المسرح العربي 2022: مهرجانات المونودراما تتصدّر المشهد

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • المسرح العربي 2022: مهرجانات المونودراما تتصدّر المشهد

    المسرح العربي 2022: مهرجانات المونودراما تتصدّر المشهد
    أنور محمد 1 يناير 2023
    مسرح
    الفنان الفلسطيني حسام أبو عيشة في مونودراما "قهوة زعترة"
    شارك هذا المقال
    حجم الخط

    لا لأنَّه أَبُو (أوْ جّدُّ) الفنون، ولكن لأنَّه لا يقومُ أوْ لا يقبلُ بعزلِ وتدمير نُوى الحريَّة في الفكر الإنساني، بقيَ فنًّا لا يتواطأ إلاَّ مع العقل، ولا ينصاع إلاَّ لأوامره. فهو فنٌّ لا يُخفي شقوق الفساد السياسي والاقتصادي والقانوني، ولا يتستَّر على النواقص والثغرات. ولكن سنرى أنَّنا في العام المسرحي 2022 لا نزال، ورغم وجود (الهيئة العربية للمسرح)، الجامعة المسرحية، أمَّةً لا تملك ربما استراتيجيا للمسرح.
    ولو استعرضنا أحداث 2022 المسرحية؛ لوجدنا أنَّها مليئة بالمهرجانات وبالعروض المشغولة أغلبها، على مقاس المهرجانات، وهي للأمانة مهرجاناتٌ وعروضٌ تموِّلُها، وتدعمُها، أو ترعاها الدولة القُطْرية، مهرجانات للهدر والاستهلاك. وكأنَّه من يوم "حفلة سمر من أجل 5 حزيران" (1967)؛ هذا اليوم الدامي لجرحٍ لا يزال ينزف ذلًا وعارًا، لم نُنتج عرضًا مسرحيًا بهذا القدر من الجرأة على نقد العقل المؤسَّساتي للدولة النكساوية المُصابة بـ"ثراء التخلف والجهل" الذي يُنتج الاستبداد، وبالفقر الذهني المُطلق، وليس النسبي في الشجاعة، للرد على الاعتداءات الصهيونية وَلَوْ بالثقافة والمسرح، وهذا أضعف الإيمان.
    من أبرز الأمور التي ميّزت هذا العام المسرحي تَصَدُّر مهرجانات (المونودراما) للمشهد، مثل مهرجان المونودراما المسرحي في حماة (سورية)، الذي افتتح بعرض زيناتي قدسية "الجلجلة"، تأليفًا وإخراجًا، عن قضية النازح الفلسطيني الذي لا يقبل بغير العودة إلى أرضه. والفنان قدسية هو من أوائل المسرحيين العرب الذي أسّسوا مسرح المونودراما. وكذلك مهرجان مونودراما الشباب في حلب. ومهرجان أيام القاهرة الدولي للمونودراما، وحاز فيه على الجائزة الأولى مناصفةً إياد الريموني عن مسرحية "طبول العذاب" من الأردن، وسمير عبد الفتاح عن مسرحية "بطاقة هوية" من اليمن. والمهرجان الدولي للمونودراما النسائي في الجزائر، وفاز فيه مناصفةً بجائزة أحسن عرض متكامل عرض "ميرا" الجزائري، تأليف وإخراج هشام بوسهلة وتمثيل سعاد جناتي، الذي يصوِّر فيه مظاهر معاناة اغتصاب المرأة في الحروب وآثارها النفسية، مع عرض "لا تنتقم مِنَّا" إخراج ميرال نستور، وتمثيل سيلفيا رليانو من رومانيا، وهو عن قصة واقعية حول معاناة المجتمع الروماني أيام الحكم الشيوعي، وإجبار المواطنين على مغادرة وطنهم، وكانت هذه الدورة باسم الممثّلة الجزائرية عائشة عجُّوري المعروفة باسم كلثوم (1916 ـ 2010)، فيما حملت الدورةُ السابقة اسم الممثّلة والمخرجة سكينة مكيو المعروفة باسم صونيا (1953 - 2018). وكان هنالك المهرجان الدولي للمونودراما في قرطاج في تونس، وحاز فيه الفنان الفلسطيني حسام أبو عيشة على جائزة أفضل ممثِّل عربي عن دوره في مسرحية "قهوة زعترة"، ومهرجان بصمات الدولي للمونودراما في المغرب، وهو تظاهرة ثقافية دولية تُعنى بالمسرح، وتقام سنويًا في مدينة الدار البيضاء، ومهرجان الناظور للمونودراما في المغرب، ومهرجان وجْدة الألفية لمسرح المونودراما في المغرب، والمهرجان المسرحي الدولي للمونودراما في العراق (البصرة)، والمهرجان الدولي للمونودراما في الكويت (أسَّسه الفنان جمال اللهو، رئيس المهرجان، وقد أقام حتى الآن خمس دورات)، ومهرجان المونودراما الدولي الافتراضي في جامعة السلطان قابوس عُمان، ومهرجان لبنان المسرحي لمونودراما المرأة.

