فن التصوير . . المباديء والمنهاج الدرس الأول . عين المصور الفوتوغرافي الاسئلة الثلاثة الأولى
« فن التصوير .. المباديء والمنهاج » سلسلة دراسية على حلقات ، الهدف منها تقديم التصوير الفوتوغرافي إلى أكبر عدد من المهتمين ، بصيغة علمية تكفل لهم ، ليس مجرد إلتقاط صور ناجحة ومعبرة ، بل الالمام بكل ما من شأنه تدعيم الثقافة الفوتوغرافية نظرياً وتطبيقياً .
كيف يمكن لاحدنا ان مصـوراً يصبـح فوتوغرافيا . ولماذا يريد ان يكون مصوراً ؟
المحترفون يجيبون عن ذلك بالقول التصوير الفوتوغرافي هو غذاء روحي ، ومن خلاله يمكن الدخول إلى العالم كله من حولنا .
البعض يقول : أصبحـت مصوراً فوتوغرافياً لأن التصوير جعلني قادراً على التنبه للحالة البشرية وتسجيل موكب الأحداث فيها .
ولكن مع دخولنا نحن إلى عالم . التصوير سيكون لنا مبررات أخـرى ، قد تنسجم مع هذه المبررات أو تختلف عنها ، لكنها ستكون مبررات صحيحة وخاصة بنا .
من المؤكد ان ايامنا قد سبق له رؤية صورة أو مجموعة من الصور الفوتوغرافية الجميلة في بعض الكتب او المجلات هذا الأمر يتكرر مراراً ، ولا بد ان تخطر ببالنا هذه العبارة : « اتمنى لو استطيع إلتقاط صورة كهذه ، لكن ليس مجرد التمني ، او الامعان في النظر هو الذي يساعدنا على النقاط افضل الصور .
السبب يعود إلى أننا لم نتعرف على ينبغي التدقيق او البحث عنه لمعرفة مقومات - نجاح ، هذه الصورة ، او سبب جمالها ... لم نستطع معرفة ما فعله المصور لانتاج صورته الجميلة هذه رغم ان المجلة أو الكتاب ربما تضئنا إسم الكاميرا المستعملة ونوع العدسة وكذلك الفيلم ووقفة . ف .. او باختصار التفاصيل التقنية التي تقف وراء الصورة ... كل هذه التفاصيل لن تساعدنا على إنتاج صورة جميلة ! إن معرفة اسماء وانواع الألوان والفراشي التي إستعملها ليونارد دافنتشي تساعدنا على إنتاج لوحة بجمال الموناليزاء .
ما هو الأمر الغائب هنا ؟
إنه ذاك الشيء الذي لا يمكن الاجـابـة عليـه بكلمـة أو بصفحات .. إنه دراسة تاتي في
الدرجة الثانية بعد الموهبة وهواية التصوير ... وهذا هو ما ستعمل على إيصاله لقرائنا من خلال هذه السلسلة الجديدة في مجلتنا . و في هذه الحلقة ـ الحلقة الأولى - سنبدأ بعرض مجموعة من الصور الجميلة لنبحث معا عن سر جمالها عبر مجموعة مبسطة من الارشادات . وبفضل مشاهدة هذه الصور من حولنا مع تحديد ما نبحث عنه فيها تكون قد دخلنا إلى الباب الأول من ابواب المعرفة بفن التصوير ، وهو ما يسمى باب ؛ عين المصور الفوتوغرافي . .
سنبدا إذن بتنمية عينـك صديقي القاريء منذ الآن باستعراض هذه المجموعة من الصور الفوتوغرافية ولنتعرف على ما تعنيه كل صورة لنا منذ النظرة الأولى .. أو بالأحرى ما هي الحالة التي تعبر عنها كل صورة .
١ - هذه أرض الحـريـة والانطلاق .
٢ - وهذا رمز للشجاعة .
٣ - هذه بداية الحياة .
٤ - وهذه نهايتها .
ه ـ هذه إطلالة على الجيران .
٦ - وإطلالة على العالم .
٧ - هنا إنسان بيني .
٨ - وهنا يدمر .
٩ - وهذه إبتسامة .
١٠ - وهنا فاجعة .
١١ - البراءة .
۱۲ - والتصنع .
١٣ - رجل يعمل .
