"الحارة": الديستوبيا وحجارة الدومينو
حسام معروف 28 فبراير 2023
سينما
باسل غندور
شارك هذا المقال
حجم الخط
النبش في المخفي، المتواري عن الأعين، وما لا يمكن تصديقه، هو مهمّة الحالات السينمائيّة التي يوردها الفيلم الأردني "الحارة" للمخرج الأردني باسل غندور، والمعروض على شبكة "نتفليكس" أخيرًا. الصوت المفاهيميّ الغالب على الأحداث، هو ضياع القيم في الحارة الأردنيّة الشعبيّة، وتلوّث المجتمع بارتكاب الأفعال المشينة التي تجسّد التفكّك الأسري، والتنصّت، والتجّسس الإلكتروني، والابتزاز، والأتاوات، ومجتمع الليل والعتمة، والخيانات الزوجيّة. كلّ هذه الأمور اندرجت في عمل واحد، يجسد الديستوبيا الاجتماعية في الحارة الأردنيّة، فهل هذا يتقاطع مع الواقع؟ من الممكن طبعًا، لكن هل يكون بهذه الغلبة؟
عملية إنزال
بدت الأحداث في الفيلم ماضيةً بالتدرُّج. فتنطلق الأحداث التي تتفجّر فيما بعد، من علاقة حب جسديَّة بين شخصية عليّ (عماد عزمي) وشخصيّة لانا المراهقة (بركة رحماني). وتتمّ اللقاءات الليليّة بينهما عبر عمليّة إنزالٍ يقوم بها عليّ لجسده في غرفتها، من خلال سطح منزلها، إذْ يدخل المنزل من شبّاكه. وكانت هذه العلاقة بمثابة لحظة اشتعال الأحداث المتراكبة، مثل تصفيفة حجارة الدومينو الأفقية. فبمجرّد أن سقط الحجر الأوّل، انهارت بقيّة الحجارة، وانهار التلامس بين الحجر والآخر. أما أسيل (نادرة عمران) ذات الشخصيّة الحزينة، فتلجأ لزعيم عصابة ليخلّصها من الابتزاز المرهق، من شخصٍ مجهول قام بتصوير ابنتها لانا في وضع "فاضحٍ" مع عشيقها. ويتمّ ذلك بالفعل، لكن لكل حدث توابعه داخل دراما الفيلم، فيشتعل التوتُّر شيئًا فشيئًا، حدّ الوصول للقتل وقطع اللسان.
يجمع الفيلم أحداثًا ويصدِّرها على أنّها تصير في السرّ وسط حارةٍ شعبيّةٍ ضيّقة، يتظاهر أهلها بالحفاظ على الأعراف الاجتماعيّة، لكن ما خَفِيَ كان صادمًا. إذ تكشف الأحداث عن مجتمعٍ ليليّ يشبه في تفاصيله خطى الغابة. فالمتحركون ليلًا، وكان من ضمنهم علي، يعملون في الممنوع، حيث تسهيل العلاقات الجنسية وسهرات البارات، والتي يفرض زعيم العصابة عباس (منذر رياحنة) سيطرته عليها، ويتقاضى الأتاوات الإجبارية نظير حمايةٍ وهميّةٍ للمباني المشبوهة. ويتدرَّج الصراع بين شخصيّتي عباس وعلي، من الاعتداء الوحشي لرجال عباس، إلى مواجهة انتقامية فيما بعد بينهما، تنتهي بتنخيل وتمزيق لسان عباس بالسكّين، وسرقة جميع أمواله. فيما تحمل شخصيّة علي صوتًا انفجاريًّا ضدّ المعتاد داخل أعراف الحارة، فلا يرغب في الإكمال كالباقين، ويريد حياةً أخرى خارج الحارة، خارج الصندوق الضيّق الذي نشأ داخله.