    "من يوم "حفلة سمر من أجل 5 حزيران" (1967)؛ لم نُنتج عرضًا مسرحيًا بهذا القدر من الجرأة على نقد العقل المؤسَّساتي للدولة النكساوية المُصابة بـ"ثراء التخلف والجهل" الذي يُنتج الاستبداد، وبالفقر الذهني المُطلق"



    تأسَّس أوَّل مهرجان للمونودراما (مسرح الممثل الواحد) في الوطن العربي بإمارة (الفجيرة) سنة 2003 (مهرجان الفجيرة الدولي للمونودراما بدولة الإمارات العربية المتحدة)، وبمبادرة من محمد سعيد الضنحاني، رئيس المهرجان، والمهندس محمد الأفخم، مدير المهرجان. جاء بعده مهرجان المونودراما المسرحي في مدينة اللاذقية سنة 2005 في سورية، وأسَّسه المخرج ياسر دريباتي، رئيس البيت العربي للموسيقى، مع زيناتي قدسية، وموفق مسعود، وحسن عقلة، واستمرَّ سبع دورات آخرها عام 2012، وتوقَّف بسبب الحرب، وهو مهرجان أهلي شاركت مديرية المسارح والموسيقى وجهاتٌ مدنية في دعمه. عربيًا لهذه الظاهرة التي صارت تترَّسخ في الحياة المسرحية، عمقٌ درامي في مسرح "الحلقة" والتي كانت تُقام في الأسواق والأماكن العامة، و"الحكواتي" الذي كان يتصدَّر المقاهي وهو يقرأ السير الشعبية للزير سالم، وسيف بن ذي يزن، والسيرة الهلالية، وسيرة عنترة، ويتحلَّق حوله المتفرجون ـ هو مشهد فرجوي، من رواد المقهى، وكذلك "المقلِّد" و"المدَّاح". وقد يكون، أو من الممكن، ردُّ هذا الصوت الواحد الذي هو بعدَّة أصوات للمسرح اليوناني، ذلك في أناشيد "الديثرامب" التي كانت تُغنى وترتَّل في طقوس عبادة "ديونيزيس".
    زيناتي قدسية في مونودراما "الجلجلة"
    "الفنان قدسية هو من أوائل المسرحيين العرب الذي أسّسوا مسرح المونودراما"

