إضافة أسماء جديدة إليها: البيضاء وليلى. وحاليًا توصف المدينة بأنها جوهرة الشمال، أو عاصمة البُوغاز. طنجة الفينيقية
يذكر الباحث التونسي محمد حسين فنطر (م 1936) أن الفينيقيين (الكنعانيين) كانوا قد بدأوا التردد على غربي البحر المتوسط منذ أواخر الألف الأولى قبل الميلاد، حيث أقاموا جسرًا عملاقًا بين الحوضيْن (المتوسطيّ والأطلسيّ) مُستفيدين من ظروف عسكرية وتقنيّة، منها أفول نجم الأسطول الإيجي، مما جعل أبواب البحر، وحتى المحيط، مفتوحة أمامهم، وقد كان ذلك في حدود 1200 قبل الميلاد.
في ذلك الزمان، أسس الفينيقيون مئات مراكز الاستيطان المؤقتة والدائمة، إذ كانت رحلاتهم التجارية نحو غرب المتوسط، وبخاصة نحو قادس الإسبانية، وليكسوس على المحيط الأطلسي، دافعًا قويًّا لتمتين العلاقات مع المغاربة القدامى، هذه الأخيرة التي تطوّرت لتجسّد الحضور الفينيقي في مختلف أرجاء المغرب القديم.
بعض الآثاريين يذهبون إلى أن هرقل التي ارتبطت به الميثولوجيا الطنجية القديمة، ما هو سوى مالقرت الفينيقي، وهو ما يقود إلى الإقرار بالأصول الفينيقية (الكنعانية) لمدينة طنجة.
ثم لا ننسى أن الباحث المغربي العزيفي محمد رضوان يخلص في بحثه الموسوم: "هل مدافن ناحية طنجة فينيقية الأصل؟ قراءة جديدة للأبحاث الأركيولوجية الفرنسية بالمغرب" المنشور سنة 1996، في مجلة "المصباحية" التي تصدرها كلية الآداب والعلوم الإنسانية في جامعة سيدي محمد بن عبد الله في فاس، إلى أن عددًا مهمًا من مقابر طنجة التاريخية هي مقابر فينيقية محْضة بالمعنى والمبنى (بالهندسة والمحتوى)، وأن بعضًا آخر منها يحمل سماتٍ فينيقية، وقد تكون، بالفعل، قبورًا فينيقية.
بالاستناد على ما تقدّم تصبح المغارة التي تشكّل، هذه الأيام، معلمًا سياحيًّا مهمًّا في طنجة، أثرًا باقيًا من أيام الحضارة الفينيقية فوق الجغرافيا المغربية، وكذلك سوق السمك ومركز تجميعه، والأعمدة التي بناها هرقل (مالقرت الفينيقي كما أسلفنا)، ومعالم أخرى كثيرة، تعود إلى زمن الزهو الفينيقي في عين المكان الذي أرادوه لهم، لِجمعِه البحر مع المحيط، وهم البحارة العتيدون الذين عشقوا البر بقدر ما ركبوا البحر.
بعد ذلك بقرونٍ مديدة، ومنذ الدولة الأموية ما بين عام 707 إلى 750 ميلادية، وصولًا إلى المملكة المغربية منذ عام 1956، توالى على حكم المدينة المرتاحة بين أغاني الجبال، العباسيون والإدريسيون والفاطميون والعلويون والمرابطون والموحدون والمرينيون والوطاسيون والبرتغاليون والأيبيريون والإنكليز والإسبان. شكري وجينيه ووليامز
في كتابه "جان جينيه في طنجة... تينسي وليامز في طنجة" (1998، ط2: 2006)، يخوض الأديب المغربيّ الطنجيّ محمد شكري (1935-2003)، في تفاصيل ثلاث زيارات (1968، 1969 و1974) قام بها الأديب والمتمرّد الفرنسي جان جينيه (1910-1986) لمدينة طنجة وشملت بعضها إقامة لأكثر من شهر في المدينة التي وجد فيها جينيه بعض مآربه. في الجزء الثاني من الكتاب (أو في الكتاب الثاني لأن الإصدار يبدو كما لو أنه كتابان صغيران جُمعا في كتاب) يفرد شكري مساحة سردية حوارية للإتيانِ على تفاصيل زيارة الكاتب المسرحي الأميركي تينسي وليامز (1911-1983) إلى طنجة. ولعل الأهمية الوحيدة لكتاب شكري، الذي لا يشبه عموم كتاباته وروحه الروائية، هو أنه يطلعنا على الجانب الغربي من طنجة؛ المقاهي التي يرد ذكرها في الكتاب (مقهى باريس، مقهى براسوري دوفرانس، البوليفار، مقهى إسكيما، نهج إسبانيا وغيرها)، الأماكن، الأصدقاء المشتركين بين جينيه وشكري من جهة، ووليامز وشكري من جهة ثانية، اليوميات التي أفرغها شكري في الكتاب، تقريبًا، بمختلف تفاصيلها، هي بحسب صفحات الكتاب، يوميات ذات طابع غربي: نقاشات حول روايات ومسرحيات وأشعار وكتابات أوروبية، أو أميركية، النقاش حول أعلام غربيين (أوروبيين أو أميركان، مثل جان بول سارتر وكافكا وصموئيل بيكيت وألبير كامو وألما واينميلر وكريستيان توني وبول باولز وغيرهم وغيرهم).
