جنديسابور
Gundeshapur - Gundishapur
جُنْدَيسابور
مدينة إيرانية بخوزستان. أسسها الملك سابور الأول بن أردشيربن بابك، في القرن الثالث للميلاد، فنسبت إليه وأسكنها بني الروم وطائفة من جنده، وكانت مدينة خصبة وافرة الخيرات. وذكر ياقوت الحموي (ت 627هـ) أنه اجتاز هذه البلدة مراراً، فلم يجد فيها سوى خرائب وأطلال بائدة لا تُعرف حقائقها إلا بتواتر الأخبار.
كان سابور الأول في صراع دائم مع الروم، وفي عام 260م تغلّب على الامبراطور الروماني فاليريان، فاحتل أنطاكية وطرسوس وقيسارية، وأسر الكثير من أهالي هذه المناطق، مستخدماً الكثير منهم لبناء الجسور والسدود، كما أسكن الكثير منهم في جنديسابور.
وفي بداية القرن الخامس للميلاد كان أغلب السكان في شمالي بلاد الرافدين من السريان النساطرة، الذين يؤمنون بأن السيد المسيح يتمتع بطبيعتين: اللاهوتية والناسوتية. وكان زعيمهم الراهب نسطوريوس، بطريرك القسطنطينية، فنسبوا إليه. ولما كانت عقيدتهم مخالفة لمذهب الدولة الرسمي، فقد حوكم نسطوريوس من قبل المجمع المسكوني، الذي انعقد في مدينة أفسس عام 431م، وحكم عليه بالنفي إلى صعيد مصر، وعلى إثر ذلك شدّدت السلطات البيزنطية على النساطرة فهاجروا إلى الرُها. ثم أصدر الامبراطور زينون قراراً بطردهم فهاجروا إلى إيران وحلّوا في جنديسابور.
وحين أغلق الامبراطور جوستنيان جامعة أثينة عام 529م بحجة أنها مدرسة وثنية، لجأ عدد من علمائها وفلاسفتها إلى بلاد فارس واستقرّ بعضهم في جنديسابور أيضاً.
وفي عهد كسرى أنوشروان (531-579م) أصبحت جنديسابور أكبر مركز علمي في تلك المنطقة. وفيها امتزجت الثقافات الإغريقية والسريانية والفارسية والمسيحية.
ومن المرجح أن قيام البيمارستان والمدرسة الطبية الملحقة به في جنديسابور كان نتيجة للازدهار العلمي والثقافي الذي تحقق في عهد كسرى أنوشروان في القرن السادس للميلاد.
كان بيمارستان جنديسابور مؤسسة صحية دينية. اشتق اسمه من اللغة الفارسية، وهو يعني مكان المرضى، أي مستشفى. وكان يشرف عليه أكبر شخصية دينية في تلك المنطقة.
ويعتقد بعض المؤرخين بوجود مدرسة طبية ملحقة به، إلا أن الرأي السائد هو أن البيمارستان والمدرسة كانا مؤسسة واحدة، أما لغة التدريس والمخاطبة فكانت السريانية.
كان اتصال العرب بجنديسابور قائماً قبل بدء الدعوة الإسلامية. فالطبيب الحارث بن كلدة الثقفي (ت 13هـ)، رحل من بلدته الطائف إلى بلاد فارس، حيث درس الطب في جنديسابور. ثم مارس المهنة هناك، فنال الشهرة والثروة وعاد بعد ذلك إلى بلده، فأدرك الرسولr بعد فتح مكة المكرمة. ولبراعته في الطب فقد أوصى الرسولr بمراجعته عند الحاجة.
استمرت مدرسة جنديسابور والبيمارستان في تقديم خدماتها في العهد الإسلامي، كما كانا في عهد الساسانيين، ثم ازداد اتصالهما بالعرب المسلمين في العصر العباسي. ولما أصيب الخليفة أبو جعفر المنصور بمرض في معدته، حين بدأ ببناء بغداد، وعجز أطباؤه عن معالجته، اقترحوا عليه استدعاء جورجيس بن بختيشوع، رئيس أطباء جنديسابور، فنال الشفاء على يده. ويبدو أن هذا الاتصال قد أدى إلى نتائج هامة، منها اقتناع الخلفاء العباسيين بضرورة إنشاء البيمارستان في الحواضر الإسلامية، لذلك أصدر الخليفة هارون الرشيد أمره إلى الطبيب جبرائيل بن بختيشوع بإنشاء بيمارستان على نمط بيمارستان جنديسابور. ولما تمّ ذلك عَهد الرشيد إلى ماسويه الخوزي بإدارته تحت إشراف جبرائيل.
نال آل بختيشوع[ر] الشهرة والثروة والجاه في ظلّ الخلفاء والأمراء العباسيين. وكان لذلك أكبر الأثر في تدني مكانة بيمارستان جنديسابور ومدرستها على الساحة العلمية، بسبب هجرة العلماء والأطباء منها تدريجياً للعمل في بيمارستان الرشيد وفي غيره من البيمارستانات التي أنشئت في بغداد وغيرها من المدن. لقد توالى على رئاسة الأطباء عدة أفراد من آل بختيشوع خلال فترة زمنية تقدر بثلاثة قرون. وكان لهم أثر لا ينكر في تنظيم مهنة الطب والتشجيع على نقل التراث الطبي اليوناني إلى اللغة العربية.
