"آفاتار 2": إبهارٌ بصري مع غيابٍ للسرد
عمر شبانة 8 فبراير 2023
سينما
المخرج جيمس كاميرون مع شخصيات من "آفاتار2" وملصق الفيلم
شارك هذا المقال
حجم الخط
فيلم "آفاتار 2" يُدعى، بحسب بعض من شاهدوه، معجزة جديدة في مجال المؤثرات البصرية، وهو كذلك فعليًّا، فهو مبهرٌ بصريًّا، حتّى أنّنا اضطُررنا، في أثناء مشاهدته، إلى ارتداء نظّارات خاصّة لنستوعب الصّورة وسرعة حركتها وخلفيّاتها، ويتساءل من شاهد فيلم "تايتانك" إن كان كاميرون هو المخرج نفسه الذي يقدم "آفاتار"، إذْ سننتظر، بحسب تصريحاته، أجزاء جديدة منه قد تصل إلى الخمسة، فالفروق بين الفيلمين شاسعة وواسعة.
بعد مشاهدة الفيلم (من تأليف وإخراج جيمس كاميرون)، لا أستطيع أنا، وربّما غيري ممّن شاهدوا الفيلم، إنكار الجهد الهائل والجبّار الذي بذله المخرج وفريق عمله لإنجاز هذا العمل المُبهر بتقنياته وأدواته البصرية. تقنيات كانت ستكون فائقة للخيال البشري قبل سنوات، لكنّها تتحقق الآن في عمل خارج التصوّر بصريًّا وصوتيًّا أيضًا. لكنّ العمل ليس مُبهرًا على صعيد السرد الدراميّ والخاتمة، ولا على مستوى "الرسالة" النهائية للفيلم. وهو ما يطرح السؤال عن مدى ارتباطه بما يُسمّى "سينما الخيال العلميّ"، من جهة. ومن جهة ثانية بماذا يختلف عن أفلام "الأكشن" الاستهلاكية، رغم أنه يختلف عنها فعلًا؟ وهل يستحق مئات الملايين (حوالي 400 مليون دولار) كميزانية، وما يقارب مليارَي دولار من الدَّخل خلال أسابيع قليلة؟ ومن هو جمهور هذه الأفلام أصلًا؟ أسئلة تنتظر من يجيب عنها.
خلق تقنيات جديدة
وبناءً على ما جاء من تقارير حول الفيلم، فإن جيمس كاميرون في هذا الجزء من فيلمه خصوصًا، وفي الجزء الأول منه جزئيًّا، يعتمد نظام الكاميرا الافتراضية، وتصوير فيلم ثلاثيّ الأبعاد، مزاوجًا بين مؤثرات الـCGI القادمة من عالم الألعاب، وتقنية الحركة الحية أو "اللايف آكشن"، خالقًا تقنية جديدة أطلق عليها The Volume وهي قائمة على قناع للوجه شديد الحساسية مدعوم بكاميرا دقيقة لالتقاط تعبيرات الوجه. هذا بخلاف تطويره لنظام Fusion Digital 3-D Camera الذي أتاح للممثلين إمكانية رؤية المؤثرات المحيطة بهم بدلًا عن الخلفية الخضراء، وعن الاعتماد على خيالهم أثناء تأدية المشهد.
