الأوسكار في الدورة 95: أحلام تتحقق وتوقعات أخفقت
وائل سعيد 15 مارس 2023
سينما
من حفل إعلان جوائز الأوسكار للدورة 95
شارك هذا المقال
حجم الخط
في عام 1929، وتحديدًا في منتصف مايو/ أيار، أقيم أول احتفال للأوسكار لتكريم مجموعة من صناع الأفلام، وكان الأول من نوعه حتى ذلك التاريخ. كان الهدف من ذلك التكريم هو توحيد العناصر الخمسة للسينما (التمثيل ـ الإخراج ـ الإنتاج ـ التقنيات ـ الكتابة)، وهي العناصر التي ذكرها المنتج الأميركي لويس ماير، مؤسس أكاديمية فنون وعلوم الصور المتحركة، الجهة المانحة للجائزة. حضر الحفل آنذاك حوالي 270 شخصًا معظمهم من أعضاء الأكاديمية، وفق موقع الجائزة، وحتى ذلك الحين لم يكن مخططًا للجائزة أن تحتل المرتبة الأولى عالميًا في تكريم نجوم وصناع السينما، إلا أنها، وعبر ما يربو على تسعة عقود، باتت المحطة الأخيرة للتنافس السنوي بين صناع الأفلام على مستوى العالم، ومادة مثيرة لوسائل الإعلام كافة.
وكما هو معتاد، استقبل مسرح دولبي في مدينة لوس أنجلوس في كاليفورنيا، مساء الأحد 12 مارس/ آذار، حفل إعلان جوائز الدورة 95، التي غلب عليها الحس العاطفي بوضوح، وتكفلت مئات الكاميرات بالتقاطه، سواء على السجادة الحمراء، أو داخل قاعة المسرح.
لا تُدر خدّك الآخر
أحدثت صفعة ويل سميث إلى مقدم حفلة العام الماضي كريس روك صدمة كبيرة، سواء على المستوى الجماهيري، أو السينمائي. وترتب عليها منع سميث من حضور حفل الأوسكار لمدة 10 سنوات، برغم تتويجه في الحفل نفسه بجائزة أفضل ممثل دور رئيسي عن فيلم "الملك ريتشارد"، من إخراج رينالدو غرين، وكانت المرة الأولى التي يحصل فيها على الأوسكار، وهو ما أدى إلى توجيه كثير من الانتقادات لأكاديمية علوم الصورة، لا تزال تبعاتها تظهر حتى الآن.
لذلك، استحدثت الأكاديمية هذا العام فريقًا جديدًا لمواجهة الأزمات، يختص بمواجهة أي خروقات، أو حوادث على الشاكلة نفسها، أو غيرها. ويبدو أن إدارة الجائزة في حاجة لأكثر من فريق من هذا النوع لصد هجمات عديدة تنتقد ممارسات الأكاديمية خلال السنوات الأخيرة الماضية، وتزداد استهجانًا عامًا بعد عام، إلى جانب عدد لا يستهان به من الأزمات التي يواجهها الأوسكار، بداية من تراجع عدد المشاهدين الملحوظ، وصولًا إلى الجدل الذي أثير الشهر الماضي إثر الترشح المفاجئ للممثلة البريطانية أندريا ريسبورو عن دورها في فيلم "إلى ليزلي"، وهو فيلم أميركي مستقل للمخرج مايكل موريس، حيث أشارت أصابع الاتهام إلى تورط الأكاديمية في شبهة محسوبية من بعض الأعضاء.
