تجريد الحواف الصلبة Hard Edge .. خصوصيته البصرية في تجربة Ralph Berko و Fayeq OWIES
بشرى بن فاطمة
يستمد العمل الفني التجريدي المُقترن بالتوافقات الهندسية والتصورات اللونية خصوصيته التعبيرية من مساحاته العشوائية أو المقصودة، فينتشر في فضاءات من الحركة الدائمة القادرة على فتح منافذ التجريب لهذا الأسلوب وتمهيد الطريق للّون لينفلت أبعد وأعمق مع الفكرة مع اكتساب حدّة التحولات ومرونة التحويلات المتفاعلة مع الضوء المتقاربة مع الصورة في شكلها الحر المتخلّص من حدوده الثقيلة، وهو ما يعبَّر عنه جماليا وفنيا بمرحلة الحواف الصلبة، التي شكّلت مسارا مُميّزا لتجارب مختلفة أثّرت في الحركة الغربية للفنون وتأثر بها الفنانون العرب في المهجر، وهنا تبدو ملامح التجريب متشابكة التشابه حسب كل مرحلة وضرورة التعبير عنها ودوافع التجريب مختلفة التأثير في تجربة كل من الأمريكي “رالف بيركو” والفلسطيني الأمريكي “فائق عويس”.
فتجربة كل منهما تخضع لخصوصياتها ولأبعادها التعبيرية التي اختصرت التأثر بالأمكنة والأزمنة لتعبّر عن ذاتها فيها ولتحوّل إيماءاتها المُجرّدة إلى عناصر أحادية لها خصوصياتها في التعبير داخل الفضاء ومن هنا صاغ كلامهما من تلك الخصوصية حضوره الفني في أسلوب الحواف الصلبة، فكيف انطلق كل منهما في التجريب وما هي علامات التعبير اللوني عندهما وأين تتشابه الرؤى الفنية وأين يتفرّد التجريب جماليا عندهما؟
مثّلت مرحلة الخمسينات في القرن الماضي بالنسبة للمدرسة التجريدية مرحلة الانطلاق والتجريب والاختلاف والتنويع الذي عرف الكثير من التغيرات والتجريب في المسار التشكيلي الأمريكي، حيث شهدت الحركة ككل تواصلا بين الفكرة والمفهوم وبين النقد والقيمة والبحث والتجريب والتجديد.
فكانت المرحلة التي شهد فيها التجريد تفرّعات تجريبية لم تكن متوقّعة من حيث توظيف الهندسة مع اللون والضوء والحواف المنتسبة في الفضاء والابتعاد عن التصورات الإيمائية والاشتغال الكامل على علامات الحركة في المساحة وتشريك الحواف في صخبها، ومن هنا تعرّف العالم على الأعمال التجريبية لمرحلة الحواف الصلبة Hard Edge المصطلح الذي اعتمده لأول مرة الناقد والمفكر الأمريكي “جول لانجستر” سنة 1959، وهو مصطلح يعبّر عن الشكل التجريدي أو التعبير الإيمائي ذي الصياغة التجريدية الذي يُنفّذ بوعي غير واع، بمعنى أنه يسترسل ذهنيته في قراءة الفكرة ويندمج مع لا وعيه في طلائها أو تحديد هندساتها المُلونة، وبالتالي فإن تنفيذ اللون يقع على مساحات مُرتّبة أو عبثية في تشكيلاتها المُسطّحة كحقول أُحادية قادرة على استيعاب اللون، والارتسام حسب الحدود والحواف المُتوقّعة والتي تكون بدورها أُحادية مثل أعمال ” بيت موندريان” و”جوزيف ألبرز” و”إلسورث كيلي” و”فرانك ستيلا”.
إن مرحلة الحواف الصلبة هي عبارة عن لوحات تتجاوز التصورات المألوفة عن الفن التجريدي لأنها إثراء لدور اللون ورمزيّته الهندسيّة في الفكرة وانطلاقه الذي يتشارك ولا يندمج إلا في انعكاس اللون وهو ما يميّز عمل الحواف الحادّة أو الصلبة التي تقف عند حدود الشكل من خلال اللون وحدوده المسطّحة المحاطة بتلك الحواف، فالعمل المنفّذ جماليا يبدأ من الذات ويغوص عبرها لأنه لا يستحضر خاطرة أو ذكرى أو مشاهد قد تخلق الصلة مع الآخر لأنها شكل من أشكال الحكم الذاتي والتحكّم المسؤول عن العبث والفوضى والبحث والتعبير.