كان السؤال الأوّل والكبير الذي طرحتُه عند انتهائي من مشاهدة الفيلم، والخروج منه مبهورًا، ولكن مخذولًا أيضًا، وهو سؤال ربّما يكون آخرون ممّن شاهدوه طرحوه على أنفسهم أيضًا، وهو ما إذا كان يكفي استخدام كمية ضخمة من الآلات والتكنولوجيا والإبهار البصري لصناعة فيلم سينمائيّ ناجح؟ أم أن ما رأيناه في هذا الفيلم يحيل على عالم آخر غير السينما، بما يتطلب هذا الفن السابع من عناصر إنسانيّة بعواطف ومشاعر وأحاسيس؟
أمّا السّؤال الثاني الذي يمكن طرحه على هذا الفيلم والقائمين عليه، فهو حول "الرسالة" التي حملها وأراد تبليغها إلى مشاهديه. إذ يبدو أنه أراد أن يعكس صورة من صور الصراع بين قوى الشرّ متمثّلة في حضارة القوّة والعلم والمعرفة، مقابل قوى الخير متمثّلة في الشعب البدائيّ وقبائله المحبة للسلام والطبيعة والجمال. هذا الصراع الذي ينتهي في الفيلم بانتصار حضارة البدائيّين وخيرهم على حضارة القوة والعلم وشرّها. وهنا سنجد من يتوهّم أن هذا الانتصار هو حلم المخرج نفسه. لكنّ انتصار الخير على الشرّ يتطلّب مؤهّلات لا يتوفّر عليها النصّ ولا السّرد الدراميّ، بل نحن حيال مغامرات لا يربطها رابط قويّ ومنطقيّ. نقد الاستعمار
في خضمّ الاستعمال الهائل للقوّة والتقنيات التي تجسّدها، وصراع هذه القوّة الاستعماريّة مع قوى الخير التي تدافع عن نفسها بالقوس والسهام، وفي فيلم تبلغ مدّته ثلاث ساعات وربع، تبرز وتضيع عبارة يكرّرها أفراد القبيلة، وهي عبارة تعني حرفيًا "أنا أراك". لكنهم يقصدون بها "أنا أحبّك" كما يتّضح من سياق اللقاءات والحوارات. ومثل هذه العبارة، ثمّة مشاهد حبّ قليلة تبدو كقطرة عطر في بحر هائج. نعني هنا الحبّ الذي يجمع أفراد القبيلة المدافعة عن أرضها وحياتها، في مواجهة قوّة حضاريّة تريد أن تفرض عليها نمطَ حياة لا يلائمها، وهي تفعل ذلك لا حبًّا في هذه القبيلة أو رغبة في تطويرها، كما يدّعي المستعمِرون عادة، بل للسيطرة على ثروات تنطوي عليها بلادها.
البعض رأى أن كاميرون هذه المرة يخلق في عالمه وبأدواته المتخيّلة مساحة خياليّة عن الاستعمار، وعن أطماع البشر وميولهم العنيفة، وحاجاتهم التي تحركهم، فيُصوِّر شعبًا وادعًا يحيا بانسجام مع الطبيعة، ألا وهم قبائل "النافي"، أمام الجيش الأميركي الذي يريق دماءهم وينهب ثرواتهم، في استعارة عن وقائع إبادة السكان الأصليّين لأميركا.
سؤال الطبيعة
ولا بدّ من الإشادة أيضًا بحجم الاهتمام الذي يبديه الفيلم حيال الطبيعة والبيئة، وبطريقة علمية خيالية أيضًا، خصوصًا في إبرازه ملمَحَين أساسيّين منها هما الغابات والمياه. هذا الاهتمام المشدَّد والمعمّق يتّخذ أبعادًا عدّة. الأوّل منها يتعلّق بجماليّات الطبيعة، حيث تدور الكاميرا حاملة أجمل وأعمق ما في الغابة والبحر، خضرةً وزرقةً لم يسبق للسينما إبرازهما، في حدود علمنا. والبعد الثاني يتعلّق بمدى ارتباط كلّ من القوّتين المتصارعتين بهذه الطبيعة، وهو ارتباط تحكمه المصلحة عند الطرف الأقوى الذي لا يتورّع عن تدمير الطبيعة حين تدعوه مصلحته إلى ذلك، ولكنه ارتباط يحكمه الحبّ لدى القبيلة المُسالمة التي ترفض النمط غير الطبيعيّ في حياتها. مع ذلك يظلّ السؤال عن كلّ ما يقال عن الخيال العلمي في الفيلم.