١٤ - ورجل يمرح .
١٥ - عجائب الطبيعة
١٦ - وعجائب الانسان .
۱۷ - منظر جميل .
١٨ - وإمرأة جميلة .
لدى مشاهدة هذه الصور سوف تركز أولا على ثلاثة إرشادات هي
١ - الصورة الفوتوغرافية الجيدة هي تلك التي تسرد قصة . او تعبر عن رأي ، او تبعث فينا إحساساً عاطفيا .. اي عليها ان تكون أكثر من مجرد صورة لحيوان او شيء أو إنسان ، عليها الا تكون ذات معنی خـاص بمصـورهـا وحده .
ينبغي أن يكون فيها معنى للناس في كل مكان ، وهذا ما نسميه الشمولية .
۲ - الصورة الفوتوغرافية الجيدة هي تلك التي يستطيع مصورها تركيز إنتباه المشاهد على أهم العناصر التي تعبر عن الفكرة من ورائها ، وهذا ما نطلق عليه تعبير التشديد .
٣ - التبسيط هو أيضاً من الشروط الضرورية لنجـاح الصورة ، عليها ان تشتمل على العناصر ذات الأهمية للموضوع . وتستثني أو تقلل من أهميـة العناصر الأخرى التي تلهي الناظر عن إستيعاب الفكرة .
مع هذه الإرشادات عليـك صديقي القاريء النظر إلى الصور الفوتوغرافية بطريقة جديدة وهكذا سوف تبدا برؤية العالم بطريقة جديدة ، ومن ثم تبدأ بالتقاط الصور بطريقة جديدة . ولمزيد من الايضاح ، نقف الآن عند كل من هذه الإرشادات وقفة مفصلة بالاعتماد على صورة توضيحية .
- الشمولية
قد تتساءل اولا كيف اعثر على افکار شمولية حولي ، دون ان اقصد منطقة سياحية .. نحن نقول ان المصور الذي لا يرفع الكاميرا عن عينيه في بلد يزوره للمرة الأولى ، يستطيع أن يجد ايضاً الكثير في بلده وحول منزله لكن المشكلة تكمن في تعوده على الاجواء المحيطة به ، إلى حد أنه بات يمر من أمـام المنـاظـر والاشخاص كانه لا يرى شيئاً منهم وهذا الأمر شبيه بالصور الموجودة على الأوراق النقدية التي نتداولها ولا نعرف ما بداخلها لكثرة ما نظرنا إليها ...
إذن لا بد لنا من البدء بمشاهدة الأشياء برؤية جديدة . وهكذا سنجد في بلدنا ما يجده السائح الذي يزورنا للمرة الأولى ، سنجد في الشارع و في المنزل وعند الجيران والمدرسة ، وسنجد بين زملائنا واهلنا واصدقائنا اهم المواضيع للتصوير . سنجد حولنا اعظم المواضيع واكثرها شمولية .
ولنبدأ مع الصورة رقم ١٠ ، وهي صورة حافلة بالاحاسيس ، ويعود جزء من ذلك إلى موقف الشخص الموجود وسط الصورة وإنصرافه إلى ما يحيط به من أشياء تعبر عن نظرته للحياة ، ونوع الحالة التي يعيشها ، ويعود جزء آخر من الأحاسيس إلى الجو العـام للصورة .
فالنبـات والهـواء والضوء تعمل جميعها على تقوية
الفكرة ، حيث تتجمع منها لتعبر عن الشمـوليـة ، فليس هذا الشخص هو وحـده المعني باللقطة ، إنما تحول هنا إلى جزء من هذه البيئة يعمل معها على الإيحاء بوجود حالة من الانطلاق وحرية التنقل في الطبيعة الواسعة بين الزهور والماء والتلال .
هنا نوجه للقاريء هذا السؤال المهم :
كم مرة التقطت صورة لوالدك أو والدتك او زوجتك واطفالك ، تكون ناجحة وشمولية كهذه الصورة ؟ !
حين يكون الجواب بالنفي نسال مجدداً هل كنت تعتبر ان الصورة التي تعني الآخرين لا بد وان تكون لنجم نجمة معروفة .
صورة لصوفيا لورين او مايكل جاکسون او فرح فاوست مثلا ؟ !
