كيف ينقل التخييل الديستوبي النسوي غضبَ النساء وقلقهن؟

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • كيف ينقل التخييل الديستوبي النسوي غضبَ النساء وقلقهن؟

    كيف ينقل التخييل الديستوبي النسوي غضبَ النساء وقلقهن؟
    ألكسندرا ألتر 19 مارس 2023
    ترجمات
    (gettyimages)
    شارك هذا المقال
    حجم الخط



    ترجمة: سارة حبيب


    على جزيرة مهجورة، تنشأ ثلاث أخوات في عزلة، معزولاتٍ عن تفشي مرضٍ يصيب النساء. ولحماية أنفسهن من السموم التي يمكن أن ينقلها الرجال إلى النساء، تخضع الأخوات لطقوس تطهيرٍ تشمل تقنية محاكاة الغرق، شرب ماء مالح، وتعريض أنفسهن للبرودة والحرارة الشديدين. وفوق ذلك كله، يتعلمن تجنّب الاحتكاك مع الرجال.

    تلك هي الفرضية المُقشعرة للأبدان التي بُنيت عليها رواية صوفي ماكنتوش الأولى المُقلقة "العلاج بالمياه". وهي قصة تبدو في الآن ذاته سابقة لعصرها وشبيهة بحكاية خرافية مألوفة إلى حدّ غريب. لقد نجمت تلك الرواية عن سؤال بسيط وشرير: ماذا لو كانت الذكورة سامّة بالمعنى الحرفي للكلمة؟

    صدرت رواية "العلاج بالمياه" في الولايات المتحدة في كانون الثاني/ يناير عام 2018، وترشحت للقائمة الطويلة لجائزة مان بوكر. وانضّمت بهذا إلى موجة نامية من روايات التخييل الديستوبي المتمحور حول الأنثى: أعمالٌ سابقة لعصرها تطرح أسئلة مُقلِقة حول انعدام المساواة المتفشي بين الجنسين، كراهية النساء والعنف الممارس ضدّهن، تقوّض الحقوق الإنجابية والعواقب المتفاقمة للتحيّز المؤسساتي ضد المرأة.

    لكن، بالنسبة إلى ماكنتوش، لا تبدو تلك الأسئلة مجرّدة.

    "بالبناء على فكرة النظام البطريركي (الأبوي) السام، قررتُ جعل الفكرة أكثر تجسّمًا وجسدية، لأنها أحيانًا تبدو جسدية بالفعل"، قالت ماكنتوش التي تعيش في لندن. "شعرتُ كما لو أنه لا حاجة بي لاختراع كارثة، لأنّ كارثةً كانت تحدث بالفعل".
    تحدث معظم هذه القصص الديستوبية الجديدة في المستقبل، لكنها تنقل أيضًا غضب الحاضر ومخاوفه، حيث يتصارع النساء والرجال على حد سواء مع أدوار جندرية متبدِّلة، ومع التبعات الفوضوية المستمرة لحركة مناهضة التحرش "#أنا أيضًا"
    يضمّ هذا المعتمد المكرّس الجديد في الأدب النسوي الديستوبي أعمالَ روائيين واعدين مثل ماكنتوش، نعومي ألدرمان، ليني زوماس، وآيدرا نوفي، بالإضافة إلى كتبِ كتّاب متمرّسين ذائعي الصيت مثل لويز إردريك وجويس كارول أوتس. وهو يعكس انشغالًا متناميًا بين الكتّاب بالحالة الواهية لحقوق النساء، والخوفَ الذي يكتنفهم من أن التقدم نحو تحقيق المساواة بين الجنسين قد تعثّر أو قد يكون عكسيًا.

    تحدث معظم هذه القصص الديستوبية الجديدة في المستقبل، لكنها تنقل أيضًا غضب الحاضر ومخاوفه، حيث يتصارع النساء والرجال على حد سواء مع أدوار جندرية متبدِّلة، ومع التبعات الفوضوية المستمرة لحركة مناهضة التحرش "#أنا أيضًا". وينتهي المطاف بهذه القصص إلى لحظة مشحونة واستقطابية ينخرط فيها عدد قياسي من النساء في السياسة ويترشحن للمناصب، ويرفع عدد متزايد من النساء صوتهن ضد الاعتداء والتحرش الجنسيين.