كمال شحادة
Gundeshapur - Gundishapur
جُنْدَيسابور
مدينة إيرانية بخوزستان. أسسها الملك سابور الأول بن أردشيربن بابك، في القرن الثالث للميلاد، فنسبت إليه وأسكنها بني الروم وطائفة من جنده، وكانت مدينة خصبة وافرة الخيرات. وذكر ياقوت الحموي (ت 627هـ) أنه اجتاز هذه البلدة مراراً، فلم يجد فيها سوى خرائب وأطلال بائدة لا تُعرف حقائقها إلا بتواتر الأخبار.
كان سابور الأول في صراع دائم مع الروم، وفي عام 260م تغلّب على الامبراطور الروماني فاليريان، فاحتل أنطاكية وطرسوس وقيسارية، وأسر الكثير من أهالي هذه المناطق، مستخدماً الكثير منهم لبناء الجسور والسدود، كما أسكن الكثير منهم في جنديسابور.
وفي بداية القرن الخامس للميلاد كان أغلب السكان في شمالي بلاد الرافدين من السريان النساطرة، الذين يؤمنون بأن السيد المسيح يتمتع بطبيعتين: اللاهوتية والناسوتية. وكان زعيمهم الراهب نسطوريوس، بطريرك القسطنطينية، فنسبوا إليه. ولما كانت عقيدتهم مخالفة لمذهب الدولة الرسمي، فقد حوكم نسطوريوس من قبل المجمع المسكوني، الذي انعقد في مدينة أفسس عام 431م، وحكم عليه بالنفي إلى صعيد مصر، وعلى إثر ذلك شدّدت السلطات البيزنطية على النساطرة فهاجروا إلى الرُها. ثم أصدر الامبراطور زينون قراراً بطردهم فهاجروا إلى إيران وحلّوا في جنديسابور.
وحين أغلق الامبراطور جوستنيان جامعة أثينة عام 529م بحجة أنها مدرسة وثنية، لجأ عدد من علمائها وفلاسفتها إلى بلاد فارس واستقرّ بعضهم في جنديسابور أيضاً.
وفي عهد كسرى أنوشروان (531-579م) أصبحت جنديسابور أكبر مركز علمي في تلك المنطقة. وفيها امتزجت الثقافات الإغريقية والسريانية والفارسية والمسيحية.
ومن المرجح أن قيام البيمارستان والمدرسة الطبية الملحقة به في جنديسابور كان نتيجة للازدهار العلمي والثقافي الذي تحقق في عهد كسرى أنوشروان في القرن السادس للميلاد.
كان بيمارستان جنديسابور مؤسسة صحية دينية. اشتق اسمه من اللغة الفارسية، وهو يعني مكان المرضى، أي مستشفى. وكان يشرف عليه أكبر شخصية دينية في تلك المنطقة.
ويعتقد بعض المؤرخين بوجود مدرسة طبية ملحقة به، إلا أن الرأي السائد هو أن البيمارستان والمدرسة كانا مؤسسة واحدة، أما لغة التدريس والمخاطبة فكانت السريانية.
كان اتصال العرب بجنديسابور قائماً قبل بدء الدعوة الإسلامية. فالطبيب الحارث بن كلدة الثقفي (ت 13هـ)، رحل من بلدته الطائف إلى بلاد فارس، حيث درس الطب في جنديسابور. ثم مارس المهنة هناك، فنال الشهرة والثروة وعاد بعد ذلك إلى بلده، فأدرك الرسولr بعد فتح مكة المكرمة. ولبراعته في الطب فقد أوصى الرسولr بمراجعته عند الحاجة.
استمرت مدرسة جنديسابور والبيمارستان في تقديم خدماتها في العهد الإسلامي، كما كانا في عهد الساسانيين، ثم ازداد اتصالهما بالعرب المسلمين في العصر العباسي. ولما أصيب الخليفة أبو جعفر المنصور بمرض في معدته، حين بدأ ببناء بغداد، وعجز أطباؤه عن معالجته، اقترحوا عليه استدعاء جورجيس بن بختيشوع، رئيس أطباء جنديسابور، فنال الشفاء على يده. ويبدو أن هذا الاتصال قد أدى إلى نتائج هامة، منها اقتناع الخلفاء العباسيين بضرورة إنشاء البيمارستان في الحواضر الإسلامية، لذلك أصدر الخليفة هارون الرشيد أمره إلى الطبيب جبرائيل بن بختيشوع بإنشاء بيمارستان على نمط بيمارستان جنديسابور. ولما تمّ ذلك عَهد الرشيد إلى ماسويه الخوزي بإدارته تحت إشراف جبرائيل.
نال آل بختيشوع[ر] الشهرة والثروة والجاه في ظلّ الخلفاء والأمراء العباسيين. وكان لذلك أكبر الأثر في تدني مكانة بيمارستان جنديسابور ومدرستها على الساحة العلمية، بسبب هجرة العلماء والأطباء منها تدريجياً للعمل في بيمارستان الرشيد وفي غيره من البيمارستانات التي أنشئت في بغداد وغيرها من المدن. لقد توالى على رئاسة الأطباء عدة أفراد من آل بختيشوع خلال فترة زمنية تقدر بثلاثة قرون. وكان لهم أثر لا ينكر في تنظيم مهنة الطب والتشجيع على نقل التراث الطبي اليوناني إلى اللغة العربية.
كمال شحادة