التعامل مع المرأة كامرأة عادية هي المشكلـة التـي تـعتـرض مصورينا المبتدئين دون شك ، فهم لا يرون في المراة التي يعرفونها سوى وجهها العادي ، علما انه يمكن التعامل معها كنموذج شامل للمراة أو الأم أو الصبية ..
وليس من الضروري ان تقوم احداهن بعمل بطولي ، كان تقفز بالمظلة ، البراشوت ، او ترشح نفسها لمنصب سياسي لتكـون نموذجاً شموليا يمكن تصويره .
الأمر ليس بالسهولة التي يتصورهـا البعض ولا هو بالمستحيـل .. فكثيرون هم المصورون المحترفون الذين لم يصلوا بعد إلى المرحلة المطلوبة في هذا المجال كثيرون التقطوا مئات الصور للأطفال الرضع ، لكنهم لم يصلوا إلى التقاط صورة تعبر عن . فكرة الرضاعة ، أو عن - سن الرضاعة ، أو عن ، البراءة ، أو و الطفولة ، . وكثيرون صوروا الأعراس لكنهم لم يلتقطوا صورة للحب ، او , العـاطفة ، او الفرح ، « الرجولة . .
هذا هو ما نريد تعلمه في سلسلتنا هذه ..
سوف نصل إلى الصورة التي تعبر عن فكرة ورسالة شمولية . قبل الانتقال إلى الارشاد التالي .
- التشديد
لنتمكن من إيصال فكرة ما لا بد من الاعتماد على موضوع رئيسي واحد يثير الاهتمام وقد يكون هذا الموضوع هو الشخص او الشيء الماثل أمامنا في الصورة وربما بين مجموعة اشخاص او اشياء ، لكن هذا الشخص او الشيء الواحد سيكون هو المركز الذي علينا التشديد لاظهاره على أساس أنه الأهم ..
لناخذ الصورة رقم ١١ ، حيث نجد ثلاث بطات ، وسط الماء لكن واحدة منهن هي مركز الاهتمـام ولن يصعب علينا معرفتها إنها تلك التي اخذت وجهة معكوسة عن البطتين التاليتين وهنا نرى وجهها منعكساً على صفحة الماء يساعد في التركيز نحوها وبنجاح الفكرة من ورائها ...
هذه اللقطة يكون لها أكثر من معنى ، وربما أراد مصورها الوصول إلى معنى مغاير لما اتخذناه لها ، البراءة ، قد يكون للمصور معنی او قصد آخر من ورائها .
ولنترك لك عزيزي القاريء حرية اختيار المعنى الذي تراه مناسباً لهذه اللقطة وقد تكون الفردية او ، الفضول ، أو غير ذلك ، لكن كيفما فسرتها ، تبقى الفكرة نابعة من الانتباه الذي يركز ودون إعاقة على هذه البطة الواحدة وقد تسجل ذلك في لحظة واحدة ما كان بالإمكان الحصول عليها لولا قدرة المصور ، قبيل الالتقاط انتظر هذا المصور حتى اللحظة المناسبة تماماً ، عملت عيناه على إستكشاف المشهد هناك ثلاث بطات ، لكن لا بد من المثابرة حتى تحين اللحظة المناسبة ثم حدث ما كان بانتظاره حين استدارت إحدى البطات الثلاث ببراءة نحو الكاميرا وهنا ضغط على المغلاق وسجلت هذه اللحظة إلى الأبد . كيف ركز المصور على موضوعه وكيف ستركز انت على ما تريد إلتقاطه ، هذا ما سيؤخذ بعين الاعتبار إلى جانب معرفة الأساليب التي تشتمل على المحتوي وإستعمال العدسات المناسبة وسرعة الاغلاق والاضاءة ومن ثم العمليات المخبرية داخل الغرفة المظلمة وما إلى ذلك من مقتضيات التصوير . إذن الآن صار أمامنا سؤالان مهمان لا بد من الإجابة عليهما قبل إلتقاط اي صورة .
- الأول ما هي الفكرة الرسالة الشمولية - التي أريد التعبير عنها في الصورة ؟
- الثاني كيف استطيع تركيز الانتباه على مركز الاهتمام لاعبر عن هذه الفكرة افضل تعبير ؟ ..