لا شك في أن محمد شكري منح طنجة مساحة مختلفة، وفي أحايين كثيرة مهمة، يكفي أن مؤشرات مغايرِته المبكّرة، أغرت كثيرًا من الأوروبيين (الفرنسيين والإسبان على وجه الخصوص)، بالتوجّه إلى طنجة والإقامة معه (حتى أن بعضهم تبرّع بالكتابة لِشكري الذي تعلّم القراءة والكتابة في وقت متأخر جدًا، بعد الثلاثين من عمره). بالتأكيد ليس محمد شكري العَلَم الطنجيّ الوحيد، ولكن ما كتبه عن الميناء، وعشوائيات طنجة، منح القرّاء والشغوفين بِالقصِّ الاطلاع على مساحات جديدة من طنجة، ربما لم يكن كثير من العرب والأجانب يعرفون عنها شيئًا. هو عرّاب الباحة الخلفية لطنجة التي يؤمّها السيّاح، عادة، قاصدين باحتها الأمامية وواجهاتها التي يعتدّ أهلها بها.
عمارة طنجة
تعد فترة السلاطين العلويين، خصوصًا المولى إسماعيل وسيدي محمد بن عبد الله، أهم مرحلة ثقافية وعمرانية في تاريخ طنجة الوسيط والحديث. فبعد استرجاعها من يد الغزو الإنكليزي في عهد المولى إسماعيل، استعادت طنجة دورها العسكري والدبلوماسي والتجاري كبوابة على دول البحر الأبيض المتوسط، وبالتالي عرفت تدفقًا عمرانيًا ضخمًا، فشيدت الأسوار والحصون والأبواب. وازدهرت الحياة الدينية والاجتماعية، فبنيت المساجد والقصور والنافورات والحمامات والأسواق، كما بنيت الكنائس والقنصليات والمنازل الكبيرة الخاصة بالمقيمين الأجانب، حتى أصبحت طنجة عاصمة ديبلوماسية بعشر قنصليات سنة 1830م، ومدينة دولية يتوافد عليها التجار والمغامرون من كل الأنحاء نتيجة الامتيازات الضريبية التي كانت تتمتع بها.
من المعالم المعمارية المهمة في طنجة دار المخزن (أو قصر السلطان) التي كانت مقر الإقامة لسلاطين المغرب. بناها مولاي إسماعيل في القرن السابع عشر في القصبة، وهي واحدة من أعلى النقط بطنجة، المطلة على المدينة القديمة ومضيق جبل طارق. مفردات القصر تحوّلت لخدمة متحفيّ الفنون والآثار المغربيين. لا تبتعد عمارته بواجهاته البيضاء المطعمة بالأزرق، عن عمارة البحر، مع تأثر واضح بأكثر من طراز معماريّ: الأندلسيّ (المورسكيّ)، الإسلاميّ والرومانيّ والشرقيّ عمومًا بوجود فِناء كبير تتوسّطه نافورة ماء.
يحتوي القصر على ساحتين. زيّنت سقوف القصر بزخارف خشبية، ونوافير ورخام وأرابسك. بعض الأعمدة المستخدمة في البناء هي من أصل روماني. كما يضم بهوًا واسعًا محاطًا بأعمدة رخامية مزينة بتيجان مركبة تنتصب في وسطه نافورة من الرخام الأبيض.
أمّا جامع طنجة الكبير فيتميّز ببهاء عمارته وغِنى زخارفه، حيث يزهو بِمختلف فنون الزخرفة من فسيفساء وزليج وصباغة ونقش ونحت وكتابة على الخشب والجبس.
