جويني (عبد ملك عبد الله)
Al-Juwayni (Abd al-Malik ibn Abdullah-) - Al-Juwaïni (Abd al-Malik ibn Abdallah-)
الجويني (عبد الملك بن عبد الله ـ)
(419ـ478هـ/1028ـ1085م)
إمام الحرمين أبو المعالي ضياء الدين عبد الملك بن عبد الله بن يوسف الجويني النيسابوري. أحد كبار أئمة المذهب الشافعي، وعالم واسع الاطلاع على علوم الدين والكلام. ونسبته إلى «جوين» القريبة من نيسابور لأن والده عبد الله ولد فيها، وعاش فيها شطراً من حياته، وتلقى هناك علومه الأولى في العربية وآدابها، ثم في الفقه على المذهب الشافعي وعلم الكلام. وبعد تطوافٍ في بعض مدن خراسان في طلب المزيد من العلم استقر بعبد الله المقام في نيسابور منذ عام 407هـ/1016م، حيث عمل في نسخ الكتب ثم في التدريس في مدرسة افتتحها في تلك المدينة. كما كان يعقد مجالس المناظرة والفتوى. ويرى بعضهم أن لعبد الله والد الإمام نسباً عربياً ينتهي إلى قبيلة طيء.
وُلِدَ الجويني في نيسابور، وأشرف والده على تربيته تربية تقية. وتشدد في إبعاد وليده عما فيه شبهة في غذائه وفي كل ما يحتاج إليه في نشأته الأولى. ثم أشرف بنفسه على تعليمه في مدرسته بنيسابور علوم العربية والأصول والخلاف. وظهر نبوغ الإمام الجويني وتفوقه منذ هذه السن المبكرة. ولما توفي والده نحو 438هـ، كان الجويني قد قطع شوطاً بعيداً في مجال علوم الدين والفقه والكلام والعربية لغةً وأدباً. ونُسبت إليه بعض الأشعار. وقد مكّنه تحصيله العلمي من أن يقعد في مقعد أبيه للتدريس، وهو دون العشرين من العمر. وعُدَّ منذ ذلك الوقت من الأئمة في الأصول وعلم الكلام.
ولم يمنع الجويني اشتغالُه بالتدريس من متابعة التحصيل. لذلك كان يهرع بعد انتهائه من التدريس، إلى مدرسة أحمد بن الحسين البيهقي (ت 460هـ) في نيسابور، حيث كان يسعى إلى زيادة اطلاعه على علوم الكلام والفقه والحديث، والتعمق في دراسة المذهب الشافعي ومذهب الإمام أبي الحسن الأشعري (ت 266هـ) على أبي القاسم عبد الجبار بن علي الأسفراييني (ت 452هـ) الذي كان يأخذ بهذا المذهب. ويُلقي دروسه في تلك المدرسة. كما كان الإمام الجويني يتردد على مجالس أبي عبد الله محمد بن علي الخبازي (ت 449هـ)، المُلقب بـ «شيخ القراء» فتعمّق في علوم القرآن الكريم. وكذلك كان للجويني اطلاع واسع على ما كان يُدعى في زمانه بالعلوم العقلية أو علوم الأوائل التي كانت تندرج آنذاك تحت لفظ «الفلسفة» التي كانت تُعد أُمّ هذه العلوم. وكان الجويني يُنفق على نفسه، ويساعد أقرانه من طلبة العلم من كسبه لقاء عمله بالتدريس، ومن ميراث أبيه.
اضطر الجويني إلى مبارحة نيسابور مع جمهرة من العلماء عام 452هـ، في أيام السلطان السلجوقي طُغرلبك (429-455هـ/1037-1063م)، عندما زيَّن له وزيره عميد الملك الكُنْدري - وكان معتزلياً متشيعاً- محاربة المذاهب الأخرى، ولاسيما مذهب الأشاعرة وملاحقة أئمتها. فخرج الجويني أولاً إلى موضعٍ يدعى «المعسكر» في ظاهر نيسابور. ثم تابع رحلته إلى بغداد. ويقول عبد الغافر الفارسي تلميذ الإمام الجويني في السيرة التي كتبها له، إنه حصل للإمام في بغداد نتيجة الاجتماع مع العلماء فيها ومدارستهم المزيد من الاطلاع على علوم الدين «حتى تهذب في النظر» بما كان له أثر في اعتداله في تطبيق ما اطلّع عليه من علوم الأوائل وعلوم الدين ـ كما كان يفعل المشتغلون بعلم الكلام ـ واتجه نحو الأخذ بالمزيد من آراء السنة والابتعاد عن التأويل. ويرى عبد الغافر أن خروج الإمام للحج بعد مكث قصير لمدة عام في بغداد، مع ما حصل له من الشهرة في هذه المدينة، إنما هو بمثابة أوبة إلى الحق والصواب، بعد مجاهدة لنفسه ومراجعة لآرائه. وقد أُثر عن الجويني قوله ـ وغالباً في أُخريات أيامه ـ: «كنت أهرب في سالف الدهر من التقليد، والآن فقد رجعت إلى كلمة الحق». ويقول السُبكي في شرح حال الإمام، إنه أراد في مبدأ حياته أن يضع مناحي التفكير العلمي على قدم سواء أمام عقله إلى أن ثَبُت له الأحق والأصح.