    في النتيجة، وفي وقت يشهد اضطرابًا بالغًا حول مسألة التكافؤ بين الجنسين، يبدو أن الروايات الديستوبية، الجديد منها والكلاسيكي، تلقى آذانًا صاغية لدى القرّاء والنقاد. على سبيل المثال، باعت رواية ألدرمان "السلطة" مئات آلاف النسخ وجرى إعدادها كمسلسل تلفزيوني. وهي فانتازيا انتقامٍ نسوية ذات تحوير جديد تقع أحداثها في عالم تُطّور فيه النساء القدرةَ على التسبّب بصدمة كهربائية.

    في الوقت ذاته، يعتنق القرّاء كلاسيكياتِ هذا النوع الأدبي الذي اكتسب أهمية جديدة في مناخ اليوم السياسيّ. رواية مارغريت آتوود "حكاية الخادمة"، التي نُشِرت في عام 1985 وتجري أحداثها في دولة مستقبلية ثيوقراطية تُعامَل فيها النساء كعبيد إنجابيات، باعت أكثر من 3.5 مليون نسخة في الولايات المتحدة منذ عام 2017، مع مجموع مبيعات وصل إلى أكثر من خمسة ملايين نسخة، وجرى تحويلها إلى مسلسل تلفزيوني حاز على جائزة.

    علاوة على ذلك، ألهمت الديستوبيا الخيالية لآتوود مؤخرًا نشاطًا سياسيًا واقعيًا، حيث اجتمعت محتجّاتٌ يرتدين ثياب خادمات بأردية حمراء وقلنسوات بيضاء في برلمانات الدولة حول البلاد للاعتراض على السياسات التي تقيّد نيل النساء لحق الإجهاض والرعاية الصحية. في أيلول/ سبتمبر عام 2018، نظّمت مجموعة من النساء يرتدين أردية حمراء احتجاجًا في مجلس الشيوخ الأميركي في أثناء جلسات الاستماع للقاضي بريت كافانو، الذي أُقرّ قبوله قاضيًا في المحكمة العليا بعد اتهامه بارتكاب اعتداء جنسي. وهو القاضي الذي كان من الممكن أن يدلي بصوت حاسم يقلب قضية "رو ضد ويد" (القضية التي منحت النساء حق الإجهاض).

    "اللحظة التي نعيشها مرعبةٌ للكثير من النساء، والقصة التي ابتكرتها مارغريت آتوود تلتقط ذلك الخوف على نحو جيد جدًا"، قال لوري لودس، مستشار "المطالبة بالعدالة"، وهي مجموعة تأييد ليبرالية نظّمت الاحتجاجات في مجلس الشيوخ عام 2018.

    من روايات التخييل الديستوبي النسوي
    "التقدم محض فنتازيا"

    تكتب النساء التخييلَ الديستوبيّ منذ عقود. وقد استخدمت بعض الرائدات الأكثر تأثيرًا في الخيال العلمي والفنتازيا - بمن فيهن أورسولا كي لي غوين، أوكتافيا بتلر وأنجيلا كارتر- هذا النوع الأدبي كإطار للكتابة عن الهوية الجندرية وقيودها. ويمكن القول إن التكاثر السريع للأعمال الديستوبية النسوية مؤخرًا يرتكز على مجموعة الأعمال الأدبية تلك، مستخدمًا منظور الخيال العلمي لإسقاط شؤون الحاضر على المستقبل، مع استمرار إجالة الفكر في الماضي.

    "إنها، على نحو ما، كتب عمليّة من نوع كيف 'أقوم بالأمر'، أو كتب من نوع 'ماذا سأفعل'؛ على فرض أن هذا حدث لي، ماذا سأفعل؟"- قالت الآنسة آتوود في مقابلة معها. "فكرة أن التاريخ سوف يواصل التقدم دومًا هي فنتازيا".

    يُقصَد من بعض هذه الروايات أن تكون حكايات تحذيرية ضد انعدام الفعل السياسي والسلبية السياسية، وتنبيهًا من أن الخطوات الساعية إلى تحقيق المساواة بين النساء والرجال قد تكون يومًا ما مبتورة.

    في روايتها "مخاطر السفر عبر الزمن" التي صدرت في تشرين الثاني/ نوفمبر عام 2018، تتبع جويس كارول أوتس مقاربة حرفية تقريبًا لاستكشاف مخاوف أن تعود عقارب الساعة إلى الوراء فيما يخص حقوق النساء. تفتتح أحداث الرواية في أميركا مستقبلية استبدادية يتعلم فيها التلاميذ أن الرجال يتمتعون بنسبة ذكاء أعلى من النساء. وهي تتمحور حول امرأة شابة تُعتَقل بتهمة الخيانة بعد أن تطرح أسئلة تتعلق بالنظام الحكومي في المدرسة. لذلك، وكعقاب لها، تُنقَل زمنيًا للوراء إلى ولاية وِسكَنسِن عام 1959 لكي "يُعاد تعليمها" وتُجعَل أكثر خضوعًا.

