جنيف (مدينه)
Geneva - Genève
جنيف
جنيف Geneva مدينة سويسرية، وهي ثاني أكبر مدينة في البلاد من حيث عدد سكانها
(172586 نسمة عام 1997) بعد مدينة زوريخ. تنامت شخصية المدينة منذ القرن السادس عشر، فصارت من ذلك التاريخ مركزاً حيوياً لحركة الإصلاح الديني وأضحت عاصمة البروتستنت.
يعود اسم المدينة إلى الشعوب ما قبل السلتية (الليغورية) نحو 500ق.م، وخلال سيطرة الامبراطورية الرومانية كانت جنيف مستوطنة لشعب السلت، وفي عام 58ق.م كانت قاعدة الانطلاق العسكرية للقيصر في حروبه ضد السويسريين (هيليفيتيان)، وبعد الغزو الجرماني أصبحت جنيف عاصمة برغندا، وذلك فيما بين 443-534م.
تقع جنيف في أقصى جنوب غربي البلاد، عند النهاية الغربية لبحيرة جنيف التي تسمى أيضاً ببحيرة ليمان. تقع المدينة في قلب حوضة طبيعية محددة، بوساطة طوق من السلاسل الجبلية، وهذا الموقع جعلها تسيطر على الرواق السويسري المهم الممتد ما بين جبال الألب وجبال الجورا، وجعلها تتحكم بالممرات الألبية المؤدية إلى إيطالية، ومنها إلى البحر المتوسط.
يتأثر مناخ جنيف بوجود بحيرة جنيف وجبال الجورا التي تقف حاجزاً في وجه الأمطار. تبلغ مساحة المدينة مع مقاطعتها 282كم2، أما المساحة التي يغطيها عمران المدينة فتبلغ نحو 160كم2، ويبلغ عدد سكان المقاطعة قرابة 396600 نسمة (1997)، يعيش 44% منهم في مدينة جنيف.
كانت العزلة الإقليمية هي السمة المميزة للمقاطعة ومدينتها سياسياً واقتصادياً، إذ إنه لم تتحدد معالمها الجغرافية حتى عام 1815، بعد تغيرات تاريخية طويلة. حُكمت جنيف من قبل الطبقة البرجوازية الليبرالية، وأصبحت مركزاً للعلاقات التجارية مع كلٍ من البلاد الجرمانية والمتوسطية.
كانت فترة الإصلاح الديني نقطة انعطاف أساسية في تاريخ جنيف، إذ تدفق اللاجئون إليها من إيطالية وألمانية ورومانية فضلاً عن فرنسة، فانعكس ذلك إيجابياً في بعد عالمي ومستوى رفيع من الثقافة، يدل عليه ازدهار صناعة المطبوعات وتأسيس الجامعة فيها منذ عام 1559.
أما في العصر الحديث فقد كانت فترة القرن الثامن عشر فترة ازدهار ونمو للمدينة، حيث استفادت من تدفق البروتستنت الفرنسيين، وهذا أدى إلى توسيع رقعتها الجغرافية. وفي النصف الثاني من القرن التاسع عشر، نشأت بعض الضواحي إلى الجنوب من نهر الرون عند موقع الحصون القديمة، وفي هذه الضواحي شوارع متخصصة، أحدها للأطباء وآخر للمصارف وثالث للتسوق وغير ذلك، أما المباني العامة كالمتاحف والمسرح الكبير والجامعة ومساكن الطبقة العاملة وبعض المناطق الصناعية فتقع بالقرب من محطة السكك الحديدية. وإلى الشمال من نهر الرون تمتد منطقة مباني المنظمات الدولية.
ولما كانت جنيف مسقط رأس جان جاك روسو وملجأ فولتير، فقد كانت مركز جذب للنخبة في عصر التنوير، وأحد الأمكنة التي يُلجأ إليها من أجل تطوير القانون والعلوم السياسية، وهي اليوم مركز لعدد من المنظمات الدولية المتخصصة والهيئات التابعة لمنظمة الأمم المتحدة، ومن هذه المنظمات منظمة الصليب الأحمر الدولي التي تأسست عام 1846، ومنظمة العمل الدولية التي أُنشئت عام 1919، إضافة إلى منظمة الصحة العالمية والاتحاد الدولي للبريد وغيرهما.
تُعد جنيف مثلاً للمدينة الأوربية التقليدية، كما يمثل تجمع منازلها نموذج المنازل في العصور الوسطى وعصر النهضة، وتغلب عليها الحداثة والعراقة، إضافة إلى المباني الحكومية الفخمة، وعند سفح التلة الممتدة من ضفة البحيرة ونهر الرون تقع منطقة تسوق ومخازن ومجمعات تجارية وأماكن التسلية واللهو.