عمومًا، عمارة طنجة هي جزء من العمارة المغربية التي تجلّت، أكثر من طنجة، في فاس ومراكش والرباط ومكناس، وهي عمارة تعكس التنوّع الجغرافي للبلاد وتاريخها الممتد. وقد أسهمت الموجات المتتالية من الهجرة والغزو العسكري، بتحديد ملامح هندستها المعمارية الجامعة في تفاصيلها التراث المعماري الرومانيّ والقوطيّ والإسلاميّ والأمازيغيّ وصولًا إلى زمن الاستعمار وظهور بعض ملامح العمارة الحديثة. الطابع المدينيّ
لا تختلف طنجة المعاصرة بتفاصيلها وطابعها المدينيّ عن المدن الأخرى داخل المغرب وخارجها؛ أندية رياضية ومدارس وكليات جامعية ومستشفيات وأسواق ومساجد وكنائس ومصانع وملامح اقتصاد ناهض، وفيها منطقة اقتصادية حرّة على مساحة 12 ألف هكتار هي الأكبر في المغرب. وهي مصيَفٌ أثيرٌ عند كثير من المغاربة وغيرهم. أما المدينة القديمة (القصبة) المطلّة على البحر الأبيض المتوسط، بأبراجها وأبوابها العتيقة الماتزال قائمة، فهي مقصد سياحي عالميّ مهم. ميناؤها المعتّق (منذ القرن السابع عشر) الواقع على الطرف الغربي لمضيق جبل طارق، والمفتوح باتجاه الشمال الغربي، يتجلّى بوصفه معلمًا رئيسيًا من معالم طنجة المعاصرة. وفيها متحف للفن المعاصر، وأما أسوار المدينة القديمة فما تزال معظمها قائمة تمتد بطول 2200 متر مسيِّجة الأحياء الخمسة للمدينة العتيقة: القصبة، دار البارود، جنان قبطان، واد أهردان وأيت إيدر. وفي المدينة كناوة تعود أصولهم إلى خليج غينيا. وفيها جزائريون وسوريون وأوروبيون وأندلسيون ومكونات سكانية أخرى. مناخها متوسطيٌّ مطيرٌ معتدل. ولا ننسى أن مطارات طنجة لعبت دورًا استراتيجيًا في الحرب العالمية الثانية وشكّلت منصة انطلاق لجيوش الحلفاء. المساحة الزراعية الخضراء تمتد في طنجة على ما يقترب من 11 ألف هكتار.
"البوكاديوس" أكلة طنجاوية شعبية، عرفت لفترة طويلة على أنها طعام الفقراء، وهي عبارة عن نصف رغيف خبز محشو بمصبرات السمك، إضافة إلى البصل والطماطم والبطاطس والبيض والفلفل الأخضر والباذنجان والأرز، ويمكن إضافة الفلفل الأحمر الحار لمن أراد، أكلة سريعة الإعداد، لذيذة وشهية.
من مناطق طنجة: الوطية الحمراء، الشرف مغوغة، الشرف السواني، قصبة غيلان، بني مكادة، ساحة الطابور، ساحة السوق الكبير والسوق الداخل. ومن أحيائها: أطلنتيك، مولاي علي الشريف، ابن كيران، السواني، مبروكة، الجامع، المصلّى، بني يدير اكزناية، واد راس، الناصرية، مرشان، سابلة الجماعة، دار البارود. ومن شوارعها: الأوروكواي والحسن الثاني. ومن محجّاتها: محمد ابن الصديق، ابن بطوطة، ابن عبو، ابن عبد الصادق، ابن ريسون، بوقنادل، الدازيين، ابن ريسون، بو قنادل ومحمد ابن الصديق.
اللغة العربية هي السائدة مع لكنة إسبانية لافتة. فيما يتحدث 47.35 بالمائة من سكانها اللغة الفرنسية كلغة ثانية. وهو رقم يفوق الرقم الوطني الذي لا يتجاوز الـ40 بالمائة. في حين يتحدث 25 بالمائة من سكان المدينة باللغة الإسبانية كلغة ثانية. وتعد اللغتان الإنكليزية والتركية لغات مفهومة عند عددٍ لا بأس به من السكان. إلى ذلك، يتحدث 12 بالمائة من سكان طنجة اللغة الأمازيغية باللهجة الريفية المستعملة عادة في أقاليم الحسيمة والناظور والدريوش. إلا أن استخدامها يقتصر عادة على المنزل. وأما خارج البيوت فيستخدمون العربية فقط.