أقام الجويني في مكة والمدينة أربع سنوات، منقطعاً إلى التدريس والإفتاء، والسعي لجمع ما كتب في المذهب الشافعي، وهناك عرف بلقبه «إمام الحرمين».
عاد الجويني إلى نيسابور إثر وفاة طغرلبك، وحلول ولد أخيه ألب أرسلان محله في السلطة (455-465هـ/1063-1073م)، وانصرم عهد التعصب بمقتل الوزير الكندري. واستقدم نظام الملك وزير ألب أرسلان الجويني. وابتنى له مدرسة ليدرس فيها هي «نظامية نيسابور»، وظل الجويني يحظى بثقة السلطان وعطف وزيره. وقد أسبغا عليه أنواع الإنعام. وانقطع للتدريس والوعظ، والتصنيف بقية حياته. وتكاثر عليه طلاب العلم من كل ناحية. وقُدِّر عدد هؤلاء بثلاثمئة تلميذ، نبغ بعضهم فيما بعد، وكان منهم أبو حامد الغزالي (ت 505هـ)، وأُوكلت إليه في هذه الحقبة مهمة الإشراف على الأوقاف. كما أُوفد في مهمة تسوية خلاف إلى أصفهان.
كان الجويني كثير المطالعة، وذُكر أنه قرأ مئة ألف كتاب. وله الكثير من المؤلفات بلغ عددها كما أحصاها بعضهم ستة عشر مؤلفاً. وأوصلها آخرون إلى خمسة وعشرين. وغالب آثاره لا يزال محفوظاً وموزعاً على المكتبات في عدد من العواصم الأوربية وفي مصر والعراق والهند وتركية ودمشق. وقد وُضِعت لبعض مؤلفات الجويني شروح فيما بعد.
ويمكن تصنيف هذه المؤلفات خمسة أصناف: أولها في أصول الفقه، وثانيها في أصول الدين، وثالثها في الفقه، ورابعها في الخلاف، وخامسها في الجدل. والمطبوع من هذه المؤلفات خمسة كتب ومناظرتان، أما الكتب فأربعة منها في أصول الدين هي: «العقدية النظامية» أو «الرسالة النظامية». ثم «غياث الأمم في التياث الظّلم». وقد سمّى الجويني كتابه بما يوافق لقبي الوزير نظام الملك غياث الدين. ويبحث كلاهما في أصول الحكم والسياسة. ويفضل كتاب غياث الأمم برأي بعضهم على كتاب الماوردي (ت 450هـ) «الأحكام السلطانية». وثالث هذه الكتب هو «الإرشاد إلى قواطع الأدلة في أصول الاعتقاد». ورابعها هو «لمع الأدلة في قواعد أهل السنة والجماعة». أما الكتاب الخامس المطبوع، فهو في أصول الفقه، ويدعى «الورقات». وقد أعيد طبعه مرات عدة.
أما المناظرتان، فالأولى منها «مناظرة في الاجتهاد في القبلة»، والثانية «مناظرة في زواج البكر». وقد أوردهما السبكي في طبقاته.
حظي الجويني بإعجاب معاصريه، ومن جاء بعدهم. وكَثُرَ مقرظوه. وأُطلقت عليه ألقاب كثيرة في التكريم والتعظيم: كأبي المعالي وإمام الحرمين وإمام الوقت والإمام العلامة. ومفيد أهل المشرق والمغرب. وقيل في شأنه: «الفقه فقه الشافعي والأدب أدب الأصمعي».
ولم يملك الذين كانوا يخالفونه في الرأي إلا الإشادة بعلمه وسعة اطلاعه. وقد وردت الإشارة إليه فيما يناهز الثلاثين مؤلفاً بين كتاب في التاريخ العام ومصنف في التراجم.
أصيب الجويني في أخريات أيامه باليرقان. ولكنه أبلّ منه، وعاد للتدريس مدة يسيرة، ولكن المرض عاوده. وتوفي بقرية «بُشْتِنقان» ونقل إلى نيسابور حيث دفن في داره إلى جانب أبيه.
