العلامة البصرية وانعكاساتها الجمالية في التجربة التشكيلية للمرأة العربية
بشرى بن فاطمة
لا يعدّ البحث عن خصوصيات التعبير الفني للمرأة تصنيفا اجتماعا، لأنه طرح فني لا يطال المرأة وحدها بل كل مكونات المجتمع بتفاصيله التي كثيرا ما تحوم حولها إشكاليات مختلفة واستفسارات بحث تحاول فهم اختلاف التعبير الفني مقصديا ودلاليا ورمزيا واختلافُه بينها وبين الرجل وكيفية حضور كليهما في منجز الآخر ومدى توافقه مع الموقف الفني والقدرة على وصولهما الى عمق التجلي البحثي لكسر حواجز الاختلاف والتخالف، الصدام والتصادم، بفعله البنّاء في خلق الموقف الجمالي من التجلي الفني.
*ليلى كبة
فما هي خصوصية الفلسفة البصرية التي ترى بها المرأة العربية تعابيرها وعلاماتها في تجربتها التشكيلية الحديثة والمعاصرة؟ وكيف تتعاطى مع الواقع والخيال والعلامة والرمز في مفاهيمها الفنية باختلاف تجاربها وتنوع انتمائها ودرجة استيعابها الثقافي.
كثيرا ما تتعامل المرأة مع الصور والتعابير بحساسياتها المفرطة في التوغل الذهني وكثيرا ما تدقّق في التفاصيل الواضحة بعلامات عميقة البحث تجيد التعتيم المقصود منه التعمق أو استدراج المتلقي لعوالمها ومحاولة قراءتها.
*سامية حلبي
ورغم أن الاختلاف في الرأي جاهز سواء في اعتبار أن المرأة تتميّز أو تتشابه عن منجز الرجل التشكيلي، فإن التصور في حد ذاته لا يتوقف عند هذه النقطة الجدلية وحدها لأنه يتعمّق في التحليل النقدي البصري لكل تجربة بمختلف جمالياتها وثيماتها، إذ يعتبر الناقد والكاتب المصري محمد صالح البحر أنه في المسألة الإبداعية ربما يدعونا الواقع إلى التحيز قليلا باتجاه الرجل، ليس فقط بسبب العدد الضخم للرجال المبدعين، بل لتميز منجزهم الإبداعي كميا ونوعيا وفنيا أيضا، لأسباب كثيرة، ربما كانت الأسباب الاجتماعية والسياسية والدينية من أهمها، لكن الأسباب الشخصية تلعب دورا رئيسيا أيضا في هذا المقام، فاعتماد العقل عن الشعور في منطق التفكير بالنسبة للرجل يكسبه تلك النظرة الكلية الشاملة، التي تضفي على إبداعه رؤية فنية واسعة ومتعددة الدلالات وقريبة للاكتمال، إضافة إلى ما يتطلبه الإبداع من جهد وعنت وصبر ومقومات تنحاز بطبيعتها إلى طبيعة الرجل، لكنني أرى الرجل هنا أيضا في مقام الأقل جمالا، دائم النظر إلى الجمال، ودائما ما يصبو إلى تمثله أو تجسيده و الوصول إليه، وهو ما يتيح لذهنه نشاطا دائما باتجاه الإنجاز الفني الإبداعي، باعتباره منجزا جماليا في المقام الأول.”
*بثينة ملحم
إن فكرة الاختلاف والتنافس والتميز والتفرد قد توقع البحث عن الخصوصية الفنية في مراتب التصنيف الواقعي، غير أن المحرّك الأساسي الداعي لتمييز العمل والمنجز الفني هنا هي الجماليات وفلسفة الرؤية التي تحلّل بصريا، خاصة وأن المرأة تدقّق على التفصيل والسرد والتفتيت والمبالغة والحدة والسخرية والبحث في كوامن الشخصية العاطفية والنفسية، بالتركيز على الملامح المألوفة في المجتمع وتعالج نفسياتها وواقعها بلغة جمالية مشوهة الملامح تكاد تشبه الكاريكاتير ولكن في تراتبية وتدريج لوني وشكلي.