- التبسيط
مع الصورة العاشرة لا مجال لسوء تفسير الفكرة ، ودون معرفة تفاصيل الموضوع الحقيقية أو الظروف المعنية بها بدقة يمكن فهم الفكرة العامة : هناك حزن عميق إلى حد الفاجعة يكتنف هذه المرأة . وحين تعلم التفاصيل وهي انها لقطة لام فقدت ابنها ظروف عسكرية يعيشها وطنها . وقد التقطت لها هذه الصورة لحظة تاجج عاطفي وإفتقاد لفلذة كبدها فإن هذه التفاصيل ستعمل على تقوية فهمنا للصورة ، أو للفكرة التي تكمن خلفها ورغم ذلك نجد أن أهمية الصورة هي كوننا لن نحتاج إلى معرفة كل هذه التفاصيل لنقدر ما تقوله حق تقدير .
المصور هنا عمل على التعبير عن هذه الفكرة بالقوة الاشد فقد كان بإمكانه أخذ لقطة للحزن على وجوه الآخرين من المحيطين بهذه المرأة ، لقد كان الحزن باديا على وجه الجميع ، وكانت الدموع تنهمر من عيون الكثيرين والكثيرات ، لكن المصور اراد الوصول إلى ما هو أبعد من مظاهر الحزن ، اراد الوصول إلى الحزن الداخلي ، الحزن المعبر .
لقد تخلى عن لقطة عامة تجمع حزناً عاماً على وجوه مجموعة من الناس ، معتبراً الحزن الشديد عاطفة شخصية جداً ، ولا يمكن ابدأ ان نقول بأن الحزن الشديد على مائة وجه هو أكثر تعبير منه على وجه واحد ، بل بالعكس ، إذن من هنا نستمد فكرة , التبسيط ، بالتركيز على وجه واحد للتعبير عن العاطفة باسمى معانيها ، بدلا من شمول إطاره لمجموعة من النسوة ، لتنتج عنها هذه الصورة التي تدخـل بتاثيرها إلى الأعماق وتقول كل شيء .
للوصول إلى مسألة التبسيط . عليك إذن وبينما انت تحدق من خلال محدد النظر ، وقبل الضغط على زر المغلاق ، ان تسال نفسك دائما :
هل ركزت الانتباه على موضوعي الرئيسي ؟
هل ركزت على العنصر الرئيسي في الموضوع ؟ هل ازلت المعيقات مما لا تستدعيه الضرورة ؟
هل اعتمدت التبسيط مكتفياً بجوهر المشهد .
هذه الأسئلة تمر كلها في ذهن المحترف بلحظة مع إجاباتها وبعد ذلك يتم الالتقاط مباشرة التبسيط يمكن رؤيته ايضاً بسهولة في الصورة رقم ١١ ، حيث تغيب المعيقات ، كذلك الصورة الأولى إنها بسيطة . كيف تراها عزيزي القاريء ؟ - - هل كان من المفترض الحذف منها من الخلفية مثلا ؟
نحن لا نعتقد ذلك ، ولك حرية الراي ان تعارض هذا القول وتحاول بلقطة مماثلة يغيب عنها قسم من الخلفية .
سوف تصل بعد ذلك إلى نتيجة مفادها أن التبسيط يعني إزالة العناصر المعيقة للفكرة ، وليس معناه الإزالة لمجرد الإزالة ويمكن على طريق التاكد من ذلك إعتماد ورقة بيضاء ووضعها في موقع الحذف . حول الرجل . بحيث نغطي الخلفية ، هنا سنلاحظ أن الصورة فقدت جودتها .
- الأسئلة الثلاثة
بعد هذا الاستعراض نجد اننا بتنا أمام ثلاثة اسئلة هي :
⏺ ما هي الفكرة ، الرسالة الشمولية التي أريد التعبير عنها .
⏺ كيف استطيع تركيز الانتباه على مركز الاهتمام ؟
⏺ هل إعتمدت التبسيط بإزالة كل ما يعيق او لا ضرورة له ، مع تضمين ما يسهم في إبراز الفكرة ؟
هذه هي الإرشادات الأساسية الثلاثة التي لا بد وان يعمل المصور على هديها بالنسبة لكل صورة يلتقطها ، وكل صورة يدرس إمكانية إلتقاطها باسلوب مميز وخاص .
