جيريكو (تيودور)
Géricault (Théodore-) - Géricault (Théodore-)
جيريكو (تيودور ـ)
(1791ـ1824)
تيودور جيريكو Théodore Géricault مصوّر فرنسي. وُلد في مدينة روان Rouen وتوفي في باريس، وهو من أسرة بورجوازيةٍ ميسورة استقرت في باريس في عام 1796. عاش جيريكو حياةً مشبوبة العاطفة، ويُعدّ من رواد الفن الحديث ومن أفضل من جسّد الفن الإبداعي في فرنسة، وأصدقهم حساً وأصفاهم رؤيةً. تكمن الإبداعية عنده في الطريقة التي أعرض فيها عن القواعد والنظم المتعارف عليها في التصوير سعياً منه إلى طريقة تعبير شخصية. وقد نتجت من هذا كلّه أعمالٌ صعبة مشتتة في جهدها التحليلي، لكنها، مع ذلك، أعمال أخّاذة جداً. كان جيريكو مولعاً بالفن وركوب الخيل، ولم تكن المدرسة تستهويه. وعندما توفيت أمه في عام 1808 خلّفت له ثروةً مكّنته من العيش حياةً كريمةً مستقلةً. وانضم في العام نفسه إلى محترف الفنان فيرنيه Vernet. ترك جيريكو، في عام 1810، محترف أستاذه ليلتحق بمحترف غيران Guérin ويتعلم على يديه خصائص المدرسة الاتباعية الحديثة، ويهيئ نفسه ليصير رسام أحداث تاريخية. في عام 1812 عَرض جيريكو لوحته «صورة الفارس» (متحف اللوفر في باريس). وقد لقيت هذه اللوحة نجاحاً منقطع النظير، في حين أن لوحته المفقودة اليوم والتي عرضها في المعرض الذي أقيم في عام 1814 وعنوانها: «تمرين النار في سهل غرونل» مرّ الناس بها، وقتها، مرور الكرام، ومثلها في ذلك لوحته «المدرّع الجريح ينجو من النار» (متحف اللوفر في باريس). في عام 1816، حاول جيريكو التقدم إلى مسابقة المنحة الدراسية في رومة لكن مساعيه لم تكلل بالنجاح، فسافر إلى إيطالية على نفقته الخاصة وقضى شهراً في مدينة فلورنسة، ثم غادرها إلى رومة، وقد ألهمه مشهد أيام الاحتفال مشروع لوحة «سباق خيول مغربية»، نفّذ عدداً كبيراً من رسوماتها الأولية. وفي خريف عام 1817، عاد إلى باريس ونفّذ لوحته «سوق الثيران» (متحف الفن لجامعة هارفرد)، والتي تلخّص تجربته في رومة.
في عام 1810، ارتبط جيريكو بعلاقة غرامية مع قريبة له فكانت ثمرتها طفلاً غير شرعي، وهزّت الفضيحة العائلة كلّها. وفي العام ذاته، أيضاً، انغمس جيريكو بكليته، هرباً من مشكلاته الكثيرة، في رسم لوحته الكبيرة والشهيرة «طَوْفُ الميدوزا». ومع أن لوحته هذه قد أثارت حولها كثيراً من اللغط والجدل إلاّ أنها لقيت نجاحاً عظيماً، وفاز الفنان بميدالية وطلبت إليه الدولة رسم لوحة أخرى دينية، لكنه لم ينفّذها. وبسبب الإجهاد الكبير الذي عانى منه، أصيب جيريكو بانهيار عصبي، فسافر إلى إنكلترة، بناءً على دعوةٍ قُدِّمت له عام 1820، ليعرض لوحته «طَوفُ الميدوزا»، واستُقبل فيها استقبالاً حاراً. تأثر جيريكو بفن التصوير الإنكليزي وخصوصاً بمصوري الحيوانات والمناظر الطبيعية. وفي تشرين الثاني من العام نفسه، زار المصور الفرنسي دافيد (1748-1825) L.David، المنفي في بروكسل، ثم عاد إلى لندن فباريس. في عام 1821، اعتلّت صحته ووقع مرتين متتاليتين من على صهوة الحصان، وأصيب برضوض في جسمه، ولكنه تابع مع ذلك رسم لوحاته. واللوحات العشر التي رسم فيها المجانين، والتي بقي منها خمس فقط، ربما تعود في تاريخها إلى تلك المرحلة. وفي نهاية عام 1823، تدهورت صحته بسرعة وتوفي في العام التالي، وبيعت محتويات محترفه بالمزاد العلني. لم يلقَ جيريكو التكريم الذي يستحقه والاعتراف بعبقريته الفنية سوى في عام 1840، وتحول إلى بطل وطني، كما حظيت أعماله، في القرن العشرين، باهتمام كبير إذ تجلت فيها عبقريته وشخصيته الفذة.