ورغم أننا في كثير من الأحيان نكاد لا نميّز بين عمل لرجل أو لامرأة كما يقول الناقد والفنان التشكيلي الفلسطيني غازي انعيم “رأيي في هذا الموضع قد يكون مختلفا عن رأي بعض النقاد سيما أن المرأة شاركت الرجل في مزاولة الفنون بكل صورها، وأكدت جدارتها في مجال الفنون البصرية وكل محاولة للفصل بين ” فن ” المرأة و ” فن ” الرجل – إن صح التعبير – لابد أن تقود للفشل، لأن الرسم وغيره من التقنيات عند الطرفين، طريقة تعبير وتواصل بين الفنان وذاته أو بينه وبين المتلقي على مستوى الحس والمشاعر والعقل، لذلك لا يوجد اختلاف في الانجاز الفني وآمل أن لا يكون هناك خلاف ما بين انجاز المرأة والرجل لأن كلاهما ينهل من نفس الواقع المعاش وكلاهما تربيا على نفس الأسس والقواعد الفنية، فمثلاً لو أقمنا معرضاً فنياً لمجموعة من الفنانين والفنانات وبعد ذلك قمنا بتغطية الأسماء على اللوحات والأعمال الفنية الأخرى، ماذا ستكون النتيجة حول الانجاز الفني لكلا الطرفين؟ أعتقد أننا لن نستطيع التمييز بين اللوحات أو المنحوتات أو المحفورات، التي نفذت بتقنيات وأساليب متنوعة لكلا الطرفين لذلك لا اختلاف في تصوّر الإنجاز الفني بين المرأة والرجل
*ماري توما
إن قواعد التعامل مع منجز فني تقدّمه المرأة يخضعها لقواعد مبنية على النضج والتكافؤ الندية والتميّز وبالتالي إصرار ذاتي على إحداث الفرق في التصور الجمالي وهنا نلاحظ أن أعمال المرأة تتميّز بالتريث والحكمة في الخطوط والاشكال في اختيار المواضيع وترتيب الفكرة وحتى في الإشارة العامة بالتخصيص مثل تجربة ليلى كبة ومدى توظيفها الأسطورة والتاريخ ومقارنتها مع حضور المرأة العراقية أو تجربة سمر غطاس في التماهي الواقعي بين الفكرة والحلم في الواقع الفلسطيني وتماهي الطموح الفردي مع الرغبة الجماعية من خلال مزج الصورة الفتوغرافية واللوحة الفنية أو تجربة النحت والحفر لميرفت عيسى التي توافق الأرض بحضور الفكرة المقاومة لواقع المرأة الفلسطينية المهجّرة.
*ليلى الشوا
ففي المنجز بشكل عام لا تقدّم المرأة مواضيعها المطروحة ومفاهيمها المبتكرة بشكلها الجاف أو العابر لإثارة التعاطف والشفقة بل تتعمق في مفاهيمها بشكل لا مباشر تفرضه طبيعتها الجادة والدقيقة وهذا لا يعني استنقاصا من دور الرجل الفنان وتجربته ولكن تثبيتا لتأثيره وتأثر المرأة بأسلوبه وتفاعلاته ودمج عواطفها وخصوصيتها معه ومع الطبيعة والثقافة والانتماء والمعارف فهي المستفيد من التوافق والتكافؤ والمنافسة ويجب عليها بقدرتها البحثية أن تروّض أسلوبها أعمق حتى تتمكّن من التميّز العالمي أكثر وأبعد من حيث الاطلاع والتطلع فلا يمكن تناول بحث جمالي للمرأة بمعزل عن منجز فني رجالي في مجتمع واحد بعناصره البنائية وواقعه الاجتماعي وهو ما يؤكده الباحث والكاتب والصحفي المصري حسين أبو السباع بقوله “النتيجة في الإنجاز الفني واحدة لكن الطريقة مختلفة بين الرجل والمرأة وفق الذاكرة لدى كل منهما المرأة تميز الأماكن بصريا أو تحدد الطرق بالأماكن غير الرجال الذين يحددون الأماكن بالطرق والخطوط والخرائط الإنجاز البصري يكون أكثر دقة لدى المرأة وفق التفاصيل التي اجتازتها لكنها تُغلب العاطفة في رؤيتها، فتكون أقرب لإنجاز الصورة البصرية المحببة إليها أكثر من الرجل الذي يلجأ للإنجاز، حتى ولو لم تكن لديه عاطفة نحو العمل”.