مظهر شهاب
جويني (عبد ملك عبد الله)
Al-Juwayni (Abd al-Malik ibn Abdullah-) - Al-Juwaïni (Abd al-Malik ibn Abdallah-)
الجويني (عبد الملك بن عبد الله ـ)
(419ـ478هـ/1028ـ1085م)
إمام الحرمين أبو المعالي ضياء الدين عبد الملك بن عبد الله بن يوسف الجويني النيسابوري. أحد كبار أئمة المذهب الشافعي، وعالم واسع الاطلاع على علوم الدين والكلام. ونسبته إلى «جوين» القريبة من نيسابور لأن والده عبد الله ولد فيها، وعاش فيها شطراً من حياته، وتلقى هناك علومه الأولى في العربية وآدابها، ثم في الفقه على المذهب الشافعي وعلم الكلام. وبعد تطوافٍ في بعض مدن خراسان في طلب المزيد من العلم استقر بعبد الله المقام في نيسابور منذ عام 407هـ/1016م، حيث عمل في نسخ الكتب ثم في التدريس في مدرسة افتتحها في تلك المدينة. كما كان يعقد مجالس المناظرة والفتوى. ويرى بعضهم أن لعبد الله والد الإمام نسباً عربياً ينتهي إلى قبيلة طيء.
وُلِدَ الجويني في نيسابور، وأشرف والده على تربيته تربية تقية. وتشدد في إبعاد وليده عما فيه شبهة في غذائه وفي كل ما يحتاج إليه في نشأته الأولى. ثم أشرف بنفسه على تعليمه في مدرسته بنيسابور علوم العربية والأصول والخلاف. وظهر نبوغ الإمام الجويني وتفوقه منذ هذه السن المبكرة. ولما توفي والده نحو 438هـ، كان الجويني قد قطع شوطاً بعيداً في مجال علوم الدين والفقه والكلام والعربية لغةً وأدباً. ونُسبت إليه بعض الأشعار. وقد مكّنه تحصيله العلمي من أن يقعد في مقعد أبيه للتدريس، وهو دون العشرين من العمر. وعُدَّ منذ ذلك الوقت من الأئمة في الأصول وعلم الكلام.
ولم يمنع الجويني اشتغالُه بالتدريس من متابعة التحصيل. لذلك كان يهرع بعد انتهائه من التدريس، إلى مدرسة أحمد بن الحسين البيهقي (ت 460هـ) في نيسابور، حيث كان يسعى إلى زيادة اطلاعه على علوم الكلام والفقه والحديث، والتعمق في دراسة المذهب الشافعي ومذهب الإمام أبي الحسن الأشعري (ت 266هـ) على أبي القاسم عبد الجبار بن علي الأسفراييني (ت 452هـ) الذي كان يأخذ بهذا المذهب. ويُلقي دروسه في تلك المدرسة. كما كان الإمام الجويني يتردد على مجالس أبي عبد الله محمد بن علي الخبازي (ت 449هـ)، المُلقب بـ «شيخ القراء» فتعمّق في علوم القرآن الكريم. وكذلك كان للجويني اطلاع واسع على ما كان يُدعى في زمانه بالعلوم العقلية أو علوم الأوائل التي كانت تندرج آنذاك تحت لفظ «الفلسفة» التي كانت تُعد أُمّ هذه العلوم. وكان الجويني يُنفق على نفسه، ويساعد أقرانه من طلبة العلم من كسبه لقاء عمله بالتدريس، ومن ميراث أبيه.
اضطر الجويني إلى مبارحة نيسابور مع جمهرة من العلماء عام 452هـ، في أيام السلطان السلجوقي طُغرلبك (429-455هـ/1037-1063م)، عندما زيَّن له وزيره عميد الملك الكُنْدري - وكان معتزلياً متشيعاً- محاربة المذاهب الأخرى، ولاسيما مذهب الأشاعرة وملاحقة أئمتها. فخرج الجويني أولاً إلى موضعٍ يدعى «المعسكر» في ظاهر نيسابور. ثم تابع رحلته إلى بغداد. ويقول عبد الغافر الفارسي تلميذ الإمام الجويني في السيرة التي كتبها له، إنه حصل للإمام في بغداد نتيجة الاجتماع مع العلماء فيها ومدارستهم المزيد من الاطلاع على علوم الدين «حتى تهذب في النظر» بما كان له أثر في اعتداله في تطبيق ما اطلّع عليه من علوم الأوائل وعلوم الدين ـ كما كان يفعل المشتغلون بعلم الكلام ـ واتجه نحو الأخذ بالمزيد من آراء السنة والابتعاد عن التأويل. ويرى عبد الغافر أن خروج الإمام للحج بعد مكث قصير لمدة عام في بغداد، مع ما حصل له من الشهرة في هذه المدينة، إنما هو بمثابة أوبة إلى الحق والصواب، بعد مجاهدة لنفسه ومراجعة لآرائه. وقد أُثر عن الجويني قوله ـ وغالباً في أُخريات أيامه ـ: «كنت أهرب في سالف الدهر من التقليد، والآن فقد رجعت إلى كلمة الحق». ويقول السُبكي في شرح حال الإمام، إنه أراد في مبدأ حياته أن يضع مناحي التفكير العلمي على قدم سواء أمام عقله إلى أن ثَبُت له الأحق والأصح.