الحلاقة لنفس الرؤوس
ماكينة الأحداث تصنع صراعًا نفسيًا أيضًا، عبر تناقضات مصدرها النشأة في المكان الشعبي، والعيش الإجباري في أزقّته. فيطمح، على عكس صديقه بهاء (محمد الجيزاوي)، إلى العيش في مكان مُغاير ليتخلّص من ضوضاء الحارة وطباعها. فيما يتّخذ بهاء مهنة الحلاقة، ويتخيَّل نفسه بعد سنوات طويلة راضيًا يعمل في نفس المحل ونفس المهنة ويحلق لنفس الرؤوس. ومضى علي خلال السياق الدرامي للفيلم، مثل صورة تحمل وجهين، حيث أُخْفِيَ داخل صورةٍ موتورة، تتقاطع مع جزئيات المجتمع الديستوبي. وظنَّ نفسه أنه يستطيع فعلها والوصول إلى كافة رغباته، بما في ذلك عشيقته، لكن النهايات كانت تحمل الصدمة والخسارة الكبيرة. أمّا صورته الأخرى التي صدّرها لأهله والمجتمع، فكانت هيئة الشخص الناجح، المتمكّن في عمله الذي يقصده أهل حارته لنزع فتيل البطالة لأولادهم. لكن الخبر يقين ينكشف، ليصير عليّ مثار شكوك من جده، وأسئلةٍ لا تنتهي حول ماضيه برمّته.
وجاء راوي الفيلم دائم التهكُّم على المجتمع، إذ ينطلقُ بصوتٍ جهوريّ ليكشف عن مساوئ مجتمع الحارة. فالجميع ينخرط حسب رؤيته في الطعن بالآخرين وتكبير الإشاعات في الجلسات المغلقة، كمن يستخدم مُكبّر صوت. كما يعكس الراوي أزمة البطالة داخل المجتمع الأردني، خلال نقله لحوارات المجتمع الصغير، ويبرز التفكُّك الأسري، من خلال سرد ماضي أسيل مع زوجها توتو، والتي تحدَّت أهلها من أجله، لكنّه كان غارقًا في إدمان المخدّرات، فانفصلت عنه وعملت مُصفّفة شعرٍ لإعالة ابنتها.
صحيحٌ أن العمل الفنيّ يقوم على تضخيم الأفكار، وعرضها بشكل متسلسل يحتوي على الترابط والاتساق. لكن هذا الفيلم عمّم الحالة الديستوبيّة في الحارة الشعبيّة الأردنيّة، والتي كما تشتمل على السلوكيّات السيّئة، فإنها تّصدر الكثير من الصفات الحسنة، كالمودّة والتكاتف في الكثير من الأحيان، وهو ما وضع مخرج الفيلم في مثار الانتقاد والتجنُّي على الحارة الأردنيّة الشعبيّة، وأثار الكثير من الغضب لدى الجمهور. لعبة شد الحبل
عند تفكيك الأدوات المصاحبة للكوادر، فإن الفيلم مضى بسرعات متفاوتة. فبدت الأحداث مثل مجموعتين من الأيدي متصارعة في لعبة شد الحبل، تهدأ قليلًا، ثم يتم استئناف اللعب من جديد. والجميع يدور حول بؤرة الصورة المثالية، وما يتم إخفاؤه خلفها. هذا الغطاء الاجتماعي الذي يستهدف الفيلم، هو من أجل خلخلة بنيانه وتحريك الماء الراكد بداخله.
أما الموسيقى التي قدّمها الفنان ناصر مشرف، فكانت من الأدوات التي شدَّت الأداء التمثيلي درجةً إلى الأعلى. إذْ كانت تتباين مثل كرات ملوّنة بين الأحداث، حيث مشت الكوادر الجريئة ومشاهد الحب على موسيقى كلاسيكيّة هادئة. فيما اتّخذت كوادر ذروة الحبكة الدراميّة موسيقى تشويقيّة عالية الأثر. وجرى الأدرينالين في الجسد لحظة مداهمة عليّ لبيت عباس، وكذلك لحظة كمين كشف الجسد الذي أعدّته سالي لتكشف عن هويّة المبتزّ. وبعض المشاهد سارت نحو إيقاعٍ متسارعٍ، لزيادة منسوب الجذب عند الجمهور.
ولا يمكن ألا نرى إلا بعينٍ من استغراب الألفاظ النابيّة التي تكرَّرت بشكلٍ كبير على ألسنة الممثّلين، حتى ولو كانت الأحداث تمضي في وسطٍ مأساوي، فإنّ طريقة المعالجة لا تكون بالنقل الصارخ للحدث، وحتّى إن تم ذلك، فإنّما يكون بمجرد الذكر. لكن تكرار الألفاظ تلك جعل الأمر يبدو مبتذلًا ومقززًا، مثله تمامًا مثل مشهد تشويه لسان عباس بالسكين، فهنالك مشاهد قدمت للعين والأذن ملوّثاتٍ، لا تزيد من قوة السينما بل تضعفها.