اهتم رالف بيركو بالفنون الجميلة منذ سن 18 وتخصّص في التجريد الهندسي حيث تكوّن أكاديميا في جامعة الفنون الجميلة في لوس أنجلس، يتميّز بالأسلوب التناظري الدقيق والخيال العميق والمتفرّد من خلال التصاميم ثلاثية الأبعاد يوصل طاقة الوهم بالعمق على السطح ثنائي الأبعاد حيث يريح البصر عند كل حافة، وهي عبقرية متواترة حسب كل حافة لها ضرورتها العميقة، وهندسة الشكل المتداخل والكثيف في مساحاتها، عند التكوين الحسي مع الارسال المادي للعلامة البصرية من خلال اللون الذي طوّره واستفاد من التقنيات المعاصرة من حيث الإشباع اللوني والحدة والتدريج حسب الأبعاد والضوء والتداخلات العميقة التي يحدثها الوهم في الفراغ والتركيب الدقيق للخامات وهو ما يثير الحركة لتغرق أكثر في الفكرة وتثير التوغل البصري من خلال الخيال داخلها، ليراوح في ترتيبه اللوني بين الأحادية والثنائية ويتنقل بين الحواف بالأشكال ليستدرج مؤثراتها في الحركة التي تتصاعد نحو العمق، حيث تبدأ لتنتهي عند المركز الداخلي، ما يخلق في عين المتلقي إثارات حسيّة وتلوّنات مختلفة تتبع أثر الضوء في الفراغ لتسهّل الحركة البصرية التي تخلقها الحركة التنفيذية للعمل، وهذا ما تفرّد به رالف وهو يعطي الصور الوجودية مرح العبور والتنقل ومرونة التعاطي مع اللون لتفادي القلق الحسي والحيرة الذاتية التي تجرّده من عزلة الوجود.
أما في تجربة فائق عويس الفنان الفلسطيني الأمريكي المختص في التعريب واللغة والخط العربي والثقافة الإسلامية فتجربته مختلفة من حيث الترتيب الشكلي لفكرة الحواف والتجريد بتجريب خصوصيات الهندسة والثقافة الإسلامية من حيث الزوايا والعمق واللون وتدريجه وأحاديّته المتناسقة حيث استلهم من تجربة الحواف الصلبة بخصوصيتها الأمريكية تفاصيلها التنفيذية في الوهم والعمق والأبعاد والألوان وتحمّل مغامرة تجريد الحرف في المعنى وتوجيهه بتطويعه شكليا وخطيا وحسيا ولونيا بالتوافق مع الضوء والسطوع حيث أخضعه لعناصر التجريد وحمّله المعنى الحسي ليثيره وينفّذه من حيث التسرّب والانسياب من المعنى الذاتي إلى التعبير الداخلي بمقاصده وعلاماته وإشاراته المتداخلة للدلالة على التعايش والجذور والذات والبحث الداخلي عن الانتماء وثنائيّة الثقافة واندماجه معها دون أن يلغي أحدها أما من حيث التقنية التي تتفاعل بالحركة والمفهوم الجمالي فقد ركّز على الهندسة الزخرفية ودورها التأثيري في خلق عنصر العمق واستغلال الفضاء جماليا بعيدا عن حالة الملل والقلق المزعج في تفاصيل التوغل العميق اللامُجدي في الفعل التأثيري الذي يدمج اللغة المركّبة مع الخطوط والأشكال ويستنطق عمقها الحاد في توجيه المشهد الجمالي، فهو ينفصل عن التجريد الإيمائي العام ويلتقط فكرة الحواف مع التجريد الهندسي ليبتكر صوره المرتّبة والمتفاعلة مع حالاته العامة في رؤاه الفنية الخاصة.
إن التواصل الفعلي بين الحركة والاشتغال على الحواف الصلبة خلق مساحات عميقة على السطح لا تُشعر المتلقي بأن الفراغات المستغلّة هي مجرد أشكال مصغرة متراصة أو واضحة متقابلة ومتنافرة وهو ما يعمّقها ويخلق تشابه التجربتين من حيث التكنيك الأوّلي للتنفيذ ما يثير تفاعل اللون مع المنجز الذي ينجرف نحو الحواف ليخلق سرديات بصرية عميقة الأبعاد.