أقام الجويني في مكة والمدينة أربع سنوات، منقطعاً إلى التدريس والإفتاء، والسعي لجمع ما كتب في المذهب الشافعي، وهناك عرف بلقبه «إمام الحرمين».
عاد الجويني إلى نيسابور إثر وفاة طغرلبك، وحلول ولد أخيه ألب أرسلان محله في السلطة (455-465هـ/1063-1073م)، وانصرم عهد التعصب بمقتل الوزير الكندري. واستقدم نظام الملك وزير ألب أرسلان الجويني. وابتنى له مدرسة ليدرس فيها هي «نظامية نيسابور»، وظل الجويني يحظى بثقة السلطان وعطف وزيره. وقد أسبغا عليه أنواع الإنعام. وانقطع للتدريس والوعظ، والتصنيف بقية حياته. وتكاثر عليه طلاب العلم من كل ناحية. وقُدِّر عدد هؤلاء بثلاثمئة تلميذ، نبغ بعضهم فيما بعد، وكان منهم أبو حامد الغزالي (ت 505هـ)، وأُوكلت إليه في هذه الحقبة مهمة الإشراف على الأوقاف. كما أُوفد في مهمة تسوية خلاف إلى أصفهان.
كان الجويني كثير المطالعة، وذُكر أنه قرأ مئة ألف كتاب. وله الكثير من المؤلفات بلغ عددها كما أحصاها بعضهم ستة عشر مؤلفاً. وأوصلها آخرون إلى خمسة وعشرين. وغالب آثاره لا يزال محفوظاً وموزعاً على المكتبات في عدد من العواصم الأوربية وفي مصر والعراق والهند وتركية ودمشق. وقد وُضِعت لبعض مؤلفات الجويني شروح فيما بعد.
ويمكن تصنيف هذه المؤلفات خمسة أصناف: أولها في أصول الفقه، وثانيها في أصول الدين، وثالثها في الفقه، ورابعها في الخلاف، وخامسها في الجدل. والمطبوع من هذه المؤلفات خمسة كتب ومناظرتان، أما الكتب فأربعة منها في أصول الدين هي: «العقدية النظامية» أو «الرسالة النظامية». ثم «غياث الأمم في التياث الظّلم». وقد سمّى الجويني كتابه بما يوافق لقبي الوزير نظام الملك غياث الدين. ويبحث كلاهما في أصول الحكم والسياسة. ويفضل كتاب غياث الأمم برأي بعضهم على كتاب الماوردي (ت 450هـ) «الأحكام السلطانية». وثالث هذه الكتب هو «الإرشاد إلى قواطع الأدلة في أصول الاعتقاد». ورابعها هو «لمع الأدلة في قواعد أهل السنة والجماعة». أما الكتاب الخامس المطبوع، فهو في أصول الفقه، ويدعى «الورقات». وقد أعيد طبعه مرات عدة.
أما المناظرتان، فالأولى منها «مناظرة في الاجتهاد في القبلة»، والثانية «مناظرة في زواج البكر». وقد أوردهما السبكي في طبقاته.
حظي الجويني بإعجاب معاصريه، ومن جاء بعدهم. وكَثُرَ مقرظوه. وأُطلقت عليه ألقاب كثيرة في التكريم والتعظيم: كأبي المعالي وإمام الحرمين وإمام الوقت والإمام العلامة. ومفيد أهل المشرق والمغرب. وقيل في شأنه: «الفقه فقه الشافعي والأدب أدب الأصمعي».
ولم يملك الذين كانوا يخالفونه في الرأي إلا الإشادة بعلمه وسعة اطلاعه. وقد وردت الإشارة إليه فيما يناهز الثلاثين مؤلفاً بين كتاب في التاريخ العام ومصنف في التراجم.
أصيب الجويني في أخريات أيامه باليرقان. ولكنه أبلّ منه، وعاد للتدريس مدة يسيرة، ولكن المرض عاوده. وتوفي بقرية «بُشْتِنقان» ونقل إلى نيسابور حيث دفن في داره إلى جانب أبيه.