الدرس الثاني -
الكاميرا والعدسة
ماذا نحتاج لصنع صورة فوتوغرافية
« فن التصوير .. المباديء والمنهاج » سلسلة دراسية على حلقات ، الهدف منها تقديم التصوير الفوتوغرافي إلى أكبر عدد من المهتمين ، بصيغة علمية تكفل لهم ، ليس مجرد إلتقاط صور ناجحة ومعبرة ، بل الالمام بكل ما من شأنه تدعيم الثقافة الفوتوغرافية نظرياً وتطبيقياً .
كيف يمكن لاحدنا ان مصـوراً يصبـح فوتوغرافيا . ولماذا يريد ان يكون مصوراً ؟
المحترفون يجيبون عن ذلك بالقول التصوير الفوتوغرافي هو غذاء روحي ، ومن خلاله يمكن الدخول إلى العالم كله من حولنا .
البعض يقول : أصبحـت مصوراً فوتوغرافياً لأن التصوير جعلني قادراً على التنبه للحالة البشرية وتسجيل موكب الأحداث فيها .
ولكن مع دخولنا نحن إلى عالم . التصوير سيكون لنا مبررات أخـرى ، قد تنسجم مع هذه المبررات أو تختلف عنها ، لكنها ستكون مبررات صحيحة وخاصة بنا .
من المؤكد ان ايامنا قد سبق له رؤية صورة أو مجموعة من الصور الفوتوغرافية الجميلة في بعض الكتب او المجلات هذا الأمر يتكرر مراراً ، ولا بد ان تخطر ببالنا هذه العبارة : « اتمنى لو استطيع إلتقاط صورة كهذه ، لكن ليس مجرد التمني ، او الامعان في النظر هو الذي يساعدنا على النقاط افضل الصور .
السبب يعود إلى أننا لم نتعرف على ينبغي التدقيق او البحث عنه لمعرفة مقومات - نجاح ، هذه الصورة ، او سبب جمالها ... لم نستطع معرفة ما فعله المصور لانتاج صورته الجميلة هذه رغم ان المجلة أو الكتاب ربما تضئنا إسم الكاميرا المستعملة ونوع العدسة وكذلك الفيلم ووقفة . ف .. او باختصار التفاصيل التقنية التي تقف وراء الصورة ... كل هذه التفاصيل لن تساعدنا على إنتاج صورة جميلة ! إن معرفة اسماء وانواع الألوان والفراشي التي إستعملها ليونارد دافنتشي تساعدنا على إنتاج لوحة بجمال الموناليزاء .
ما هو الأمر الغائب هنا ؟
إنه ذاك الشيء الذي لا يمكن الاجـابـة عليـه بكلمـة أو بصفحات .. إنه دراسة تاتي في
الدرجة الثانية بعد الموهبة وهواية التصوير ... وهذا هو ما ستعمل على إيصاله لقرائنا من خلال هذه السلسلة الجديدة في مجلتنا . و في هذه الحلقة ـ الحلقة الأولى - سنبدأ بعرض مجموعة من الصور الجميلة لنبحث معا عن سر جمالها عبر مجموعة مبسطة من الارشادات . وبفضل مشاهدة هذه الصور من حولنا مع تحديد ما نبحث عنه فيها تكون قد دخلنا إلى الباب الأول من ابواب المعرفة بفن التصوير ، وهو ما يسمى باب ؛ عين المصور الفوتوغرافي . .
سنبدا إذن بتنمية عينـك صديقي القاريء منذ الآن باستعراض هذه المجموعة من الصور الفوتوغرافية ولنتعرف على ما تعنيه كل صورة لنا منذ النظرة الأولى .. أو بالأحرى ما هي الحالة التي تعبر عنها كل صورة .
١ - هذه أرض الحـريـة والانطلاق .
٢ - وهذا رمز للشجاعة .
٣ - هذه بداية الحياة .
٤ - وهذه نهايتها .
ه ـ هذه إطلالة على الجيران .
٦ - وإطلالة على العالم .
٧ - هنا إنسان بيني .
٨ - وهنا يدمر .
٩ - وهذه إبتسامة .
١٠ - وهنا فاجعة .
١١ - البراءة .
۱۲ - والتصنع .
١٣ - رجل يعمل .
١٤ - ورجل يمرح .
١٥ - عجائب الطبيعة
١٦ - وعجائب الانسان .