المرأة والقيمة الجمالية حضور الموروث والانتماء
إن القيمة الأساسية للمنجز الجمالي للمرأة تحيل على تفاصيل الحنين والانتماء الذات وحضورها الانوثة ورغباتها الألوان الترقب والانتظار القلق والحيرة التمرّد والرضوخ الحب والانتقام والتحدي فرغم أن الرجل يرى في المرأة الأرض والحبيبة والأم والوطن والحلم والطموح والقضية والفوضى والانعتاق والأمل والحياة بقوتها وضعفها وبتناقضاتها الحسية، ترى المرأة في الرجل تعابير الرومنسية واكتشافات الأنوثة والتوافق الطبيعي في علاقتهما وفي نفس الوقت ترى فيه السلطة والتحكم الرقابة والتسلط التحريم والغموض الخوف وهي تناقضات لم يصنعها الاختلاف بل هي من صنعته من واقع مختلف ومتفاوت في ثقافاته وموروثه وعاداته وتقاليده ودرجاته الذكورية، وهي من عزلته في زوايا التمييز الاجتماعي وهذه التصورات الفكرية والاجتماعية والنفسية الوجودية.
*ثريا البقصمي
ورغم أن العديد من الفنانين التشكيليين يعتبرون أنه لا يوجد اختلاف في المنجز الفني النسائي والرجالي مثل ما يقول التشكيلي الاماراتي عبد الرحيم سالم “لا أعتقد هناك اختلاف لأن الابداع واحد ولا ينحصر في فئة دون أخرى ولان الموهبة ملك من يمتلك الادراك والوعي ليكون قادرا على التعبير، أنا ضد ما يقال فن المرأة وفن الرجل للتمييز لأن الواقع واحد تأثير المحيط ينعكس على الإنتاج لان الرجل يأخذ بالعموم أما المرأة فتهتم بالخاص والعاطفة لها دورها في تحديد الاختلاف الاسلوبي”.
الجسد وقيمة العلامات الجمالية
إن الاختلاف واضح في الرمزية والانجاز والتوجيه الأسلوبي للفكرة وتوظيفات الجسد والعلامة بين تجربة وتجربة نسائية حسب الانتماء والعلاقة والتعامل مع الطبيعة والأرض الحضارة والحضور فمثلا العلامة الخاصة في “البرقع” في تجربة التشكيليات في الخليج العربي تختلف حسب توظيفاتها فمثلا في الامارات تتقارب في مفهومها الدلالي كموروث يعكس الواقع والانتماء وارتباط التراث بالعادات والتقاليد ويمكن أن يحيل على الحضور والتغييب حسب المفهوم وطبيعة الأسلوب كالتعبيرية والواقعية أو المفاهيمية فهي كرمزية فنية تختلف بل تتجاوز التعاطي المفاهيمي في الفكرة والمعنى والمقصد فتتحوّل من العاطفة الذهنية إلى الذهنية العاطفية وبالتالي تتغير وتختلف طبيعة استقبالها للمقصد الجمالي والفهمي للرمز وكيفية رؤيته وقد تتجاوز العاطفة الذهنية حضورها المتفاوت.