على أن تاريخ الأوسكار يمتلئ بعدد من الاتهامات السابقة، والمعارك الشهيرة، وكثير من الخفايا أيضًا، أو الأمور المسكوت عنه. وفي هذا السياق، صدر هذا العام كتابان يكشفان عن الأروقة الخفية للجائزة الهوليودية الشهيرة، أولهما بعنوان "الأكاديمية والجائزة"، من تأليف بروس ديفيس، المدير التنفيذي للأكاديمية سابقًا لأكثر من عقدين. ويصرح بروس في مقدمته: على الرغم من الاهتمام العالمي بجوائز الأوسكار، فإن أيديولوجيات الأكاديمية لم يتم فهمها بعد حتى الآن. أما الكتاب الآخر فهو "حروب الأوسكار: تاريخ هوليوود في الذهب والعرق والدموع"، الصادر حديثًا عن دار هاربر للكاتب الأميركي مايكل شولمان، ويتتبع أشهر معارك وتجاوزات الأوسكار منذ نشأة الجائزة وحتى الآن.
يا أمي... لقد فزت بالأوسكار
ضمت قائمة فئة أفضل فيلم لهذا العام عشرة أفلام حاز أغلبها على إعجاب النقاد والجماهير، ولا شك في أن التنافس بينها كان على أشده، خصوصًا وأن جعبة كل فيلم تحمل أكثر من جائزة من مهرجانات مختلفة على مدار العام المنصرم. ربما لذلك هيمنت حالة من التعصب والانحياز، وكأننا أمام ما يُشبه الألتراس، من قبل الجماهير، وعدد من النقاد والسينمائيين أيضًا، في ما يخص أحقية بعضها بالفوز. ويُعد فيلم "كل شيء في كل مكان في وقت واحد" خير نموذج على هذا، فقد أطلقت حملات ضخمة لتأييده، وحصل على أكبر عدد من الترشيحات؛ 11 ترشيحًا، حصد منها سبعة جوائز في فئات مختلفة، ويأتي في مقدمتها جائزة أفضل فيلم، وبذلك احتل الصدارة في عدد الجوائز هذا العام.
ولا جدال في أن الفيلم يتمتع بميزات عديدة، إلا أن عنصر البهرجة هيمن على كافة العناصر الأخرى، وعلى رأسها المونتاج والإخراج، لذلك اتجهت الجائزة لهما طواعية، بالإضافة إلى جوائز التمثيل والسيناريو أيضًا، وكانت الدموع هي البطل الرئيسي في أثناء تسلم الجوائز، فمعظم الفائزين تكرمهم الأوسكار للمرة الأولى. لهذا لم يتمالك الممثل الآسيوي جوناثان كي كوان دموعه حين صعد على خشبة المسرح ليتوج بجائزة أفضل ممثل مساعد. وبعد أن شكر الحضور، توجه بالحديث مباشرة إلى أمه التي تجاوز عمرها 80 عامًا "يا أمي... لقد فزت بالأوسكار"، ثم تحدث عن بدايته كعامل على متن قارب، وكيف يقف الآن على أكبر مسارح هوليوود: "يقولون إن مثل هذه القصص تحدث في الأفلام فقط، لا أصدق أن هذا يحدث لي في الواقع، إنه حلم أميركي بامتياز".
أثار الفيلم جدلًا كبيرًا منذ عرضه، وتباينت الآراء حول قيمته الفنية والجمالية التي وجدها بعضهم غير مسبوقة، فيما استقبلها آخرون على أنها محض استعراض سينمائي. ربما يستمر هذا الجدل، لكن الحقيقة المؤكدة أن الفيلم خلق حالة من العوالم المتجاورة بين الرفض والقبول؛ بالضبط كما عوالمه المتجاورة التي تنتقل بينها البطلة في وقت واحد.
في المركز الثاني، يأتي فيلما "كل شيء هادئ على الجبهة الغربية"، و"جنيات إنيشيرين"، من حيث عدد الترشيحات- 9 لكل منهما. وبخلاف كل التوقعات، خرج فيلم "إنيشيرين" من السباق خالي الوفاض، فيما حصد الفيلم الألماني أربعة جوائز في الموسيقى التصويرية، والإنتاج، والتصوير، إلى جانب جائزة أفضل فيلم أجنبي. أما بقية الأفلام المرشحة لأكثر من فئة فقد جاءت كالتالي: "إلفيس" 8 ترشيحات ـ "آل فابلمانز" 7 ـ "تار" و"توب غن: مافريك" 6 ترشيحات لكل منهما، ولم يفز منها سوى الأخير بجائزة أفضل صوت.