كرة نار
ومضت أحداث مثل كرة نار، كانت تكبر مع التسلسل الكرونولوجي للفيلم، والذي امتد إلى 116 دقيقة، وباتت الأزمة الأخلاقيّة تتعمّق مع تسارع الأحداث، وتكشف عن جوانب أكثر قدرة على التوتير والتشويق خلال العرض. لكن المخرج كان يخفي السرّ الدرامي بيد، ويكشف عنه في الأخرى، وكأنّه يخاف على الجمهور من التوتر! فما أن استطاع إتقان إقدام بهاء على خداع جدِّ عليّ بإرسال وفد وهمي لإدارة الشركة التي ادّعى علي العمل فيها، إلا وكشف خدعته في المشهد التالي. فقد كان بإمكانه إطالة الخديعة قليلًا، وزيادة حيرة المشاهدين، عبر تحويلها إلى صدمة درامية للجمهور، وذلك بإخفائها لنهاية العرض.
وما يمكن ملاحظته، غياب جسد القانون داخل الأحداث، فلم يظهر أي من أجزاء الكادر الشرطي خلال أحداث شهدت اعتداءات دموية وصلت لحد القتل. لربما أراد المخرج نقل فكرة العشوائيات كما في المجتمع المصري. وحين ظهر الكادر الشرطي في نهاية العرض، كان أيضًا خدعة الحاوي قصير النّفَس الذي تسقط كراته سريعًا.
وبعد أن صنع المخرج جبلًا من الأزمات المتسارعة، والتي حملت لهاثًا وأصواتًا قلقة وخائفة ومنكسرة ومخذولة، لم يكن النزول عن قمة حياكة الحبكة سهلًا. لكنّ المخرج اختار القفز من فوق كلّ هذا بنهايات سيّئة للشخصيّات البطلة، ليحافظ على فكرة البقاء للخير والزوال للشر. وكأنّنا نشاهدُ فيلمًا مصريًّا في ثمانينيات القرن الماضي.
حسام معروف 28 فبراير 2023
سينما
باسل غندور
شارك هذا المقال
حجم الخط
النبش في المخفي، المتواري عن الأعين، وما لا يمكن تصديقه، هو مهمّة الحالات السينمائيّة التي يوردها الفيلم الأردني "الحارة" للمخرج الأردني باسل غندور، والمعروض على شبكة "نتفليكس" أخيرًا. الصوت المفاهيميّ الغالب على الأحداث، هو ضياع القيم في الحارة الأردنيّة الشعبيّة، وتلوّث المجتمع بارتكاب الأفعال المشينة التي تجسّد التفكّك الأسري، والتنصّت، والتجّسس الإلكتروني، والابتزاز، والأتاوات، ومجتمع الليل والعتمة، والخيانات الزوجيّة. كلّ هذه الأمور اندرجت في عمل واحد، يجسد الديستوبيا الاجتماعية في الحارة الأردنيّة، فهل هذا يتقاطع مع الواقع؟ من الممكن طبعًا، لكن هل يكون بهذه الغلبة؟
عملية إنزال
بدت الأحداث في الفيلم ماضيةً بالتدرُّج. فتنطلق الأحداث التي تتفجّر فيما بعد، من علاقة حب جسديَّة بين شخصية عليّ (عماد عزمي) وشخصيّة لانا المراهقة (بركة رحماني). وتتمّ اللقاءات الليليّة بينهما عبر عمليّة إنزالٍ يقوم بها عليّ لجسده في غرفتها، من خلال سطح منزلها، إذْ يدخل المنزل من شبّاكه. وكانت هذه العلاقة بمثابة لحظة اشتعال الأحداث المتراكبة، مثل تصفيفة حجارة الدومينو الأفقية. فبمجرّد أن سقط الحجر الأوّل، انهارت بقيّة الحجارة، وانهار التلامس بين الحجر والآخر. أما أسيل (نادرة عمران) ذات الشخصيّة الحزينة، فتلجأ لزعيم عصابة ليخلّصها من الابتزاز المرهق، من شخصٍ مجهول قام بتصوير ابنتها لانا في وضع "فاضحٍ" مع عشيقها. ويتمّ ذلك بالفعل، لكن لكل حدث توابعه داخل دراما الفيلم، فيشتعل التوتُّر شيئًا فشيئًا، حدّ الوصول للقتل وقطع اللسان.