*فاطمة الحاج
وعن هذا يقول الفنان التشكيلي السعودي قصي العوام “من واقع متابعاتي ورؤيتي فالمرأة تتميّز في التعبير وفي المفاهيم ومدى التطرق الخاص والمفصّل لتفسير عوالمها وقضاياها ورغم التجارب الجريئة والجديّة والمتمرّدة فنيا ومفاهيميا وأسلوبيا تخطو خطوات متواضعة في العموم بقياس كل تجربة من ناحيتها، وتختلف فيما بينها في الجرأة وتختلف مع الرجل في التميّز أو التأثر والتقليد رغم أن تشكيلها للألوان في التجريد ليس بالدقّة الفنية لدى الرجل وفي المقابل خاماتها أكثر تعبيرا وحرفيتها مرتّبة ومتقنة وبالنسبة للتجريد فهي بين التقليد والهروب نحو الغموض أو التستّر على المجرّد على فكرتها”.
ورغم أن فكرة الجسد المادية وتوظيفاتها التشكيلية كثيرا ما تتراءى إيروتيكية التوظيفات البصرية وموجّهة نحو تجرّد تمردي التفعيل والطرح أو جريئة الانقلاب على واقع مجتمع ما وهي غالبا ما تكون الرؤى الأساسية الأولى التي تقيس مدى انفتاح الفكرة التشكيلية وتوظيفاتها في التجارب العربية لخلق الجدل ومستوى الوعي والتقبل ومناقشة ماورائياتها التعبيرية، ولكن التوظيف النسائي لجسد المرأة من خلالها كثيرا ما يتجاوز التسطيح المألوف للفكرة المتعوّد على طرحها، فهي تحاول إضفاء روح من الإحساس والانطلاق من الانعتاق الحر البناء والدليل على هذا عدة تجارب فنية معاصرة.
إن الإضافة الجمالية التي حقّقتها المرأة في الفن لم تقتصر على محاكاتها لذاتها ولا تقوقعها في نقطة التفريق والتمييز والتصنيف بل في فهمها العميق لواقعها وطموحها ونجاحها وتطوّر تجريبها التشكيلية والبصرية، فلم تقف على الحدود بينها وبين الرجل بل حاولت ابتكار مساراتها من خلال التجريب والتقليد والسطحية والعمق في الفكرة والعاطفة في الحضور والتماهي في الاختفاء والتجلي لتعبّر ولتكون باختلاف أساليبها ومستوياتها الفنية.
بشرى بن فاطمة
لا يعدّ البحث عن خصوصيات التعبير الفني للمرأة تصنيفا اجتماعا، لأنه طرح فني لا يطال المرأة وحدها بل كل مكونات المجتمع بتفاصيله التي كثيرا ما تحوم حولها إشكاليات مختلفة واستفسارات بحث تحاول فهم اختلاف التعبير الفني مقصديا ودلاليا ورمزيا واختلافُه بينها وبين الرجل وكيفية حضور كليهما في منجز الآخر ومدى توافقه مع الموقف الفني والقدرة على وصولهما الى عمق التجلي البحثي لكسر حواجز الاختلاف والتخالف، الصدام والتصادم، بفعله البنّاء في خلق الموقف الجمالي من التجلي الفني.
*ليلى كبة
فما هي خصوصية الفلسفة البصرية التي ترى بها المرأة العربية تعابيرها وعلاماتها في تجربتها التشكيلية الحديثة والمعاصرة؟ وكيف تتعاطى مع الواقع والخيال والعلامة والرمز في مفاهيمها الفنية باختلاف تجاربها وتنوع انتمائها ودرجة استيعابها الثقافي.
كثيرا ما تتعامل المرأة مع الصور والتعابير بحساسياتها المفرطة في التوغل الذهني وكثيرا ما تدقّق في التفاصيل الواضحة بعلامات عميقة البحث تجيد التعتيم المقصود منه التعمق أو استدراج المتلقي لعوالمها ومحاولة قراءتها.