هنالك ثلاثة أفلام أخرى ضمن قائمة أفضل فيلم يأتي في مقدمتها الجزء الثاني من فيلم الخيال العلمي "أفاتار" ـ 4 ترشيحات، حصل منها على جائزة أفضل مؤثرات بصرية، يليه فيلم "مثلث الحزن" بثلاثة ترشيحات، وأخيرًا الفيلم الأميركي "كلام ستات" بترشيحين، وهو من أضعف أفلام القائمة، حيث أفرد السيناريو مساحة كبيرة للإطناب لم تكن في صالح الفيلم، بالإضافة إلى كثرة الحوارات الفلسفية المباشرة في كثير من الأحيان، ورغم ذلك حصل على جائزة أفضل سيناريو مقتبس.
الحوت عاشقًا
ولعل من أكثر الجوائز إنصافًا هذا العام جائزة أفضل تمثيل، التي ذهبت إلى الممثل الكندي برندان فريزر، عن دوره المميز في فيلم "الحوت"، للمخرج الأميركي دارين أرنوفسكي، كما حصد الفيلم جائزة أفضل مكياج وتصفيف شعر. صعد فريزر إلى خشبة المسرح لاهث الأنفاس، وحين تحدث تكلم بصعوبة شديدة، وبأنفاس متلاحقة، داعيًا الجميع: "دعوا القلوب هي التي تقودكم نحو الرغبات والأمنيات، على أن تتركوا لها حرية بحجم الحوت". يجسد فريزر في الفيلم دور أب بدين لا تستطيع قدماه أن تحملاه في الفترة الأخيرة من حياته. في أحد المشاهد، وفي أثناء مواجهة مع ابنته الوحيدة التي تركها سابقًا وهرب يبحث عن رغباته، يدافع الأب المتهم عن نفسه ويخبرها: "لم أكن إلا عاشقًا...". ربما ستمثل الجائزة لفريزر ميلادًا جديدًا في الفترة المقبلة.
جاءت غالبية الترشيحات هذا العام وفق توقعات الجميع تقريبًا، ورغم ذلك كان من اللافت للانتباه خروج الممثل توم هانكس من التنافس بعد جولة القائمة الطويلة، الأمر الذي لم يُرض كثيرًا من عشاقه. وبرغم أن فيلم "إلفيس" من بين أقوى الأفلام ترشحًا في الأوسكار، وفيه يقوم هانكس بدور مدير أعمال إلفيس بريسلي، إلا أن جائزة "التوتة الذهبية" أيدت استبعاد هانكس، ومنحت له جائزة أسوأ ممثل مساعد عن هذا الدور في دورتها 43 لهذا العام. حدث ذلك قبيل ليلة احتفال الأوسكار، وأوضح بيان صدر عن منظمى الجائزة أن هانكس قدم في الفيلم أداءً رأى فيه المصوتون "الأكثر ازدراءً في عام 2022".
أطلقت جائزة "التوتة الذهبية" عام 1981، وهي النسخة الساخرة من الأوسكار، حيث تذهب إلى أسوأ فيلم، وأسوأ تمثيل، وأسوأ إخراج. من بين أشهر من حصلوا عليها سابقا ليندسي لوهان، وباريس هيلتون، ومايك مايرز، ورغم أن الجائزة تعد نقطة سوداء في سجل من يحصل عليها، إلا أن بعضهم استقبلها بشكل عادي، تماشيًا مع روح الدعابة والسخرية، مثل هالي بيري، وبين أفليك. ومن نوادر المشاهير في تاريخ الجائزة أن تم منح أسوأ تمثيل للممثلة ساندرا بلوك عام 2010 عن دورها في فيلم "كل شيء عن استيف"، لكن الغريب أن بلوك حصلت على جائزة التمثيل في الأوسكار في العام نفسه عن فيلم "البعد الرابع"، لتكون بذلك أول ممثلة تحصل على "أفضل وأسوأ" تمثيل في السنة نفسها.