    أمّا في روايةكريستينا دالتشر ‪ الأولى "صوت" (2018)، فيسيطر حزب سياسي مسرف في المحافظَة على الكونغرس والبيت الأبيض، ويسنّ سياسات ترغم النساء على أن يصبحن ربات منازل خاضعات. يتوقف تعليم القراءة والكتابة للفتيات؛ تُمنَع النساء من العمل أو شغل مناصب سياسية، أو حتى التعبير عن أنفسهن: تُجبَر النساء على ممارسة صمت شبه تام بعد أن تلزمهن الحكومة بارتداء أساور تسبّب لهنّ صدمة كهربائية إذا تجاوزن عدد كلمات يوميّ مُعيّن. وقالت دالتشر، وهي مختصة متقاعدة في علم اللسانيات النظرية، إنها استوحت روايتها جزئيًا من مظاهرات النساء حول البلاد بعد الانتخابات الرئاسية في الولايات المتحدة عام 2016. "فكرت: لا بدّ أن الكثيرين يشاهدون هذا ويقلبون عيونهم بنفاد صبر ويقولون، أتمنى لو أنهنّ يصمتن وحسب"، قالت دالتشر، وأضافت: "وأيّ طريقة أفضل لإجبار شخص على
    الخضوع من انتزاع الشيء الوحيد الذي يجعله إنسانًا، اللغة؟"


    "نحن أساسًا نعيش في ديستوبيا"

    على غرار "حكاية الخادمة"، تستكشف عدة روايات ديستوبية حديثة كيف أن خصوبة المرأة يمكن أن تحدد قيمتها في عيون المجتمع، وتتناول ما قد يحدث إذا أمرت الحكومة بإنجاب الأطفال وتحكمت به.

    عندما بدأت كتابة روايتها "ساعات حمراء" (2018)، كانت ليني زوماس تحاول جاهدة أن تنجب طفلًا. تدور أحداث الرواية في أميركا المستقبل القريب حيث يُعتَبر الإجهاض والإخصاب الأنبوبي غير قانونيين، والأجنّة مقدسة تتمتع بــِ"حق الحياة". وقد خطرت الفكرة لزوماس عندما كانت تبحث في علاجات الخصوبة، وصادفت إشارات إلى تشريع مُقترح من شأنه أن يحظر الإخصاب الأنبوبي.

    "كان متعمدًا جدًا أن أجعل الحالة في الرواية تبدو عادية، وبالتالي مخيفة أكثر"، قالت زوماس. "أحد الأشياء التي نلاحظها حين ننظر إلى العالم من منظور نسوي هي أننا أساسًا نعيش في ديستوبيا".

    من ناحيتها، تصوغ لويز إردريك انعطافة أكثر كارثية فيما يخص ثيمات الإنجاب والاستقلال الجسدي للنساء في روايتها "موطن مستقبلي للإله الحي" (2017). تتمحور الرواية حول حدث بيولوجي وبائي يهدد مستقبل البشرية، وهو ما يقود الحكومة إلى جمع النساء الحوامل وأخذ أطفالهن.

    بدأت إردريك تأليف الكتاب قبل عدة سنوات من نشره عندما كانت حبلى بابنتها الرابعة، ثم وضعته جانبًا إلى ما بعد مضيّ فترة قصيرة على الانتخابات الرئاسية الأميركية عام 2016. حينها، مع وجود كونغرس وبيت أبيض يسيطر عليهما الجمهوريون، كان ناشطون ليبراليون يدقون ناقوس الخطر محذّرين من حدوث خطر محتمل على حقوق النساء الإنجابية. وبدأت إردريك بالقلق إزاء ما ستغدو عليه حال العالم إذا فُقِدت المكاسب التي حققتها حركاتُ تحرر النساء قبل عقود.

    "القتال لأجل حقوق النساء معركةٌ لا هوادة فيها"، كتبت إردريك في إيميل. "رأيتُ أن بناتي قد يضطررن للعيش مع التدهور المستمر للتقدم البشري".

    مارغريت آتوود (من اليمين) وصوفي ماكنتوش
    "أسوأ مما يحدث في 'حكاية الخادمة'"

    انتشر الاهتمام الجيّاش بالخيال العلمي المتمحور حول الأنثى خارج أميركا الشمالية وبريطانيا. لكن، في حين يستخدم الروائيون الغربيون مجازات ديستوبية لاستكشاف ما قد يحدث إذا انقلبت أوجه التطور التي تخص مساواة النساء والتي تحققت بشقّ الأنفس، فإن بعض الكتّاب من الشرق الأوسط وآسيا يلجؤون إلى التخييل الديستوبي من أجل إلقاء الضوء على اضطهاد النساء في تلك المنطقة.