۱۷ - منظر جميل .
١٨ - وإمرأة جميلة .
لدى مشاهدة هذه الصور سوف تركز أولا على ثلاثة إرشادات هي
١ - الصورة الفوتوغرافية الجيدة هي تلك التي تسرد قصة . او تعبر عن رأي ، او تبعث فينا إحساساً عاطفيا .. اي عليها ان تكون أكثر من مجرد صورة لحيوان او شيء أو إنسان ، عليها الا تكون ذات معنی خـاص بمصـورهـا وحده .
ينبغي أن يكون فيها معنى للناس في كل مكان ، وهذا ما نسميه الشمولية .
۲ - الصورة الفوتوغرافية الجيدة هي تلك التي يستطيع مصورها تركيز إنتباه المشاهد على أهم العناصر التي تعبر عن الفكرة من ورائها ، وهذا ما نطلق عليه تعبير التشديد .
٣ - التبسيط هو أيضاً من الشروط الضرورية لنجـاح الصورة ، عليها ان تشتمل على العناصر ذات الأهمية للموضوع . وتستثني أو تقلل من أهميـة العناصر الأخرى التي تلهي الناظر عن إستيعاب الفكرة .
مع هذه الإرشادات عليـك صديقي القاريء النظر إلى الصور الفوتوغرافية بطريقة جديدة وهكذا سوف تبدا برؤية العالم بطريقة جديدة ، ومن ثم تبدأ بالتقاط الصور بطريقة جديدة . ولمزيد من الايضاح ، نقف الآن عند كل من هذه الإرشادات وقفة مفصلة بالاعتماد على صورة توضيحية .
- الشمولية
قد تتساءل اولا كيف اعثر على افکار شمولية حولي ، دون ان اقصد منطقة سياحية .. نحن نقول ان المصور الذي لا يرفع الكاميرا عن عينيه في بلد يزوره للمرة الأولى ، يستطيع أن يجد ايضاً الكثير في بلده وحول منزله لكن المشكلة تكمن في تعوده على الاجواء المحيطة به ، إلى حد أنه بات يمر من أمـام المنـاظـر والاشخاص كانه لا يرى شيئاً منهم وهذا الأمر شبيه بالصور الموجودة على الأوراق النقدية التي نتداولها ولا نعرف ما بداخلها لكثرة ما نظرنا إليها ...
إذن لا بد لنا من البدء بمشاهدة الأشياء برؤية جديدة . وهكذا سنجد في بلدنا ما يجده السائح الذي يزورنا للمرة الأولى ، سنجد في الشارع و في المنزل وعند الجيران والمدرسة ، وسنجد بين زملائنا واهلنا واصدقائنا اهم المواضيع للتصوير . سنجد حولنا اعظم المواضيع واكثرها شمولية .
ولنبدأ مع الصورة رقم ١٠ ، وهي صورة حافلة بالاحاسيس ، ويعود جزء من ذلك إلى موقف الشخص الموجود وسط الصورة وإنصرافه إلى ما يحيط به من أشياء تعبر عن نظرته للحياة ، ونوع الحالة التي يعيشها ، ويعود جزء آخر من الأحاسيس إلى الجو العـام للصورة .
فالنبـات والهـواء والضوء تعمل جميعها على تقوية
الفكرة ، حيث تتجمع منها لتعبر عن الشمـوليـة ، فليس هذا الشخص هو وحـده المعني باللقطة ، إنما تحول هنا إلى جزء من هذه البيئة يعمل معها على الإيحاء بوجود حالة من الانطلاق وحرية التنقل في الطبيعة الواسعة بين الزهور والماء والتلال .
هنا نوجه للقاريء هذا السؤال المهم :
كم مرة التقطت صورة لوالدك أو والدتك او زوجتك واطفالك ، تكون ناجحة وشمولية كهذه الصورة ؟ !
حين يكون الجواب بالنفي نسال مجدداً هل كنت تعتبر ان الصورة التي تعني الآخرين لا بد وان تكون لنجم نجمة معروفة .
صورة لصوفيا لورين او مايكل جاکسون او فرح فاوست مثلا ؟ !