وائل سعيد 15 مارس 2023
سينما
من حفل إعلان جوائز الأوسكار للدورة 95
شارك هذا المقال
حجم الخط
في عام 1929، وتحديدًا في منتصف مايو/ أيار، أقيم أول احتفال للأوسكار لتكريم مجموعة من صناع الأفلام، وكان الأول من نوعه حتى ذلك التاريخ. كان الهدف من ذلك التكريم هو توحيد العناصر الخمسة للسينما (التمثيل ـ الإخراج ـ الإنتاج ـ التقنيات ـ الكتابة)، وهي العناصر التي ذكرها المنتج الأميركي لويس ماير، مؤسس أكاديمية فنون وعلوم الصور المتحركة، الجهة المانحة للجائزة. حضر الحفل آنذاك حوالي 270 شخصًا معظمهم من أعضاء الأكاديمية، وفق موقع الجائزة، وحتى ذلك الحين لم يكن مخططًا للجائزة أن تحتل المرتبة الأولى عالميًا في تكريم نجوم وصناع السينما، إلا أنها، وعبر ما يربو على تسعة عقود، باتت المحطة الأخيرة للتنافس السنوي بين صناع الأفلام على مستوى العالم، ومادة مثيرة لوسائل الإعلام كافة.
وكما هو معتاد، استقبل مسرح دولبي في مدينة لوس أنجلوس في كاليفورنيا، مساء الأحد 12 مارس/ آذار، حفل إعلان جوائز الدورة 95، التي غلب عليها الحس العاطفي بوضوح، وتكفلت مئات الكاميرات بالتقاطه، سواء على السجادة الحمراء، أو داخل قاعة المسرح.
لا تُدر خدّك الآخر
أحدثت صفعة ويل سميث إلى مقدم حفلة العام الماضي كريس روك صدمة كبيرة، سواء على المستوى الجماهيري، أو السينمائي. وترتب عليها منع سميث من حضور حفل الأوسكار لمدة 10 سنوات، برغم تتويجه في الحفل نفسه بجائزة أفضل ممثل دور رئيسي عن فيلم "الملك ريتشارد"، من إخراج رينالدو غرين، وكانت المرة الأولى التي يحصل فيها على الأوسكار، وهو ما أدى إلى توجيه كثير من الانتقادات لأكاديمية علوم الصورة، لا تزال تبعاتها تظهر حتى الآن.
لذلك، استحدثت الأكاديمية هذا العام فريقًا جديدًا لمواجهة الأزمات، يختص بمواجهة أي خروقات، أو حوادث على الشاكلة نفسها، أو غيرها. ويبدو أن إدارة الجائزة في حاجة لأكثر من فريق من هذا النوع لصد هجمات عديدة تنتقد ممارسات الأكاديمية خلال السنوات الأخيرة الماضية، وتزداد استهجانًا عامًا بعد عام، إلى جانب عدد لا يستهان به من الأزمات التي يواجهها الأوسكار، بداية من تراجع عدد المشاهدين الملحوظ، وصولًا إلى الجدل الذي أثير الشهر الماضي إثر الترشح المفاجئ للممثلة البريطانية أندريا ريسبورو عن دورها في فيلم "إلى ليزلي"، وهو فيلم أميركي مستقل للمخرج مايكل موريس، حيث أشارت أصابع الاتهام إلى تورط الأكاديمية في شبهة محسوبية من بعض الأعضاء.