يجمع الفيلم أحداثًا ويصدِّرها على أنّها تصير في السرّ وسط حارةٍ شعبيّةٍ ضيّقة، يتظاهر أهلها بالحفاظ على الأعراف الاجتماعيّة، لكن ما خَفِيَ كان صادمًا. إذ تكشف الأحداث عن مجتمعٍ ليليّ يشبه في تفاصيله خطى الغابة. فالمتحركون ليلًا، وكان من ضمنهم علي، يعملون في الممنوع، حيث تسهيل العلاقات الجنسية وسهرات البارات، والتي يفرض زعيم العصابة عباس (منذر رياحنة) سيطرته عليها، ويتقاضى الأتاوات الإجبارية نظير حمايةٍ وهميّةٍ للمباني المشبوهة. ويتدرَّج الصراع بين شخصيّتي عباس وعلي، من الاعتداء الوحشي لرجال عباس، إلى مواجهة انتقامية فيما بعد بينهما، تنتهي بتنخيل وتمزيق لسان عباس بالسكّين، وسرقة جميع أمواله. فيما تحمل شخصيّة علي صوتًا انفجاريًّا ضدّ المعتاد داخل أعراف الحارة، فلا يرغب في الإكمال كالباقين، ويريد حياةً أخرى خارج الحارة، خارج الصندوق الضيّق الذي نشأ داخله.
ماكينة الأحداث تصنع صراعًا نفسيًا أيضًا، عبر تناقضات مصدرها النشأة في المكان الشعبي، والعيش الإجباري في أزقّته |
ماكينة الأحداث تصنع صراعًا نفسيًا أيضًا، عبر تناقضات مصدرها النشأة في المكان الشعبي، والعيش الإجباري في أزقّته. فيطمح، على عكس صديقه بهاء (محمد الجيزاوي)، إلى العيش في مكان مُغاير ليتخلّص من ضوضاء الحارة وطباعها. فيما يتّخذ بهاء مهنة الحلاقة، ويتخيَّل نفسه بعد سنوات طويلة راضيًا يعمل في نفس المحل ونفس المهنة ويحلق لنفس الرؤوس. ومضى علي خلال السياق الدرامي للفيلم، مثل صورة تحمل وجهين، حيث أُخْفِيَ داخل صورةٍ موتورة، تتقاطع مع جزئيات المجتمع الديستوبي. وظنَّ نفسه أنه يستطيع فعلها والوصول إلى كافة رغباته، بما في ذلك عشيقته، لكن النهايات كانت تحمل الصدمة والخسارة الكبيرة. أمّا صورته الأخرى التي صدّرها لأهله والمجتمع، فكانت هيئة الشخص الناجح، المتمكّن في عمله الذي يقصده أهل حارته لنزع فتيل البطالة لأولادهم. لكن الخبر يقين ينكشف، ليصير عليّ مثار شكوك من جده، وأسئلةٍ لا تنتهي حول ماضيه برمّته.
وجاء راوي الفيلم دائم التهكُّم على المجتمع، إذ ينطلقُ بصوتٍ جهوريّ ليكشف عن مساوئ مجتمع الحارة. فالجميع ينخرط حسب رؤيته في الطعن بالآخرين وتكبير الإشاعات في الجلسات المغلقة، كمن يستخدم مُكبّر صوت. كما يعكس الراوي أزمة البطالة داخل المجتمع الأردني، خلال نقله لحوارات المجتمع الصغير، ويبرز التفكُّك الأسري، من خلال سرد ماضي أسيل مع زوجها توتو، والتي تحدَّت أهلها من أجله، لكنّه كان غارقًا في إدمان المخدّرات، فانفصلت عنه وعملت مُصفّفة شعرٍ لإعالة ابنتها.