بشرى بن فاطمة
يستمد العمل الفني التجريدي المُقترن بالتوافقات الهندسية والتصورات اللونية خصوصيته التعبيرية من مساحاته العشوائية أو المقصودة، فينتشر في فضاءات من الحركة الدائمة القادرة على فتح منافذ التجريب لهذا الأسلوب وتمهيد الطريق للّون لينفلت أبعد وأعمق مع الفكرة مع اكتساب حدّة التحولات ومرونة التحويلات المتفاعلة مع الضوء المتقاربة مع الصورة في شكلها الحر المتخلّص من حدوده الثقيلة، وهو ما يعبَّر عنه جماليا وفنيا بمرحلة الحواف الصلبة، التي شكّلت مسارا مُميّزا لتجارب مختلفة أثّرت في الحركة الغربية للفنون وتأثر بها الفنانون العرب في المهجر، وهنا تبدو ملامح التجريب متشابكة التشابه حسب كل مرحلة وضرورة التعبير عنها ودوافع التجريب مختلفة التأثير في تجربة كل من الأمريكي “رالف بيركو” والفلسطيني الأمريكي “فائق عويس”.
فتجربة كل منهما تخضع لخصوصياتها ولأبعادها التعبيرية التي اختصرت التأثر بالأمكنة والأزمنة لتعبّر عن ذاتها فيها ولتحوّل إيماءاتها المُجرّدة إلى عناصر أحادية لها خصوصياتها في التعبير داخل الفضاء ومن هنا صاغ كلامهما من تلك الخصوصية حضوره الفني في أسلوب الحواف الصلبة، فكيف انطلق كل منهما في التجريب وما هي علامات التعبير اللوني عندهما وأين تتشابه الرؤى الفنية وأين يتفرّد التجريب جماليا عندهما؟
مثّلت مرحلة الخمسينات في القرن الماضي بالنسبة للمدرسة التجريدية مرحلة الانطلاق والتجريب والاختلاف والتنويع الذي عرف الكثير من التغيرات والتجريب في المسار التشكيلي الأمريكي، حيث شهدت الحركة ككل تواصلا بين الفكرة والمفهوم وبين النقد والقيمة والبحث والتجريب والتجديد.
فكانت المرحلة التي شهد فيها التجريد تفرّعات تجريبية لم تكن متوقّعة من حيث توظيف الهندسة مع اللون والضوء والحواف المنتسبة في الفضاء والابتعاد عن التصورات الإيمائية والاشتغال الكامل على علامات الحركة في المساحة وتشريك الحواف في صخبها، ومن هنا تعرّف العالم على الأعمال التجريبية لمرحلة الحواف الصلبة Hard Edge المصطلح الذي اعتمده لأول مرة الناقد والمفكر الأمريكي “جول لانجستر” سنة 1959، وهو مصطلح يعبّر عن الشكل التجريدي أو التعبير الإيمائي ذي الصياغة التجريدية الذي يُنفّذ بوعي غير واع، بمعنى أنه يسترسل ذهنيته في قراءة الفكرة ويندمج مع لا وعيه في طلائها أو تحديد هندساتها المُلونة، وبالتالي فإن تنفيذ اللون يقع على مساحات مُرتّبة أو عبثية في تشكيلاتها المُسطّحة كحقول أُحادية قادرة على استيعاب اللون، والارتسام حسب الحدود والحواف المُتوقّعة والتي تكون بدورها أُحادية مثل أعمال ” بيت موندريان” و”جوزيف ألبرز” و”إلسورث كيلي” و”فرانك ستيلا”.
إن مرحلة الحواف الصلبة هي عبارة عن لوحات تتجاوز التصورات المألوفة عن الفن التجريدي لأنها إثراء لدور اللون ورمزيّته الهندسيّة في الفكرة وانطلاقه الذي يتشارك ولا يندمج إلا في انعكاس اللون وهو ما يميّز عمل الحواف الحادّة أو الصلبة التي تقف عند حدود الشكل من خلال اللون وحدوده المسطّحة المحاطة بتلك الحواف، فالعمل المنفّذ جماليا يبدأ من الذات ويغوص عبرها لأنه لا يستحضر خاطرة أو ذكرى أو مشاهد قد تخلق الصلة مع الآخر لأنها شكل من أشكال الحكم الذاتي والتحكّم المسؤول عن العبث والفوضى والبحث والتعبير.