عروس الشمال
كثيرة هي المدن العربية التي تحمل لقب عروس الشمال، لكن لطنجة عبق خاص، سواء بكونها هاتيك العروس الناهضة من تزاحم بحرٍ ومحيطٍ وقارّتيْن، أو بوصفها ولّادة لا يهرم خصبها. ولو سألنا أحد أولادها النجباء، ابن بطوطة (1304-1377): لو كانت مدينتك إحدى محطات رحلاتك الكبرى، فكيف كان سيكون وصفك لها؟ هل تعلم أن استاد كرة القدم في مدينتك يحمل اسمك يا مُحمَّد بن عبد الله بن مُحمَّد اللواتيّ الطنجيّ. وأنه استضاف قبل أيام بعض مباريات مونديال الأندية (كأس العالم للأندية)؟
المدينة التي تأسرك بلون سطوعها الأبيض، تدهشك نساؤها بقفطانهنّ المغربيّ المُزركش المزيّن بالجواهر والتطريز الأنيق، وعلى رؤوسهن قبعات محاطة بالريش، يملأن شوارعها الصاعدة نحو الأفق الفسيح، بالبهجة وتدفق شرايين حياة لم تنقطع عنها حتى في أحلك أزمانها عندما حاول البرتغاليون تدمير كل شيء فيها.
هل أنت يا طنجة "مظلة السماء" التي قصدها الأديب الأميركي بول باولز (1910-1999) في كتابه الذي حمل هذا الاسم؟ أليس هو من قال فيك: "إنني مقتنع أن طنجة هي مكان الماضي والحاضر في آن معًا، حيث ما هو حاضر اليوم، يكتسب قدرًا إضافيًا من عمق الواقع، بوجود لمحة متساوية من أحداث الأمس"؟
الصخر فيكِ ربوات، والمنارة شرفات، والهجعة عند شاطئكِ "أشقار" برمال
محمد جميل خضر 25 فبراير 2023
أمكنة
طنجة عروس البحر
شارك هذا المقال
حجم الخط
قصر داخل غابة... حافة تبوح بأسرارها عند ملتقى حضارتيْن وحاضرتيْن... وردةُ رياح تحنّ للجهاتِ جميعها... ميناء يتناسل قصصًا شفويّة يرويها محمد شكري... بحرٌ له باب... محيطٌ يطل على تاريخ... خزانة تؤرشف السينما وتقيم مأدبة صاخبة للفنون... مضيق واسع الفكرة متلاطم الأمواج... درب حوريات بين برّيْن متْرعين بالظمأ... حمَامٌ زاجلٌ يحمل هرقل في قارورةٍ من ثراء فتغلق المغارة بابها... درجٌ يفضي إلى سوقٍ داخلهُ يشرِقُ بخارجِه، وعذبه يفور بلجائجِه... قَصَبَةٌ طالعةٌ من بَوْح ناي... مسرحٌ يعيد تدوير طواحين ثيربانتس... ملاذٌ مدهشٌ للهاربين من الديكتاتور... لحن أغنية مهاجرة من غرب الضفة إلى شرقها... ساحة تصطاد الثيران وتلقي القبض على الاستعمار... منارةٌ تملأ حديقة رأس سبارطيل ضوءًا بلّوراته الأطلسيّ والأبيض المتوسط... غابةٌ يصعد من رملها البلّوط، وترفرف مع تحليق طيورها أشواق الصّنوْبر... لمسةٌ كنعانية صنعت كل شيء هنا في مدينة طنجة المغربية (عروس الشمال) التي أسسها في القرن الخامس قبل الميلاد القرطاجيون المنحدرون من أصول كنعانية، قبل أن يواصل الفينيقيون الكنعانيون ما بدأ به أسلافهم القرطاجيون.
تعد قرطاجة واحدة من أهم مراكز التجارة والصناعة في شمال أفريقيا، وقطبًا اقتصاديًا مهمًّا لكثرة مقار المؤسسات فيها. تاريخها غني جدًا نظرًا لكونها مركز التقاء عديد من الحضارات المتوسطية.
