ماغوميد أحميدوف: شاعر التأملات والحزن الشفيف

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • ماغوميد أحميدوف: شاعر التأملات والحزن الشفيف



    ماغوميد أحميدوف: شاعر التأملات والحزن الشفيف
    إبراهيم إستنبولي 16 مارس 2023
    تغطيات
    أصبح أحميدوف خليفة رسول حمزاتوف في الشعر
    شارك هذا المقال
    حجم الخط

    خسرت الحركة الشعرية والثقافية في روسيا ككل، وفي جمهورية داغستان بشكل خاص، يوم 21 فبراير/ شباط الماضي، رئيس اتحاد كتاب داغستان، الشاعر ماغوميد أحميدوف، القامة الشعرية التي تركت بصمتها المميزة على المشهد الأدبي في روسيا ما بعد الاتحاد السوفياتي. غادر أحميدوف هذه العالم المليء بالقسوة وبالقبح وهو في قمة عطائه الإبداعي، بعد أن اكتسبت تجربته الشعرية حكمة وخبرة بعد مسيرة حافلة امتدت لحوالي نصف قرن.
    يقول أحميدوف في ما يشبه رثاء للبشر الأحياء:
    لن تنجحَ أوراقُ الخريف
    في أن تُدفئ بلاطةَ القبر...
    ونحن، جميعًا، نُولَد كي نموتَ،
    للأسف!
    سواء كنتَ فقيرًا
    أو كنت تملك دولةً
    بأكملها...
    لهذا أنا أشفقُ
    على جميع الأحياءِ من البشر...
    ينتمي أحميدوف إلى كوكبة مجيدة من أساتذة الكلمة الرفيعة في الأدب الداغستاني والروسي. أصبح خليفة رسول حمزاتوف في الشعر، وفي رئاسة اتحاد كتاب داغستان، قبل عقدين من الزمن. وواصل تقاليد الشاعر العظيم بعناية كبيرة، وسار على خطاه في إبقاء جذوة الشعر متأججة في داغستان، فكان أحد أبرز الشعراء المعاصرين في القوقاز.
    نجح أحميدوف في تحويل اتحاد كتاب داغستان إلى مركز لمختلف النشاطات الإبداعية والمهرجانات الأدبية، لا على مستوى داغستان وحسب، بل ولعموم روسيا الاتحادية. وقد تقاطر الأدباء والشعراء من المدن والجمهوريات الروسية كافة، ومن بلدان أجنبية، إلى مدينة محج قلعة، عاصمة جمهورية داغستان، للمشاركة في مهرجان "الغرانيق البيض"، وهو الاسم الذي اختاره رسول حمزاتوف للمهرجان قبل رحيله، ليتحول بإشراف ومتابعة من ماغوميد أحميدوف إلى تظاهرة ثقافية وأدبية واجتماعية ساهمت في عودة الروح إلى الشعر بعد خمول وانحسار أصابه بعد انهيار الاتحاد السوفياتي.
    أحميدوف أمام تمثال رسول حمزاتوف في محج قلعة عاصمة داغستان
    اهتم أحميدوف بإحياء المدرسة الكلاسيكية في الترجمة الأدبية، واستقطب أفضل الشعراء والمترجمين الروس الذين توافدوا على داغستان، وقاموا بترجمة النتاج الشعري لكثير من شعراء الجمهورية، ومن لغات شعوبه المتعددة. وكان أحميدوف مديرًا فنيًّا لمسرح الشعر في محج قلعة، حيث أشرف ورعى مواهب شابة كثيرة.

    سيرة الشاعر
    ماغوميد أحميدوف شاعر وناقد ومترجم كتب الشعر بلغته الأفارية. ولد في 13 نوفمبر/ تشرين الثاني من عام 1955 في قرية غونودا من منطقة غونيب الجبلية الرائعة. التحق بعد المدرسة بمعهد الآداب في موسكو، وتخرج فيه عام 1979. عمل بعد ذلك في أكثر من دار نشر، وأكثر من مجلة. كما عمل في أكثر من موقع ثقافي، ليصبح سكرتيرًا في اتحاد كتاب داغستان، وعضوًا في اتحاد الكتاب السوفيات منذ عام 1984.