على أن تاريخ الأوسكار يمتلئ بعدد من الاتهامات السابقة، والمعارك الشهيرة، وكثير من الخفايا أيضًا، أو الأمور المسكوت عنه. وفي هذا السياق، صدر هذا العام كتابان يكشفان عن الأروقة الخفية للجائزة الهوليودية الشهيرة، أولهما بعنوان "الأكاديمية والجائزة"، من تأليف بروس ديفيس، المدير التنفيذي للأكاديمية سابقًا لأكثر من عقدين. ويصرح بروس في مقدمته: على الرغم من الاهتمام العالمي بجوائز الأوسكار، فإن أيديولوجيات الأكاديمية لم يتم فهمها بعد حتى الآن. أما الكتاب الآخر فهو "حروب الأوسكار: تاريخ هوليوود في الذهب والعرق والدموع"، الصادر حديثًا عن دار هاربر للكاتب الأميركي مايكل شولمان، ويتتبع أشهر معارك وتجاوزات الأوسكار منذ نشأة الجائزة وحتى الآن.
يا أمي... لقد فزت بالأوسكار
ضمت قائمة فئة أفضل فيلم لهذا العام عشرة أفلام حاز أغلبها على إعجاب النقاد والجماهير، ولا شك في أن التنافس بينها كان على أشده، خصوصًا وأن جعبة كل فيلم تحمل أكثر من جائزة من مهرجانات مختلفة على مدار العام المنصرم. ربما لذلك هيمنت حالة من التعصب والانحياز، وكأننا أمام ما يُشبه الألتراس، من قبل الجماهير، وعدد من النقاد والسينمائيين أيضًا، في ما يخص أحقية بعضها بالفوز. ويُعد فيلم "كل شيء في كل مكان في وقت واحد" خير نموذج على هذا، فقد أطلقت حملات ضخمة لتأييده، وحصل على أكبر عدد من الترشيحات؛ 11 ترشيحًا، حصد منها سبعة جوائز في فئات مختلفة، ويأتي في مقدمتها جائزة أفضل فيلم، وبذلك احتل الصدارة في عدد الجوائز هذا العام.
"لم يتمالك الممثل الآسيوي جوناثان كي كوان دموعه. وبعد أن شكر الحضور، توجه بالحديث مباشرة إلى أمه التي تجاوز عمرها 80 عامًا: "يا أمي... لقد فزت بالأوسكار"" |
ولا جدال في أن الفيلم يتمتع بميزات عديدة، إلا أن عنصر البهرجة هيمن على كافة العناصر الأخرى، وعلى رأسها المونتاج والإخراج، لذلك اتجهت الجائزة لهما طواعية، بالإضافة إلى جوائز التمثيل والسيناريو أيضًا، وكانت الدموع هي البطل الرئيسي في أثناء تسلم الجوائز، فمعظم الفائزين تكرمهم الأوسكار للمرة الأولى. لهذا لم يتمالك الممثل الآسيوي جوناثان كي كوان دموعه حين صعد على خشبة المسرح ليتوج بجائزة أفضل ممثل مساعد. وبعد أن شكر الحضور، توجه بالحديث مباشرة إلى أمه التي تجاوز عمرها 80 عامًا "يا أمي... لقد فزت بالأوسكار"، ثم تحدث عن بدايته كعامل على متن قارب، وكيف يقف الآن على أكبر مسارح هوليوود: "يقولون إن مثل هذه القصص تحدث في الأفلام فقط، لا أصدق أن هذا يحدث لي في الواقع، إنه حلم أميركي بامتياز".
أثار الفيلم جدلًا كبيرًا منذ عرضه، وتباينت الآراء حول قيمته الفنية والجمالية التي وجدها بعضهم غير مسبوقة، فيما استقبلها آخرون على أنها محض استعراض سينمائي. ربما يستمر هذا الجدل، لكن الحقيقة المؤكدة أن الفيلم خلق حالة من العوالم المتجاورة بين الرفض والقبول؛ بالضبط كما عوالمه المتجاورة التي تنتقل بينها البطلة في وقت واحد.