يخلص الباحث المغربي العزيفي محمد رضوان إلى أن عددًا مهمًا من مقابر طنجة التاريخية هي مقابر فينيقية محْضة بالمعنى والمبنى (بالهندسة والمحتوى)، وأن بعضًا آخر منها يحمل سماتٍ فينيقية، وقد تكون، بالفعل، قبورًا فينيقية |
مع تعدد الروايات حول حيثيات اسم "طنجة"، فإن سكانها يتداولون أسطورة شفوية عن سفينة نوح التي ضلّت، بعد الطوفان، طريقها، محاولة البحث عن يابسة تستقر عليها وتأوي إليها، إلى أن حطّت، ذات يوم، حمامةٌ موحلة القدميْن فوق السفينة، فصاح ركّاب السفينة "الطين جا، الطين جا"، أي اقتربت اليابسة، وهكذا صار اسم المكان: طنجة.
أسطورة أخرى، إغريقية هذه المرّة، ودائمًا حول مرجعيات اسم عروس الشمال المغربي، تقول إن أنتي ابن بوسيدون وغايا، كان يهاجم المسافرين ويقتلهم، وقد صنع من جماجمهم معبدًا أهداه إلى أبيه، وأطلق على مملكته اسم زوجته طِنجة، وكانت تمتد من سبتة إلى ليكسوس. وفي معركة قوية بين هرقل وأنتي، استطاع هرقل أن يهزمه، وخلال نِزالهما شقّت إحدى ضربات سيفه مضيق البوغاز بين أوروبا والمغرب والمغارات المشهورة باسمه، ثم تزوّج بعد ذلك زوجة أنتي، فأنجبت له سوفوكس الذي أنشأ مستعمرة طنجيس. ويقال كذلك، وفق أسطورة أخرى، إنها تحمل اسم الآلهة "تِنجِيس" ابنة الإله أطلس.
وقديمًا حملت طنجة اسم تِنْكا Tinga وتِتْكا Titga وتِنْكِيس Tingis وتَنْتْدِيا Tantdia وطنكِير Tanger. ولو بحثنا في اللغة الأمازيغية المحلية سنجد أن الاسم يتكون من كلمتين، الأولى "تِنْ" وتفيد في الأمازيغية الوصف والنسبة، وتعني هنا بصيغة التأنيث "ذات" أو "التي في"، أما الكلمة الثانية وهي "إِكِـّ" أو "إِكِـّر" فمعناه "المرتفع" أو "العالي". وبالتالي فيمكن القول إن معنى الاسم هو ذات المكان المرتفع، أو العالية، وهذا الوصف لا يزال يطلق على المدينة إلى الآن.
خلال العصور الإسلامية حافظت المدينة على تسميتها طنجة، مع إضافة أسماء جديدة إليها: البيضاء وليلى. وحاليًا توصف المدينة بأنها جوهرة الشمال، أو عاصمة البُوغاز. طنجة الفينيقية
يذكر الباحث التونسي محمد حسين فنطر (م 1936) أن الفينيقيين (الكنعانيين) كانوا قد بدأوا التردد على غربي البحر المتوسط منذ أواخر الألف الأولى قبل الميلاد، حيث أقاموا جسرًا عملاقًا بين الحوضيْن (المتوسطيّ والأطلسيّ) مُستفيدين من ظروف عسكرية وتقنيّة، منها أفول نجم الأسطول الإيجي، مما جعل أبواب البحر، وحتى المحيط، مفتوحة أمامهم، وقد كان ذلك في حدود 1200 قبل الميلاد.
في ذلك الزمان، أسس الفينيقيون مئات مراكز الاستيطان المؤقتة والدائمة، إذ كانت رحلاتهم التجارية نحو غرب المتوسط، وبخاصة نحو قادس الإسبانية، وليكسوس على المحيط الأطلسي، دافعًا قويًّا لتمتين العلاقات مع المغاربة القدامى، هذه الأخيرة التي تطوّرت لتجسّد الحضور الفينيقي في مختلف أرجاء المغرب القديم.
بعض الآثاريين يذهبون إلى أن هرقل التي ارتبطت به الميثولوجيا الطنجية القديمة، ما هو سوى مالقرت الفينيقي، وهو ما يقود إلى الإقرار بالأصول الفينيقية (الكنعانية) لمدينة طنجة.
ثم لا ننسى أن الباحث المغربي العزيفي محمد رضوان يخلص في بحثه الموسوم: "هل مدافن ناحية طنجة فينيقية الأصل؟ قراءة جديدة للأبحاث الأركيولوجية الفرنسية بالمغرب" المنشور سنة 1996، في مجلة "المصباحية" التي تصدرها كلية الآداب والعلوم الإنسانية في جامعة سيدي محمد بن عبد الله في فاس، إلى أن عددًا مهمًا من مقابر طنجة التاريخية هي مقابر فينيقية محْضة بالمعنى والمبنى (بالهندسة والمحتوى)، وأن بعضًا آخر منها يحمل سماتٍ فينيقية، وقد تكون، بالفعل، قبورًا فينيقية.