إشارةٌ أخيرة أجد أنها ضروريّة، تتعلّق بجمهور الصالة، وأقصد الصالة التي شاهدت الفيلم فيها في عمّان، حيث كان الحضور لا يزيدون على عدد أصابع اليدَين، وهذا يبدو أمرًا غريبًا حيال ما هو شائع عن الجماهير التي جعلت إيرادات الفيلم تقارب المليارين، فأين هي المشكلة، إن كانت ثمّة مشكلة؟
عمر شبانة 8 فبراير 2023
سينما
المخرج جيمس كاميرون مع شخصيات من "آفاتار2" وملصق الفيلم
شارك هذا المقال
حجم الخط
فيلم "آفاتار 2" يُدعى، بحسب بعض من شاهدوه، معجزة جديدة في مجال المؤثرات البصرية، وهو كذلك فعليًّا، فهو مبهرٌ بصريًّا، حتّى أنّنا اضطُررنا، في أثناء مشاهدته، إلى ارتداء نظّارات خاصّة لنستوعب الصّورة وسرعة حركتها وخلفيّاتها، ويتساءل من شاهد فيلم "تايتانك" إن كان كاميرون هو المخرج نفسه الذي يقدم "آفاتار"، إذْ سننتظر، بحسب تصريحاته، أجزاء جديدة منه قد تصل إلى الخمسة، فالفروق بين الفيلمين شاسعة وواسعة.
بعد مشاهدة الفيلم (من تأليف وإخراج جيمس كاميرون)، لا أستطيع أنا، وربّما غيري ممّن شاهدوا الفيلم، إنكار الجهد الهائل والجبّار الذي بذله المخرج وفريق عمله لإنجاز هذا العمل المُبهر بتقنياته وأدواته البصرية. تقنيات كانت ستكون فائقة للخيال البشري قبل سنوات، لكنّها تتحقق الآن في عمل خارج التصوّر بصريًّا وصوتيًّا أيضًا. لكنّ العمل ليس مُبهرًا على صعيد السرد الدراميّ والخاتمة، ولا على مستوى "الرسالة" النهائية للفيلم. وهو ما يطرح السؤال عن مدى ارتباطه بما يُسمّى "سينما الخيال العلميّ"، من جهة. ومن جهة ثانية بماذا يختلف عن أفلام "الأكشن" الاستهلاكية، رغم أنه يختلف عنها فعلًا؟ وهل يستحق مئات الملايين (حوالي 400 مليون دولار) كميزانية، وما يقارب مليارَي دولار من الدَّخل خلال أسابيع قليلة؟ ومن هو جمهور هذه الأفلام أصلًا؟ أسئلة تنتظر من يجيب عنها.
البعض رأى أن كاميرون هذه المرة يخلق في عالمه وبأدواته المتخيّلة مساحة خياليّة عن الاستعمار، وعن أطماع البشر وميولهم العنيفة، وحاجاتهم التي تحركهم |
وبناءً على ما جاء من تقارير حول الفيلم، فإن جيمس كاميرون في هذا الجزء من فيلمه خصوصًا، وفي الجزء الأول منه جزئيًّا، يعتمد نظام الكاميرا الافتراضية، وتصوير فيلم ثلاثيّ الأبعاد، مزاوجًا بين مؤثرات الـCGI القادمة من عالم الألعاب، وتقنية الحركة الحية أو "اللايف آكشن"، خالقًا تقنية جديدة أطلق عليها The Volume وهي قائمة على قناع للوجه شديد الحساسية مدعوم بكاميرا دقيقة لالتقاط تعبيرات الوجه. هذا بخلاف تطويره لنظام Fusion Digital 3-D Camera الذي أتاح للممثلين إمكانية رؤية المؤثرات المحيطة بهم بدلًا عن الخلفية الخضراء، وعن الاعتماد على خيالهم أثناء تأدية المشهد.