مظهر شهاب
Al-Juwayni (Abd al-Malik ibn Abdullah-) - Al-Juwaïni (Abd al-Malik ibn Abdallah-)
الجويني (عبد الملك بن عبد الله ـ)
(419ـ478هـ/1028ـ1085م)
إمام الحرمين أبو المعالي ضياء الدين عبد الملك بن عبد الله بن يوسف الجويني النيسابوري. أحد كبار أئمة المذهب الشافعي، وعالم واسع الاطلاع على علوم الدين والكلام. ونسبته إلى «جوين» القريبة من نيسابور لأن والده عبد الله ولد فيها، وعاش فيها شطراً من حياته، وتلقى هناك علومه الأولى في العربية وآدابها، ثم في الفقه على المذهب الشافعي وعلم الكلام. وبعد تطوافٍ في بعض مدن خراسان في طلب المزيد من العلم استقر بعبد الله المقام في نيسابور منذ عام 407هـ/1016م، حيث عمل في نسخ الكتب ثم في التدريس في مدرسة افتتحها في تلك المدينة. كما كان يعقد مجالس المناظرة والفتوى. ويرى بعضهم أن لعبد الله والد الإمام نسباً عربياً ينتهي إلى قبيلة طيء.
وُلِدَ الجويني في نيسابور، وأشرف والده على تربيته تربية تقية. وتشدد في إبعاد وليده عما فيه شبهة في غذائه وفي كل ما يحتاج إليه في نشأته الأولى. ثم أشرف بنفسه على تعليمه في مدرسته بنيسابور علوم العربية والأصول والخلاف. وظهر نبوغ الإمام الجويني وتفوقه منذ هذه السن المبكرة. ولما توفي والده نحو 438هـ، كان الجويني قد قطع شوطاً بعيداً في مجال علوم الدين والفقه والكلام والعربية لغةً وأدباً. ونُسبت إليه بعض الأشعار. وقد مكّنه تحصيله العلمي من أن يقعد في مقعد أبيه للتدريس، وهو دون العشرين من العمر. وعُدَّ منذ ذلك الوقت من الأئمة في الأصول وعلم الكلام.
ولم يمنع الجويني اشتغالُه بالتدريس من متابعة التحصيل. لذلك كان يهرع بعد انتهائه من التدريس، إلى مدرسة أحمد بن الحسين البيهقي (ت 460هـ) في نيسابور، حيث كان يسعى إلى زيادة اطلاعه على علوم الكلام والفقه والحديث، والتعمق في دراسة المذهب الشافعي ومذهب الإمام أبي الحسن الأشعري (ت 266هـ) على أبي القاسم عبد الجبار بن علي الأسفراييني (ت 452هـ) الذي كان يأخذ بهذا المذهب. ويُلقي دروسه في تلك المدرسة. كما كان الإمام الجويني يتردد على مجالس أبي عبد الله محمد بن علي الخبازي (ت 449هـ)، المُلقب بـ «شيخ القراء» فتعمّق في علوم القرآن الكريم. وكذلك كان للجويني اطلاع واسع على ما كان يُدعى في زمانه بالعلوم العقلية أو علوم الأوائل التي كانت تندرج آنذاك تحت لفظ «الفلسفة» التي كانت تُعد أُمّ هذه العلوم. وكان الجويني يُنفق على نفسه، ويساعد أقرانه من طلبة العلم من كسبه لقاء عمله بالتدريس، ومن ميراث أبيه.
اضطر الجويني إلى مبارحة نيسابور مع جمهرة من العلماء عام 452هـ، في أيام السلطان السلجوقي طُغرلبك (429-455هـ/1037-1063م)، عندما زيَّن له وزيره عميد الملك الكُنْدري - وكان معتزلياً متشيعاً- محاربة المذاهب الأخرى، ولاسيما مذهب الأشاعرة وملاحقة أئمتها. فخرج الجويني أولاً إلى موضعٍ يدعى «المعسكر» في ظاهر نيسابور. ثم تابع رحلته إلى بغداد. ويقول عبد الغافر الفارسي تلميذ الإمام الجويني في السيرة التي كتبها له، إنه حصل للإمام في بغداد نتيجة الاجتماع مع العلماء فيها ومدارستهم المزيد من الاطلاع على علوم الدين «حتى تهذب في النظر» بما كان له أثر في اعتداله في تطبيق ما اطلّع عليه من علوم الأوائل وعلوم الدين ـ كما كان يفعل المشتغلون بعلم الكلام ـ واتجه نحو الأخذ بالمزيد من آراء السنة والابتعاد عن التأويل. ويرى عبد الغافر أن خروج الإمام للحج بعد مكث قصير لمدة عام في بغداد، مع ما حصل له من الشهرة في هذه المدينة، إنما هو بمثابة أوبة إلى الحق والصواب، بعد مجاهدة لنفسه ومراجعة لآرائه. وقد أُثر عن الجويني قوله ـ وغالباً في أُخريات أيامه ـ: «كنت أهرب في سالف الدهر من التقليد، والآن فقد رجعت إلى كلمة الحق». ويقول السُبكي في شرح حال الإمام، إنه أراد في مبدأ حياته أن يضع مناحي التفكير العلمي على قدم سواء أمام عقله إلى أن ثَبُت له الأحق والأصح.