*سامية حلبي
ورغم أن الاختلاف في الرأي جاهز سواء في اعتبار أن المرأة تتميّز أو تتشابه عن منجز الرجل التشكيلي، فإن التصور في حد ذاته لا يتوقف عند هذه النقطة الجدلية وحدها لأنه يتعمّق في التحليل النقدي البصري لكل تجربة بمختلف جمالياتها وثيماتها، إذ يعتبر الناقد والكاتب المصري محمد صالح البحر أنه في المسألة الإبداعية ربما يدعونا الواقع إلى التحيز قليلا باتجاه الرجل، ليس فقط بسبب العدد الضخم للرجال المبدعين، بل لتميز منجزهم الإبداعي كميا ونوعيا وفنيا أيضا، لأسباب كثيرة، ربما كانت الأسباب الاجتماعية والسياسية والدينية من أهمها، لكن الأسباب الشخصية تلعب دورا رئيسيا أيضا في هذا المقام، فاعتماد العقل عن الشعور في منطق التفكير بالنسبة للرجل يكسبه تلك النظرة الكلية الشاملة، التي تضفي على إبداعه رؤية فنية واسعة ومتعددة الدلالات وقريبة للاكتمال، إضافة إلى ما يتطلبه الإبداع من جهد وعنت وصبر ومقومات تنحاز بطبيعتها إلى طبيعة الرجل، لكنني أرى الرجل هنا أيضا في مقام الأقل جمالا، دائم النظر إلى الجمال، ودائما ما يصبو إلى تمثله أو تجسيده و الوصول إليه، وهو ما يتيح لذهنه نشاطا دائما باتجاه الإنجاز الفني الإبداعي، باعتباره منجزا جماليا في المقام الأول.”
*بثينة ملحم
إن فكرة الاختلاف والتنافس والتميز والتفرد قد توقع البحث عن الخصوصية الفنية في مراتب التصنيف الواقعي، غير أن المحرّك الأساسي الداعي لتمييز العمل والمنجز الفني هنا هي الجماليات وفلسفة الرؤية التي تحلّل بصريا، خاصة وأن المرأة تدقّق على التفصيل والسرد والتفتيت والمبالغة والحدة والسخرية والبحث في كوامن الشخصية العاطفية والنفسية، بالتركيز على الملامح المألوفة في المجتمع وتعالج نفسياتها وواقعها بلغة جمالية مشوهة الملامح تكاد تشبه الكاريكاتير ولكن في تراتبية وتدريج لوني وشكلي.
ورغم أننا في كثير من الأحيان نكاد لا نميّز بين عمل لرجل أو لامرأة كما يقول الناقد والفنان التشكيلي الفلسطيني غازي انعيم “رأيي في هذا الموضع قد يكون مختلفا عن رأي بعض النقاد سيما أن المرأة شاركت الرجل في مزاولة الفنون بكل صورها، وأكدت جدارتها في مجال الفنون البصرية وكل محاولة للفصل بين ” فن ” المرأة و ” فن ” الرجل – إن صح التعبير – لابد أن تقود للفشل، لأن الرسم وغيره من التقنيات عند الطرفين، طريقة تعبير وتواصل بين الفنان وذاته أو بينه وبين المتلقي على مستوى الحس والمشاعر والعقل، لذلك لا يوجد اختلاف في الانجاز الفني وآمل أن لا يكون هناك خلاف ما بين انجاز المرأة والرجل لأن كلاهما ينهل من نفس الواقع المعاش وكلاهما تربيا على نفس الأسس والقواعد الفنية، فمثلاً لو أقمنا معرضاً فنياً لمجموعة من الفنانين والفنانات وبعد ذلك قمنا بتغطية الأسماء على اللوحات والأعمال الفنية الأخرى، ماذا ستكون النتيجة حول الانجاز الفني لكلا الطرفين؟ أعتقد أننا لن نستطيع التمييز بين اللوحات أو المنحوتات أو المحفورات، التي نفذت بتقنيات وأساليب متنوعة لكلا الطرفين لذلك لا اختلاف في تصوّر الإنجاز الفني بين المرأة والرجل
*ماري توما
إن قواعد التعامل مع منجز فني تقدّمه المرأة يخضعها لقواعد مبنية على النضج والتكافؤ الندية والتميّز وبالتالي إصرار ذاتي على إحداث الفرق في التصور الجمالي وهنا نلاحظ أن أعمال المرأة تتميّز بالتريث والحكمة في الخطوط والاشكال في اختيار المواضيع وترتيب الفكرة وحتى في الإشارة العامة بالتخصيص مثل تجربة ليلى كبة ومدى توظيفها الأسطورة والتاريخ ومقارنتها مع حضور المرأة العراقية أو تجربة سمر غطاس في التماهي الواقعي بين الفكرة والحلم في الواقع الفلسطيني وتماهي الطموح الفردي مع الرغبة الجماعية من خلال مزج الصورة الفتوغرافية واللوحة الفنية أو تجربة النحت والحفر لميرفت عيسى التي توافق الأرض بحضور الفكرة المقاومة لواقع المرأة الفلسطينية المهجّرة.