كان جيريكو مُقِلاًّ في عرض أعماله إبان حياته: أربع لوحات فقط عرضها في صالات العرض بين عامي 1812 و1819. وتندرج لوحته «طَوْفُ الميدوزا» ضمن سلسلة الأعمال الكبرى التاريخية المتأثرة بمدرسة المصور دافيد. وقد عُرضت هذه اللوحة في معرض اللوفر في عام 1824 واقتناها المتحف بعد موت الفنان مباشرةً. وطموح جيريكو الفني في هذه اللوحة عظيم جداً. فهو من غير أن يُعرض عن الإصلاح الذي أتى به المصور دافيد، كان تأثره كبيراً بالمصور الفلمنكي روبنس[ر] Rubens والنحات والمصور الإيطالي ميكلانجلو[ر] Michel Angelo.
وقد بوأته لوحاته التصويرية القليلة التي عرضها مكاناً متفرداً في قائمة مصوري القرن التاسع عشر. إن أكثر أعمال جيريكو إثارة لقلق المشاهد وأقلها قابليةً لفهمه، هي لوحة «رؤوس المنكّل بهم»، المعروضة في ستوكهولم، وغالباً ما تُرى هذه الأعمال على أنها دراسات أولية للوحة «طَوْفُ الميدوزا» لكنها في الواقع لا تمتّ إليها بصلة مباشرة، فهي أعمال مكتملة منتهية حظيت وقتها بإعجاب متذوقي فن جيريكو، كما تشهد بذلك النسخ المتعددة التي صنعت لها، والتي تم تداولها بين عشاق فنه. وولع جيريكو بالحصان الذي انضم بسببه إلى محترف فرنيه، لكنه أضاف جديداً للموضوع، عبر دراسات عديدة أجراها على رسم الحصان، انطلاقاً من حدّة ملاحظته وحسّه المرهف. وقد أدرج جيريكو الحصان في آخر حياته في جلّ أعماله في التصوير وفي الحفر، فالحصان عنده ليس موضوعاً اجتماعياً ولا تزيينياً، كما هي حاله عند معلمه فرنيه، وإنما هو محور أسطورة شخصية، فهو حامل تأملاته في العاطفة المشبوبة المتّقدة، وفي العمل والألم والموت. ومن الملاحظ أن جيريكو، شأنه شأن كل الإبداعيين، كان معجباً كل الإعجاب بالشاعر الإنكليزي بايرون[ر] Byron وكان قد رسم لوحة صغيرة، في موضوع «مازيبا» Mazeppa، صورة المصير الذي يتماهى فيه الإنسان بحصانه.
ولابد من التنويه بأن جيريكو قد اشتهر بأعمال الحفر lithographie التي بدأها عندما راجت هذه التقنية في فرنسة، في عام 1817. والموضوعات العسكرية التي حفرها قبل سفره إلى إنكلترة تتميّز بقوة استثنائية مثل «الملاكمون».