اهتم رالف بيركو بالفنون الجميلة منذ سن 18 وتخصّص في التجريد الهندسي حيث تكوّن أكاديميا في جامعة الفنون الجميلة في لوس أنجلس، يتميّز بالأسلوب التناظري الدقيق والخيال العميق والمتفرّد من خلال التصاميم ثلاثية الأبعاد يوصل طاقة الوهم بالعمق على السطح ثنائي الأبعاد حيث يريح البصر عند كل حافة، وهي عبقرية متواترة حسب كل حافة لها ضرورتها العميقة، وهندسة الشكل المتداخل والكثيف في مساحاتها، عند التكوين الحسي مع الارسال المادي للعلامة البصرية من خلال اللون الذي طوّره واستفاد من التقنيات المعاصرة من حيث الإشباع اللوني والحدة والتدريج حسب الأبعاد والضوء والتداخلات العميقة التي يحدثها الوهم في الفراغ والتركيب الدقيق للخامات وهو ما يثير الحركة لتغرق أكثر في الفكرة وتثير التوغل البصري من خلال الخيال داخلها، ليراوح في ترتيبه اللوني بين الأحادية والثنائية ويتنقل بين الحواف بالأشكال ليستدرج مؤثراتها في الحركة التي تتصاعد نحو العمق، حيث تبدأ لتنتهي عند المركز الداخلي، ما يخلق في عين المتلقي إثارات حسيّة وتلوّنات مختلفة تتبع أثر الضوء في الفراغ لتسهّل الحركة البصرية التي تخلقها الحركة التنفيذية للعمل، وهذا ما تفرّد به رالف وهو يعطي الصور الوجودية مرح العبور والتنقل ومرونة التعاطي مع اللون لتفادي القلق الحسي والحيرة الذاتية التي تجرّده من عزلة الوجود.
أما في تجربة فائق عويس الفنان الفلسطيني الأمريكي المختص في التعريب واللغة والخط العربي والثقافة الإسلامية فتجربته مختلفة من حيث الترتيب الشكلي لفكرة الحواف والتجريد بتجريب خصوصيات الهندسة والثقافة الإسلامية من حيث الزوايا والعمق واللون وتدريجه وأحاديّته المتناسقة حيث استلهم من تجربة الحواف الصلبة بخصوصيتها الأمريكية تفاصيلها التنفيذية في الوهم والعمق والأبعاد والألوان وتحمّل مغامرة تجريد الحرف في المعنى وتوجيهه بتطويعه شكليا وخطيا وحسيا ولونيا بالتوافق مع الضوء والسطوع حيث أخضعه لعناصر التجريد وحمّله المعنى الحسي ليثيره وينفّذه من حيث التسرّب والانسياب من المعنى الذاتي إلى التعبير الداخلي بمقاصده وعلاماته وإشاراته المتداخلة للدلالة على التعايش والجذور والذات والبحث الداخلي عن الانتماء وثنائيّة الثقافة واندماجه معها دون أن يلغي أحدها أما من حيث التقنية التي تتفاعل بالحركة والمفهوم الجمالي فقد ركّز على الهندسة الزخرفية ودورها التأثيري في خلق عنصر العمق واستغلال الفضاء جماليا بعيدا عن حالة الملل والقلق المزعج في تفاصيل التوغل العميق اللامُجدي في الفعل التأثيري الذي يدمج اللغة المركّبة مع الخطوط والأشكال ويستنطق عمقها الحاد في توجيه المشهد الجمالي، فهو ينفصل عن التجريد الإيمائي العام ويلتقط فكرة الحواف مع التجريد الهندسي ليبتكر صوره المرتّبة والمتفاعلة مع حالاته العامة في رؤاه الفنية الخاصة.
إن التواصل الفعلي بين الحركة والاشتغال على الحواف الصلبة خلق مساحات عميقة على السطح لا تُشعر المتلقي بأن الفراغات المستغلّة هي مجرد أشكال مصغرة متراصة أو واضحة متقابلة ومتنافرة وهو ما يعمّقها ويخلق تشابه التجربتين من حيث التكنيك الأوّلي للتنفيذ ما يثير تفاعل اللون مع المنجز الذي ينجرف نحو الحواف ليخلق سرديات بصرية عميقة الأبعاد.