بالاستناد على ما تقدّم تصبح المغارة التي تشكّل، هذه الأيام، معلمًا سياحيًّا مهمًّا في طنجة، أثرًا باقيًا من أيام الحضارة الفينيقية فوق الجغرافيا المغربية، وكذلك سوق السمك ومركز تجميعه، والأعمدة التي بناها هرقل (مالقرت الفينيقي كما أسلفنا)، ومعالم أخرى كثيرة، تعود إلى زمن الزهو الفينيقي في عين المكان الذي أرادوه لهم، لِجمعِه البحر مع المحيط، وهم البحارة العتيدون الذين عشقوا البر بقدر ما ركبوا البحر.
بعد ذلك بقرونٍ مديدة، ومنذ الدولة الأموية ما بين عام 707 إلى 750 ميلادية، وصولًا إلى المملكة المغربية منذ عام 1956، توالى على حكم المدينة المرتاحة بين أغاني الجبال، العباسيون والإدريسيون والفاطميون والعلويون والمرابطون والموحدون والمرينيون والوطاسيون والبرتغاليون والأيبيريون والإنكليز والإسبان. شكري وجينيه ووليامز
في كتابه "جان جينيه في طنجة... تينسي وليامز في طنجة" (1998، ط2: 2006)، يخوض الأديب المغربيّ الطنجيّ محمد شكري (1935-2003)، في تفاصيل ثلاث زيارات (1968، 1969 و1974) قام بها الأديب والمتمرّد الفرنسي جان جينيه (1910-1986) لمدينة طنجة وشملت بعضها إقامة لأكثر من شهر في المدينة التي وجد فيها جينيه بعض مآربه. في الجزء الثاني من الكتاب (أو في الكتاب الثاني لأن الإصدار يبدو كما لو أنه كتابان صغيران جُمعا في كتاب) يفرد شكري مساحة سردية حوارية للإتيانِ على تفاصيل زيارة الكاتب المسرحي الأميركي تينسي وليامز (1911-1983) إلى طنجة. ولعل الأهمية الوحيدة لكتاب شكري، الذي لا يشبه عموم كتاباته وروحه الروائية، هو أنه يطلعنا على الجانب الغربي من طنجة؛ المقاهي التي يرد ذكرها في الكتاب (مقهى باريس، مقهى براسوري دوفرانس، البوليفار، مقهى إسكيما، نهج إسبانيا وغيرها)، الأماكن، الأصدقاء المشتركين بين جينيه وشكري من جهة، ووليامز وشكري من جهة ثانية، اليوميات التي أفرغها شكري في الكتاب، تقريبًا، بمختلف تفاصيلها، هي بحسب صفحات الكتاب، يوميات ذات طابع غربي: نقاشات حول روايات ومسرحيات وأشعار وكتابات أوروبية، أو أميركية، النقاش حول أعلام غربيين (أوروبيين أو أميركان، مثل جان بول سارتر وكافكا وصموئيل بيكيت وألبير كامو وألما واينميلر وكريستيان توني وبول باولز وغيرهم وغيرهم).
لا شك في أن محمد شكري منح طنجة مساحة مختلفة، وفي أحايين كثيرة مهمة، يكفي أن مؤشرات مغايرِته المبكّرة، أغرت كثيرًا من الأوروبيين (الفرنسيين والإسبان على وجه الخصوص)، بالتوجّه إلى طنجة والإقامة معه (حتى أن بعضهم تبرّع بالكتابة لِشكري الذي تعلّم القراءة والكتابة في وقت متأخر جدًا، بعد الثلاثين من عمره). بالتأكيد ليس محمد شكري العَلَم الطنجيّ الوحيد، ولكن ما كتبه عن الميناء، وعشوائيات طنجة، منح القرّاء والشغوفين بِالقصِّ الاطلاع على مساحات جديدة من طنجة، ربما لم يكن كثير من العرب والأجانب يعرفون عنها شيئًا. هو عرّاب الباحة الخلفية لطنجة التي يؤمّها السيّاح، عادة، قاصدين باحتها الأمامية وواجهاتها التي يعتدّ أهلها بها.