نبيل اللو
Géricault (Théodore-) - Géricault (Théodore-)
جيريكو (تيودور ـ)
(1791ـ1824)
تيودور جيريكو Théodore Géricault مصوّر فرنسي. وُلد في مدينة روان Rouen وتوفي في باريس، وهو من أسرة بورجوازيةٍ ميسورة استقرت في باريس في عام 1796. عاش جيريكو حياةً مشبوبة العاطفة، ويُعدّ من رواد الفن الحديث ومن أفضل من جسّد الفن الإبداعي في فرنسة، وأصدقهم حساً وأصفاهم رؤيةً. تكمن الإبداعية عنده في الطريقة التي أعرض فيها عن القواعد والنظم المتعارف عليها في التصوير سعياً منه إلى طريقة تعبير شخصية. وقد نتجت من هذا كلّه أعمالٌ صعبة مشتتة في جهدها التحليلي، لكنها، مع ذلك، أعمال أخّاذة جداً. كان جيريكو مولعاً بالفن وركوب الخيل، ولم تكن المدرسة تستهويه. وعندما توفيت أمه في عام 1808 خلّفت له ثروةً مكّنته من العيش حياةً كريمةً مستقلةً. وانضم في العام نفسه إلى محترف الفنان فيرنيه Vernet. ترك جيريكو، في عام 1810، محترف أستاذه ليلتحق بمحترف غيران Guérin ويتعلم على يديه خصائص المدرسة الاتباعية الحديثة، ويهيئ نفسه ليصير رسام أحداث تاريخية. في عام 1812 عَرض جيريكو لوحته «صورة الفارس» (متحف اللوفر في باريس). وقد لقيت هذه اللوحة نجاحاً منقطع النظير، في حين أن لوحته المفقودة اليوم والتي عرضها في المعرض الذي أقيم في عام 1814 وعنوانها: «تمرين النار في سهل غرونل» مرّ الناس بها، وقتها، مرور الكرام، ومثلها في ذلك لوحته «المدرّع الجريح ينجو من النار» (متحف اللوفر في باريس). في عام 1816، حاول جيريكو التقدم إلى مسابقة المنحة الدراسية في رومة لكن مساعيه لم تكلل بالنجاح، فسافر إلى إيطالية على نفقته الخاصة وقضى شهراً في مدينة فلورنسة، ثم غادرها إلى رومة، وقد ألهمه مشهد أيام الاحتفال مشروع لوحة «سباق خيول مغربية»، نفّذ عدداً كبيراً من رسوماتها الأولية. وفي خريف عام 1817، عاد إلى باريس ونفّذ لوحته «سوق الثيران» (متحف الفن لجامعة هارفرد)، والتي تلخّص تجربته في رومة.
كان جيريكو مُقِلاًّ في عرض أعماله إبان حياته: أربع لوحات فقط عرضها في صالات العرض بين عامي 1812 و1819. وتندرج لوحته «طَوْفُ الميدوزا» ضمن سلسلة الأعمال الكبرى التاريخية المتأثرة بمدرسة المصور دافيد. وقد عُرضت هذه اللوحة في معرض اللوفر في عام 1824 واقتناها المتحف بعد موت الفنان مباشرةً. وطموح جيريكو الفني في هذه اللوحة عظيم جداً. فهو من غير أن يُعرض عن الإصلاح الذي أتى به المصور دافيد، كان تأثره كبيراً بالمصور الفلمنكي روبنس[ر] Rubens والنحات والمصور الإيطالي ميكلانجلو[ر] Michel Angelo.
وقد بوأته لوحاته التصويرية القليلة التي عرضها مكاناً متفرداً في قائمة مصوري القرن التاسع عشر. إن أكثر أعمال جيريكو إثارة لقلق المشاهد وأقلها قابليةً لفهمه، هي لوحة «رؤوس المنكّل بهم»، المعروضة في ستوكهولم، وغالباً ما تُرى هذه الأعمال على أنها دراسات أولية للوحة «طَوْفُ الميدوزا» لكنها في الواقع لا تمتّ إليها بصلة مباشرة، فهي أعمال مكتملة منتهية حظيت وقتها بإعجاب متذوقي فن جيريكو، كما تشهد بذلك النسخ المتعددة التي صنعت لها، والتي تم تداولها بين عشاق فنه. وولع جيريكو بالحصان الذي انضم بسببه إلى محترف فرنيه، لكنه أضاف جديداً للموضوع، عبر دراسات عديدة أجراها على رسم الحصان، انطلاقاً من حدّة ملاحظته وحسّه المرهف. وقد أدرج جيريكو الحصان في آخر حياته في جلّ أعماله في التصوير وفي الحفر، فالحصان عنده ليس موضوعاً اجتماعياً ولا تزيينياً، كما هي حاله عند معلمه فرنيه، وإنما هو محور أسطورة شخصية، فهو حامل تأملاته في العاطفة المشبوبة المتّقدة، وفي العمل والألم والموت. ومن الملاحظ أن جيريكو، شأنه شأن كل الإبداعيين، كان معجباً كل الإعجاب بالشاعر الإنكليزي بايرون[ر] Byron وكان قد رسم لوحة صغيرة، في موضوع «مازيبا» Mazeppa، صورة المصير الذي يتماهى فيه الإنسان بحصانه.
ولابد من التنويه بأن جيريكو قد اشتهر بأعمال الحفر lithographie التي بدأها عندما راجت هذه التقنية في فرنسة، في عام 1817. والموضوعات العسكرية التي حفرها قبل سفره إلى إنكلترة تتميّز بقوة استثنائية مثل «الملاكمون».
نبيل اللو