    "بدأ أحميدوف كتابة الشعر وهو تلميذ في المدرسة، وصدرت أول مجموعة شعرية له عام 1979 باللغة الأفارية بعنوان "رسائل ليلية""


    بدأ كتابة الشعر وهو تلميذ في المدرسة، وصدرت أول مجموعة شعرية له عام 1979 باللغة الأفارية بعنوان "رسائل ليلية". ثم توالت دواوينه الشعرية باللغة الأم: "ساعة في الخريف" (1979)، و"قصيدة الزمن الغنائية" (1982)، و"أشعار" (1983)، و"أيام" (1985)، و"قصائد في المدينة" (1989)، و"شاعر" (2001)، و"الشاعر والشعب" (2006)، و"الشاعر والوطن" (2007)، وكلها باللغة الأفارية.
    صدرت ترجمات أشعاره باللغة الروسية: "سطور" (1983)، و"نبيُّ الحب" (1995)، و"الشيب" (2007)، و"صلاة وأغنية" (2008)، و"نجوم تقليدية" (2008)، ثم "مختارات شعرية"، و"عصا ومسبحة"، و"عصر الطرق الوعرة"، و"اعترافات ابن الجبال"، و"الجزيرة الوحيدة"، وآخرها كتاب "نقوش" عام 2022.
    ترجم أشعاره إلى اللغة الروسية مجموعة من خيرة الشعراء والمترجمين المعروفين في روسيا.
    يمثِّل مصير الشخصية المبدعة والموهوبة في عالمنا المعاصر جوهر عدد من أعمال ماغوميد أحميدوف الشعرية، إذ يكشف الشاعر عن معاناته العميقة من جراء التمزق الذي أصاب الروابط الروحية والأخلاقية بين الناس، وعن سعيه الدؤوب نحو التناغم والانسجام مع الكينونة الدنيوية. كما تمتاز أشعاره بالرومانسية وبالحماس، ولها طابع تربوي.
    ترجم مختارات لكبار الشعراء الروس من الروسية إلى اللغة الأفارية، منهم: بوشكين، وليرمنتوف، ويسينين، وبلوك، وكوزنتسوف، وروبتسوف، وغيرهم. كما رصد في كتابه "تأملات في الشعر الكلاسيكي الروسي" صورًا أدبية رائعة لشعراء روس وداغستانيين، وهي صور جديدة في إبداع هؤلاء الشعراء، وفي عرضها لمواقفهم وتجاربهم الحياتية.
    نال أحميدوف لقاء مساهماته الأدبية والثقافية جائزة "ليرمنتوف"، وميدالية "دوستويفسكي". كما حاز على جائزة رسول حمزاتوف الأدبية، وعلى وسام الاستحقاق في جمهورية داغستان، إضافة إلى لقب شاعر الشعب في جمهورية داغستان منذ عام 2005.
    ومن الأوسمة التي تقلدها وسام الثقافة والعلوم والفنون الفلسطيني من الدرجة الأولى عام 2022. وفي ختام عام 2022، نال جائزة أفضل كتاب شعري لعام 2022 عن ديوانه "نقوش".

    مقطعان شعريان من نتاجه

    ومن جديد أسمع صوتَك، داغستان!
    ومن جديد همومك أشبه بالجراح.
    أنا نفسي مجروح ـ وروحي جريحة.
    لكن الحقَّ وأنت ـ كلاكما منشود!
    ها هو الباندور* يئنُّ في جبالِك العالية.
    هي ذي الحقول مُهملة، والزرعُ يابس!..
    كما لو أنَّ غرابًا أسود فَرَد جناحيه فوق بلادي
    مثل مِعطف مُضرّج بالدماء...
    ***

    الوطنُ الجبليُّ يبكي في حلمِه:
    لقد عاد اليومَ ابني إليَّ،
    مثل ثورٍ مُثخن بِالجراح
    راح يصعد إلى القمة...
    تقطعتِ الأوتارُ
    وصمتَتْ آلةُ البانْدور...
    لقد ضربَ في الأرضِ
    على طريقةِ الرُّعاة...
    وتآخى مع الدنيا الكبيرة!..
    إنّ جروحَ روحِه الطفلية
    هي ندوبُ الحزنِ والرياء...


    هامش:

    (*) البانْدور أو الباندُر: آلة موسيقية وترية وردت بهذا الاسم في كتاب "داغستان بلدي" لرسول حمزاتوف، وهي خاصة بالقوقاز.


    (محج قلعة/ داغستان، 2023)

    شارك هذا المقال
يعمل...
X