الصحفية روزيت الفار...كتبت هؤلاء العباقرة كانوا مضطربين نفسياً

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • الصحفية روزيت الفار...كتبت هؤلاء العباقرة كانوا مضطربين نفسياً




    روزيت الفار-عمّان



    بعد أن كانت الاضطرابات النّفسيّة والأمراض العقلية مدعاة لإحراج المريض وذويه وسبباً للتّكتّم عليها وعزل المصابين بها عن المجتمع وتسميتهم بنعوت وألفاظ عاميّة مؤذية، كانت بمعظمها تسبّب ألماً إضافيّاً للمريض ولأهله، أتى علم النّفس الحديث ليهذّبها ويبحث عن أسبابها ويسعى لإيجاد طرق لمعالجتها اجتماعيّاً وبيئيّاً بشكل علميّ ويعطيها أسماءً تصف الحالة ويُعفي المُصاب بها من كافّة الأوصاف السّلبيّة الّتي كانت تطاله. تزامن ذلك وتوافق مع الأبحاث العلميّة والتّجارب المخبريّة لتقييم كل من الحالات بغية إيجاد حلول لها. نجح العلماء بدراسة الدّماغ وفهم آليّة عمله ونواقله العصبيّة ومكوّناته الكيميائيّة؛ وتوصّلوا لمعرفة أن أيَّ تغيّر بمستوى هذه المكوّنات من الكيمياء والهرمونات ينعكس على سلوك الإنسان ومشاعره وتصرّفاته وتفاعله مع نفسه ومع الغير، الأمر الّذي يحدث ما يسمّى بالاضطرابات النّفسيّة والعصبيّة.

    كنّا في السّابق نسمع مثلاً ألفاظاً “كالمجنون والممسوس والمجذوب والأهبل والموتور والمنغولي والمتخلّف” وغيرها، أصبحنا نقرأ الآن عن “التّوحّد والاكتئاب وثنائيّة القطب ومتلازمة داون وفرط الحركة والنّشاط وعدم التّركيز” الخ…، مع أنّ الكثيرين ممّن كنّا ندعوهم بتلك الأسماء كانوا في تاريخ البشريّة عباقرة خالدين وعلماء أغنوا العالم بعلمهم وفنّهم وأدبهم وصاغوا لنا أجمل ما نشاهده ونسمعه ونعيشه في عالمنا الآن.