طنجة "مظلة السماء" التي قصدها الأديب الأميركي بول باولز في كتابه الذي حمل هذا الاسم؟ أليس هو من قال فيها: "إنني مقتنع أن طنجة هي مكان الماضي والحاضر في آن معًا" |
تعد فترة السلاطين العلويين، خصوصًا المولى إسماعيل وسيدي محمد بن عبد الله، أهم مرحلة ثقافية وعمرانية في تاريخ طنجة الوسيط والحديث. فبعد استرجاعها من يد الغزو الإنكليزي في عهد المولى إسماعيل، استعادت طنجة دورها العسكري والدبلوماسي والتجاري كبوابة على دول البحر الأبيض المتوسط، وبالتالي عرفت تدفقًا عمرانيًا ضخمًا، فشيدت الأسوار والحصون والأبواب. وازدهرت الحياة الدينية والاجتماعية، فبنيت المساجد والقصور والنافورات والحمامات والأسواق، كما بنيت الكنائس والقنصليات والمنازل الكبيرة الخاصة بالمقيمين الأجانب، حتى أصبحت طنجة عاصمة ديبلوماسية بعشر قنصليات سنة 1830م، ومدينة دولية يتوافد عليها التجار والمغامرون من كل الأنحاء نتيجة الامتيازات الضريبية التي كانت تتمتع بها.
من المعالم المعمارية المهمة في طنجة دار المخزن (أو قصر السلطان) التي كانت مقر الإقامة لسلاطين المغرب. بناها مولاي إسماعيل في القرن السابع عشر في القصبة، وهي واحدة من أعلى النقط بطنجة، المطلة على المدينة القديمة ومضيق جبل طارق. مفردات القصر تحوّلت لخدمة متحفيّ الفنون والآثار المغربيين. لا تبتعد عمارته بواجهاته البيضاء المطعمة بالأزرق، عن عمارة البحر، مع تأثر واضح بأكثر من طراز معماريّ: الأندلسيّ (المورسكيّ)، الإسلاميّ والرومانيّ والشرقيّ عمومًا بوجود فِناء كبير تتوسّطه نافورة ماء.
يحتوي القصر على ساحتين. زيّنت سقوف القصر بزخارف خشبية، ونوافير ورخام وأرابسك. بعض الأعمدة المستخدمة في البناء هي من أصل روماني. كما يضم بهوًا واسعًا محاطًا بأعمدة رخامية مزينة بتيجان مركبة تنتصب في وسطه نافورة من الرخام الأبيض.
أمّا جامع طنجة الكبير فيتميّز ببهاء عمارته وغِنى زخارفه، حيث يزهو بِمختلف فنون الزخرفة من فسيفساء وزليج وصباغة ونقش ونحت وكتابة على الخشب والجبس.
عمومًا، عمارة طنجة هي جزء من العمارة المغربية التي تجلّت، أكثر من طنجة، في فاس ومراكش والرباط ومكناس، وهي عمارة تعكس التنوّع الجغرافي للبلاد وتاريخها الممتد. وقد أسهمت الموجات المتتالية من الهجرة والغزو العسكري، بتحديد ملامح هندستها المعمارية الجامعة في تفاصيلها التراث المعماري الرومانيّ والقوطيّ والإسلاميّ والأمازيغيّ وصولًا إلى زمن الاستعمار وظهور بعض ملامح العمارة الحديثة. الطابع المدينيّ
لا تختلف طنجة المعاصرة بتفاصيلها وطابعها المدينيّ عن المدن الأخرى داخل المغرب وخارجها؛ أندية رياضية ومدارس وكليات جامعية ومستشفيات وأسواق ومساجد وكنائس ومصانع وملامح اقتصاد ناهض، وفيها منطقة اقتصادية حرّة على مساحة 12 ألف هكتار هي الأكبر في المغرب. وهي مصيَفٌ أثيرٌ عند كثير من المغاربة وغيرهم. أما المدينة القديمة (القصبة) المطلّة على البحر الأبيض المتوسط، بأبراجها وأبوابها العتيقة الماتزال قائمة، فهي مقصد سياحي عالميّ مهم. ميناؤها المعتّق (منذ القرن السابع عشر) الواقع على الطرف الغربي لمضيق جبل طارق، والمفتوح باتجاه الشمال الغربي، يتجلّى بوصفه معلمًا رئيسيًا من معالم طنجة المعاصرة. وفيها متحف للفن المعاصر، وأما أسوار المدينة القديمة فما تزال معظمها قائمة تمتد بطول 2200 متر مسيِّجة الأحياء الخمسة للمدينة العتيقة: القصبة، دار البارود، جنان قبطان، واد أهردان وأيت إيدر. وفي المدينة كناوة تعود أصولهم إلى خليج غينيا. وفيها جزائريون وسوريون وأوروبيون وأندلسيون ومكونات سكانية أخرى. مناخها متوسطيٌّ مطيرٌ معتدل. ولا ننسى أن مطارات طنجة لعبت دورًا استراتيجيًا في الحرب العالمية الثانية وشكّلت منصة انطلاق لجيوش الحلفاء. المساحة الزراعية الخضراء تمتد في طنجة على ما يقترب من 11 ألف هكتار.
