جزايري (شيخ طاهر)
Al-Jazairi (al-Sheikh Taher-) - Al-Jazaïri (al-Cheïkh Taher-)
الجزائري (الشيخ طاهر ـ)
(1268ـ1338هـ/1851ـ1920م)
الشيخ طاهر بن صالح بن أحمد الحسين بن موسى الصمعوني (أو السمعوني)، رائد النهضة العلمية في بلاد الشام. كان أبوه فقيهاً، هاجر من الجزائر سنة 1263هـ/1847م، فأقام في دمشق واشتهر في علم الفلك والفقه والتاريخ. وفي دمشق ولد طاهر الجزائري، وتعلَّم في مدرسة الجقمقية، ثم درس على الشيخ عبد الغني الغنيمي الميداني، وتأثر به في التمسك بجوهر الشريعة ولبابها والبعد عن البدع.
كان الشيخ طاهر على درجة كبيرة من التفتح والوعي والذكاء وبعد النظر وسرعة البديهة، أحبَّ المطالعة فانكبَّ على قراءة كتب الدين واللغة والتاريخ والأدب والفلك والرياضيات والطبيعة، يقول محمد كرد علي عن أستاذه الشيخ طاهر أنَّه «قرأ الكتب العربية التي طبعت في الشرق أو الغرب أو ترجمت عن اللغات الأوربية، أمَّا المخطوطات التي طالعها فتقرب من المطبوعات إن لم تكن أكثر». وأتقن الشيخ طاهر من اللُّغات إلى جانب العربية، التركية والفارسية والسريانية والعبرية والحبشية والفرنسية والأمازيغية (وهي لغة البربر في الجزائر). عُرف الشيخ طاهر بعزَّة نفسه، وجرأته بالحق، وتواضعه، وعدم اهتمامه بالمظاهر، وإخلاصه في عمله. وكان عصبي المزاج يكره النفاق والتعصّب والجمود، قوي الحجة، فصيح اللسان، لم يتزوج في حياته بل ملأ أوقاته بالقراءة ومجالس العلم والحوار حول المسائل الدينية والعلمية. أُعجب بالشيخ طاهر الوالي العثماني مدحة باشا (1238-1301هـ/ 1822-1883م) المعروف بحبه للإصلاح، فعهد إليه مهمَّة تأسيس المدارس والتفتيش عليها والاهتمام بالتعليم؛ فأسَّس في دمشق عدداً منها مدرستان لتعليم البنات، ووضع المناهج لها وألَّف بعض الكتب المدرسية.
كان للشيخ طاهر ولع شديد بالكتب، فاهتم بجمعها ولاسيما المخطوطات، فأسَّس في دمشق المكتبة الظاهرية، وأسهم في تأسيس المكتبة الخالدية في القدس. وبعد عزل الوالي مدحة باشا خسر الشيخ طاهر سنداً قوياً، وكانت السلطات التركية في تلك الفترة من عهد السلطان عبد الحميد الثاني تتخوف من حركات الوعي ونشاط العناصر المتعلمة وتجمعاتها، فبدأت مضايقاتها للشيخ طاهر ولنشاطه واجتماعاته الكثيرة مع المثقفين؛ وكان له تأثير كبير في أولئك الشباب الذين يلتفون حوله، ومن هؤلاء الشباب محمد كرد علي الذي يقول: «كان العامل في توجيه إرادتي نحو الدعوة إلى الإصلاح الاجتماعي، والإقدام على التأليف والنشر، وإشرابي محبة الأجداد، والتناغي بآثارهم والحرص على تراث حضارتهم أستاذي الشيخ طاهر الجزائري، فما زلت ألزمه منذ اتصلت به إلى أن ذهب إلى ربه»، ويقول عنَّه أيضاً: «وإنَّه أشرب قلبي حب العرب وهداني إلى البحث في كتبهم». فمن الطبيعي إذن أن يتخوف الأتراك من نشاطه ولهذا داهمت الشرطة داره وفتشوها مما دفع به للهجرة إلى مصر سنة 1325هـ/1907م وعاش في القاهرة عيشة زهد وتقشف، ورفض ما عرضه عليه بعض أصدقائه من العلماء الأثرياء من مساعدة مادية لعزة في نفسه، فكان يبيع من كتبه ليعيش بثمنها. وكان لا يبيع كتبه إلا لمن يحفظها ويفيد منها، مفضِّلاً بقاءها في بلاد عربية وإسلامية على بيعها إلى بلاد أجنبية، ولو أدَّى به الأمر إلى بيعها بثمن أقل مع شدة حاجته لثمنها. وباع معظم كتبه إلى دور الكتب مثل: دار الكتب، والخزانة التيمورية، والخزانة الزكية. وكان من أشهر أدباء مصر الذين عاشرهم وأثّر بهم وأعجبوا به أحمد تيمور باشا وأحمد زكي باشا.
بقي الشيخ طاهر في مصر نحو ثلاث عشرة سنة لم يبارحها غير مرتين، الأولى لتأدية فريضة الحج، والثانية إلى باريس لحضور مؤتمر المستشرقين.