أقام الجويني في مكة والمدينة أربع سنوات، منقطعاً إلى التدريس والإفتاء، والسعي لجمع ما كتب في المذهب الشافعي، وهناك عرف بلقبه «إمام الحرمين».
عاد الجويني إلى نيسابور إثر وفاة طغرلبك، وحلول ولد أخيه ألب أرسلان محله في السلطة (455-465هـ/1063-1073م)، وانصرم عهد التعصب بمقتل الوزير الكندري. واستقدم نظام الملك وزير ألب أرسلان الجويني. وابتنى له مدرسة ليدرس فيها هي «نظامية نيسابور»، وظل الجويني يحظى بثقة السلطان وعطف وزيره. وقد أسبغا عليه أنواع الإنعام. وانقطع للتدريس والوعظ، والتصنيف بقية حياته. وتكاثر عليه طلاب العلم من كل ناحية. وقُدِّر عدد هؤلاء بثلاثمئة تلميذ، نبغ بعضهم فيما بعد، وكان منهم أبو حامد الغزالي (ت 505هـ)، وأُوكلت إليه في هذه الحقبة مهمة الإشراف على الأوقاف. كما أُوفد في مهمة تسوية خلاف إلى أصفهان.
كان الجويني كثير المطالعة، وذُكر أنه قرأ مئة ألف كتاب. وله الكثير من المؤلفات بلغ عددها كما أحصاها بعضهم ستة عشر مؤلفاً. وأوصلها آخرون إلى خمسة وعشرين. وغالب آثاره لا يزال محفوظاً وموزعاً على المكتبات في عدد من العواصم الأوربية وفي مصر والعراق والهند وتركية ودمشق. وقد وُضِعت لبعض مؤلفات الجويني شروح فيما بعد.
ويمكن تصنيف هذه المؤلفات خمسة أصناف: أولها في أصول الفقه، وثانيها في أصول الدين، وثالثها في الفقه، ورابعها في الخلاف، وخامسها في الجدل. والمطبوع من هذه المؤلفات خمسة كتب ومناظرتان، أما الكتب فأربعة منها في أصول الدين هي: «العقدية النظامية» أو «الرسالة النظامية». ثم «غياث الأمم في التياث الظّلم». وقد سمّى الجويني كتابه بما يوافق لقبي الوزير نظام الملك غياث الدين. ويبحث كلاهما في أصول الحكم والسياسة. ويفضل كتاب غياث الأمم برأي بعضهم على كتاب الماوردي (ت 450هـ) «الأحكام السلطانية». وثالث هذه الكتب هو «الإرشاد إلى قواطع الأدلة في أصول الاعتقاد». ورابعها هو «لمع الأدلة في قواعد أهل السنة والجماعة». أما الكتاب الخامس المطبوع، فهو في أصول الفقه، ويدعى «الورقات». وقد أعيد طبعه مرات عدة.
أما المناظرتان، فالأولى منها «مناظرة في الاجتهاد في القبلة»، والثانية «مناظرة في زواج البكر». وقد أوردهما السبكي في طبقاته.
حظي الجويني بإعجاب معاصريه، ومن جاء بعدهم. وكَثُرَ مقرظوه. وأُطلقت عليه ألقاب كثيرة في التكريم والتعظيم: كأبي المعالي وإمام الحرمين وإمام الوقت والإمام العلامة. ومفيد أهل المشرق والمغرب. وقيل في شأنه: «الفقه فقه الشافعي والأدب أدب الأصمعي».
ولم يملك الذين كانوا يخالفونه في الرأي إلا الإشادة بعلمه وسعة اطلاعه. وقد وردت الإشارة إليه فيما يناهز الثلاثين مؤلفاً بين كتاب في التاريخ العام ومصنف في التراجم.
أصيب الجويني في أخريات أيامه باليرقان. ولكنه أبلّ منه، وعاد للتدريس مدة يسيرة، ولكن المرض عاوده. وتوفي بقرية «بُشْتِنقان» ونقل إلى نيسابور حيث دفن في داره إلى جانب أبيه.
