"حكايات الوطن والمهجر" لميخائيل سعد: صرة مهاجر
علي العائد
16 مارس 2023
شارك هذا المقال
حجم الخط
يحمل الفصل الأول من كتاب ميخائيل سعد الثاني "حكايات الوطن والمهجر: سيرة ذاتية من بحر عذابات السوريين"، الصادر حديثًا عن دار موزاييك في إسطنبول، عنوان (صور من ذاكرة الوطن). لا أعرف لماذا قرأت كلمة صور للوهلة الأولى "صرر"! ربما لأنها تحيل إلى الهجرة والمهجر، والسفر على عجل، كما حدث مع ميخائيل سعد بعد تجربة الاعتقال الثانية في مزرعة حافظ الأسد التي ما زلنا نصرّ على أن اسمها سورية.
حمل ميخائيل سعد "صرته" وغادر سورية مهاجرًا إلى كندا في عام 1989، قبل أن يشعر سجانوه بنيَّته هذه، فأنقذ نفسه من اعتقال ثالث، أو أكثر، هو الذي اعتُقل للمرة الأولى في السبعينيات على خلفية انتمائه إلى حركة 23 شباط، البعثية المعارضة، حتى قبل أن يبتلع نظام حافظ الأسد البعثي ذلك البعث الذي عارضه ميخائيل سعد؛ في المرة الثانية، اعتُقل سعد في نهايات الثمانينيات بمكيدة من تجار الكتب في دمشق، بعد أن قدم سعد نفسه منافسًا لهم في سوق الكتاب في سورية. تخيلوا أن الكتاب كان رائجًا، وسلعة مربحة، إلى درجة أن مكتبات دمشق، وتجارها، لم يرغبوا في أن يشاركهم وافد جديد في تجارتهم. الآن، ومنذ بدايات الألفية، لم تعد للكتاب هيبة، ومكتبات دمشق تغلق واحدة وراء أخرى.
صرة ميخائيل مليئة بالحكايات. ولمن يعرفه، في الواقع، أو كناشط على موقع فيسبوك، فالرجل يكتب كما يتحدث. تمامًا، كما نقول "اللي بقلبه على لسانه". هو ناقد من النوع الظريف، يبدأ بنفسه وعائلته، ولا ينتهي بموارد ذكرياته في دمشق، وبيروت، وحلب، وحمص، هو المحسوب على الحماصنة، بظرفهم الذي لا يحتاج إلى دليل، فحمص وسطى في كل شيء، حتى أن عيد الحماصنة يأتي "الأربعا بنص الجمعة".
"إحدى خبرات سعد التي اكتسبها بعد الثورة هي نقده المبكر للجسم الذي تصدى لتمثيل الثورة، من "المجلس الوطني السوري"، إلى النسخ المتعددة من "الائتلاف الوطني السوري لقوى الثورة والمعارضة"" |
يهدي ميخائيل كتابه "إلى السوريين الذين فجروا ثورة لم يشاهد العالم مثيلًا لها. إلى الشهداء الذين قدموا حياتهم ثمنًا للحرية. إلى الصديق محمد عنتابلي، الذي فتح لي بدعمه وكرمه بابًا واسعًا للاقتراب من نفسي وتاريخي وثقافتي. إلى أهلي وآلاف الصديقات والأصدقاء الذين شرفوني بحبهم"، على حد تعبيره.
وفي مقدمة الكتاب، يكتب الصحافي والناقد محمد منصور: "ميخائيل سعد في كتابه هذا لا يكذب ولا يتجمل، لأنه يؤمن مثل أي كاتب أصيل وشجاع أن الجمال الحقيقي يكمن في الصدق، الصدق الخادش للأقنعة، والخادش للزيف، والخادش لكل قيم المثالية المصطنعة في السلوك والرؤية".
وإن كان الكتاب مجموعة من مقالات، فإن ناظمها هو الكاتب نفسه، بذكريات الطفولة والشباب والعمل السياسي في نهاية ستينيات القرن الماضي حتى نهايات السبعينيات، ثم عمله الصحافي في بيروت، وتأسيسه مكتبة ودار نشر في حمص، وصولًا إلى أيامه في وطنه الجديد كندا، حتى وجد سعد لسانه من جديد مع انطلاق الثورة السورية في عام 2011، إذ يكتب على معرف صفحته في فيسبوك "أنا أحد السوريين الذي حولتني الثورة من أخرس إلى حكواتي....".
دليلك إلى الكتاب، أيضًا، أنك يمكن أن تبدأ قراءته من المنتصف إلى النهاية، أو من أي صفحة شئت، لتكوِّن صورة ما عن كاتبه، فقط عليك تجميع الصورة النهائية لما أراد قوله. وبالطبع، لم يقل الكاتب كل ما أراد، في فسحة الكتاب المحدودة، بل لن يكتمل ما أراد قوله حتى بقراءة كتابه الأول المشترك مع الكاتب أحمد اليوسف بعنوان "سرديات بوحية في زمن الثورة السورية... بوح في المنفى"، فميخائيل سعد لا يزال يقول، حتى أنه بدأ بدراسة التاريخ في القسم العربي في جامعة ماردين، منذ ثلاث سنوات، بعد أن أكمل السبعين من عمره.
مفردات كتاب سعد ليست طريفة بالمعنى الحرفي للكلمة، وإن كانت أحاديث القرية التليدة تحمل من الظرف، وبساطة ريف مصياف، ما لا يخطئه قارئ الكتاب، فهو لا يزال يمسك بذكريات عن قريته حزور، قبل أن يطوف مع والده الشرطي الذي تنقل مع عائلته الصغيرة في مدن سورية الصغيرة بالشروط التي تتطلبها مهنة شرطي في وزارة الداخلية زمن خمسينيات القرن الماضي.
إحدى خبرات سعد التي اكتسبها بعد الثورة هي نقده المبكر للجسم الذي تصدى لتمثيل الثورة، من "المجلس الوطني السوري"، إلى النسخ المتعددة من "الائتلاف الوطني السوري لقوى الثورة والمعارضة". وصادف أن كانت زيارته الأولى إلى إسطنبول كمشارك في مؤتمر دعت إليه المعارضة في نهاية عام 2013، حيث تلقى ثلاث صدمات، الأولى حين وقفت سيارة الأجرة أمام فندق شاهق، والثانية حين دخل إلى غرفة الفندق من فئة خمس نجوم، أما الصدمة الثالثة فـ"كانت نوعية الكلام "النظري" الجميل الذي يشيع جوًا من الراحة النفسية، وكان معظمه للرد على الاتهامات الضمنية الواردة في كلمات المشاركين، التي طعنت في نوعية الطعام، ومستوى خدمات الفندق الناقصة، وخاصة التلميح المتكرر عن غياب الحوريات، لأن حياة "الثوار" لا تُحتمل ولا تُطاق من دون حوريات، وشراب، وخاصة في إسطنبول".
حال ميخائيل سعد في كتابه هذا حال دِعبل الخُزاعي، الهجَّاء العربي الشهير، ففي بيتين تنسبهما بعض المصادر إلى دِعبل، يقول:
وقالوا في الهجاء عليك إثمٌ/ وليس الإثم إلا في المديحِ
لأني إنْ مدحتُ مدحتُ زورًا/ وأهجو حين أهجو بالصحيحِ.
- عنوان الكتاب: حكايات الوطن والمهجر: سيرة ذاتية من بحر عذابات السوريين
- المؤلف: ميخائيل سعد