عاد الشيخ طاهر إلى دمشق بعد تحرُّرها من الحكم التركي سنة 1337هـ/1919م حيث اختير عضواً في المجمع العلمي العربي (مجمع اللغة العربية اليوم)، وعُيّن مديراً للمكتبة الظاهرية. وبعد أشهر قليلة من عودته توفي ودفن في سفح جبل قاسيون.
ترك الشيخ طاهر من المؤلفات عدة كتب منها: «إرشاد الألباء إلى طريق ألف باء» و«أشهر الأمثال» و«التبيان لبعض المباحث المتعلقة بالقرآن عن طريق الإتقان» و«تسهيل المجاز إلى فن المعمى والألغاز» و«تمهيد العروض إلى فن العروض» و«الجواهر الكلامية في العقائد الإسلامية» و«الكافي في اللغة» وهو معجم لم يتمه أو ضاع أكثره، وله أيضاً «مد الراحة لأخذ المساحة» و«منية الأذكياء في قصص الأنبياء».
هاني المبارك
Al-Jazairi (al-Sheikh Taher-) - Al-Jazaïri (al-Cheïkh Taher-)
الجزائري (الشيخ طاهر ـ)
(1268ـ1338هـ/1851ـ1920م)
الشيخ طاهر بن صالح بن أحمد الحسين بن موسى الصمعوني (أو السمعوني)، رائد النهضة العلمية في بلاد الشام. كان أبوه فقيهاً، هاجر من الجزائر سنة 1263هـ/1847م، فأقام في دمشق واشتهر في علم الفلك والفقه والتاريخ. وفي دمشق ولد طاهر الجزائري، وتعلَّم في مدرسة الجقمقية، ثم درس على الشيخ عبد الغني الغنيمي الميداني، وتأثر به في التمسك بجوهر الشريعة ولبابها والبعد عن البدع.
كان للشيخ طاهر ولع شديد بالكتب، فاهتم بجمعها ولاسيما المخطوطات، فأسَّس في دمشق المكتبة الظاهرية، وأسهم في تأسيس المكتبة الخالدية في القدس. وبعد عزل الوالي مدحة باشا خسر الشيخ طاهر سنداً قوياً، وكانت السلطات التركية في تلك الفترة من عهد السلطان عبد الحميد الثاني تتخوف من حركات الوعي ونشاط العناصر المتعلمة وتجمعاتها، فبدأت مضايقاتها للشيخ طاهر ولنشاطه واجتماعاته الكثيرة مع المثقفين؛ وكان له تأثير كبير في أولئك الشباب الذين يلتفون حوله، ومن هؤلاء الشباب محمد كرد علي الذي يقول: «كان العامل في توجيه إرادتي نحو الدعوة إلى الإصلاح الاجتماعي، والإقدام على التأليف والنشر، وإشرابي محبة الأجداد، والتناغي بآثارهم والحرص على تراث حضارتهم أستاذي الشيخ طاهر الجزائري، فما زلت ألزمه منذ اتصلت به إلى أن ذهب إلى ربه»، ويقول عنَّه أيضاً: «وإنَّه أشرب قلبي حب العرب وهداني إلى البحث في كتبهم». فمن الطبيعي إذن أن يتخوف الأتراك من نشاطه ولهذا داهمت الشرطة داره وفتشوها مما دفع به للهجرة إلى مصر سنة 1325هـ/1907م وعاش في القاهرة عيشة زهد وتقشف، ورفض ما عرضه عليه بعض أصدقائه من العلماء الأثرياء من مساعدة مادية لعزة في نفسه، فكان يبيع من كتبه ليعيش بثمنها. وكان لا يبيع كتبه إلا لمن يحفظها ويفيد منها، مفضِّلاً بقاءها في بلاد عربية وإسلامية على بيعها إلى بلاد أجنبية، ولو أدَّى به الأمر إلى بيعها بثمن أقل مع شدة حاجته لثمنها. وباع معظم كتبه إلى دور الكتب مثل: دار الكتب، والخزانة التيمورية، والخزانة الزكية. وكان من أشهر أدباء مصر الذين عاشرهم وأثّر بهم وأعجبوا به أحمد تيمور باشا وأحمد زكي باشا.
بقي الشيخ طاهر في مصر نحو ثلاث عشرة سنة لم يبارحها غير مرتين، الأولى لتأدية فريضة الحج، والثانية إلى باريس لحضور مؤتمر المستشرقين.
عاد الشيخ طاهر إلى دمشق بعد تحرُّرها من الحكم التركي سنة 1337هـ/1919م حيث اختير عضواً في المجمع العلمي العربي (مجمع اللغة العربية اليوم)، وعُيّن مديراً للمكتبة الظاهرية. وبعد أشهر قليلة من عودته توفي ودفن في سفح جبل قاسيون.
ترك الشيخ طاهر من المؤلفات عدة كتب منها: «إرشاد الألباء إلى طريق ألف باء» و«أشهر الأمثال» و«التبيان لبعض المباحث المتعلقة بالقرآن عن طريق الإتقان» و«تسهيل المجاز إلى فن المعمى والألغاز» و«تمهيد العروض إلى فن العروض» و«الجواهر الكلامية في العقائد الإسلامية» و«الكافي في اللغة» وهو معجم لم يتمه أو ضاع أكثره، وله أيضاً «مد الراحة لأخذ المساحة» و«منية الأذكياء في قصص الأنبياء».
هاني المبارك