التعامل مع المرأة كامرأة عادية هي المشكلـة التـي تـعتـرض مصورينا المبتدئين دون شك ، فهم لا يرون في المراة التي يعرفونها سوى وجهها العادي ، علما انه يمكن التعامل معها كنموذج شامل للمراة أو الأم أو الصبية ..
وليس من الضروري ان تقوم احداهن بعمل بطولي ، كان تقفز بالمظلة ، البراشوت ، او ترشح نفسها لمنصب سياسي لتكـون نموذجاً شموليا يمكن تصويره .
الأمر ليس بالسهولة التي يتصورهـا البعض ولا هو بالمستحيـل .. فكثيرون هم المصورون المحترفون الذين لم يصلوا بعد إلى المرحلة المطلوبة في هذا المجال كثيرون التقطوا مئات الصور للأطفال الرضع ، لكنهم لم يصلوا إلى التقاط صورة تعبر عن . فكرة الرضاعة ، أو عن - سن الرضاعة ، أو عن ، البراءة ، أو و الطفولة ، . وكثيرون صوروا الأعراس لكنهم لم يلتقطوا صورة للحب ، او , العـاطفة ، او الفرح ، « الرجولة . .
هذا هو ما نريد تعلمه في سلسلتنا هذه ..
سوف نصل إلى الصورة التي تعبر عن فكرة ورسالة شمولية . قبل الانتقال إلى الارشاد التالي .
- التشديد
لنتمكن من إيصال فكرة ما لا بد من الاعتماد على موضوع رئيسي واحد يثير الاهتمام وقد يكون هذا الموضوع هو الشخص او الشيء الماثل أمامنا في الصورة وربما بين مجموعة اشخاص او اشياء ، لكن هذا الشخص او الشيء الواحد سيكون هو المركز الذي علينا التشديد لاظهاره على أساس أنه الأهم ..
لناخذ الصورة رقم ١١ ، حيث نجد ثلاث بطات ، وسط الماء لكن واحدة منهن هي مركز الاهتمـام ولن يصعب علينا معرفتها إنها تلك التي اخذت وجهة معكوسة عن البطتين التاليتين وهنا نرى وجهها منعكساً على صفحة الماء يساعد في التركيز نحوها وبنجاح الفكرة من ورائها ...
هذه اللقطة يكون لها أكثر من معنى ، وربما أراد مصورها الوصول إلى معنى مغاير لما اتخذناه لها ، البراءة ، قد يكون للمصور معنی او قصد آخر من ورائها .
ولنترك لك عزيزي القاريء حرية اختيار المعنى الذي تراه مناسباً لهذه اللقطة وقد تكون الفردية او ، الفضول ، أو غير ذلك ، لكن كيفما فسرتها ، تبقى الفكرة نابعة من الانتباه الذي يركز ودون إعاقة على هذه البطة الواحدة وقد تسجل ذلك في لحظة واحدة ما كان بالإمكان الحصول عليها لولا قدرة المصور ، قبيل الالتقاط انتظر هذا المصور حتى اللحظة المناسبة تماماً ، عملت عيناه على إستكشاف المشهد هناك ثلاث بطات ، لكن لا بد من المثابرة حتى تحين اللحظة المناسبة ثم حدث ما كان بانتظاره حين استدارت إحدى البطات الثلاث ببراءة نحو الكاميرا وهنا ضغط على المغلاق وسجلت هذه اللحظة إلى الأبد . كيف ركز المصور على موضوعه وكيف ستركز انت على ما تريد إلتقاطه ، هذا ما سيؤخذ بعين الاعتبار إلى جانب معرفة الأساليب التي تشتمل على المحتوي وإستعمال العدسات المناسبة وسرعة الاغلاق والاضاءة ومن ثم العمليات المخبرية داخل الغرفة المظلمة وما إلى ذلك من مقتضيات التصوير . إذن الآن صار أمامنا سؤالان مهمان لا بد من الإجابة عليهما قبل إلتقاط اي صورة .
- الأول ما هي الفكرة الرسالة الشمولية - التي أريد التعبير عنها في الصورة ؟
- الثاني كيف استطيع تركيز الانتباه على مركز الاهتمام لاعبر عن هذه الفكرة افضل تعبير ؟ ..