مظهر شهاب
جويني (عبد ملك عبد الله)
Al-Juwayni (Abd al-Malik ibn Abdullah-) - Al-Juwaïni (Abd al-Malik ibn Abdallah-)
الجويني (عبد الملك بن عبد الله ـ)
(419ـ478هـ/1028ـ1085م)
إمام الحرمين أبو المعالي ضياء الدين عبد الملك بن عبد الله بن يوسف الجويني النيسابوري. أحد كبار أئمة المذهب الشافعي، وعالم واسع الاطلاع على علوم الدين والكلام. ونسبته إلى «جوين» القريبة من نيسابور لأن والده عبد الله ولد فيها، وعاش فيها شطراً من حياته، وتلقى هناك علومه الأولى في العربية وآدابها، ثم في الفقه على المذهب الشافعي وعلم الكلام. وبعد تطوافٍ في بعض مدن خراسان في طلب المزيد من العلم استقر بعبد الله المقام في نيسابور منذ عام 407هـ/1016م، حيث عمل في نسخ الكتب ثم في التدريس في مدرسة افتتحها في تلك المدينة. كما كان يعقد مجالس المناظرة والفتوى. ويرى بعضهم أن لعبد الله والد الإمام نسباً عربياً ينتهي إلى قبيلة طيء.
وُلِدَ الجويني في نيسابور، وأشرف والده على تربيته تربية تقية. وتشدد في إبعاد وليده عما فيه شبهة في غذائه وفي كل ما يحتاج إليه في نشأته الأولى. ثم أشرف بنفسه على تعليمه في مدرسته بنيسابور علوم العربية والأصول والخلاف. وظهر نبوغ الإمام الجويني وتفوقه منذ هذه السن المبكرة. ولما توفي والده نحو 438هـ، كان الجويني قد قطع شوطاً بعيداً في مجال علوم الدين والفقه والكلام والعربية لغةً وأدباً. ونُسبت إليه بعض الأشعار. وقد مكّنه تحصيله العلمي من أن يقعد في مقعد أبيه للتدريس، وهو دون العشرين من العمر. وعُدَّ منذ ذلك الوقت من الأئمة في الأصول وعلم الكلام.
ولم يمنع الجويني اشتغالُه بالتدريس من متابعة التحصيل. لذلك كان يهرع بعد انتهائه من التدريس، إلى مدرسة أحمد بن الحسين البيهقي (ت 460هـ) في نيسابور، حيث كان يسعى إلى زيادة اطلاعه على علوم الكلام والفقه والحديث، والتعمق في دراسة المذهب الشافعي ومذهب الإمام أبي الحسن الأشعري (ت 266هـ) على أبي القاسم عبد الجبار بن علي الأسفراييني (ت 452هـ) الذي كان يأخذ بهذا المذهب. ويُلقي دروسه في تلك المدرسة. كما كان الإمام الجويني يتردد على مجالس أبي عبد الله محمد بن علي الخبازي (ت 449هـ)، المُلقب بـ «شيخ القراء» فتعمّق في علوم القرآن الكريم. وكذلك كان للجويني اطلاع واسع على ما كان يُدعى في زمانه بالعلوم العقلية أو علوم الأوائل التي كانت تندرج آنذاك تحت لفظ «الفلسفة» التي كانت تُعد أُمّ هذه العلوم. وكان الجويني يُنفق على نفسه، ويساعد أقرانه من طلبة العلم من كسبه لقاء عمله بالتدريس، ومن ميراث أبيه.
اضطر الجويني إلى مبارحة نيسابور مع جمهرة من العلماء عام 452هـ، في أيام السلطان السلجوقي طُغرلبك (429-455هـ/1037-1063م)، عندما زيَّن له وزيره عميد الملك الكُنْدري - وكان معتزلياً متشيعاً- محاربة المذاهب الأخرى، ولاسيما مذهب الأشاعرة وملاحقة أئمتها. فخرج الجويني أولاً إلى موضعٍ يدعى «المعسكر» في ظاهر نيسابور. ثم تابع رحلته إلى بغداد. ويقول عبد الغافر الفارسي تلميذ الإمام الجويني في السيرة التي كتبها له، إنه حصل للإمام في بغداد نتيجة الاجتماع مع العلماء فيها ومدارستهم المزيد من الاطلاع على علوم الدين «حتى تهذب في النظر» بما كان له أثر في اعتداله في تطبيق ما اطلّع عليه من علوم الأوائل وعلوم الدين ـ كما كان يفعل المشتغلون بعلم الكلام ـ واتجه نحو الأخذ بالمزيد من آراء السنة والابتعاد عن التأويل. ويرى عبد الغافر أن خروج الإمام للحج بعد مكث قصير لمدة عام في بغداد، مع ما حصل له من الشهرة في هذه المدينة، إنما هو بمثابة أوبة إلى الحق والصواب، بعد مجاهدة لنفسه ومراجعة لآرائه. وقد أُثر عن الجويني قوله ـ وغالباً في أُخريات أيامه ـ: «كنت أهرب في سالف الدهر من التقليد، والآن فقد رجعت إلى كلمة الحق». ويقول السُبكي في شرح حال الإمام، إنه أراد في مبدأ حياته أن يضع مناحي التفكير العلمي على قدم سواء أمام عقله إلى أن ثَبُت له الأحق والأصح.