بدأ النمو السكاني في جنيف بعد عام 1945، وخاصة بعد قدوم الأجانب إليها، إذ تبلغ نسبتهم نحو ثلث مجموع السكان، ومنذ أوائل السبعينات من القرن العشرين والمدينة تعاني وجود نسبة عالية من الأجانب بين سكانها، ومع ذلك فهي تفتقر للقوى العاملة، يضاف إلى ذلك انتشار العناصر اللغوية المتعددة (الألمانية، الفرنسية، الإيطالية، الرومانية)، وهذه التعددية اللغوية كانت سبباً في قلة التمازج العنصري مع الأقاليم الفرنسية المجاورة.
يغلب على اقتصاد جنيف الاقتصاد الخدمي بالدرجة الأولى، إذ يعمل في قطاع الخدمات نحو 66% من مجموع القوى العاملة، ونحو 33% يعملون في الصناعة، وأقل من 1% فقط يعملون في الزراعة. ويتمثل الإنتاج الزراعي بالقمح واللفت وزراعة أشجار الكرمة وتربية الأبقار وتصنيع منتجاتها، وعموماً فإن الإنتاج الاقتصادي في جنيف محكوم بكلٍ من نقص المساحة والافتقار إلى المواد الخام، وقد اختفت بعض الصناعات القديمة مثل صناعة النسيج، لكن صناعة الساعات ما تزال تحافظ على مكانتها وجودتها ودقتها، والمنتجات الصناعية موجهة ومصممة من أجل التصدير، وأهمها الآلات الدقيقة والكهربائية وأجهزة القياس والصناعات الكيمياوية والأدوية والعطور وصناعة المواد الغذائية (الحليب المجفف والشوكولا) وصناعة التبغ.
وفي جنيف حكومة لمقاطعة (كانتونية) جنيف، تشكل مجلس الدولة كسلطة تنفيذية، وهناك المجلس الأعلى الذي يتألف من مئة نائب، يشكلون السلطة التشريعية.
تعد الأنشطة الخدمية تعبيراً صادقاً عن شخصية جنيف العالمية، وكذلك كفاءتها التجارية والمالية، إذ يعد العمل في المجالات التجارية والمصارف والتأمين وأسواق المال والأعمال الخدمية الأخرى من المجالات التي تحتل المكان الأول لدى سكان جنيف.
وجنيف موئل لرأس المال الأجنبي، فمصارفها تمتلك أكثر من نصف كمية رأس المال الأجنبي، والحياد السويسري جعل الكثير من الشركات تلجأ إلى جنيف من أجل أن تضع ودائعها المالية.
تحتضن جنيف تراثاً عمرانياً وإرثاً ثقافياً قديمين، وفيها نخبة مثقفة راقية بالعلوم الدينية (اللاهوت) والفلسفية والعلوم الطبيعية والآداب، وفيها جامعة عريقة يدرس فيها نحو 8000 طالب نصفهم من الأجانب، هذا إضافة إلى النشاطات الأخرى المتمثلة بالنشاطات الموسيقية الكلاسيكية واللقاءات الثقافية والمسرحية. ويبقى تفرد المدينة عن غيرها مفتاح ازدهارها المستمر.
محمد صافيتا
Geneva - Genève
جنيف
(172586 نسمة عام 1997) بعد مدينة زوريخ. تنامت شخصية المدينة منذ القرن السادس عشر، فصارت من ذلك التاريخ مركزاً حيوياً لحركة الإصلاح الديني وأضحت عاصمة البروتستنت.
يعود اسم المدينة إلى الشعوب ما قبل السلتية (الليغورية) نحو 500ق.م، وخلال سيطرة الامبراطورية الرومانية كانت جنيف مستوطنة لشعب السلت، وفي عام 58ق.م كانت قاعدة الانطلاق العسكرية للقيصر في حروبه ضد السويسريين (هيليفيتيان)، وبعد الغزو الجرماني أصبحت جنيف عاصمة برغندا، وذلك فيما بين 443-534م.
تقع جنيف في أقصى جنوب غربي البلاد، عند النهاية الغربية لبحيرة جنيف التي تسمى أيضاً ببحيرة ليمان. تقع المدينة في قلب حوضة طبيعية محددة، بوساطة طوق من السلاسل الجبلية، وهذا الموقع جعلها تسيطر على الرواق السويسري المهم الممتد ما بين جبال الألب وجبال الجورا، وجعلها تتحكم بالممرات الألبية المؤدية إلى إيطالية، ومنها إلى البحر المتوسط.
يتأثر مناخ جنيف بوجود بحيرة جنيف وجبال الجورا التي تقف حاجزاً في وجه الأمطار. تبلغ مساحة المدينة مع مقاطعتها 282كم2، أما المساحة التي يغطيها عمران المدينة فتبلغ نحو 160كم2، ويبلغ عدد سكان المقاطعة قرابة 396600 نسمة (1997)، يعيش 44% منهم في مدينة جنيف.