في المركز الثاني، يأتي فيلما "كل شيء هادئ على الجبهة الغربية"، و"جنيات إنيشيرين"، من حيث عدد الترشيحات- 9 لكل منهما. وبخلاف كل التوقعات، خرج فيلم "إنيشيرين" من السباق خالي الوفاض، فيما حصد الفيلم الألماني أربعة جوائز في الموسيقى التصويرية، والإنتاج، والتصوير، إلى جانب جائزة أفضل فيلم أجنبي. أما بقية الأفلام المرشحة لأكثر من فئة فقد جاءت كالتالي: "إلفيس" 8 ترشيحات ـ "آل فابلمانز" 7 ـ "تار" و"توب غن: مافريك" 6 ترشيحات لكل منهما، ولم يفز منها سوى الأخير بجائزة أفضل صوت.
من الفيلم الألماني "كل شيء هادئ على الجبهة الغربية" الفائز بأوسكار أفضل فيلم أجنبي، إضافة إلى أوسكارات الموسيقى التصويرية، والإنتاج، والتصوير |
الحوت عاشقًا
ولعل من أكثر الجوائز إنصافًا هذا العام جائزة أفضل تمثيل، التي ذهبت إلى الممثل الكندي برندان فريزر، عن دوره المميز في فيلم "الحوت"، للمخرج الأميركي دارين أرنوفسكي، كما حصد الفيلم جائزة أفضل مكياج وتصفيف شعر. صعد فريزر إلى خشبة المسرح لاهث الأنفاس، وحين تحدث تكلم بصعوبة شديدة، وبأنفاس متلاحقة، داعيًا الجميع: "دعوا القلوب هي التي تقودكم نحو الرغبات والأمنيات، على أن تتركوا لها حرية بحجم الحوت". يجسد فريزر في الفيلم دور أب بدين لا تستطيع قدماه أن تحملاه في الفترة الأخيرة من حياته. في أحد المشاهد، وفي أثناء مواجهة مع ابنته الوحيدة التي تركها سابقًا وهرب يبحث عن رغباته، يدافع الأب المتهم عن نفسه ويخبرها: "لم أكن إلا عاشقًا...". ربما ستمثل الجائزة لفريزر ميلادًا جديدًا في الفترة المقبلة.
جاءت غالبية الترشيحات هذا العام وفق توقعات الجميع تقريبًا، ورغم ذلك كان من اللافت للانتباه خروج الممثل توم هانكس من التنافس بعد جولة القائمة الطويلة، الأمر الذي لم يُرض كثيرًا من عشاقه. وبرغم أن فيلم "إلفيس" من بين أقوى الأفلام ترشحًا في الأوسكار، وفيه يقوم هانكس بدور مدير أعمال إلفيس بريسلي، إلا أن جائزة "التوتة الذهبية" أيدت استبعاد هانكس، ومنحت له جائزة أسوأ ممثل مساعد عن هذا الدور في دورتها 43 لهذا العام. حدث ذلك قبيل ليلة احتفال الأوسكار، وأوضح بيان صدر عن منظمى الجائزة أن هانكس قدم في الفيلم أداءً رأى فيه المصوتون "الأكثر ازدراءً في عام 2022".
أطلقت جائزة "التوتة الذهبية" عام 1981، وهي النسخة الساخرة من الأوسكار، حيث تذهب إلى أسوأ فيلم، وأسوأ تمثيل، وأسوأ إخراج. من بين أشهر من حصلوا عليها سابقا ليندسي لوهان، وباريس هيلتون، ومايك مايرز، ورغم أن الجائزة تعد نقطة سوداء في سجل من يحصل عليها، إلا أن بعضهم استقبلها بشكل عادي، تماشيًا مع روح الدعابة والسخرية، مثل هالي بيري، وبين أفليك. ومن نوادر المشاهير في تاريخ الجائزة أن تم منح أسوأ تمثيل للممثلة ساندرا بلوك عام 2010 عن دورها في فيلم "كل شيء عن استيف"، لكن الغريب أن بلوك حصلت على جائزة التمثيل في الأوسكار في العام نفسه عن فيلم "البعد الرابع"، لتكون بذلك أول ممثلة تحصل على "أفضل وأسوأ" تمثيل في السنة نفسها.