"البوكاديوس" أكلة طنجاوية شعبية، عرفت لفترة طويلة على أنها طعام الفقراء، وهي عبارة عن نصف رغيف خبز محشو بمصبرات السمك، إضافة إلى البصل والطماطم والبطاطس والبيض والفلفل الأخضر والباذنجان والأرز، ويمكن إضافة الفلفل الأحمر الحار لمن أراد، أكلة سريعة الإعداد، لذيذة وشهية.
من مناطق طنجة: الوطية الحمراء، الشرف مغوغة، الشرف السواني، قصبة غيلان، بني مكادة، ساحة الطابور، ساحة السوق الكبير والسوق الداخل. ومن أحيائها: أطلنتيك، مولاي علي الشريف، ابن كيران، السواني، مبروكة، الجامع، المصلّى، بني يدير اكزناية، واد راس، الناصرية، مرشان، سابلة الجماعة، دار البارود. ومن شوارعها: الأوروكواي والحسن الثاني. ومن محجّاتها: محمد ابن الصديق، ابن بطوطة، ابن عبو، ابن عبد الصادق، ابن ريسون، بوقنادل، الدازيين، ابن ريسون، بو قنادل ومحمد ابن الصديق.
اللغة العربية هي السائدة مع لكنة إسبانية لافتة. فيما يتحدث 47.35 بالمائة من سكانها اللغة الفرنسية كلغة ثانية. وهو رقم يفوق الرقم الوطني الذي لا يتجاوز الـ40 بالمائة. في حين يتحدث 25 بالمائة من سكان المدينة باللغة الإسبانية كلغة ثانية. وتعد اللغتان الإنكليزية والتركية لغات مفهومة عند عددٍ لا بأس به من السكان. إلى ذلك، يتحدث 12 بالمائة من سكان طنجة اللغة الأمازيغية باللهجة الريفية المستعملة عادة في أقاليم الحسيمة والناظور والدريوش. إلا أن استخدامها يقتصر عادة على المنزل. وأما خارج البيوت فيستخدمون العربية فقط.
عروس الشمال
كثيرة هي المدن العربية التي تحمل لقب عروس الشمال، لكن لطنجة عبق خاص، سواء بكونها هاتيك العروس الناهضة من تزاحم بحرٍ ومحيطٍ وقارّتيْن، أو بوصفها ولّادة لا يهرم خصبها. ولو سألنا أحد أولادها النجباء، ابن بطوطة (1304-1377): لو كانت مدينتك إحدى محطات رحلاتك الكبرى، فكيف كان سيكون وصفك لها؟ هل تعلم أن استاد كرة القدم في مدينتك يحمل اسمك يا مُحمَّد بن عبد الله بن مُحمَّد اللواتيّ الطنجيّ. وأنه استضاف قبل أيام بعض مباريات مونديال الأندية (كأس العالم للأندية)؟
المدينة التي تأسرك بلون سطوعها الأبيض، تدهشك نساؤها بقفطانهنّ المغربيّ المُزركش المزيّن بالجواهر والتطريز الأنيق، وعلى رؤوسهن قبعات محاطة بالريش، يملأن شوارعها الصاعدة نحو الأفق الفسيح، بالبهجة وتدفق شرايين حياة لم تنقطع عنها حتى في أحلك أزمانها عندما حاول البرتغاليون تدمير كل شيء فيها.
هل أنت يا طنجة "مظلة السماء" التي قصدها الأديب الأميركي بول باولز (1910-1999) في كتابه الذي حمل هذا الاسم؟ أليس هو من قال فيك: "إنني مقتنع أن طنجة هي مكان الماضي والحاضر في آن معًا، حيث ما هو حاضر اليوم، يكتسب قدرًا إضافيًا من عمق الواقع، بوجود لمحة متساوية من أحداث الأمس"؟
الصخر فيكِ ربوات، والمنارة شرفات، والهجعة عند شاطئكِ "أشقار" برمال