كان السؤال الأوّل والكبير الذي طرحتُه عند انتهائي من مشاهدة الفيلم، والخروج منه مبهورًا، ولكن مخذولًا أيضًا، وهو سؤال ربّما يكون آخرون ممّن شاهدوه طرحوه على أنفسهم أيضًا، وهو ما إذا كان يكفي استخدام كمية ضخمة من الآلات والتكنولوجيا والإبهار البصري لصناعة فيلم سينمائيّ ناجح؟ أم أن ما رأيناه في هذا الفيلم يحيل على عالم آخر غير السينما، بما يتطلب هذا الفن السابع من عناصر إنسانيّة بعواطف ومشاعر وأحاسيس؟
أمّا السّؤال الثاني الذي يمكن طرحه على هذا الفيلم والقائمين عليه، فهو حول "الرسالة" التي حملها وأراد تبليغها إلى مشاهديه. إذ يبدو أنه أراد أن يعكس صورة من صور الصراع بين قوى الشرّ متمثّلة في حضارة القوّة والعلم والمعرفة، مقابل قوى الخير متمثّلة في الشعب البدائيّ وقبائله المحبة للسلام والطبيعة والجمال. هذا الصراع الذي ينتهي في الفيلم بانتصار حضارة البدائيّين وخيرهم على حضارة القوة والعلم وشرّها. وهنا سنجد من يتوهّم أن هذا الانتصار هو حلم المخرج نفسه. لكنّ انتصار الخير على الشرّ يتطلّب مؤهّلات لا يتوفّر عليها النصّ ولا السّرد الدراميّ، بل نحن حيال مغامرات لا يربطها رابط قويّ ومنطقيّ. نقد الاستعمار
في خضمّ الاستعمال الهائل للقوّة والتقنيات التي تجسّدها، وصراع هذه القوّة الاستعماريّة مع قوى الخير التي تدافع عن نفسها بالقوس والسهام، وفي فيلم تبلغ مدّته ثلاث ساعات وربع، تبرز وتضيع عبارة يكرّرها أفراد القبيلة، وهي عبارة تعني حرفيًا "أنا أراك". لكنهم يقصدون بها "أنا أحبّك" كما يتّضح من سياق اللقاءات والحوارات. ومثل هذه العبارة، ثمّة مشاهد حبّ قليلة تبدو كقطرة عطر في بحر هائج. نعني هنا الحبّ الذي يجمع أفراد القبيلة المدافعة عن أرضها وحياتها، في مواجهة قوّة حضاريّة تريد أن تفرض عليها نمطَ حياة لا يلائمها، وهي تفعل ذلك لا حبًّا في هذه القبيلة أو رغبة في تطويرها، كما يدّعي المستعمِرون عادة، بل للسيطرة على ثروات تنطوي عليها بلادها.
البعض رأى أن كاميرون هذه المرة يخلق في عالمه وبأدواته المتخيّلة مساحة خياليّة عن الاستعمار، وعن أطماع البشر وميولهم العنيفة، وحاجاتهم التي تحركهم، فيُصوِّر شعبًا وادعًا يحيا بانسجام مع الطبيعة، ألا وهم قبائل "النافي"، أمام الجيش الأميركي الذي يريق دماءهم وينهب ثرواتهم، في استعارة عن وقائع إبادة السكان الأصليّين لأميركا.
سؤال الطبيعة
ولا بدّ من الإشادة أيضًا بحجم الاهتمام الذي يبديه الفيلم حيال الطبيعة والبيئة، وبطريقة علمية خيالية أيضًا، خصوصًا في إبرازه ملمَحَين أساسيّين منها هما الغابات والمياه. هذا الاهتمام المشدَّد والمعمّق يتّخذ أبعادًا عدّة. الأوّل منها يتعلّق بجماليّات الطبيعة، حيث تدور الكاميرا حاملة أجمل وأعمق ما في الغابة والبحر، خضرةً وزرقةً لم يسبق للسينما إبرازهما، في حدود علمنا. والبعد الثاني يتعلّق بمدى ارتباط كلّ من القوّتين المتصارعتين بهذه الطبيعة، وهو ارتباط تحكمه المصلحة عند الطرف الأقوى الذي لا يتورّع عن تدمير الطبيعة حين تدعوه مصلحته إلى ذلك، ولكنه ارتباط يحكمه الحبّ لدى القبيلة المُسالمة التي ترفض النمط غير الطبيعيّ في حياتها. مع ذلك يظلّ السؤال عن كلّ ما يقال عن الخيال العلمي في الفيلم.
إشارةٌ أخيرة أجد أنها ضروريّة، تتعلّق بجمهور الصالة، وأقصد الصالة التي شاهدت الفيلم فيها في عمّان، حيث كان الحضور لا يزيدون على عدد أصابع اليدَين، وهذا يبدو أمرًا غريبًا حيال ما هو شائع عن الجماهير التي جعلت إيرادات الفيلم تقارب المليارين، فأين هي المشكلة، إن كانت ثمّة مشكلة؟