*ليلى الشوا
ففي المنجز بشكل عام لا تقدّم المرأة مواضيعها المطروحة ومفاهيمها المبتكرة بشكلها الجاف أو العابر لإثارة التعاطف والشفقة بل تتعمق في مفاهيمها بشكل لا مباشر تفرضه طبيعتها الجادة والدقيقة وهذا لا يعني استنقاصا من دور الرجل الفنان وتجربته ولكن تثبيتا لتأثيره وتأثر المرأة بأسلوبه وتفاعلاته ودمج عواطفها وخصوصيتها معه ومع الطبيعة والثقافة والانتماء والمعارف فهي المستفيد من التوافق والتكافؤ والمنافسة ويجب عليها بقدرتها البحثية أن تروّض أسلوبها أعمق حتى تتمكّن من التميّز العالمي أكثر وأبعد من حيث الاطلاع والتطلع فلا يمكن تناول بحث جمالي للمرأة بمعزل عن منجز فني رجالي في مجتمع واحد بعناصره البنائية وواقعه الاجتماعي وهو ما يؤكده الباحث والكاتب والصحفي المصري حسين أبو السباع بقوله “النتيجة في الإنجاز الفني واحدة لكن الطريقة مختلفة بين الرجل والمرأة وفق الذاكرة لدى كل منهما المرأة تميز الأماكن بصريا أو تحدد الطرق بالأماكن غير الرجال الذين يحددون الأماكن بالطرق والخطوط والخرائط الإنجاز البصري يكون أكثر دقة لدى المرأة وفق التفاصيل التي اجتازتها لكنها تُغلب العاطفة في رؤيتها، فتكون أقرب لإنجاز الصورة البصرية المحببة إليها أكثر من الرجل الذي يلجأ للإنجاز، حتى ولو لم تكن لديه عاطفة نحو العمل”.
المرأة والقيمة الجمالية حضور الموروث والانتماء
إن القيمة الأساسية للمنجز الجمالي للمرأة تحيل على تفاصيل الحنين والانتماء الذات وحضورها الانوثة ورغباتها الألوان الترقب والانتظار القلق والحيرة التمرّد والرضوخ الحب والانتقام والتحدي فرغم أن الرجل يرى في المرأة الأرض والحبيبة والأم والوطن والحلم والطموح والقضية والفوضى والانعتاق والأمل والحياة بقوتها وضعفها وبتناقضاتها الحسية، ترى المرأة في الرجل تعابير الرومنسية واكتشافات الأنوثة والتوافق الطبيعي في علاقتهما وفي نفس الوقت ترى فيه السلطة والتحكم الرقابة والتسلط التحريم والغموض الخوف وهي تناقضات لم يصنعها الاختلاف بل هي من صنعته من واقع مختلف ومتفاوت في ثقافاته وموروثه وعاداته وتقاليده ودرجاته الذكورية، وهي من عزلته في زوايا التمييز الاجتماعي وهذه التصورات الفكرية والاجتماعية والنفسية الوجودية.
*ثريا البقصمي
ورغم أن العديد من الفنانين التشكيليين يعتبرون أنه لا يوجد اختلاف في المنجز الفني النسائي والرجالي مثل ما يقول التشكيلي الاماراتي عبد الرحيم سالم “لا أعتقد هناك اختلاف لأن الابداع واحد ولا ينحصر في فئة دون أخرى ولان الموهبة ملك من يمتلك الادراك والوعي ليكون قادرا على التعبير، أنا ضد ما يقال فن المرأة وفن الرجل للتمييز لأن الواقع واحد تأثير المحيط ينعكس على الإنتاج لان الرجل يأخذ بالعموم أما المرأة فتهتم بالخاص والعاطفة لها دورها في تحديد الاختلاف الاسلوبي”.
