هدى عيد
أشعلت فرقة ” جيلان” بقيادة الفنّان خالد عبدلله مسرح سينما إشبيليه، في مدينة صيدا، مساء ليل الرابع والعشرين من شهر شباط 2022.
امتلأت قاعة المسرح الكبرى كاملة بالنّاس. إنّه الرّد الأكثر عفويّة على الخطاب الإقصائيّ لمشاعر البشر، ولميولهم العميقة نحو الاجتماع والاستمتاع.
وَصْفُ غناء العبدلله بكونه نوعاً من الغناء المتمرّس سيبدو توصيفاً قاصراً، لأنّ الرّجل قد جاوز مرحلة الغناء المتمكّن، ليدرك مرحلةَ الغناء العميق الأصيل المدهش والممتع في آن.
تخيُّرُ الأغنيات الّتي تمّ تقديمها في خلال الأمسية الحاشدة، سواء ما كان منها لأحمد فؤاد نجم، أو لعبد الوهاب (يا مسافر وحدك)، أو أغنية (مهما كان بُعدك حيطوّل)، (يا بحر قول للسّمك)، أغنية روحي، (سالمة يا سلامة) لسيد درويش، (بيت للحلاج)، (مقامك في عيني)، (مشغول عليك مشغول لكارم محمود)، (البحر بيضحك ليه إمام)، (رح حلفك بالغصن يا عصفور وديع الصافي)، أعطني ألف قبلة، (مضناك جفاه مرقده عبد الوهاب)، (يا نسيم الروح قولي للرشا) يظهر انحياز الفرقة للتّراث الفني الأصيل الغزلي منه و الصّوفي كما النّقدي السّاخر.
إنّها اختيارات صعبة، لكن خبرات خالد، والصوت المثقف المرِن والقوي الذي يتمتع به، كانا كافيين لجعلِ الغناء أنيقاً وعميقاً في آن، صاخباً ومهموساً في آن آخر.
وقد أسهم في إثراء هذا الغناء المؤثّر تقابلُه وغناءَ الشاب الواعد آدم عبد الله الّذي فرض حضورَه بقوّة شفافيته، وبدفئه وبوجدانيته العالية، ما جعل التجديد الحادث والمتمثل في المزج ما بين الموسيقى الشرقية ( العود خالد) لهذه الأغاني، ونّغمات الجاز والروك الغربية ( Bass/ contrebass أسامة الخطيب) ( البيانو آدم) ( الدّرامز إبراهيم الخطيب) يحقق وجوداً متمايزاً له رافق الثنائية الغنائية الرّائعة التي تجلّى فيها كسرٌ للمألوف، واحتواء لتجديد جذاب.
بدا خالد في أمسيته مطرباً واثقاً بنفسه، بحركته السّلسة على المسرح، أستاذاً مطمئناً إلى طاقات صوته، وطبقاتها وإمكاناتها، معتدّاً بحسن التناوب بينه وبين الشاب آدم ما أتاح له الفرصة للتحكم في صوته لإحداث التّأثير المطلوب، من قِبله، ومن قبل ابنه آدم فتدفقت الأحاسيس حارة صادقة، في الأغاني العاطفية، وعلت هادرة في الأغاني الملتزمة.
وإذا كان هذا المطرب أستاذاً وهاوياً في آن، فإنّ مقابلة آدم له في منتصف الطّريق بتناغم وبتوافق ناجحين حقّاً قد جعلا الموسيقى والصّوت يبرزان في حالة مناغاة وانسجام مع شلالات الضوء المتكسّر المُنصبّ بفنيّة على المسرح، ليتخلّق من بين كل ذلك هذا الغناء العميق الصّافي المولود، في أحضان الفرقة الجيلين التي برزت قدرتها واضحةً على التّأصيل، وعلى التجدّد معاً، ما منح حضورها في تلك الأمسية، نوعاً من الانتصار الحقيقي للجميل، وللحُرّ في الإنسانيّ الّلبنانيّ المتحدي لكلّ ما يحيط به من تردٍ ومن خراب.
—————————————-
هدى عيد: أديبة واستاذة جامعية