    في سورية، كان المشهد المسرحي مزدحمًا، إنْ بالمهرجانات المحلية، أو بالعروض التي تُنتج أغلبها مديرية المسارح والموسيقى، رغم وقع الحرب السورية التي بدأت عام 2011، وآثارها على السوريين، فتسأل: ماذا يحدثُ والحربُ صارت بطلًا تراجيديًا ينتهكُ المقدَّسات والحرمات الاقتصادية والقانونية والأخلاقية للناس، ويرينا روعتنا، كمْ كُنَّا رائعين! وكمْ كُنَّا مشروعًا لكائنات بشرية، مشروعًا فلسفيًا لكائنات إنسانية. مع هذا، فقد مرَّ العديد من المهرجانات: مهرجان الطفل، مهرجان المونودراما، مهرجان أليسار، مهرجان المسرح التفاعلي، مهرجان الماغوط المسرحي. والعديد من العروض التي كانت تشتمُّ منها رائحة نقد الحرب، مثل: مسرحية "بيت بلا نوافذ" لغارثيا لوركا، من إخراج ياسر دريباتي، ومسرحية "القبض على طريف الحادي"، ومسرحية "ديستوبيا" تأليف السعودي عباس الحايك، وإخراج مأمون الخطيب، على مسرح الحمراء بدمشق، أرانا فيها الخطيب انهيار القيم الأخلاقية والقانونية، وجشع حيتان الحرب الذين لم تسلم منهم حتى المزابل التي قرَّروا إزاحتها ليبنوا فوقها مجمَّعًا تجاريًا، وليطردوا مّنْ ضاقَ به الوطن وأوى إليها كملاذ للسكن.
    عربيًا، كان عام 2022 أيضًا حافلًا بالمهرجانات، مثل مهرجان شرم الشيخ الدولي للمسرح، ومهرجان القاهرة الدولي للمسرح التجريبي، الذي شاركت فيه مسرحية "شاطارا" للمخرج أمين ناسور، وهو أحد المخرجين المسرحيين المغربيين المجتهدين في صنع فرجة بصرية، والمسرحية من تأليف سعيد أبرنوص، وهي عن ثلاث نساء مهاجرات بثلاث حكايات عن معاناتهن الخاصة، وبحسب المخرج ناسور: الأولى شاني قادمة من دول جنوب الصحراء من أمٍّ أفريقية وأبٍ غربي، مرفوضة من طرف المجتمَعَين، هاجرت إلى أوروبا للبحث عن والدها وهويتها، وحضن أب يحتضنها. أما الثانية طاليا المشرقية فقد تمَّ تزويجها غصبًا عنها وهي قاصر، وظلَّ قلبها متعلقًا بالطفل الذي أحبته في صباها، لكن جراء ويلات الحرب والصراعات القبلية هربت والتقت بحبيبها وقرَّرا الهجرة إلى الضفة الأخرى للبحث عن مستقبل جديد، وللأسف تبتلعهما الأمواج. هذا، في الوقت الذي وقعت فيه المغربية ربيعة، وهي المرأة الثالثة، في المحظور بعد تنصل حبيبها من مسؤولية طفله الذي تحمله، وقرَّرت الهجرة إلى أرض أخرى، لكن للأسف في رحلتها تجهض الطفل ويجهض حلمها. المسرحية شاركت أيضًا في مهرجان بغداد الدولي للمسرح، والمهرجان القومي للمسرح المصري، ومهرجان أيام قرطاج المسرحية الذي فازت فيه مسرحية "آي ميديا" للكاتب والممثِّل والمخرج المسرحي الكويتي، سليمان البسام، بثلاث جوائز كأفضل نص مسرحي للمؤلِّف البسام، وجائزة أفضل ممثلة لحلا عمران، وهي عن نص (ميديا) يوريبيدس. وكشف البسام فيها الدور اللاإنساني للنظام العالمي الجديد، وعن شبقيته، فالعولمة لا تصنع التاريخ بل تدمره، وتعد المسرحية في رأيي حدثًا ثقافيًا، ومن أهم العروض المسرحية العربية في السنوات التي تلت النكسة الحزيرانية، إلى جانب مسرحيات: "حفلة على الخازوق" لمواطنه صقر الرشود إخراجًا، ومن تأليف محفوظ عبد الرحمن، "أواكس" تأليف وإخراج جهاد سعد، وغيرهما. وشهدنا المهرجان الدولي للنساء المخرجات في المغرب وجاء في البلاغ عنه أنه: "عند التطرُّق لتركيب شخصية أنثوية في مسرحية ما، لا يمكننا الاستغناء عن التفكير في مكانة المرأة في مجتمع اليوم، ومحاولة تحديد علاقتها ببيئتها. امرأة اليوم، هنا أو في أي مكان آخر، هي في حالة عراك مستمر، من جهة. من حيث الأفكار وأيضًا وبشكل يومي وملموس، فيما يتعلق بالمسؤوليات الجديدة التي باتت تفرضها ما ـسمى بالحداثة... أنْ تكتب، أوْ أنْ تشارك في المسرح المبني للمؤنَّث، هو في البدء قصَّة مرجع وتأثيرٍ وإلهام نماذج من الحياة، ومن الشخصيات الأنثوية في ريبرتوار الدراما العالمية". كما شهدنا مهرجان ليالي المسرح الحر الدولي، ومهرجان المسرح الأردني، وأيام الشارقة المسرحية، ومهرجان كلباء للمسرحيات القصيرة، ومهرجان الشارقة للمسرح الصحراوي، ومهرجان بغداد الدولي للمسرح.
    لا أبالغ حين أقول إنه في معظم المهرجانات المسرحية العربية ثمة تشابهات وتكرارات للعروض، كما للضيوف، فلا تناقض، ولا تعارض؛ حتى في الندوات الفكرية تُطرح ذات القضايا والإشكاليات
يعمل...
X