أقام الجويني في مكة والمدينة أربع سنوات، منقطعاً إلى التدريس والإفتاء، والسعي لجمع ما كتب في المذهب الشافعي، وهناك عرف بلقبه «إمام الحرمين».
عاد الجويني إلى نيسابور إثر وفاة طغرلبك، وحلول ولد أخيه ألب أرسلان محله في السلطة (455-465هـ/1063-1073م)، وانصرم عهد التعصب بمقتل الوزير الكندري. واستقدم نظام الملك وزير ألب أرسلان الجويني. وابتنى له مدرسة ليدرس فيها هي «نظامية نيسابور»، وظل الجويني يحظى بثقة السلطان وعطف وزيره. وقد أسبغا عليه أنواع الإنعام. وانقطع للتدريس والوعظ، والتصنيف بقية حياته. وتكاثر عليه طلاب العلم من كل ناحية. وقُدِّر عدد هؤلاء بثلاثمئة تلميذ، نبغ بعضهم فيما بعد، وكان منهم أبو حامد الغزالي (ت 505هـ)، وأُوكلت إليه في هذه الحقبة مهمة الإشراف على الأوقاف. كما أُوفد في مهمة تسوية خلاف إلى أصفهان.
كان الجويني كثير المطالعة، وذُكر أنه قرأ مئة ألف كتاب. وله الكثير من المؤلفات بلغ عددها كما أحصاها بعضهم ستة عشر مؤلفاً. وأوصلها آخرون إلى خمسة وعشرين. وغالب آثاره لا يزال محفوظاً وموزعاً على المكتبات في عدد من العواصم الأوربية وفي مصر والعراق والهند وتركية ودمشق. وقد وُضِعت لبعض مؤلفات الجويني شروح فيما بعد.
ويمكن تصنيف هذه المؤلفات خمسة أصناف: أولها في أصول الفقه، وثانيها في أصول الدين، وثالثها في الفقه، ورابعها في الخلاف، وخامسها في الجدل. والمطبوع من هذه المؤلفات خمسة كتب ومناظرتان، أما الكتب فأربعة منها في أصول الدين هي: «العقدية النظامية» أو «الرسالة النظامية». ثم «غياث الأمم في التياث الظّلم». وقد سمّى الجويني كتابه بما يوافق لقبي الوزير نظام الملك غياث الدين. ويبحث كلاهما في أصول الحكم والسياسة. ويفضل كتاب غياث الأمم برأي بعضهم على كتاب الماوردي (ت 450هـ) «الأحكام السلطانية». وثالث هذه الكتب هو «الإرشاد إلى قواطع الأدلة في أصول الاعتقاد». ورابعها هو «لمع الأدلة في قواعد أهل السنة والجماعة». أما الكتاب الخامس المطبوع، فهو في أصول الفقه، ويدعى «الورقات». وقد أعيد طبعه مرات عدة.
أما المناظرتان، فالأولى منها «مناظرة في الاجتهاد في القبلة»، والثانية «مناظرة في زواج البكر». وقد أوردهما السبكي في طبقاته.
حظي الجويني بإعجاب معاصريه، ومن جاء بعدهم. وكَثُرَ مقرظوه. وأُطلقت عليه ألقاب كثيرة في التكريم والتعظيم: كأبي المعالي وإمام الحرمين وإمام الوقت والإمام العلامة. ومفيد أهل المشرق والمغرب. وقيل في شأنه: «الفقه فقه الشافعي والأدب أدب الأصمعي».
ولم يملك الذين كانوا يخالفونه في الرأي إلا الإشادة بعلمه وسعة اطلاعه. وقد وردت الإشارة إليه فيما يناهز الثلاثين مؤلفاً بين كتاب في التاريخ العام ومصنف في التراجم.
أصيب الجويني في أخريات أيامه باليرقان. ولكنه أبلّ منه، وعاد للتدريس مدة يسيرة، ولكن المرض عاوده. وتوفي بقرية «بُشْتِنقان» ونقل إلى نيسابور حيث دفن في داره إلى جانب أبيه.
مظهر شهاب