كانت العزلة الإقليمية هي السمة المميزة للمقاطعة ومدينتها سياسياً واقتصادياً، إذ إنه لم تتحدد معالمها الجغرافية حتى عام 1815، بعد تغيرات تاريخية طويلة. حُكمت جنيف من قبل الطبقة البرجوازية الليبرالية، وأصبحت مركزاً للعلاقات التجارية مع كلٍ من البلاد الجرمانية والمتوسطية.
كانت فترة الإصلاح الديني نقطة انعطاف أساسية في تاريخ جنيف، إذ تدفق اللاجئون إليها من إيطالية وألمانية ورومانية فضلاً عن فرنسة، فانعكس ذلك إيجابياً في بعد عالمي ومستوى رفيع من الثقافة، يدل عليه ازدهار صناعة المطبوعات وتأسيس الجامعة فيها منذ عام 1559.
أما في العصر الحديث فقد كانت فترة القرن الثامن عشر فترة ازدهار ونمو للمدينة، حيث استفادت من تدفق البروتستنت الفرنسيين، وهذا أدى إلى توسيع رقعتها الجغرافية. وفي النصف الثاني من القرن التاسع عشر، نشأت بعض الضواحي إلى الجنوب من نهر الرون عند موقع الحصون القديمة، وفي هذه الضواحي شوارع متخصصة، أحدها للأطباء وآخر للمصارف وثالث للتسوق وغير ذلك، أما المباني العامة كالمتاحف والمسرح الكبير والجامعة ومساكن الطبقة العاملة وبعض المناطق الصناعية فتقع بالقرب من محطة السكك الحديدية. وإلى الشمال من نهر الرون تمتد منطقة مباني المنظمات الدولية.
ولما كانت جنيف مسقط رأس جان جاك روسو وملجأ فولتير، فقد كانت مركز جذب للنخبة في عصر التنوير، وأحد الأمكنة التي يُلجأ إليها من أجل تطوير القانون والعلوم السياسية، وهي اليوم مركز لعدد من المنظمات الدولية المتخصصة والهيئات التابعة لمنظمة الأمم المتحدة، ومن هذه المنظمات منظمة الصليب الأحمر الدولي التي تأسست عام 1846، ومنظمة العمل الدولية التي أُنشئت عام 1919، إضافة إلى منظمة الصحة العالمية والاتحاد الدولي للبريد وغيرهما.
تُعد جنيف مثلاً للمدينة الأوربية التقليدية، كما يمثل تجمع منازلها نموذج المنازل في العصور الوسطى وعصر النهضة، وتغلب عليها الحداثة والعراقة، إضافة إلى المباني الحكومية الفخمة، وعند سفح التلة الممتدة من ضفة البحيرة ونهر الرون تقع منطقة تسوق ومخازن ومجمعات تجارية وأماكن التسلية واللهو.
بدأ النمو السكاني في جنيف بعد عام 1945، وخاصة بعد قدوم الأجانب إليها، إذ تبلغ نسبتهم نحو ثلث مجموع السكان، ومنذ أوائل السبعينات من القرن العشرين والمدينة تعاني وجود نسبة عالية من الأجانب بين سكانها، ومع ذلك فهي تفتقر للقوى العاملة، يضاف إلى ذلك انتشار العناصر اللغوية المتعددة (الألمانية، الفرنسية، الإيطالية، الرومانية)، وهذه التعددية اللغوية كانت سبباً في قلة التمازج العنصري مع الأقاليم الفرنسية المجاورة.
وفي جنيف حكومة لمقاطعة (كانتونية) جنيف، تشكل مجلس الدولة كسلطة تنفيذية، وهناك المجلس الأعلى الذي يتألف من مئة نائب، يشكلون السلطة التشريعية.
تعد الأنشطة الخدمية تعبيراً صادقاً عن شخصية جنيف العالمية، وكذلك كفاءتها التجارية والمالية، إذ يعد العمل في المجالات التجارية والمصارف والتأمين وأسواق المال والأعمال الخدمية الأخرى من المجالات التي تحتل المكان الأول لدى سكان جنيف.
وجنيف موئل لرأس المال الأجنبي، فمصارفها تمتلك أكثر من نصف كمية رأس المال الأجنبي، والحياد السويسري جعل الكثير من الشركات تلجأ إلى جنيف من أجل أن تضع ودائعها المالية.
تحتضن جنيف تراثاً عمرانياً وإرثاً ثقافياً قديمين، وفيها نخبة مثقفة راقية بالعلوم الدينية (اللاهوت) والفلسفية والعلوم الطبيعية والآداب، وفيها جامعة عريقة يدرس فيها نحو 8000 طالب نصفهم من الأجانب، هذا إضافة إلى النشاطات الأخرى المتمثلة بالنشاطات الموسيقية الكلاسيكية واللقاءات الثقافية والمسرحية. ويبقى تفرد المدينة عن غيرها مفتاح ازدهارها المستمر.
محمد صافيتا