    وبعد أن درس المؤرّخون والعلماء حياة أولئك العباقرة والمشاهير؛ وجدوا أنّ نسبة عالية منهم كانت تعاني، بمستويات مختلفة، من الاضطراب النّفسي أو المرض العقلي؛ وأنّ المرض كان السّبب في وصلوهم لما كانوا عليه وساهم في إبداعهم وتشكيل شخصيّتهم. [وبالمناسبة؛ يقال أنّ كلمة عبقري؛ تعود لوادي عبقر الّذي يقع داخل حدود الجزيرة العربيّة سواء من جهة السّعوديّة أو اليمن وقيل إن ملوك الجنِّ كانت تسكن هناك وهي الّتي كانت تلهم الشّعراء نطق الشّعر بسلاسة وتلقائيّة تامّة، وقيل أنّه كان لكل من شعراء الجاهليّة قرين من الجنِّ قد تلبّسه من هذا الوادي، كان السّبب في عبقريته. منهم امرؤ القيس، عنترة العبسي وزهير بن أبي سلمى والنّابغة الذّبياني]. من أبرز مشاهير العالم الّذين كانوا يعانون من تلك الأمراض: ألبرت آينشتاين الّذي كان في طفولته يعاني من صعوبات في تعلّم الّلغة منعته من القراءة السّليمة، لكنّه أصبح صاحب أقوى نظريّة في الفيزياء (نظريّة النّسبيّة) الّتي قامت عليها علوم وتجارب علميّة لا نزال نعيش تطبيقاتها إلى الآن. بيتهوفن الموسيقي الشهير الّذي خلّدته أعماله وإرثه الفنّي. كان سوداويّاً بائساً مكتئباً إضافة إلى أنّه كان أصمّاً، فقد كتب مقطوعته الشّهيرة “سوناتا ضوء القمر” الّتي أخذت شهرتها مما تحمله من غموض وعاطفة وخيال لم يستطع غيره أن يأتي بمثلها. ناهيك عن موزارت الّذي كان ثنائي القطب لكنّه كان يكتب النّوتات لخمس آلات موسيقيّة بذات الوقت ولمرّة واحدة فقط. كان يظهر ذلك على مسوّداته ومؤلّفاته الّتي تركها دون وجود لأيِّ تصحيح عليها، فقد نقلها تماماً كما ظهرت في مخيّلته. التّوحّدي ورائد الفن التّشكيلي في عصر النّهضة مايكل أنجلو؛ والّذي كان يشكو من صعوبات في التّواصل؛ لكنّه كان كماليّاً في عمله وصاحب الجداريّة الشّهيرة “الحساب الأخير” الّتي أمضى ثمان سنوات في رسمها على كامل جدار وسقف كنيسة ساستينا بالفاتيكان، والّتي تحوي على أكثر من 300 جسد من الرّجال والملائكة. الرّسّام الهولندي فنسنت كوخ كان أيضاً ثنائي القطب تأرجحت حياته بين الحب والبؤس والحزن. ونستون تشرشل رئيس وزراء بريطانيا زمن الحرب العالميّة الثّانية وهو أبرز السّياسيين والكتّاب والمؤرّخين الحاصل على جائزة نوبل للأدب؛ كان أيضاً ثنائي القطب.

    يذكر أن ثنائيّة القطب هي إحدى أشكال الاضطراب النّفسي الّتي يتنقّل صاحبها بين حالتي الانطواء والانفتاح الشّديدين بصورة تؤثّر على مزاجه وإنجازه وتفاعله بشكل سلبي.

    جاءت نتائج المسوح والدّراسات لتثبت وجود علاقة قويّة بين الاضطرابات النّفسيّة وبين الإبداع والخلق؛ وأنّ الفنّانين على اختلاف أعمالهم، هم الفئة الأكثر حساسيّة من غيرهم إذ يكون وقع المشاعر عندهم أقوى، وأنّه من الممكن أن تحرّك هذه المشاعر أنظمة التّحكّم الدّماغيّة مما يجعلهم عرضة لمثل تلك الاضطرابات أكثر من غيرهم. وحسب إحصائيّات منظّمة الصّحّة العالميّة، هناك مليون حالة انتحار تسجّل سنويّاً من بينها نسبة عالية من مشاهير الفنّانين والكتّاب.

    يقول الخبير الفرنسي ميشيل رينو، المتخصّص في الأمراض النّفسيّة والإدمان بأنّ التّفاعلات الدّماغيّة المسؤولة عن الإبداع هي ذاتها المسؤولة عن حدوث الاضطرابات النّفسيّة؛ الأمر الّذي يزيد من مخاطر الإصابة بها عندهم، وأنّ للاكتئاب صلة بالثّنائيّة القطبيّة؛ وأنّ نسبة كبيرة من الفنّانين المدمنين مصابون بالاكتئاب وبالعكس. يذكر أنّه كان لتوفّر الكحول بأوساط الفنّانين والمبدعين والّتي اعتبروها حافزاً للأفكار الإبداعيّة، انعكاسات سلبيّة عليهم أودت بحياة الكثيرين منهم.

    بالرّغم من ثبوت وجودها، لكن لا يزال هناك عدم فهم لآليّة الرّبط بين “العبقريّة والجنون” وجدل حول أيُّهم يسبب حدوث الآخر. ويستمر العلماء بالبحث والسّعي وراء تحديد ذلك لم ولن يتوقّفوا قبل الكشف والتّوصّل لما يبغون معرفته.

يعمل...
X