- التبسيط
مع الصورة العاشرة لا مجال لسوء تفسير الفكرة ، ودون معرفة تفاصيل الموضوع الحقيقية أو الظروف المعنية بها بدقة يمكن فهم الفكرة العامة : هناك حزن عميق إلى حد الفاجعة يكتنف هذه المرأة . وحين تعلم التفاصيل وهي انها لقطة لام فقدت ابنها ظروف عسكرية يعيشها وطنها . وقد التقطت لها هذه الصورة لحظة تاجج عاطفي وإفتقاد لفلذة كبدها فإن هذه التفاصيل ستعمل على تقوية فهمنا للصورة ، أو للفكرة التي تكمن خلفها ورغم ذلك نجد أن أهمية الصورة هي كوننا لن نحتاج إلى معرفة كل هذه التفاصيل لنقدر ما تقوله حق تقدير .
المصور هنا عمل على التعبير عن هذه الفكرة بالقوة الاشد فقد كان بإمكانه أخذ لقطة للحزن على وجوه الآخرين من المحيطين بهذه المرأة ، لقد كان الحزن باديا على وجه الجميع ، وكانت الدموع تنهمر من عيون الكثيرين والكثيرات ، لكن المصور اراد الوصول إلى ما هو أبعد من مظاهر الحزن ، اراد الوصول إلى الحزن الداخلي ، الحزن المعبر .
لقد تخلى عن لقطة عامة تجمع حزناً عاماً على وجوه مجموعة من الناس ، معتبراً الحزن الشديد عاطفة شخصية جداً ، ولا يمكن ابدأ ان نقول بأن الحزن الشديد على مائة وجه هو أكثر تعبير منه على وجه واحد ، بل بالعكس ، إذن من هنا نستمد فكرة , التبسيط ، بالتركيز على وجه واحد للتعبير عن العاطفة باسمى معانيها ، بدلا من شمول إطاره لمجموعة من النسوة ، لتنتج عنها هذه الصورة التي تدخـل بتاثيرها إلى الأعماق وتقول كل شيء .
للوصول إلى مسألة التبسيط . عليك إذن وبينما انت تحدق من خلال محدد النظر ، وقبل الضغط على زر المغلاق ، ان تسال نفسك دائما :
هل ركزت الانتباه على موضوعي الرئيسي ؟
هل ركزت على العنصر الرئيسي في الموضوع ؟ هل ازلت المعيقات مما لا تستدعيه الضرورة ؟
هل اعتمدت التبسيط مكتفياً بجوهر المشهد .
هذه الأسئلة تمر كلها في ذهن المحترف بلحظة مع إجاباتها وبعد ذلك يتم الالتقاط مباشرة التبسيط يمكن رؤيته ايضاً بسهولة في الصورة رقم ١١ ، حيث تغيب المعيقات ، كذلك الصورة الأولى إنها بسيطة . كيف تراها عزيزي القاريء ؟ - - هل كان من المفترض الحذف منها من الخلفية مثلا ؟
نحن لا نعتقد ذلك ، ولك حرية الراي ان تعارض هذا القول وتحاول بلقطة مماثلة يغيب عنها قسم من الخلفية .
سوف تصل بعد ذلك إلى نتيجة مفادها أن التبسيط يعني إزالة العناصر المعيقة للفكرة ، وليس معناه الإزالة لمجرد الإزالة ويمكن على طريق التاكد من ذلك إعتماد ورقة بيضاء ووضعها في موقع الحذف . حول الرجل . بحيث نغطي الخلفية ، هنا سنلاحظ أن الصورة فقدت جودتها .
- الأسئلة الثلاثة
بعد هذا الاستعراض نجد اننا بتنا أمام ثلاثة اسئلة هي :
⏺ ما هي الفكرة ، الرسالة الشمولية التي أريد التعبير عنها .
⏺ كيف استطيع تركيز الانتباه على مركز الاهتمام ؟
⏺ هل إعتمدت التبسيط بإزالة كل ما يعيق او لا ضرورة له ، مع تضمين ما يسهم في إبراز الفكرة ؟
هذه هي الإرشادات الأساسية الثلاثة التي لا بد وان يعمل المصور على هديها بالنسبة لكل صورة يلتقطها ، وكل صورة يدرس إمكانية إلتقاطها باسلوب مميز وخاص .
الدرس الثاني -
الكاميرا والعدسة
ماذا نحتاج لصنع صورة فوتوغرافية
تعليق