    تجري أحداث رواية ماغي شين كينغ الأولى "ذكر فائض" في الصين في عام 2030. وتتخيل تبعات سياسة الطفل الواحد المتبعة سابقًا في الصين، وهي القاعدة التي أدت إلى الإجهاض الانتقائي للأجنّة الإناث. في رواية شين كينغ، نتج عن هذه السياسة فائض قدره 40 مليون رجل ليس بوسعهم إيجاد زوجات، ونساء أجبرتهن الدولة على اتخاذ عدة أزواج.

    كذلك، تسيّر تجربة فكرية مماثلة رواية الكاتبة الباكستانية بينا شاه "قبل أن تنام" (2018) التي تحدث في بلد ذي حكم استبدادي في جنوب غرب آسيا بعد حرب نووية. سبّبت تلك الحرب طفرة جينية أطلقت عنان سلسلة قاتلة من سرطان عُنُقيّ قتلَ ملايين النساء. وكجزء من جهود الحكومة لإعادة بناء السكان، أُجبِرت النساء على اتخاذ عدة أزواج وطُلب إليهن تناول عقاقير إخصاب تجعلهن يلدن توائم من ثلاثة أو خمسة أطفال. خطرت فكرة "الأزمة الجندرية" هذه للكاتبة شاه من متابعة تقارير إخبارية عن الإجهاض الانتقائي المبني على جنس الجنين ووأد الإناث في الهند والصين. فتخيلت مجتمعًا، شأنه شأن الكثير من المجتمعات التقليدية والقبلية، يثمّن النساء بوصفهن "موارد ثمينة"، إنما يضطهدهن مع ذلك.
    تجري أحداث رواية ماغي شين كينغ الأولى "ذكر فائض" في الصين في عام 2030. وتتخيل تبعات سياسة الطفل الواحد المتبعة سابقًا في الصين، وهي القاعدة التي أدت إلى الإجهاض الانتقائي للأجنّة الإناث
    "في النظام الأبوي، سينتهي الأمر دائمًا بالنساء إلى أن يكنّ الخاسرات"، قالت بينا شاه. "ما يحدث الآن في السعودية، باكستان وأفغانستان أسوأ مما يحدث في رواية حكاية الخادمة".

    بالنسبة إلى آتوود - التي أصبحت نوعًا ما قديسةً شفيعة للتخييل الديستوبي النسوي وكالت المديح للكتّاب الشباب الذين يوسّعون هذا النوع الأدبي- من المُلهم والمُقلق في الآن ذاته رؤية عودة الاهتمام برواية "حكاية الخادمة". فقد اتخذ الناشطون في مجال حقوق المرأة اللغة والصور المجازية في روايتها تلك على أنها اختزال ثقافي لمسألة كراهية النساء.

    "عندما ألّفتُ الكتاب، تمنيتُ ألا نغدو في حالة تصبح فيها هذه الاحتجاجات ضرورية"، قالت آتوود. و"ثمة بالتأكيد جهود متضافرة للغاية تدفع في اتجاه جعلِ أجسادِ النساء من ممتلكات الدولة في الولايات المتحدة".

    من ناحية أخرى، تجد آتوود نفسها مرتاحة لرؤية عدد متزايد من الناس يقرأون التخييل الديستوبي ويكتبونه؛ وهو سيناريو كان ليغدو مستحيلًا في ظل حكومة شمولية فعلية تمنع حرية التعبير.

    "مجرد حقيقةِ أنه بوسعك قراءة هذا النوع يعني أننا لم نصل إلى تلك المرحلة بعد"، قالت آتوود.

    ألكسندرا ألتر: كاتبة وصحافية. حاصلة على درجة البكالوريوس في الدين من جامعة كولومبيا، وشهادة ماجستير في الدين والصحافة. تكتب لصالح نيويورك تايمز في مجال المطبوعات وعالم الأدب. وكانت قبل ذلك، وحتى عام 2014، تكتب في قسم الكتب والثقافة في صحيفة وول ستريت، حيث كانت مراسلة صحافية لسبع سنوات.

    رابط النص الأصلي:

    https://www.nytimes.com/2018/10/08/b...pgtype=Article
    • المترجم: سارة حبيب
يعمل...
X