الجسد وقيمة العلامات الجمالية
إن الاختلاف واضح في الرمزية والانجاز والتوجيه الأسلوبي للفكرة وتوظيفات الجسد والعلامة بين تجربة وتجربة نسائية حسب الانتماء والعلاقة والتعامل مع الطبيعة والأرض الحضارة والحضور فمثلا العلامة الخاصة في “البرقع” في تجربة التشكيليات في الخليج العربي تختلف حسب توظيفاتها فمثلا في الامارات تتقارب في مفهومها الدلالي كموروث يعكس الواقع والانتماء وارتباط التراث بالعادات والتقاليد ويمكن أن يحيل على الحضور والتغييب حسب المفهوم وطبيعة الأسلوب كالتعبيرية والواقعية أو المفاهيمية فهي كرمزية فنية تختلف بل تتجاوز التعاطي المفاهيمي في الفكرة والمعنى والمقصد فتتحوّل من العاطفة الذهنية إلى الذهنية العاطفية وبالتالي تتغير وتختلف طبيعة استقبالها للمقصد الجمالي والفهمي للرمز وكيفية رؤيته وقد تتجاوز العاطفة الذهنية حضورها المتفاوت.
*فاطمة الحاج
وعن هذا يقول الفنان التشكيلي السعودي قصي العوام “من واقع متابعاتي ورؤيتي فالمرأة تتميّز في التعبير وفي المفاهيم ومدى التطرق الخاص والمفصّل لتفسير عوالمها وقضاياها ورغم التجارب الجريئة والجديّة والمتمرّدة فنيا ومفاهيميا وأسلوبيا تخطو خطوات متواضعة في العموم بقياس كل تجربة من ناحيتها، وتختلف فيما بينها في الجرأة وتختلف مع الرجل في التميّز أو التأثر والتقليد رغم أن تشكيلها للألوان في التجريد ليس بالدقّة الفنية لدى الرجل وفي المقابل خاماتها أكثر تعبيرا وحرفيتها مرتّبة ومتقنة وبالنسبة للتجريد فهي بين التقليد والهروب نحو الغموض أو التستّر على المجرّد على فكرتها”.
ورغم أن فكرة الجسد المادية وتوظيفاتها التشكيلية كثيرا ما تتراءى إيروتيكية التوظيفات البصرية وموجّهة نحو تجرّد تمردي التفعيل والطرح أو جريئة الانقلاب على واقع مجتمع ما وهي غالبا ما تكون الرؤى الأساسية الأولى التي تقيس مدى انفتاح الفكرة التشكيلية وتوظيفاتها في التجارب العربية لخلق الجدل ومستوى الوعي والتقبل ومناقشة ماورائياتها التعبيرية، ولكن التوظيف النسائي لجسد المرأة من خلالها كثيرا ما يتجاوز التسطيح المألوف للفكرة المتعوّد على طرحها، فهي تحاول إضفاء روح من الإحساس والانطلاق من الانعتاق الحر البناء والدليل على هذا عدة تجارب فنية معاصرة.
إن الإضافة الجمالية التي حقّقتها المرأة في الفن لم تقتصر على محاكاتها لذاتها ولا تقوقعها في نقطة التفريق والتمييز والتصنيف بل في فهمها العميق لواقعها وطموحها ونجاحها وتطوّر تجريبها التشكيلية والبصرية، فلم تقف على الحدود بينها وبين الرجل بل حاولت ابتكار مساراتها من خلال التجريب والتقليد والسطحية والعمق في الفكرة والعاطفة في الحضور والتماهي في الاختفاء والتجلي لتعبّر ولتكون باختلاف أساليبها ومستوياتها الفنية.