صحيحٌ أن العمل الفنيّ يقوم على تضخيم الأفكار، وعرضها بشكل متسلسل يحتوي على الترابط والاتساق. لكن هذا الفيلم عمّم الحالة الديستوبيّة في الحارة الشعبيّة الأردنيّة، والتي كما تشتمل على السلوكيّات السيّئة، فإنها تّصدر الكثير من الصفات الحسنة، كالمودّة والتكاتف في الكثير من الأحيان، وهو ما وضع مخرج الفيلم في مثار الانتقاد والتجنُّي على الحارة الأردنيّة الشعبيّة، وأثار الكثير من الغضب لدى الجمهور. لعبة شد الحبل
عند تفكيك الأدوات المصاحبة للكوادر، فإن الفيلم مضى بسرعات متفاوتة. فبدت الأحداث مثل مجموعتين من الأيدي متصارعة في لعبة شد الحبل، تهدأ قليلًا، ثم يتم استئناف اللعب من جديد. والجميع يدور حول بؤرة الصورة المثالية، وما يتم إخفاؤه خلفها. هذا الغطاء الاجتماعي الذي يستهدف الفيلم، هو من أجل خلخلة بنيانه وتحريك الماء الراكد بداخله.
أما الموسيقى التي قدّمها الفنان ناصر مشرف، فكانت من الأدوات التي شدَّت الأداء التمثيلي درجةً إلى الأعلى. إذْ كانت تتباين مثل كرات ملوّنة بين الأحداث، حيث مشت الكوادر الجريئة ومشاهد الحب على موسيقى كلاسيكيّة هادئة. فيما اتّخذت كوادر ذروة الحبكة الدراميّة موسيقى تشويقيّة عالية الأثر. وجرى الأدرينالين في الجسد لحظة مداهمة عليّ لبيت عباس، وكذلك لحظة كمين كشف الجسد الذي أعدّته سالي لتكشف عن هويّة المبتزّ. وبعض المشاهد سارت نحو إيقاعٍ متسارعٍ، لزيادة منسوب الجذب عند الجمهور.
ولا يمكن ألا نرى إلا بعينٍ من استغراب الألفاظ النابيّة التي تكرَّرت بشكلٍ كبير على ألسنة الممثّلين، حتى ولو كانت الأحداث تمضي في وسطٍ مأساوي، فإنّ طريقة المعالجة لا تكون بالنقل الصارخ للحدث، وحتّى إن تم ذلك، فإنّما يكون بمجرد الذكر. لكن تكرار الألفاظ تلك جعل الأمر يبدو مبتذلًا ومقززًا، مثله تمامًا مثل مشهد تشويه لسان عباس بالسكين، فهنالك مشاهد قدمت للعين والأذن ملوّثاتٍ، لا تزيد من قوة السينما بل تضعفها.
كرة نار
ومضت أحداث مثل كرة نار، كانت تكبر مع التسلسل الكرونولوجي للفيلم، والذي امتد إلى 116 دقيقة، وباتت الأزمة الأخلاقيّة تتعمّق مع تسارع الأحداث، وتكشف عن جوانب أكثر قدرة على التوتير والتشويق خلال العرض. لكن المخرج كان يخفي السرّ الدرامي بيد، ويكشف عنه في الأخرى، وكأنّه يخاف على الجمهور من التوتر! فما أن استطاع إتقان إقدام بهاء على خداع جدِّ عليّ بإرسال وفد وهمي لإدارة الشركة التي ادّعى علي العمل فيها، إلا وكشف خدعته في المشهد التالي. فقد كان بإمكانه إطالة الخديعة قليلًا، وزيادة حيرة المشاهدين، عبر تحويلها إلى صدمة درامية للجمهور، وذلك بإخفائها لنهاية العرض.
وما يمكن ملاحظته، غياب جسد القانون داخل الأحداث، فلم يظهر أي من أجزاء الكادر الشرطي خلال أحداث شهدت اعتداءات دموية وصلت لحد القتل. لربما أراد المخرج نقل فكرة العشوائيات كما في المجتمع المصري. وحين ظهر الكادر الشرطي في نهاية العرض، كان أيضًا خدعة الحاوي قصير النّفَس الذي تسقط كراته سريعًا.
وبعد أن صنع المخرج جبلًا من الأزمات المتسارعة، والتي حملت لهاثًا وأصواتًا قلقة وخائفة ومنكسرة ومخذولة، لم يكن النزول عن قمة حياكة الحبكة سهلًا. لكنّ المخرج اختار القفز من فوق كلّ هذا بنهايات سيّئة للشخصيّات البطلة، ليحافظ على فكرة البقاء للخير والزوال للشر. وكأنّنا نشاهدُ فيلمًا مصريًّا في ثمانينيات القرن الماضي.